إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أسلوب الالتفات في القرآن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أسلوب الالتفات في القرآن




    الكلام في لغة العرب، إما أن يصدر على جهة التكلم، أو جهة الخطاب، أو جهة الغيبة. كما يصدر عنها، إما على جهة الإفراد، أو جهة التثنية، أو جهة الجمع. وقد يصدر عنها، إما بصيغة المضارع، أو..


    الكلام في لغة العرب، إما أن يصدر على جهة التكلم، أو جهة الخطاب، أو جهة الغيبة. كما يصدر عنها، إما على جهة الإفراد، أو جهة التثنية، أو جهة الجمع. وقد يصدر عنها، إما بصيغة المضارع، أو بصيغة الماضي، أو بصيغة الأمر.

    ومن عادة العرب أن لا تسير على أسلوب واحد في كلامها، بل تنتقل من أسلوب لآخر، لدفع السآمة عن المستمع، أو لغير هذا من المقاصد التي تتحراها في كلامها. وهذا الأسلوب في الانتقال في الكلام فن بديع من فنون نظم الكلام البليغ عند العرب، وهو المسمى في علم الأدب والبلاغة (الالتفات).

    وللعرب عناية بأسلوب (الالتفات) في الكلام؛ لأن فيه تجديد أسلوب التعبير عن المعنى بعينه؛ تحاشياً من تكرر الأسلوب الواحد عدة مرات، فيحصل بتجديد الأسلوب تجديد نشاط السامع، كي لا يمل من إعادة أسلوب بعينه، قال السكاكي في "مفتاح العلوم" بعد أن ذكر أن العرب يستكثرون من (الالتفات): "أفتراهم يحسنون قِرى الأشباح، فيخالفون بين لون ولون وطعم وطعم، ولا يحسنون قِرى الأرواح، فيخالفون بين أسلوب وأسلوب".

    تعريف الالتفات

    يُعرِّف أهل اللغة (الالتفات) بأنه "انصراف المتكلم من الإخبار إلى المخاطبة، ومن المخاطبة إلى الإخبار". ويُعرَّف أيضاً بأنه "إخراج الكلام من أحد طرق التعبير الثلاثة: التكلم، والخطاب، والغيبة، إلى طريق آخر من هذه الطرق الثلاثة". وبعبارة مختصرة فإن (الالتفات) يقصد منه نقل الكلام من أسلوب إلى آخر.
    موقف المفسرين

    اعتنى المفسرون، خاصة من كان منهم له اهتمام بالجوانب اللغوية، كـأبي حيان، والآلوسي، والرازي، وابن عاشور، بإبراز هذا الأسلوب في القرآن، وأبانوا الفوائد واللطائف المبتغاة من وراء هذا الأسلوب. والقارئ لكتب التفسير، لا يعجزه أن يقف على قول المفسرين: "وهذا على سبيل الالتفات"، أو قولهم: "وهذا من باب الالتفات"، أو قولهم: "وهذا على جهة الالتفات".

    فوائده

    يقرر أهل اللغة أن لأسلوب (الالتفات) فوائد؛ وذلك أن العرب -كما قال حازم القرطاجني- "يسأمون الاستمرار على ضمير متكلم، أو ضمير مخاطب، فينتقلون من الخطاب إلى الغيبة، وكذلك أيضاً يغاير المتكلم بضميره، فتارة يجعله تاء على جهة الإخبار عن نفسه، وتارة يجعله كافاً، فيجعل نفسه مخاطباً، وتارة يجعله هاء، فيقيم نفسه مقام الغائب؛ فلذلك كان الكلام المتوالي فيه ضمير المتكلم والمخاطب لا يستطاب، وإنما يحسن الانتقال من بعضها إلى بعض".

    وقد ذكر الزركشي في "برهانه"، "أن للالتفات فوائد عامة وخاصة، فمن العامة التفنن والانتقال من أسلوب إلى آخر، لما في ذلك من تنشيط السامع، واستجلاب صفائه، واتساع مجاري الكلام"، ونقل عن البيانيين قولهم: "إن الكلام إذا جاء على أسلوب واحد وطال، حَسُنَ تغيير الطريقة". هذه فائدة أسلوب (الالتفات) على وجه العموم، أما فائدته على وجه الخصوص، فتتجلى في أمور:

    منها التنبيه على ما حق الكلام أن يكون وارداً عليه، كقوله تعالى: {
    وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } (يس:22)، أصل الكلام: (وما لكم لا تعبدون الذي فطركم)، ولكنه أبرز الكلام في معرض النصح لنفسه، وهو يريد نصحهم؛ ليتلطف بهم، ويريهم أنه لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه، ثم لما انقضى غرضه من ذلك، قال: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}؛ ليدل على ما كان من أصل الكلام ومقتضياً له.

