(فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ )١٨-محمد
الحديث هنا عن الكافرين الذين لا يلتفتون إلى أدلة وجود الله في الكون، ولا إلى معجزات الرسل فيؤمنون بهم ويصدقونهم، ولا إلى أحكام الله فيعملون بها، هؤلاء القوم ماذا ينتظرون؟
{ فَهَلْ يَنظُرُونَ .. } [محمد: 18] أي: ينتظرون { إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ .. } [محمد: 18] الساعة بالنسبة لهم يعني الموت، لأن الزمن ينتهي بالنسبة للإنسان بالموت، فمَنْ مات قامت قيامته، والمرء لا يعرف أجله ولا متى يموت، لأن الله أخفاه واحتفظ به لنفسه سبحانه، فلا يطلع عليه أحد.
إذن: طول العمر وقصره نحن لا دخْلَ لنا به، ولا نتحكم فيه، لأنه متروك لمن بيده الأعمار والآجال، لكن بيدك عرضه بأنْ تشغل عمرك بعمل الخير، وتوسِّع دائرة الخير في حياتك وتنفع الآخرين، كما يمكنك أنْ تضيف لحياتك بُعداً آخر، بأن تفعل من الخير ما يبقى ذكراً لك بعد موتك، وذُخْراً لك عند ربك.
فإذا علمتَ أن العمر نفسٌ يدخل ولا يخرج، أو طرفة عين لا تعود كنت على حذر من أنْ تموت على معصية الله، على حذر من أنْ تؤخر التوبة أو تسوِّف فيها، لأنك لا تضمن متى يداهمك الموت.
فحين تسمع نداء الصلاة قُمْ ولبِّ النداء، ولا تقل الوقت طويل، وسوف أصلي، معك مال وتقدر أنْ تحج لا تقل أحج العام القادم، لأنك إذا كنتَ لا تضمن عمرك لحظة، فكيف تضمنه بعد عام؟
"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً" .
البعض فهم "اعمل لدنياك" أي: ما يكفيك طوال العمر، لكن المراد بالعمل هنا: اعمل للدنيا على رسلك ولا تستغرق فيها، وما فاتك منها اليوم تدركه غداً. يعني على مهل ولا تأخذ المسألة من أول صفقة.
والذي يُعاب في السَّعي من أجل الدنيا أنْ تستحوذ الدنيا على كلِّ اهتمامك وتأخذ كل وقتك وتريدها على عجل. والأخطر من ذلك أن نستعين بالنعمة وبالمال على المعصية أو نروج السلعة بشيء محرم شرعاً، فتنقلب النعمة في أيدينا إلى نقمة.
لذلك يقول تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً .. } [إبراهيم: 28] ككثيرات من بناتنا الآن نراهن كايسات عاريات يُظهرنَ ما حباهن الله من جمال، وبدل أنْ تشكر النعمة بصيانتها تَكْفُرها بتبرجها.
وياليت الضال يضل في نفسه، أنما الأدهى من ضلاله أنْ يكون مثالاً لغيره فتشيع الفتنة في المجتمع، لذلك يقول تعالى في تتمة الآية: { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } [إبراهيم: 28] ما هي دار البوار؟ { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } [إبراهيم: 29].
فهذه الفتن تعصف بالشباب خاصة في مراحل المراهقة وعدم وجود فرصة عمل وهم ما يزالون عالة على أهاليهم، لذلك نقول لبناتنا: أتقين الله فالشباب معذور غلبان كفاه أنْ يدافع سُعار المراهقة، فلا تُهيجنَّ فيه سعاراً جديداً بما تفعلْنَ من التبرج والسُّفور وعدم التحشم.
وأذكر مرة أنهم أرادوا أنْ يكرموا أحد رجالهم البارزين فأقاموا له حفلاً وأحضروا فيه الراقصات وما إلى ذلك، فقلت: سبحان الله أهكذا يكون تكريم البارزين عندنا، ثم أمسكت بصاحبنا وقت له (يا سلام الرقص الليلة كان حلواً، فالبنت كانت (تتشخلع) بورع وتتثنَّى بتقوى)!! إيه حكايتكم بالضبط؟
نعم: { { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } [إبراهيم: 28].
وقوله تعالى: { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} [محمد: 18] يعني: فجأة { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } [محمد: 18] أي: علاماتها وسماتها المميزة لها المنذرة بقربها، وقد ذكر لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفاً من هذه العلامات، فقال: "نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" .
يُغيِّرنَ خَلْق الله ويستعنَّ بنعمة الله على معصية الله، وهذه من علامات الساعة.
