تأملات في سورة الأنفال
الشيخ صالح بن عواد المغامسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
فإننا نستعين الله جل وعلا في تفسير كلامه جل وعلا كرةً أخرى وكنا قد انتهينا في اللقاء الماضي إلى سورة الأعراف وسنشرع اليوم إن شاء الله في تفسير سورة الأنفال على أننا قبل أن نشرع فيها نذكر ببعض مما كنا قد تأملناه حول سورة الأعراف التي تمت دراستها .
وكنا قد ذكرنا في اللقاء الماضي أن الله جل وعلا ذكر ثلة من أنبيائه ورسله بسورة الأعراف بدأ بنوح وانتهاءً بموسى عليهم السلام ووقفنا عند اثنين منهم هما لوط وموسى عليهم الصلاة السلام وذكرنا عن قوم لوط أن الفطرة انتكست عندهم فكانوا يأتون الذكران من العالمين ولذلك لم يكن بينهم وبين رسولهم أخذ ولا عطاء فإن الله جل وعلا ذكر أن الأنبياء أخذوا وأعطوا وتحاوروا مع من بعثوا إليهم من الأمم فقوم ثمود قالوا لصالح :{قدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} قالوا لصالح { قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا} . وقال قوم شعيب لشعيب كذلك قريباً منه. إلى غير ذلك مما ذكره الله من محاورات الرسل لأممهم وأما قوم لوط لما انتكست الفطرة عندهم، لم يكن لديهم عقل يحاورون من خلاله قال الله عنهم أنهم قالوا:{ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}[الأعراف : 82]فعاملهم الله جل وعلا بالمثل قال الله تبارك وتعالى :{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} [هود : 82] وهذه الآية في هود ثم ذكرنا بعضاً من خبر نبي الله موسى مع فرعون وآله أو فرعون وملئه .
وذكرنا أن الله جل وعلا قال عنهم :{ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ *فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ }فهذه خمس آيات ، وقال قبلها جل وعلا:{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ}هذه اثنتان و الخمس سبع وبقيت اثنتان هما العصا واليد فهذه تسع آيات التي قال الله جل وعلا عنها أنه بعث بها موسى إلى فرعون وملئه والقرءان ينظر إليه جملة واحدة ويفسر بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضا فكله كلام رب العالمين جل جلاله.
كما ذكرنا أن قول ربنا جل وعلا: {فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ }أن كلاً من كلمتي{ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ }أعطت معنى فقلنا إن كلمة { آيَاتٍ }دلت على أمر خارج عن المألوف لأن الجراد والقمل والضفادع يوجد في كل زمان ومكان لكن الله جل وعلا جعل وجودها في زمن موسى آية له خارجة عن المألوف .
وقوله تبارك وتعالى :
{ مُّفَصَّلاَتٍ }يدل على أنها كانت لم تكن جملة واحدة وإنما كانت يتبع بعضها بعضا وكان بينهم مرحلة زمنيه .
ثم قلنا إن الله جل وعلا قال : {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً } وقلنا أن القاعدة في ذكر الأيام والليالي أن الأيام تحسب بها المنافع الدنيوية فالمزارعون مثلا إنما يحصدون بناء على البروج الشمسية وليس لهم علاقة بالأهلة وأما الأهلة والليالي فإنما يحسب بها المناسك الدينية قال الله جل وعلا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } وهذه قلنا فيها فائدة كبرى أن يعرف الإنسان أن ما يتعلق بالأيام فيه المنافع الدنيوية وما يتعلق بالليالي فيه المنافع والمناسك الدينية .
تعليق