وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا
الشيخ عبد الله الغامدي
الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد :
تفسير :
الآية :﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ .
الشرح :
معاني الكلمات في الآية مع ذكر الفوائد منها :
﴿ وَاصْبِرْ﴾ : الصـَّبرُ لغةً: الحبسُ والمنعُ، وهو حبسُ النَّفْسِ عن الجزعِ، وحبسُ اللسانِ عن التَّشكِّي والتَّسخُّطِ، وحبسُ الجوارحِ عن لطمِ الخدودِ وشقِّ الجيوبِ، وذكره ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ تعالى،أفادت الآيةُ وجوبَ الصَّبرِ قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ تعالى: هو واجبٌ بالإجماعِ ،انتهى .
وينقَسِمُ الصَّبرُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
صبرٍ على طاعةِ اللهِ، وصبرٍ عن معصيةِ اللهِ، وصبرٍ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ.
زاد الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ ابنُ تيميةَ رحمه اللهُ: وصبرٌ على الأهواءِ المضلَّةِ، والنَّوعانِ الأوَّلان أفضلُ من الأخيرِ ، وهو الصَّبرُ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ، صرَّحَ بذلك السَّلفُ منهم سعيدُ بنُ جبيرٍ وميمونُ بنُ مِهرانَ وغيرُهما، والنَّوعُ الأوَّلُ أفضلُ من النَّوعِ الثَّاني.
قال ابنُ رجبٍ رحمه اللهُ: وأفضلُ أنواعِ الصَّبرِ: الصِّيامُ، فإنَّهُ يجمعُ أنواعَ الصَّبرِالثَّلاثةَ.
قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ في كتابِ ((المدارجِ)): وتمامُ الصَّبرِ أنْ يكونَ كما قالاللهُ:﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ﴾ الآيةَ وأقواه أَنْ يكونَ باللهِ معتَمِدًا عليه لا على نفسِه، ولا على غيرِه من الخلقِ. انتهى. وقد تكاثرتِ الأدلَّةُ على الحثِّ على الصَّبرِ والتَّرغيبِ فيه والثَّناءِ على أهلِه، قالالإمامُ أحمدُ: ذكرَ اللهُ الصَّبرَ في تِسعين موضعًا من كتابِهِ([4]).
قوله ﴿ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾أي: لقضائه الكوني والشرعي([5])أهـ.
في الآيةِ : إثباتُ صفةِ الحُكمِ للهِ -سُبْحَانَهُ- وتعالى .
وحكم الله ينقسمإلى قِسمينِ: حُكمٌ شرعِيٌّ دينيٌّ، وحكمٌ قدريٌّ كونيٌّ .
فالشَّرعيُّ متعلِّقٌ بأمرِه، والكونيُّ متعلِّقٌ بخلقِه وهو -سُبْحَانَهُ- له الخَلْقُ والأمرُ، وحكمُه الدِّينيُّ الطَّلبيُّ نوعان بحسبِ المطلوبِ، فإنَّ المطلوبَ إنْ كانَ محبوبًا له فالمطلوبُ فِعلُه إمَّا وجـوبًا وإمَّا استحبابًا، وإن كانَ مبغوضًا له فالمطلوبُ تركُه إمَّا تحْريما وإمَّا كراهةً، وذلك أيضا موقوفٌعلى الصَّبرِ، فهذا حكمُه الدِّينيُّ الشَّرعيُّ .
وأمَّا حكمُه الكونيُّ -وهو ما يقتَضِيه وما يقدِّرُه على العبدِِ من المصائبِ الَّتي لا صُنْعَ له فيها- فغرضُه الصَّبرُ عليها، وفي وجوبِ الرِّضا بها قولانِ للعُلماءِ أصحُّهما: إنَّه مستحَبٌّ. فرجعَ الدِّينُ كلَُّه إلى هذهِ القواعدِ الثَّلاثِ: فِعْلُ المأمورِ وتركُ المحظورِ، والصَّبْرُ على المقدورِ، انتهى. مِن كلامِ ابنِ القيِّمِ([6]) .
قوله ﴿ ربك ﴾الرب: الملك المتصرف، وتربيته الناس نوعان خلقية تكون بتنمية أجسامهم حتى تبلغ الأشد، وتنمية قواهم عليها النفسية والعقلية، وتربية دينية تكون بما يوحيه إلى أفراد منهم ليبلغوا الناس ما به تكمل عقولهم وتصفو نفوسهم وليس لغيره أن يشرع للناس عبادة ولا أن يحلل شيئاً ويحرم آخر إلا بإذن منه([7]).
قَولُهُ: ﴿ فَإِنَّكَ بأَعْيُنِنا ﴾: أي بِمَرأى منَّا، وتحتَ حفظِنا وكَلاَءَتِنَا (واللهُ يعصِمُكَ مِن النَّاس)([8])،فلا تبال بأذى الكفار، فإنهم لا يصلون إليك([9]).