    ومنها أن يكون الغرض به تتميم معنى مقصود للمتكلم، فيأتي به محافظة على تتميم ما قصد إليه من المعنى المطلوب له، كقوله سبحانه: {
    فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الدخان:4-6) أصل الكلام: (إنا مرسلين، رحمة منا)، ولكنه وضع الظاهر = (من ربك)، موضع المضمر = (منا)؛ للإنذار بأن الربوبية تقتضي الرحمة للمربوبين.

    ومنها قصد المبالغة، كقوله تعالى: {
    حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} (يونس:22)، كأنه يذكر لغيرهم حالهم؛ ليتعجب منها، ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح لها، إشارة منه على سبيل المبالغة إلى أن ما يفعلونه بعد النجاة من البغي في الأرض بغير الحق مما يُنكر ويَقْبُح.

    ومنها قصد الدلالة على الاختصاص، كقوله سبحانه: {
    وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ} (فاطر:9)، فإنه لما كان سَوْق السحاب إلى البلد الميت وإحياء الأرض بعد موتها بالمطر دالاً على القدرة الإلهية التي لا يقدر عليها غيره، انتقل من لفظ الغيبة إلى التكلم؛ لأنه أدخل في الاختصاص، وأدل عليه.

    ومنها قصد الاهتمام، كقوله تعالى: {
    ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ} (فصلت:11-12)، فعدل عن الغيبة في (قضاهن) و(أوحى) إلى التكلم في {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا}؛ للاهتمام بالإخبار عن نفسه، فإنه تعالى جعل الكواكب في سماء الدنيا للزينة والحفظ؛ وذلك لأن طائفة اعتقدت في النجوم أنها ليست في سماء الدنيا، وأنها ليست حفظاً ولا رجوماً، فعدل إلى ضمير المتكلم والإخبار عن ذلك؛ لكونه مهماً من مهمات الاعتقاد، ولتكذيب الفرقة المعتقدة بطلانه.

    ومنها قصد التوبيخ، كقوله سبحانه: {
    وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} (مريم:88-89)، فانتقل من ضمير الغائب إلى المخاطب؛ للدلالة على أن قائل مثل قولهم، ينبغي أن يكون موبخاً ومنكراً عليه، ولما أراد توبيخهم على هذا أخبر عنه بالحضور، فقال: {جِئْتُمْ}؛ لأن توبيخ الحاضر أبلغ في الإهانة له.

    أقسامه

    ينقسم أسلوب (الالتفات) على الجملة إلى ستة أقسام، وهي على النحو التالي:
    الأول: الالتفات من المتكلم إلى الخطاب، كقوله تعالى: {
    إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1)لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ } (الفتح:1-2)، فانتقل من المتكلم {فَتْحًا }، إلى المخاطب {لِّيَغْفِرَ}، ولم يقل: (لنغفر لك).

    الثاني: الالتفات من المتكلم إلى الغائب. ويمثَّل لهذا بقوله سبحانه: {
    قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا .... فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ } (الأعراف:158)، فانتقل من المتكلم {إني رسول الله} إلى الغائب {ورسوله}، ولم يقل: (فآمنوا بالله وبي).

    الثالث: الالتفات من المخاطب إلى الغائب، كقوله تعالى: {
    حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} (يونس:22)، انتقل من المخاطب {كنتم} إلى الغائب {بهم}، ولم يقل: (بكم). وهذه الآية الكريمة هي المثال القرآني الأبرز والأشهر في باب (الالتفات).

    الرابع: الالتفات من الغائب إلى المتكلم، كقوله سبحانه: {
    وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ } (فاطر: 9)، انتقل من الغائب {أرسل}، إلى المتكلم {فسقناه}، {فأحيينا}، ولم يقل: (فساقه)، (فأحياه).