لذلك نسأل الله الهداية لبناتنا، وأنْ تحفظ كُلٌّ منهن جمالها، وأنْ تجعل حمد الله على النعمة طاعةً له سبحانه، وألاَّ تجعل نعمة الله عليها مُسمَّمة بمعصيته وأقول لأولياء الأمور: اتقوا الله في البنات ولا تضطروهن للعمل في الإعلانات الخليعة لأنها محرمة، ومَنْ يأكل منها إنما يأكل سُحْتاً من حرام.
كذلك من أشراط الساعة التي أخبر بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيت شُحاً مطاعاً، وهَوى مُتبعاً، وإعجابَ كل ذي رأي برأيه فانتظر الساعة" .
وقال:( إذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتظر الساعة, قال: كيف إضاعتُها يا رسول الله؟ قال: إذا أسندَ الأمْرُ إلى غير أهله, فانتظر السَّاعة).. [أخرجه البخاري في الصحيح)وغير ذلك من العلامات.
وقوله سبحانه: { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } [محمد: 18] يعني: كيف أو من أين لهم التذكُّر وقد فات أوانه وباغتتهم القيامة، أنّى لهم التذكر، وأنّى لهم أنْ يستأنفوا عملاً صالحاً.
تفسير الشيخ الشعراوي
///////////////
أشراط الساعة الصغرى
من علامات الساعة ظهور الربا وانتشاره بين الناس، وعدم المبالاة بأكل الحرام، ففي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين يدي الساعة يظهر الربا) رواه الطبراني في الأوسط وقال الألباني في صحيح الترغيب: صحيح لغيره. وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام).
وهذه الأحاديث تنطبق على كثير من المسلمين في هذا الزمن، فتجدهم لا يتحرون الحلال في المكاسب، بل يجمعون المال من الحلال والحرام وأغلب ذلك بدخول الربا في معاملات الناس، فقد انتشرت المصارف المتعاملة بالربا، ووقع كثير من الناس في هذا البلاء العظيم ولقد كثر الربا وتعددت صوره وأشكاله وقلّ من يسلم من ذلك، بعد أن صار كثير من الناس همه جمع المال وتضخيم الأرصدة والمساهمات والصفقات ولا يبالي أمن حلال جمع ماله أم من حرام.
الربا بلاء على الأمة في دينها وأخلاقها ودمار لاقتصادها، فهو نظام بشع يمحق سعادة الناس ويفسد الضمير ويفت تضامن المجتمع بما ينشره فيه من روح الطمع والجشع والأثرة لهذا وقف الإسلام من الربا موقفاً حازماً واعلن حرباً على المرابين لا هوادة فيها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]. ويحذر الله تعالى من سوء عاقبة الربا فيقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 275، 276].
من علامات الساعة الصغرى: التطاول في البنيان "أن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان". يعني يتبارون ويتباهون في تطويله وزخرفته، وتكثير المجالس والمرافق.
قال النووي: معناه: أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان. قلت: والتطاول في البنيان يكون بتكثير طبقات البيوت ورفعها إلى فوق، ويكون بتحسين البناء وتقويته وتزويقه، ويكون بتوسيع البيوت وتكثير مجالسها ومرافقها، وكل ذلك واقع في زماننا؛ حين كثرت الأموال، وبسطت الدنيا على الحفاة العراة العالة. فالله المستعان. انتهى.
فصح أن التطاول في البنيان من أشراط الساعة، لكن ذلك لا يقتضي ذمًّا لطول البنيان إن لم يترتب عليه طغيان، أو بطر، أو تفاخر، أو إسراف، أو إضاعة للحقوق ونحو ذلك. وقد ظهر هذا جلياً فأصبح الناس يتطاولون في بناء الأبراج والمباني الشاهقة وما يسمى ناطحات السحاب.
ومن علامات الساعة الصغرى ظهور المعازف واستحلالها فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال إذا ظهرت المعازف والقينات". رواه ابن ماجه، وقال الألباني صحيح.
وهذه العلامة قد وقع شيء كبير منها في العصور السابقة، وهي الآن أكثر ظهوراً، فقد ظهرت المعازف في هذا الزمن وانتشرت انتشاراً عظيماً، وكثر المغنون والمغنيات وأعظم من ذلك استحلال كثير من الناس للمعازف، روى البخاري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة).
لقد شاع الغناء وانتشر في كثير من المجتمعات ورفعت أصوات المعازف والأغاني في البيوت والطرقات دون حياء من الله تعالى أو خجل من الناس بل أصبح أهل الفن والطرب نجوماً وقدوات يصدرون للشباب والناشئة وباتوا يشار إليهم بالبنان!