قال ابنُ القيِّمِ رحمَه اللهُ: وهذا يتضمَّنُ الحِراسةَ والكلاءةَ والحِفظَ للصَّابرِ لحكمِه -سُبْحَانَهُ وتعالى-، وفيها معيَّةُ اللهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- للصَّابرِ لحكمِه -سُبْحَانَهُ- وحفظُه، وفيها إثباتُ فعلِ العبدِ حقيقةً، وأدلَّةُ ذلك أكثرُ مِن أن تُحصرَ([10]).
المعنى الإجمالي للآية الأولى : يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن اصبر على أذاهم ولا تبال بهم وامض لأمر الله وبلغ ما أرسلت به فإنك بمرأى منا ومنظر، نراك ونرى أعمالك ونحوطك ونحفظك فلا يصل إليك منهم أذى.
وفي الآية الأولى من الفوائد :
1- الحث على الصبر .
2- إثبات صفة الحكم لله .
3- إثبات صفة الربوبية .
4- إثبات العين لله بدون تشبيه .
5- إثبات المعية .
6- إثبات فعل العبد حقيقة .
7- الرد على من أنكر شيئاً من هذه الصفات أو أولها بتأويل باطل .
8- أن القرآن كلام الله لا كلام محمد ولا غيره .
9- الحث على مراقبة الله .
10- النهي عن الجزع .
11- إثبات قدرة الله الذي نواصي الدواب بيده .
12- لطف الله برسوله وحفظه له .
13- إثبات صفة الكلام لله .
14- الحث على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به من الصبر .
15- أن الرسول يعاني مشاقاً من الخلق حيث أمر بالصبر([11]) .
[1]- ( سورة الطور: آية : 48) .
[2]- ( سورة القمر: آية : 13: 14) .
[3]- ( سورة طـه: آية : 39) .
[4]- التنبيهات السنية ( ص : 93 ) .
[5]- شرح الواسطية للفوزان ( ص : 67 ) .
[6]- التنبيهات السنية ( ص : 94) ، الكواشف الجلية ( ص : 249 ) . [7]- الكواشف الجلية ( ص : 250 ) .
[8]- التنبيهات السنية ( ص : 94 ) .
[9]- شرح الواسطية للفوزان ( ص : 67 ) .
[10]- التنبيهات السنية( ص : 94 ) . [11]- الكواشف الجلية ( ص : 250 ) .
الشيخ عبد الله الغامدي
الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد :
تفسير :
الآية :﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ .
الشرح :
معاني الكلمات في الآية مع ذكر الفوائد منها :
﴿ وَاصْبِرْ﴾ : الصـَّبرُ لغةً: الحبسُ والمنعُ، وهو حبسُ النَّفْسِ عن الجزعِ، وحبسُ اللسانِ عن التَّشكِّي والتَّسخُّطِ، وحبسُ الجوارحِ عن لطمِ الخدودِ وشقِّ الجيوبِ، وذكره ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ تعالى،أفادت الآيةُ وجوبَ الصَّبرِ قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ تعالى: هو واجبٌ بالإجماعِ ،انتهى .
وينقَسِمُ الصَّبرُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
صبرٍ على طاعةِ اللهِ، وصبرٍ عن معصيةِ اللهِ، وصبرٍ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ.
زاد الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ ابنُ تيميةَ رحمه اللهُ: وصبرٌ على الأهواءِ المضلَّةِ، والنَّوعانِ الأوَّلان أفضلُ من الأخيرِ ، وهو الصَّبرُ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ، صرَّحَ بذلك السَّلفُ منهم سعيدُ بنُ جبيرٍ وميمونُ بنُ مِهرانَ وغيرُهما، والنَّوعُ الأوَّلُ أفضلُ من النَّوعِ الثَّاني.
قال ابنُ رجبٍ رحمه اللهُ: وأفضلُ أنواعِ الصَّبرِ: الصِّيامُ، فإنَّهُ يجمعُ أنواعَ الصَّبرِالثَّلاثةَ.
قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ في كتابِ ((المدارجِ)): وتمامُ الصَّبرِ أنْ يكونَ كما قالاللهُ:﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ﴾ الآيةَ وأقواه أَنْ يكونَ باللهِ معتَمِدًا عليه لا على نفسِه، ولا على غيرِه من الخلقِ. انتهى. وقد تكاثرتِ الأدلَّةُ على الحثِّ على الصَّبرِ والتَّرغيبِ فيه والثَّناءِ على أهلِه، قالالإمامُ أحمدُ: ذكرَ اللهُ الصَّبرَ في تِسعين موضعًا من كتابِهِ([4]).
قوله ﴿ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾أي: لقضائه الكوني والشرعي([5])أهـ.
في الآيةِ : إثباتُ صفةِ الحُكمِ للهِ -سُبْحَانَهُ- وتعالى .
