المسألة الأولى: فعل الفرض، وحالات التعدي.
أن الفعل فرض إما يتعدى أن بنفسه، وإما أن يتعدى بـ(على)، وإما أن يتعدى بـ(اللام) ([1]).
- فإن تعدى بنفسه، فإنه يطلق على معنيين:
المعنى الأول: التقدير، ومنه قوله عز وجل على لسان إبليس: ( لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) [النساء: 118]، أي: مقدرا.
المعنى الثاني: التأثير والحز في الشيء، ومنه قولهم: (فرض الوتر القوس) أي: حزَّ فيه، وَفِي صِفَةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ: لَمْ يَفْتَرِضْهَاوَلَدٌ أَيْ: لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا وَلَمْ يَحُزَّهَا ؛ يَعْنِي قَبْلَ الْمَسِيحِ .
- وأما إن تعدى بـ(على)، فإنه يطلق أيضا على معنيين:
المعنى الأول: الإنزال، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [القصص: 85]، أي أنزل عليك القرآن، قال البغويُّ: هو قول أكثر المفسرين([2]).
المعنى الثاني: الإلزام، ومنه قوله تعالى: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا)[النور: 1]، أي: ألزمنا العمل بما فيها، وقد قيل هذا المعنى أيضا في قوله:(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)[القصص: 85].
- وإن تعدت بـ(اللام)، فإنها تطلق على معنيين:
المعنى الأول: العطية والهبة، ومنه قولهم: ما أعطاني فرضا ولاقرضا.
المعنى الثاني: الإباحة، ومنه قوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيّ مِنْ حَرَج فِيمَا فَرَضَ اللَّه لَهُ} [الأحزاب: 38]، أي أباح الله له بدليل نفي الحرج عنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ.
المسألة الثانية: تفسير آية: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}.
- فإن قلت قد قال الله تعالى:(قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) [التحريم: 2]، فهذه تعدت باللام ومعناها أوجب؛ لأن المعلوم أن كفارة اليمين واجبة.
فالجواب: أن هذه الآية لا تشذ عن هذه القاعدة التي أصلت لك؛ فمن تأمل سياق الآيات علم أن المراد بـ(فرض) هنا أباح لا أن المراد (أوجب)؛ لأن من حلف على يمين يمنع نفسه فيها من حلال لا يخلو من حالين: إما أن يحنث ثم يكفر، وإما أن يتحلل من اليمين أولا ثم يفعل ما منع نفسه منه،
- فالحالة الأولى التكفير فيها واجب لأنه وقع في إثم بعد الحنث، وتكفير الإثم واجب؛ لذا سماها الله كفارة،
- وأما الحالة الثانية، فحكمها الإباحة؛ لأنه لم يقع في الإثم حيث إنه لم يحنث في يمينه بعد، فيخير بين أن يبقى على منع نفسه من هذا الشيء أو التحلل قبل فعله ومعلوم أن التخيير هو الإباحة، فتأمل هذه الفائدة فإنها لطيفة.
......................
[1])) هذا إن جاء متعديا أما إن جاء لازما فإنه يأتي بمعنى كبر وضخم، ومنه قوله تعالى: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68].
([2]) تفسير البغوي (5/196)
منقول للاستفادة.
تعليق