رمضان على الأبواب
فرأيت أن نذكر مجيئه من القرآن الكريم من الآية
يقول الحق سبحانه وتعالى
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "185")
إذن فمدة الصيام هي شهر رمضان
ولأنه سبحانه العليم بالضرورات التي تطرأ على هذا التكليف فهو يشرع لهذه الضرورات
وتشريع الله لرخص الضرورة إعلام لنا بأنه لا يصح مطلقاً لأي إنسان أن يخرج عن إطار الضرورة التي شرعها الله
فبعض من الذي يتفلسفون من السطحيين يحبون أن يزينوا لأنفسهم الضرورات التي تبيح لهم الخروج عن شرع الله
ويقول الواحد منهم
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}
(من الآية 286 سورة البقرة)
ونقول: إنك تفهم وتحدد الوسع على قدر عقلك ثم تقيس التكليف عليه
برغم أن الذي خلقك هو الذي يكلف ويعلم أنك تسع التكليف
وهو سبحانه لا يكلف إلا بما في وسعك
بدليل أن المشرع سبحانه يعطي الرخصة عندما يكون التكليف ليس في الوسع
ولنر رحمة الحق وهو يقول
"فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"البقرة:184
وكلمة "مَرِيضًا" كلمة عامة
وأنت فيها حجة على نفسك وبأمر طبيب مسلم حاذق يقول لك
إن صمت فأنت تتعب
والمرض مشقته مزمنة في بعض الأحيان
ولذلك تلزم الفدية بإطعام مسكين.
وكذلك يرخص الله لك عندما تكون "عَلَى سَفَرٍ"
وكلمة " سَفَرٍ" هذه مأخوذة من المادة التي تفيد الظهور والإنكشاف
ومثل ذلك قولنا:"أسفر الصبح"
وكلمة "سَفَرٍ" تفيد الانتقال من مكان تقيم فيه إلى مكان جديد
وكأنك كلما مشيت خطوة تنكشف لك أشياء جديدة
والمكان الذي تنتقل إليه هو جديد بالنسبة لك
حتى ولو كنت قد اعتدت أن تسافر إليه
لأنه يصير في كل مرة جديدا لما ينشأ عنه من ظروف عدم استقرار في الزمن
صحيح أن شيئاً من المباني والشوارع لم يتغير ولكن الذي يتغير هو الظروف التي تقابلها
صحيح أن ظروف السفر في زماننا قد اختلفت عن السفر من قديم الزمان.
إن المشقة في الإنتقال قديمًا كانت عالية
ولكن لنقارن سفر الأمس مع سفر اليوم من ناحية الإقامة
وستجد أن سفر الآن بإقامة الآن فيه مشقة
ومن العجب أن الذين يناقشون هذه الرخصة يناقشونها ليمنعوا الرخصة
ونقول لهم: اعلموا أن تشريع الله للرخص ينقلها إلى حكم شرعي مطلوب
وفي ذلك يروي لنا جابر ابن عبد الله رضي الله عنه قال
كان رسول الله صل الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال
: "ما هذا" فقالوا": صائم فقال: "ليس من البر الصوم في السفر".
وعندما تقرأ النص القرآني تجده يقول:
"فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"البقرة:184
أي أن مجرد وجود في السفر يقتضي الفطر والقضاء في أيام أخر
، ومعنى ذلك أن الله لا يقبل منك الصيام
صحيح أنه سبحانه لم يقل لك: "افطر" ولكن مجرد أن تكون مريضاً مرضاً مؤقتا أو مسافراً فعليك الصوم في عدة أيام أخر وأنت لن تشرع لنفسك.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة فقد نهى عن صوم يوم عيد الفطر
لأن عيد الفطر سمى كذلك
لأنه يحقق بهجة المشاركة بنهاية الصوم واجتياز الاختبار فلا يصح فيه الصوم
والصوم في أول أيام العيد إثم لكن الصوم في ثاني أيام العيد جائز
لحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم
"نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى"رواه مسلم
وقد يقول قائل: ولكن الصيام في رمضان يختلف عن الصوم في أيام أخر لأن رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن.