وحكم الله ينقسمإلى قِسمينِ: حُكمٌ شرعِيٌّ دينيٌّ، وحكمٌ قدريٌّ كونيٌّ .
فالشَّرعيُّ متعلِّقٌ بأمرِه، والكونيُّ متعلِّقٌ بخلقِه وهو -سُبْحَانَهُ- له الخَلْقُ والأمرُ، وحكمُه الدِّينيُّ الطَّلبيُّ نوعان بحسبِ المطلوبِ، فإنَّ المطلوبَ إنْ كانَ محبوبًا له فالمطلوبُ فِعلُه إمَّا وجـوبًا وإمَّا استحبابًا، وإن كانَ مبغوضًا له فالمطلوبُ تركُه إمَّا تحْريما وإمَّا كراهةً، وذلك أيضا موقوفٌعلى الصَّبرِ، فهذا حكمُه الدِّينيُّ الشَّرعيُّ .
وأمَّا حكمُه الكونيُّ -وهو ما يقتَضِيه وما يقدِّرُه على العبدِِ من المصائبِ الَّتي لا صُنْعَ له فيها- فغرضُه الصَّبرُ عليها، وفي وجوبِ الرِّضا بها قولانِ للعُلماءِ أصحُّهما: إنَّه مستحَبٌّ. فرجعَ الدِّينُ كلَُّه إلى هذهِ القواعدِ الثَّلاثِ: فِعْلُ المأمورِ وتركُ المحظورِ، والصَّبْرُ على المقدورِ، انتهى. مِن كلامِ ابنِ القيِّمِ([6]) .
قوله ﴿ ربك ﴾الرب: الملك المتصرف، وتربيته الناس نوعان خلقية تكون بتنمية أجسامهم حتى تبلغ الأشد، وتنمية قواهم عليها النفسية والعقلية، وتربية دينية تكون بما يوحيه إلى أفراد منهم ليبلغوا الناس ما به تكمل عقولهم وتصفو نفوسهم وليس لغيره أن يشرع للناس عبادة ولا أن يحلل شيئاً ويحرم آخر إلا بإذن منه([7]).
قَولُهُ: ﴿ فَإِنَّكَ بأَعْيُنِنا ﴾: أي بِمَرأى منَّا، وتحتَ حفظِنا وكَلاَءَتِنَا (واللهُ يعصِمُكَ مِن النَّاس)([8])،فلا تبال بأذى الكفار، فإنهم لا يصلون إليك([9]).
قال ابنُ القيِّمِ رحمَه اللهُ: وهذا يتضمَّنُ الحِراسةَ والكلاءةَ والحِفظَ للصَّابرِ لحكمِه -سُبْحَانَهُ وتعالى-، وفيها معيَّةُ اللهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- للصَّابرِ لحكمِه -سُبْحَانَهُ- وحفظُه، وفيها إثباتُ فعلِ العبدِ حقيقةً، وأدلَّةُ ذلك أكثرُ مِن أن تُحصرَ([10]).
المعنى الإجمالي للآية الأولى : يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن اصبر على أذاهم ولا تبال بهم وامض لأمر الله وبلغ ما أرسلت به فإنك بمرأى منا ومنظر، نراك ونرى أعمالك ونحوطك ونحفظك فلا يصل إليك منهم أذى.
وفي الآية الأولى من الفوائد :
1- الحث على الصبر .
2- إثبات صفة الحكم لله .
3- إثبات صفة الربوبية .
4- إثبات العين لله بدون تشبيه .
5- إثبات المعية .
6- إثبات فعل العبد حقيقة .
7- الرد على من أنكر شيئاً من هذه الصفات أو أولها بتأويل باطل .
8- أن القرآن كلام الله لا كلام محمد ولا غيره .
9- الحث على مراقبة الله .
10- النهي عن الجزع .
11- إثبات قدرة الله الذي نواصي الدواب بيده .
12- لطف الله برسوله وحفظه له .
13- إثبات صفة الكلام لله .
14- الحث على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به من الصبر .
15- أن الرسول يعاني مشاقاً من الخلق حيث أمر بالصبر([11]) .
[1]- ( سورة الطور: آية : 48) .
[2]- ( سورة القمر: آية : 13: 14) .
[3]- ( سورة طـه: آية : 39) .
[4]- التنبيهات السنية ( ص : 93 ) .
[5]- شرح الواسطية للفوزان ( ص : 67 ) .
[6]- التنبيهات السنية ( ص : 94) ، الكواشف الجلية ( ص : 249 ) . [7]- الكواشف الجلية ( ص : 250 ) .
[8]- التنبيهات السنية ( ص : 94 ) .
[9]- شرح الواسطية للفوزان ( ص : 67 ) .
[10]- التنبيهات السنية( ص : 94 ) . [11]- الكواشف الجلية ( ص : 250 ) .
تعليق