المؤمن إذا وقع فى خطأ ران عليه هم ثقيل، وضاقت عليه الأرض بما رحبت. ذلك أن الإيمان باعث حثيث على التسامى، وزاجر موجع عن الإسفاف. والذى يلوم نفسه على ما بدر منه لا يألف النقائص، بل سرعان ما يتجاوزها إلى عالم أزكى. وقد أقسم الله بالنفس اللوامة، لما وقر فيها من إيمان بالله واليوم الآخر. أما النفوس والمجتمعات التى لا تعرف الله ولا تنتظر لقاءه، فهى لا تكترث برذيلة ولا توجل من يوم الحساب لأنه فى نظرها وهم! ويقول فى ذلك الزهاوى: ولا أبذل موهوما بمحسوس! ومطلع سورة القيامة يشير إلى هذه الأحوال "
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ " . إن الله الذى يبلى الأجسام قادر على أن يعيدها من أخرى بالملامح نفسها وبآلاف الخطوط المطبوعة على الأصابع لا يتشابه فيها اثنان على ظهر الأرض..!! سيحيا الناس مرة أخرى كى يلقوا جزاء ما قدموا " يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ " وعيب الأولين والآخرين أن إحساسهم بيوم الجزاء ميت أو ضعيف ولو عقلوا لكان لهم موقف آخر. وفى سورة القيامة وصف صادق لهذا اليوم وما يسبقه ويعقبه. ولكن هذا الوصف اعترضه نصح للرسول الكريم كى يخفف من استعجاله لتلقى الوحى! وهو استعجال مفهوم البواعث. كيف يستوعب امرؤ هذا الوحى السماوى ولا يخرم منه حرفا ثم يذهب ليتلوه على الناس كما أنزل؟ أى دماغ ذرى يقدر على ذلك؟ لكن الله طمأنه " إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ " . وبهذا التعهد الإلهى وصل إلينا القرآن كله. وهناك قبل يوم الجزاء الأخير نهاية لا تخطئ إنسانا أبدا، الموت! لماذا يغفل عنه البشر؟
ص _490
" كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ " . إن سكرة الحياة تحجب العيون عن النظر إلى هذه النهاية المحتومة، فلم هذا العمى ؟ " أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى " ؟ إن مبدع هذه الحياة والمالى بنشاطها القارات الخمس لا يفعل ذلك عبثا، لابد أن يقف البشر أمام خالقهم ليسائلهم عما فعلوا فى هذا الوجود الأول وهل جعلوا منه مهادا لوجودهم الأخير؟ الغريب أن العلم البشرى تقدم كثيرا فى نصف القرن الأخير كما لم يتقدم فى تاريخ الحياة كلها، ومع ذلك فعلمه بالله ضحل، وكذلك استعداده للقائه!
ص _491
" كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ " . إن سكرة الحياة تحجب العيون عن النظر إلى هذه النهاية المحتومة، فلم هذا العمى ؟ " أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى " ؟ إن مبدع هذه الحياة والمالى بنشاطها القارات الخمس لا يفعل ذلك عبثا، لابد أن يقف البشر أمام خالقهم ليسائلهم عما فعلوا فى هذا الوجود الأول وهل جعلوا منه مهادا لوجودهم الأخير؟ الغريب أن العلم البشرى تقدم كثيرا فى نصف القرن الأخير كما لم يتقدم فى تاريخ الحياة كلها، ومع ذلك فعلمه بالله ضحل، وكذلك استعداده للقائه!
ص _491
مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ.
الشيخ محمد الغزالي.
الشيخ محمد الغزالي.
تعليق