وأقول: إن الصوم هو الذي يتشرف بمجيئه في شهر القرآن
ثم إن الذي أنزل القرآن وفرض الصوم في رمضان هو سبحانه الذي وهب الترخيص بالفطر للمريض أو المسافر ونقله إلى أيام أخر في غير رمضان
وسبحانه لا يعجز عن أن يهب الأيام الأخر نفسها التجليات الصفائية التي يهبها للعبد الصائم في رمضان.
إن الحق سبحانه حين شرع الصوم في رمضان إنما أراد أن يشيع الزمن الضيق ـ زمن رمضان ـ في الزمن المتسع وهو مدار العام.
ونحن نصوم رمضان في الصيف ونصومه في الشتاء وفي الخريف والربيع
إذن فرمضان يمر على كل العام.
ويقول الحق: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ"البقرة:184
والطوق هو القدرة فيطيقونه أي يدخل في قدرتهم وفي قولهم
والفدية هي إطعام مسكين.
ويتساءل الإنسان: كيف يطيق الإنسان الصوم ثم يؤذن له بالفطر مقابل فدية هي إطعام مسكين؟
وأقول: إن هذه الآية دلت على أن فريضة الصوم قد جاءت بتدرج
كما تدرج الحق في قضية الميراث، فجعل الأمر بالوصية، وبعد ذلك نقلها إلى الثابت بالتوريث
كذلك أراد الله أن يخرج أمة محمد صل الله عليه وسلم من دائرة أنهم لا يصومون إلى أن يصوموا صياما يخيرهم فيه لأنهم كانوا لا يصومون ثم جاء الأمر بعد ذلك بصيام لا خيار فيه
فكأن الصوم قد فرض أولا باختيار وبعد أن اعتاد المسلمون وألفوا الصوم
جاء القول الحق: " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"
وفي هذه الآية لم يذكر الحق الفدية أو غيرها.
إذن كانت فريضة الصوم القرار الارتقائي
فصار الصوم فريضة محددة المدة وهي شهر رمضان
" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ "
وبذلك انتهت مسألة الفدية بالنسبة لمن يطيق الصوم
أما الذي لا يطيق أصلا بأن يكون مريضًا أو شيخًا
فإن قال الأطباء المسلمون: إن هذا مرض "لا يرجى شفاؤه"
نقول له: أنت لن تصوم أياما أخر وعليك أن تفدي.
لقد جاء تشريع الصوم تدريجيًا ككثير من التشريعات التي تتعلق بنقل المكلفين من إلف العادات
كالخمر مثلا والميسر والميراث
وهذه أمور أراد الله أن يتدرج فيها
ويقول قائل: مادام فرض الصيام كان اختيارًيا فلماذا قال الحق بعد الحديث عن الفدية
" فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ"البقرة:184
وأقول: عندما كان الصوم اختياريا كان لابد أيضا من فتح باب الخير والاجتهاد فيه
فمن صام وأطعم مسكينا فهذا أمر مقبول منه ومن صام وأطعم مسكينين فذاك أمر أكثر قبولا ومن يدخل مع الله من غير حساب يؤتيه الله من غير حساب ومن يدخل على الله بحساب، ويعطيه الحق بحساب
وقول الحق: "وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ"البقرة:184
هو خطوة في الطريق لتأكيد فرضية الصيام
وقد تأكد ذلك الفرض بقوله الحق: "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"
ولم يأت في هذه الآية بقوله: "وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ"البقرة:184
لأن المسألة قد انتقلت من الاختيار إلى الفرض.
إذن فالصيام هو منهج لتربية الإنسان، وكان موجودًا قبل أن يبعث الحق سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم
وعندما جاء الرسول صل الله عليه وسلم دخل الصوم على المسلمين اختياريًا في البداية،ثم فريضة من بعد ذلك.
الأيام المعدودة ما هى؟
إن شاء الله نتحدث عنها فى الدرس القادم
فهرس الدروس
الدرس الثانى ...شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
*****
الدرس الثالث ....شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
*****
الدرس الرابع ....شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
*****
الدرس الأخير ....شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
تعليق