صفات الإنسان الذميمة المذكورة في القرآن
يئوس، كفور، كنود، فخور، ظلوم، عجول، هلوع، قنوط، مجادل، طاغي، خصيم
هذه بعض الصفات الذميمة المذكور في القرآن التي وصف بها الإنسان، واعلم ان هذه الصفات قد تكون موجودة في المسلم والكافر فهي غير مخصصة بالكافر، قال الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى في تفسيره لسورة الكهف: "إذاً إذا مر بك مثل هذا في القرآن الكريم (الْأِنْسَانُ) فلا تحمله على الكافر إلا إذا كان السياق يُعَيِّنُ ذلك،
فإذا كان السياق يراد به ذلك، صار هذا عاماً يراد به الخاص، لكن إذا لم يكن في السياق ما يعين ذلك فاجعله للعموم، اجعله إنساناً بوصف الإنسانية، والإنسانية إذا غلب عليها الإيمان اضمحل مقتضاها المخالف للفطرة" انتهى كلامه.
قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) الآية: 9 من سورة هود
يخبر تعالى عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة، إلا من رحم الله من عباده المؤمنين، فإنه إذا أصابته شدة بعد نعمة، حصل له يأس وقنوط من الخير بالنسبة إلى المستقبل، وكفر وجحود لماضي الحال، كأنه لم ير خيرا، ولم يَرْج بعد ذلك فرجا. وهكذا إن أصابته نعمة بعد نقمة يقول: ما بقي ينالني بعد هذا ضيم ولا سوء، فهو فرح بما في يده، بطر فخور على غيره"(1)، وفي إيراد صيغتي المبالغة في (لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) ما يدلّ على أن الإنسان كثير اليأس، وكثير الجحد عند أن يسلبه الله بعض نعمه، فلا يرجو عودها، ولا يشكر ما قد سلف له منها.
وفي التعبير بالذوق ما يدل على أنه يكون منه ذلك عند سلب أدنى نعمة ينعم الله بها عليه، لأن الإذاقة والذوق: أقلّ ما يوجد به الطعم، والمعنى: أنه إن أذاق الله سبحانه العبد نعماءه من الصحة والسلامة، والغنى بعد أن كان في ضرّ من فقر أو مرض أو خوف، لم يقابل ذلك بما يليق به من الشكر لله سبحانه، بل يقول ذهبت المصائب التي ساءته من الضرّ والفقر والخوف والمرض عنه وزال أثرها، غير شاكر لله، ولا مثن عليه بنعمه"(2)
قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) الآية: 34 من سورة إبراهيم
هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم متجرئ على المعاصي مقصر في حقوق ربه كفَّار لنعم الله، لا يشكرها ولا يعترف بها إلا من هداه الله فشكر نعمه، وعرف حق ربه وقام به" (3) فالإنسان الذي بدل نعمة الله شاكرا لغير من أنعم عليه، فهو بذلك من فعله واضع الشكر في غير موضعه، وذلك أن الله هو الذي أنعم عليه بما أنعم واستحق عليه إخلاص العبادة له، فعبد غيره وجعل له أندادا ليضلّ عن سبيله، وذلك هو ظلمه، وكَفَّارٌ لجحود نعمة الله التي أنعم بها عليه لصرفه العبادة إلى غير من أنعم عليه، وتركه طاعة من أنعم عليه" (4)
قال تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) الآية: 4 من سورة النحل
خَلَق الإنسان من ماء مهين فإذا به يَقْوى ويغترُّ، فيصبح شديد الخصومة والجدال لربه في إنكار البعث، وغير ذلك"(5) فالخصيم هو شديد الخصومة ومبِينٌ بيّنها في نفي البعث قائلاً مَن يُحىِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ" (6)
قال تعالى: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) الآية: 11 من سورة الإسراء
عجول "قال جماعة من أهل التفسير وقال ابن عباس: ضجراً لا صبر له على السراء والضراء" (7) "وهذا من جهل الإنسان وعجلته حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير، ولكن الله بلطفه يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر"
قال تعالى: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا) الآية: 100 من سورة الإسراء
جاء في تفسير (وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا) عن قتادة قال: بخيلاً ممسكاً"(9)
قال تعالى: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) الآية: 54 من سورة الكهف
فالإنسان أكثر شيء مراء وخصومة، لا ينيب لحقّ، ولا ينزجر لموعظة"(10) "يعني أكثر ما عنده، ولكن من حيث الإيمان فالمؤمن لا يكون مجادلاً، بل يكون مستسلماً للحق ولا يجادل فيه، ولهذا قال عبد الله بن مسعود: "ما أوتي قوم الجدل إلَّا ضلوا" وتدبر حال الصحابة تجد أنهم مستسلمون غاية الاستسلام لما جاءت به الشريعة،
ولا يجادلون ولا يقولون لم؟ ولما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم" هل قال الصحابة "لِمَ"؟ بل قالوا سمعنا وأطعنا، ما جادلوا، وكذلك في بقية الأوامر، لكن الإنسان من حيث هو إنسان أكثر شيء عنده الجدل"(11) .