    الخامس: الالتفات من الغائب إلى المخاطب، والمثال الأشهر لهذا القسم قوله تعالى: {
    مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } (الفاتحة:4-5)، فقد انتقل الكلام من أسلوب الغيبة {مالك} إلى أسلوب الخطاب {نعبد}، ولم يقل: (عبدنا).

    ثم إن وراء هذه الأقسام الخمسة المتعلقة بضمائر الخطاب أقسام أُخر متعلقة بالإفراد والتثنية والجمع، وحاصلها على النحو التالي:

    أولاً: الانتقال من خطاب الواحد إلى خطاب الاثنين، كقوله تعالى: {
    قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ } (يونس:78). انتقل من خطاب الواحد {أجئتنا} إلى خطاب الاثنين {لكما}.

    ثانياً: الانتقال من خطاب الواحد إلى خطاب الجمع، كقوله سبحانه: {
    يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } (الطلاق:1). انتقل من خطاب الواحد {يا أيها النبي} إلى خطاب الجمع {طلقتم}، {فطلقوهن}.

    ثالثاً: الانتقال من خطاب الاثنين إلى خطاب الواحد، كقوله سبحانه: {
    فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ} (طه:117). انتقل من خطاب الاثنين {يخرجنكما}، إلى خطاب الواحد {فتشقى}.

    رابعاً: الانتقال من خطاب الاثنين إلى خطاب الجمع، كقوله تعالى: {
    وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (يونس:87). انتقل من خطاب الاثنين {تبوآ لقومكما} إلى خطاب الجمع {واجعلوا}، {وأقيموا}.

    خامساً: الانتقال من خطاب الجمع إلى خطاب الواحد، كقوله تعالى: {
    قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } (البقرة:38). انتقل من خطاب الجمع {قلنا}، إلى خطاب الواحد {مني}، ولم يقل: (منا).

    سادساً: الانتقال من خطاب الجمع إلى خطاب التثنية، كقوله سبحانه: {
    يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا } (الرحمن:33)، ثم قال: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (الرحمن:34). انتقل من خطاب الجمع {استطعتم}، {تنفذوا}، إلى خطاب التثنية {تكذبان}، ولم يقل: (تكذبون).

    وثمة أقسام أُخر لأسلوب (الالتفات) متعلقة بعنصر الزمن، كالالتفات من الفعل الماضي إلى الأمر، ومن المضارع إلى الأمر، ومن الماضي إلى المضارع. ولا يسعف المقام بتفصيل القول فيها.

    والمهم أن تعلم، أن هذه الانتقالات والالتفاتات في القرآن الكريم بأنواعها المختلفة لا تخلو من فوائد ولطائف، أفصح عنها المفسرون، وأبانوا القصد منها، ولو أنت تتبعت مسلك المفسرين في تعليل هذا الأسلوب في القرآن الكريم، لوقفت على فوائد في هذا الباب فوق الذي ذكرناه لك.]



    التعديل الأخير تم بواسطة م/ جيهان; الساعة 25-04-2019, 10:57 PM. سبب آخر: إضافة فواصل القسم

  • #2
    رد: أسلوب الالتفات في القرآن

    بارك الله فيك اختاه
    إياك أن تدل الناس علي الله ... ثم تفقد أنت الطريق
    أسألكم الدعاء بالشفاء أخوااااتي

    تعليق


    • #3
      رد: أسلوب الالتفات في القرآن

      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيرا ونفع بكم

      تعليق


      • #4
        رد: أسلوب الالتفات في القرآن

        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرا ونفع بكم
        مقطع يدمي القلب ويبكي العين
        [CENTER][FONT=Traditional Arabic][SIZE=5]اللهم انتقم من كل قاتل خائن ظالم مفسد في الأرض .. اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك يارب

        تعليق


        • #5
          رد: أسلوب الالتفات في القرآن

          اشكركم أخواتي علي حضوركم المشرف
          وانتم من اهل الجزاء
          التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 14-02-2019, 06:39 PM. سبب آخر: حذف عزيزاتي لأن القسم مختلط

          تعليق


          • #6
            رد: أسلوب الالتفات في القرآن

            جزاكم الله خيرا
            واثابكم الله الجنة


            تعليق


            • #7
              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              جزاكم الله خيراً
              ونفع بكم وبارك فيكم

              تعليق

              يعمل...
              X