ومن علامات الساعة الصغرى ضياع الأمانة وإسناد الأمر إلى غير أهله فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: " أين السائلُ عن الساعة. قال: ها أنا يا رسول الله قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". رواه البخاري. وفي رواية أخرى: (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
ومن علامات الساعة كثرة شرب الخمر واستحلالها فقد ظهر في هذه الأمة شرب الخمر وتسميتها بغير اسمها، والأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها، وهذا من أمارات الساعة، فقد روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أشراط الساعة) وذكر منها (ويشرب الخمر).
وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه). فقد أطلق على الخمر أسماء كثيرة، حتى سميت بالمشروبات الروحية ونحو ذلك، وقد فتن بعض الناس بشربها، وأعظم من ذلك بيعها جهاراً وشربها علانية في بعض البلدان، وانتشار المسكرات والمخدرات والحشيش انتشاراً عظيماً لم يسبق له مثيل مما ينذر بخطر عظيم، وفساد كبير، والأمر لله من قبل ومن بعد.
ومن أشراط الساعة انتشار الزنا ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من أشراط الساعة: - فذكر منها - ويظهر الزنا "، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترُشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط". رواه أبو يعلي وقال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح"، وصححه الألباني.
قال القرطبي في (المفهم) على حديث أنس السابق: (في هذا الحديث علم من أعلم النبوة إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصاً في هذه الأزمان).
وأعظم من الزنا استحلال الزنا فقد ثبت في الصحيح عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير)، وفي آخر الزمان بعد ذهاب المؤمنين يبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر، كما جاء في حديث النواس رضي الله عنه (ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة). رواه مسلم.
لقد فشا الزنا وانتشر في العالم بشكل مخيف حتى غدا في بعض المجتمعات شيئاً مألوفاً لأناس أصبحوا أحط من البهائم إلى درجة أن الرجل يغشى المرأة على قارعة الطريق وفي الحدائق العامة ولا يرون في ذلك بأساً، فتلك هي الحرية البهيمية التي تترفع عنها بعض الحيوانات!
وأهل الشهوات والباطل يدعون إلى الإباحية البهيمية والشهوات من خلال ترويج أفلام وقنوات الزنا والشذوذ بل أصبح لذلك تجارة وبيوت دعارة وتراخيص وقوانين تبيح الفواحش!
إن من أسباب انتشار الزنا في بلاد المسلمين كثرة العوائق أمام الراغبين في العفاف كغلاء المهور وكثرة التكاليف والاشتراطات الفاسدة التي تشكل عقبة في طريق الحلال.
ومن أسباب فشو الزنا القنوات والبرامج الخليعة التي تزين الفاحشة في قلوب الشباب كبرامج الواقع ومسلسلات وأفلام التعري وغيرها ناهيكم عن البلية بمواقع الانترنت ووسائل التواصل مع مخالفة الشرع في الخلوة المحرمة والسفر بلا محرم وخلع الحجاب والسياحة إلى البلاد الموبوءة.
الزنا من أفحش الفواحش، وأحط القاذورات، جريمة تبدد الأموال، وتنتهك الأعراض، وتقتل الذرية وتهلك الحرث والنسل، عارها يهدم البيوت، ويطأطئ الرؤوس، ويسوِّد الوجوه، ويخرس الألسنة، ويخلط الأنساب، ويهوي بالرجل العزيز إلى حضيض الذل والازدراء، وينزع ثوب الجاه مهما اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما ارتفع.
من علامات الساعة الصغرى كثرة الشح، والشح هو أشد البخل، وقيل: هو البخل مع الحرص. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشح". رواه البخاري.
والشح خلق مذموم نهى عنه الإسلام، وبين أن من وقي شُح نفسه، فقد فاز وأفلح، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم).
قال القاضي عياض: يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنه هلاك الآخرة، وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة.
ومن علامات الساعة الصغرى كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن بين يدي الساعة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق ". رواه أحمد، وصححه أحمد شاكر 5 /333 وشهادة الزور هي الكذب متعمداً في الشهادة، فكما أن شهادة الزور سببٌ لإبطال الحق، فكذلك كتمان الشهادة سبب لإبطال الحق قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283]. وفي الصحيحين عن أبي بكرة قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثاً) الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وكان متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت"، ولعظم خطرها قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك وعقوق الوالدين، فإنها سببٌ للظلم والجور وضياع حقوق الناس في الأموال والأعراض، وظهورها دليل على ضعف الإيمان، وعدم الخوف من الرحمن.
ومن أشراط الساعة الصغرى زخرفة المساجد والتباهي بها فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني وقال أنس يتباهون بها، قم لا يعمرونها إلا قليلاً. قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري:" لتُزخرفُنّها كما زخرفت اليهود والنصارى).
