بعض المسائل والآداب لقارئ القرآن
مسائل وآداب ينبغي للقارئ الاعتناء بها وهي كثيرة جداً نذكرُ منها أطرافاً محذوفة الأدلة لشهرتها وخوف الإِطالة المملّة بسببها .
- فأوّل ما يُؤمر به : الإِخلاص في قراءته وأن يُريدَ بها اللَّهَ سبحانه وتعالى وأن لا يقصدَ بها توصلاً إلى شيء سوى ذلك وأن يتأدَّبَ مع القرآن ويستحضرَ في ذهنه أنه يناجي اللَّهَ سبحانه وتعالى ويتلو كتابه فيقرأ على حالِ مَن يرى اللّه فإنه إن لم يره فإن اللَّه تعالى يراه.
- وينبغي أنه إذا أراد القراءة أن ينظّفَ فَمَهُ بالسِّواك وغيره والاختيار في السواك أن يكونَ بعود الأراك ويجوز بغيره من العيدان وبالسعد والأشنان والخرقة الخشنة وغير ذلك مما ينظف . وفي حصوله بالأصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي : أشهرُها عندهم لا يحصل والثاني : يحصل والثالث : يحصل إن لم يجد غيرها ولا يحصل إن وجد . ويستاك عرضاً مبتدئاً بالجانب الأيمن من فمه وينوي به الإِتيان بالسنّة . وقال بعض أصحابنا : يقول عند السواك : اللهمَّ بارك لي فيه يا أرحم الراحمين ويَستاك في ظاهر الأسنان وباطنها ويمرّ بالسواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمراراً لطيفاً ويستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد اللين فإن اشتدّ يبسه ليَّنه بالماء . أما إذا كان فمه نجساً بدم أو غيره فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله وهل يحرم ؟ فيه وجهالن : أصحُّهما لا يحرمُ وسبقت المسألة أوّل الكتاب وفي هذا الفصل بقايا تقدّم ذكرها في الفصول التي قدمتها في أوّل الكتاب.
- ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهذا هو المقصود المطلوب وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب ودلائله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر . وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها عند القراءة . وصعق جماعة منهم ومات جماعات منهم
ويستحبّ البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد اللّه الصالحين قال اللّه تعالى: { وَيخِرُّونَ لِلأذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } [ الإسراء : 109 ] . وقد ذكرتُ آثاراً كثيرة وردت في ذلك في ( التبيان في آداب حملة القرآن).
- قراءة القرآن في المصحف أفضل من القراءة من حفظه هكذا قاله أصحابنا وهو مشهور عن السلف رضي اللّه عنهم وهذا ليس على إطلاقه بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكّر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل وإن استويا فمن المصحف أفضل وهذا مراد السلف.
- جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة وآثار بفضيلة الإِسرار . قال العلماء: والجمع بينهما أن الإِسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حقّ مَن يخاف ذلك فإن لم يَخَفِ الرياءَ فالجهر أفضل بشرط أن لا يؤذي غيره من مصلٍّ أو نائم أو غيرهما . ودليل فضيلة الجَهْر أن العمل فيه أكثر لأنه يتعدى نفعه إلى غيره ولأنه يُوقظ قلب القارئ ويجمع همَّه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ولأنه يطردُ النومَ ويزيد في النشاط ويُوقظ غيره من نائم وغافل ويُنشِّطه فمتى حضره شيء من هذه النيّات فالجهرُ أفضل.
- ويستحبّ تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها ( " وتزيينها " : قال في الإِحياء : يستحبّ تزيين القراءة بترديد الصوت من غير تمطيط مفرط يغيّر النظم . الفتوحات 3 / 266 ) ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط فإن أفرط ( " فإن أفرط " قال أقضى القضاة الماوردي في كتاب " الحاوي " : القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صفته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مَدِّ مقصور أو تمطيط يخفى به اللفظ فيلتبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقرأ به وعلى ترتيله كان مُباحاً لأنه زاد بألحانه في تحسينه . الفتوحات 3 / 266 ) حتى زاد حرفاً أو أخفى حرفاً هو حرام . وأما القراءة بالألحان فهي على ما ذكرناه إن أفر فحرام وإلا فلا والأحاديث بما ذكرناه في تحسين الصوت كثيرة مشهورة في الصحيح وغيره وقد ذكرتُ في آداب القُرَّاءِ قطعة منها.
