تفسير قوله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة ... "
قال الله تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } * { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }
قال الإمام المفسر المحدث الطبراني رحمه الله :
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ }؛ معناهُ: وجوهٌ يومَ القيامةِ نَاعِمَةٌ غضَّة حسَنة مضيئةٌ مُسفِرَةٌ مشرقةٌ بنعيمِ الجنَّة، وهي وجوهُ المؤمنين كما قال تعالى
{ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ }
[المطففين: 24] وقولهُ تعالى: { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }؛ قال الكلبيُّ: ((تَنْظُرُ إلَى اللهِ تَعَالَى يَوْمَئِذٍ لاَ تُحْجَبُ عَنْهُ))، قال مقاتلُ: ((تَنْظُرُ إلَى رَبهَا مُعَايَنَةً)).
قال صلى الله عليه وسلم: " إذا دَخَلَ أهْلُ الْجَنَّةِ يَقُولُ تَعَالَى: أتُرِيدُونَ شَيْئاً أزيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: ألَمْ تُنَضِّرْ وُجُوهَنَا؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ؟ ألَمْ تُنْجِنَا مِنَ النَّار؟ قالَ: فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِم، يَنْظُرُونَ إلَى اللهِ تَعَالَى فِي الْجَنَّةِ بلاَ كَيْفٍ وَلاَ تَحْدِيدٍ، كَمَا عَرَفَتْهُ الْقُلُوبُ بلاَ كَيْفٍ وَلاَ تَشْبيهٍ ".
وعن عبدِالله بن عمرَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أدْنَى أهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً أنْ يَنْظُرَ فِي مُلْكِهِ ألْفَ سَنَةٍ يَرَى أقْصَاهُ كَمَا يَرَى أدْنَاهُ، وَيَنْظُرَ فِي سُرُرهِ وَأزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ، وَإنَّ أفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ إلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلَّ يَوْمٍ نَظْرَتَيْنِ ".
{ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } * { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ }؛ أي كَالِحَةٌ عابسَةٌ كاشرة مُسودَّةٌ، وهي وجوهُ الكفَّار، { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }؛ أي تَستَيقِنُ أن يُفعلَ بها داهيةٌ من العذاب، والفَاقِرَةُ: الداهيةُ العظيمة والأمرُ الشديد الذي يَكسِرُ فِقَارَ الظَّهرِ، قال ابنُ زيدٍ ((هِيَ دُخُولُ النَّار)).
وقال الله تعالى{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } * { ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } * { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ }
قال الإمام الطبراني رحمه الله :
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ }؛ أي مضيئةٌ مُشرِقة حسنَة فَرِحة مُعجَبة، مسرورةٌ بما أكرمَها اللهُ تعالى به، وهي وجوهُ أهلِ الثواب، { ضَاحِكَةٌ }؛ بالسُّرور، { مُّسْتَبْشِرَةٌ }؛ أي فَرِحَةٌ بما تنالُ من اللهِ من الكرامةِ، { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ }؛ أي غُبار من البلاءِ وسوادٌ وكآبَةٌ، { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ }؛ أي يعلُوها ويغشاها كسُوفٌ وسوادٌ عند معايَنة النار، والقَتَرَةُ: سوادٌ كالدُّخان الأسودِ. ثم بيَّن مَن أهلُ هذه الوُجوهِ، قال تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ }؛ أي الكفَرةُ بالله الكذبة على اللهِ، جمعُ كَاذِبٍ فَاجِرٍ.
تعليق