وعلة النهي من ذلك أنه علامة على الترف والتبذير والإسراف، وسبب لإشغال الناس عن صلاتهم.
ولمّا أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتجديد المسجد النبوي، نهى عن الزخرفة فقال:" أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمرّ أو تصفرّ، فتفتن الناس).
لقد كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جريد النخل، وما كان ذلك في يوم من الأيام عائقاً أمام الدور الريادي والحضاري الذي أدَّاه المسجد النبوي فقد كان مكان الصلاة والذكر وتعليم العلم والشورى ومأوى الفقراء والمساكين ومنه انطلقت جيوش الإسلام، وجحافل الإيمان.
ما هو حال بعض مساجد المسلمين الآن، وما هو حال مساجد السلف التي كانت عامرة بذكر الله تجللها البساطة والترفع عن زخرف الدنيا الفاني ففتحوا الدنيا ودانت لهم الأمم والشعوب.
ومن العلامات تقارب الزمان فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان". رواه البخاري. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة ". رواه الإمام أحمد بسند صحيح.
ومن معاني تقارب الزمان: سرعة انقضاء الوقت، والتطور في وسائل النقل والاتصال التي تجعل التنقل أو المحادثة تتم في وقت قصير جداً، وقلة البركة في الوقت ولعل هذا هو المعنى الصحيح. قال ابن حجر: (فالذي تضمنه الحديث وُجد في زماننا هذا، فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وإن لم يكن هناك عيش مستلذ، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء من الزمان وذلك من علامات الساعة... قال النووي: المراد بقصده: عدم البركة فيه، وأن اليوم مثلاً يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة) الفتح (16 /309).
ومن علامات الساعة الصغرى التشبه بالكفار. قال صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع " قيل يا رسول الله: كفارسَ والروم؟! فقال: " ومَنْ الناسُ إلا أولئك؟" رواه البخاري.
وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعنّ سنَنَ مَنْ كان قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جحر ضبٍ اتبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهودُ والنصارى، قال: فَمنْ؟) رواه البخاري ومسلم، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في أمته مضاهاةٌ لليهود والنصارى، وهم أهل الكتاب ومضاهاةٌ لفارس والروم وهم الأعاجم.
وقد تحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع كثير من المسلمين في التشبه باليهود والنصارى، والتخلق بأخلاقهم، وهذا كثيراً ما يفعله ضعاف الإيمان والنفوس الذين يظنون أنهم بهذا يسيرون في ركب التقدم والرقي.
قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، رواه أحمد وأبو داود. فكيف يتناسى المسلمون هذا المآل الفظيع في سبيل المسايرة والمجاراة في أمور لا تزيدهم إلا جهلاً ونقصاً.
ومن علامات الساعة الصغرى ظهور النساء الكاسيات العاريات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات، مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (من أشراط الساعة، أن تظهر ثيابٌ يلبَسُها نساءٌ كاسيات عاريات).
ومعنى (كاسيات عاريات) أي أنهن يلبسن ثياباً غير ساترة لجميع أبدانهن، أو شفافة تصف ما تحتها، أو ضيقة تبرز تفاصيل جسدها. وهذا كله موجود ويختلف من بلد لآخر.
ومن العلامات كثرة النساء وقلة الرجال فعن أنس رضي الله عنه، قال: لأحدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ). رواه البخاري ومسلم.
وقيل إن سبب ذلك كثرة الفتن فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل الحرب دون النساء. وقيل: إن سبب ذلك كثرة الفتوح، فتكثر السبايا، فيتخذ الرجل عدة موطوءات.
ومن العلامات صدق رؤيا المؤمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. وفي رواية: " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ".
فكلما اقترب الزمان، زادت غربة الإسلام وقبض أكثر العلم، ودرست معالم الشريعة، وازدادت الفتن، فيقل عندها أنيس المؤمنين وتعظم وحشتهم وغربتهم، ولذلك فإنهم يعوضون بالرؤيا الصادقة، التي هي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.
قال الحافظ في الفتح (12 /406): والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان: أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريباً فيقل أنيسه ومعينه في ذلك الوقت فيُكرم بالرؤيا الصالحة.
في آخر الزمان يتمنى المرء الموت من شدة البلاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه). رواه البخاري ومسلم.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغَ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدَّين إلا البلاء) رواه مسلم.
وتمني الموت يكون عند كثرة الفتن وتغير الأحوال وتبديل رسوم الشريعة، وهذا وإن لم يكن وقع فهو واقع لا محالة. قال ابن مسعود رضي الله عنه: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه، وكما قيل:
وهذا العيش ما لا خير فيه *** ألا موت يباع فأشتريهِ؟!