- ويُستحبّ للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أن يبتدئ من أوّل الكلام المرتبط بعضه ببعض وكذلك إذا وقفَ يقفَ على المرتبط وعند انتهاء الكلام ولا يتقيّدُ في الابتداء ولا في الوقف بالأجزاء والأحزاب والأعشار فإن كثيراً منها في وسط الكلام المرتبط بالكلام ولا يغترُّ الإِنسانُ بكثرة الفاعلين لهذا الذي نهينا عنه ممّن لا يُراعِي هذه الآداب وامتثِلْ ما قاله السيد الجليل أبو علي الفُضَيْل بن عِياض رضي اللّه عنه : لا تستوحشْ طرقَ الهدى لقلّة أهلها ولا تغترّ بكثرة الهالكين ولهذا المعنى قال العلماء : قراءة سورة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من سورة طويلة لأنه قد يخفى الارتباط على كثير من الناس أو أكثرهم في بعض الأحوال والمواطن
- ومن البدع المنكرة ما يفعلُه كثيرون من جهلة المصلّين بالناس التراويحَ من قراءة سورة ( الأنعام ) بكمالها في الركعة الأخيرة منها في الليلة السابعة معتقدين أنها مستحبة زاعمين أنها نزلت جملة واحدة فيجمعون في فعلهم هذا أنواعاً من المنكرات : منها اعتقادها مستحبة ومنها إيهام العوّام ذلك ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى ومنها التطويل على المأمومين ومنها هذرمة القراءة ومنها المبالغة في تخفيف الركعات قبلها
- يجوز أن يقولَ : سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة العنكبوت وكذلك الباقي ولا كراهة في ذلك وقال بعض السلف : يُكره ذلك وإنما يقال السورة التي تُذكر فيها البقرة والتي يُذكر فيها النساء وكذلك الباقي والصواب الأوّل وهو قولُ جماهير علماء المسلمين من سلف الأمة وخلفها والأحاديثُ فيه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أكثر من أن تحصر وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم وكذلك لا يُكره أن يُقال : هذه قراءة أبي عمرو وقراءةُ ابن كثير وغيرهما هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف من غير إنكار وجاء عن إبراهيم النخعي رحمه اللّه أنه قال : كانوا يكرهون سنّة فلان وقراءة فلان والصواب ما قدّمناه
- يُكره أن يقول نسيتُ آية كذا أو سورة كذا بل يقول أُنسيتها أو أسقطتها
المصدر
الأذكار للإمام النووي 1/248-253
مسائل وآداب ينبغي للقارئ الاعتناء بها وهي كثيرة جداً نذكرُ منها أطرافاً محذوفة الأدلة لشهرتها وخوف الإِطالة المملّة بسببها .
- فأوّل ما يُؤمر به : الإِخلاص في قراءته وأن يُريدَ بها اللَّهَ سبحانه وتعالى وأن لا يقصدَ بها توصلاً إلى شيء سوى ذلك وأن يتأدَّبَ مع القرآن ويستحضرَ في ذهنه أنه يناجي اللَّهَ سبحانه وتعالى ويتلو كتابه فيقرأ على حالِ مَن يرى اللّه فإنه إن لم يره فإن اللَّه تعالى يراه.
- وينبغي أنه إذا أراد القراءة أن ينظّفَ فَمَهُ بالسِّواك وغيره والاختيار في السواك أن يكونَ بعود الأراك ويجوز بغيره من العيدان وبالسعد والأشنان والخرقة الخشنة وغير ذلك مما ينظف . وفي حصوله بالأصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي : أشهرُها عندهم لا يحصل والثاني : يحصل والثالث : يحصل إن لم يجد غيرها ولا يحصل إن وجد . ويستاك عرضاً مبتدئاً بالجانب الأيمن من فمه وينوي به الإِتيان بالسنّة . وقال بعض أصحابنا : يقول عند السواك : اللهمَّ بارك لي فيه يا أرحم الراحمين ويَستاك في ظاهر الأسنان وباطنها ويمرّ بالسواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمراراً لطيفاً ويستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد اللين فإن اشتدّ يبسه ليَّنه بالماء . أما إذا كان فمه نجساً بدم أو غيره فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله وهل يحرم ؟ فيه وجهالن : أصحُّهما لا يحرمُ وسبقت المسألة أوّل الكتاب وفي هذا الفصل بقايا تقدّم ذكرها في الفصول التي قدمتها في أوّل الكتاب.
- ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهذا هو المقصود المطلوب وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب ودلائله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر . وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها عند القراءة . وصعق جماعة منهم ومات جماعات منهم
ويستحبّ البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد اللّه الصالحين قال اللّه تعالى: { وَيخِرُّونَ لِلأذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } [ الإسراء : 109 ] . وقد ذكرتُ آثاراً كثيرة وردت في ذلك في ( التبيان في آداب حملة القرآن).
