سورة الشرح امتداد لسورة الضحى. والاستفهام الذى بدئت به تكملة للاستفهام المتتابع الذى ختمت به السورة السابقة. وشرح الصدر تم بما أفاء الله عليه من علم وأدب، كما قال فى موضع آخر "وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا . لقد نشأ فى بيئة ممتدة الظلام، بل إن العالم كله كان فاقد الرشد تعصف به وثنيات عفنة، فعلام يعتمد ناشد الحق أو من أين يستمد؟ إن متنه يكل من ثقل الحمل، لولا أن الله اصطفى وأنعم " أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * " والتوحيد الذى جاء به محمد طراز نقى فريد لا تناقض فيه ولا وهم، لا تجسيد ولا تعديد! وقد تسأل: لماذا انضمت الشهادة لمحمد بالرسالة إلى الشهادة لله بالوحدانية؟ إن التوحيد الذى يعلمه محمد، هو الذى يعرفه النبيون كلهم أزلا وأبدا ولم يبلغوا غيره، فمجيئه عن طريق محمد إشارة إلى أنه من مصدر مصون منزه، ولذلك قال حسان بن ثابت وضم الإله اسم النبى إلى اسمه - إذا قال فى الخمس المؤذن: أشهد!! وهذا معنى " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " صحيح أن الناس فى أوروبا مثلا يكذبون محمدا!! وينسبونه إلى الادعاء! وماذا تنتظر ممن يجحدون الألوهية ويحسبون الأفلاك تدور وحدها فى السماء، أو أن الدماء تنطلق وحدها فى العروق؟! إن الافتراء على الله فوق الافتراء على عباده، ولذلك يقول الله لنبيه: "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ". ويوصى الله نبيه بالتجلد والمصابرة فى ملاقاة الكذابين مهما اشتد أذاهم، فالمستقبل للحق ورجاله. * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * . وهذا التركيب يفيد ـ فى قواعد البلاغة ـ تعدد اليسر وانفراد العسر، ولذلك قالوا: لن يغلب عسر يسرين. ويوصيه مرة أخرى بالدأب على الجهاد والإقبال على الله. فإذا انتهى من واجب
ص _527
نهض إلى غيره، لا مكان فى حياته لفتور! " فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ". إن الدين الذى جاء به محمد إذا أخبر صدق، وإذا حكم عدل. والعالم ـ لاسيما فى عصرنا ـ بحاجة إلى الصدق والعدل، فإن الهراء والجور يطاردان الحق والعدل. "وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . والدعاة وراء إمامهم خاتم الأنبياء ينبغى أن يعوا ذلك.
ص _528
تعليق