قال الزجاج: المراد بالإنسان: الكافر، واستدل على أن المراد الكافر بقوله تعالى: (ويجادل الذين كَفَرُواْ بالباطل)، والظاهر العموم وأن هذا النوع أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال جدلاً، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عليّ: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلاً، فقال: «ألا تصليان؟» فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئاً، ثم سمعته يضرب فخذه ويقول: (وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَىء جَدَلا)" انتهى كلامه. "(12)
قال تعالى: (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) الآية: 49 من سورة فصلت
ان الإنسان ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشرّ النازل به عنه" (13) هذه هي طبيعة الإنسان، من حيث هو، وعدم صبره وجلده، لا على الخير ولا على الشر، إلا من نقله الله من هذه الحال إلى حال الكمال، فهو لا يمل، من دعاء الله، في الغنى والمال والولد،
وغير ذلك من مطالب الدنيا، ولا يزال يعمل على ذلك، ولا يقتنع بقليل، ولا كثير منها، فلو حصل له من الدنيا، ما حصل، لم يزل طالبًا للزيادة، وإن مسه المكروه، كالمرض، والفقر، وأنواع البلايا فيئوس قنوط من رحمة الله تعالى، ويظن أن هذا البلاء هو القاضي عليه بالهلاك، ويتشوش من إتيان الأسباب، على غير ما يحب ويطلب"(14) فيقع في ذهنه أنه لا يتهيأ له بعد هذا خير"(15)
قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) الآية: 19 من سورة المعارج
وهذا الوصف للإنسان من حيث هو وصف طبيعته الأصلية، أنه هلوع، وفسر الهلوع بأنه: (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا) فيجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب له، من مال أو أهل أو ولد، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله، (وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) فلا ينفق مما آتاه الله، ولا يشكر الله على نعمه وبره، فيجزع في الضراء، ويمنع في السراء"(16)،
"قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا موسى بن عُلَيّ بنُ رَباح: سمعت أبي يحدث عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم قال: سمعت أبا هُرَيرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شر ما في رجل شُحٌ هالع، وجبن خالع"(17).
والهلع: شدّة الجَزَع مع شدّة الحرص والضجر"(18)
قال تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى) الآية: 6 من سورة العلق
الإنسان هنا ليس شخصاً معيناً، بل المراد الجنس، كل إنسان من بني آدم إذا رأى نفسه استغنى فإنه يطغى، من الطغيان وهو مجاوزة الحد، إذا رأى أنه استغنى عن رحمة الله طغى ولم يبالِ، إذا رأى أنه استغنى عن الله عز وجل في كشف الكربات وحصول المطلوبات صار لا يلتفت إلى الله ولا يبالي، إذا رأى أنه استغنى بالصحة نسي المرض، وإذا رأى أنه استغنى بالشبع نسي الجوع، إذا رأى أنه استغنى بالكسوة نسي العري،
وهكذا فالإنسان من طبيعته الطغيان والتمرد متى رأى نفسه في غنى، ولكن هذا يخرج منه المؤمن، لأن المؤمن لا يرى أنه استغنى عن الله طرفة عين، فهو دائماً مفتقر إلى الله سبحانه وتعالى، يسأل ربه كل حاجة، ويلجأ إليه عند كل مكروه، ويرى أنه إن وكله الله إلى نفسه وكله إلى ضعف وعجز وعورة، وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضًّرا، هذا هو المؤمن، لكن الإنسان من حيث هو إنسان من طبيعته الطغيان"(19)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو عُمَيس، عن عون قال: قال عبد الله: مَنهومان لا يشبعان، صاحب العلم وصاحب الدنيا، ولا يستويان، فأما صاحب العلم فيزداد رضا الرحمن، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان" (20)
قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) الآية: 6 من سورة العاديات
الكنود قال الحسن: هو الذي يعد المصائب، وينسى نعم ربه"(21)، والمراد بالإنسان هنا الجنس، أي أن جنس الإنسان، إذا لم يوفق للهداية فإنه (لكنود) أي كفور لنعمة الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: (وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً). وقيل: المراد بالإنسان هو الكافر، فعلى هذا يكون عامًّا أريد به الخاص، والأظهر أن المراد به العموم، وأن جنس الإنسان لولا هداية الله لكان كنوداً لربه عز وجل، والكنود هو الكفر، أي كافر لنعمة الله عز وجل، يرزقه الله عز وجل فيزداد بهذا الرزق عتواً ونفوراً، فإن من الناس من يطغى إذا رآه قد استغنى عن الله،
وما أكثر ما أفسد الغنى من بني آدم فهو كفور بنعمة الله عز وجل، يجحد نعمة الله، ولا يقوم بشكرها، ولا يقوم بطاعة الله لأنه كنود لنعمة الله"(22)1- تفسير ابن كثير . 2- فتح القدير بتصريف يسير. 3- تفسير السعدي. 4- تفسير الطبري بتصريف يسير. 5- تفسير السعدي. 6- تفسير الجلالين.
7- تفسير البغوي. 8- تفسير السعدي. 9- تفسير الطبري. 10- تفسير ابن كثير. 11- تفسير ابن العثيمين. 12- فتح القدير بتصريف يسير. 13- تفسير الطبري. 14- تفسير السعدي بتصريف يسير. 15- تفسير ابن كثير. 16- تفسير السعدي. 17- تفسير ابن كثير. 18- تفسير الطبري. 19- تفسير ابن العثيمين. 20- تفسير ابن كثير. 21- تفسير ابن كثير. 22- تفسير ابن العثيمين.
تعليق