- قراءة القرآن في المصحف أفضل من القراءة من حفظه هكذا قاله أصحابنا وهو مشهور عن السلف رضي اللّه عنهم وهذا ليس على إطلاقه بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكّر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل وإن استويا فمن المصحف أفضل وهذا مراد السلف.
- جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة وآثار بفضيلة الإِسرار . قال العلماء: والجمع بينهما أن الإِسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حقّ مَن يخاف ذلك فإن لم يَخَفِ الرياءَ فالجهر أفضل بشرط أن لا يؤذي غيره من مصلٍّ أو نائم أو غيرهما . ودليل فضيلة الجَهْر أن العمل فيه أكثر لأنه يتعدى نفعه إلى غيره ولأنه يُوقظ قلب القارئ ويجمع همَّه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ولأنه يطردُ النومَ ويزيد في النشاط ويُوقظ غيره من نائم وغافل ويُنشِّطه فمتى حضره شيء من هذه النيّات فالجهرُ أفضل.
- ويستحبّ تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها ( " وتزيينها " : قال في الإِحياء : يستحبّ تزيين القراءة بترديد الصوت من غير تمطيط مفرط يغيّر النظم . الفتوحات 3 / 266 ) ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط فإن أفرط ( " فإن أفرط " قال أقضى القضاة الماوردي في كتاب " الحاوي " : القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صفته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مَدِّ مقصور أو تمطيط يخفى به اللفظ فيلتبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقرأ به وعلى ترتيله كان مُباحاً لأنه زاد بألحانه في تحسينه . الفتوحات 3 / 266 ) حتى زاد حرفاً أو أخفى حرفاً هو حرام . وأما القراءة بالألحان فهي على ما ذكرناه إن أفر فحرام وإلا فلا والأحاديث بما ذكرناه في تحسين الصوت كثيرة مشهورة في الصحيح وغيره وقد ذكرتُ في آداب القُرَّاءِ قطعة منها.
- ويُستحبّ للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أن يبتدئ من أوّل الكلام المرتبط بعضه ببعض وكذلك إذا وقفَ يقفَ على المرتبط وعند انتهاء الكلام ولا يتقيّدُ في الابتداء ولا في الوقف بالأجزاء والأحزاب والأعشار فإن كثيراً منها في وسط الكلام المرتبط بالكلام ولا يغترُّ الإِنسانُ بكثرة الفاعلين لهذا الذي نهينا عنه ممّن لا يُراعِي هذه الآداب وامتثِلْ ما قاله السيد الجليل أبو علي الفُضَيْل بن عِياض رضي اللّه عنه : لا تستوحشْ طرقَ الهدى لقلّة أهلها ولا تغترّ بكثرة الهالكين ولهذا المعنى قال العلماء : قراءة سورة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من سورة طويلة لأنه قد يخفى الارتباط على كثير من الناس أو أكثرهم في بعض الأحوال والمواطن
- ومن البدع المنكرة ما يفعلُه كثيرون من جهلة المصلّين بالناس التراويحَ من قراءة سورة ( الأنعام ) بكمالها في الركعة الأخيرة منها في الليلة السابعة معتقدين أنها مستحبة زاعمين أنها نزلت جملة واحدة فيجمعون في فعلهم هذا أنواعاً من المنكرات : منها اعتقادها مستحبة ومنها إيهام العوّام ذلك ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى ومنها التطويل على المأمومين ومنها هذرمة القراءة ومنها المبالغة في تخفيف الركعات قبلها
- يجوز أن يقولَ : سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة العنكبوت وكذلك الباقي ولا كراهة في ذلك وقال بعض السلف : يُكره ذلك وإنما يقال السورة التي تُذكر فيها البقرة والتي يُذكر فيها النساء وكذلك الباقي والصواب الأوّل وهو قولُ جماهير علماء المسلمين من سلف الأمة وخلفها والأحاديثُ فيه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أكثر من أن تحصر وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم وكذلك لا يُكره أن يُقال : هذه قراءة أبي عمرو وقراءةُ ابن كثير وغيرهما هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف من غير إنكار وجاء عن إبراهيم النخعي رحمه اللّه أنه قال : كانوا يكرهون سنّة فلان وقراءة فلان والصواب ما قدّمناه
- يُكره أن يقول نسيتُ آية كذا أو سورة كذا بل يقول أُنسيتها أو أسقطتها
المصدر
الأذكار للإمام النووي 1/248-253
تعليق