ومن علامات الساعة عودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً". رواه مسلم.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا) رواه مسلم. وهذه آية من آيات الله حيث تخرج الأرض كنوزها المخبوءة في جوفها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو". رواه البخاري. وفي رواية: "يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً".
وهذه العلامة لم تقع بعد، ومن فسرها بالنفط فقد أخطأ ويلزم على قوله هذا النهي عن الأخذ من النفط ولم يقل به أحد من العلماء، وقد رجح الحافظ ابن حجر: أن سبب المنع من الأخذ من هذا الذهب لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه. اهـ. الفتح (13 /81).
ومن علامات الساعة خروج القحطاني فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ". متفق عليه. وفي رواية: (لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له: الجهجاه) رواه مسلم. وسوقه الناس بعصاه كناية عن طاعة الناس له ورضوخهم لأمره، وهو رجل شديد القوة والبطش والقحطاني ليس هو المهدي الذي في آخر الزمان، فإن خروج المهدي بعد القحطاني بزمن.
وقي آخر الزمان يكثر الروم ويحشدون لقتال المسلمين فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اعدد ستاً بين يدي الساعة، فذكر منها: ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً " رواه البخاري.
وهذا القتال يقع في الشام في آخر الزمان، قبل ظهور الدجال، كما دلت على ذلك الأحاديث ويكون انتصار المسلمين على الروم تهيئة لفتح القسطنطينية، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن نافع بن عتبة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظتُ منه أربعَ كلمات أعدُّهن في يدي، قال: " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله، قال: فقال نافع: يا جابر لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم ". رواه مسلم.
وجاء تحديد أرض المعركة مع الروم وأنها في الشام في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه في سنن أبي داود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة في أرض بالغوطة في مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام".
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق - ودابق قرية قرب حلب - فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذٍ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلو بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فيتنزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك، ولكنه يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته".
وورد في وصف شدة هذا القتال، ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إن الساعة لا تقوم، حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرحَ بغنيمة، - ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشام - فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الروم تعني؟ قال: نعم. وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة".
إن الصراع بين الإسلام والنصرانية لن ينتهي بل هو ماض إلى قيام الساعة. قال صلى الله عليه وسلم: "فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحها الله، ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن قام قرن آخر". رواه ابن أبي شيبة في المصنف ونعيم بن حماد في الفتن وابن حجر في المطالب العلية وهو حديث حسن.
وهذا الصراع والمواجهة تكون بين مد وجزر لتأتي المعركة الفاصلة والملحمة الكبرى التي يحشد لها النصارى قرابة مليون شخص وتنتهي بالهزيمة النهائية حيث لا يقف الجيش الإسلامي إلا بعد أن يفتح روما العاصمة الدينية للروم وعندها تفتح الروم ويتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ويتبع ذلك مباشرة المعارك مع الدجال الذي ينتهي الأمر بقتله، وعندئذٍ تضع الحرب أوزارها ويقرب العالم من نهايته، ويتحقق وعد الله بتبديل الأرض غير الأرض، ويعود الخلق جميعهم إلى موجدهم لتبدأ بعد ذلك الحياة السرمدية الأخروية.
وفي الحديث إشارة إلى أن المسلمين سيتمكنون من تكوين دولة إسلامية تمثل قوة جديدة في العالم، يلتجئ إليها النصارى، ويطلبون مصالحتها للحصول على مساعدتها في محاربة عدو ثالث.
ومن علامات الساعة فتح القسطنطينية فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: " لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها - قال ثور: لا أعلمه إلا قال الذي في البحر- ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون". رواه مسلم.
ومن العلامات قتال اليهود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود". متفق عليه.
وهاهم اليهود يتجمعون في فلسطين من أكثر من عشرات السنين كما أخبر تعالى في كتابه المحكم: "وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا". فقد جاؤوا كما أخبر الله عز وجل، وهاهم يزرعون شجر الغرقد ذي الشوك الذي هو شجرهم كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي آخر الزمان خراب المدينة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي، يريد عوافي السباع والطير". رواه البخاري.
وذلك والله أعلم بعد أن يتوجه أهلها لنصرة جيش المسلمين في الشام ضد جيش الروم الجرار كما مر معنا.
وفي آخر الزمان استحلال البيت الحرام وهدم الكعبة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يخرِّب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله". رواه أحمد بإسناد صحيح.
الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
الحديث هنا عن الكافرين الذين لا يلتفتون إلى أدلة وجود الله في الكون، ولا إلى معجزات الرسل فيؤمنون بهم ويصدقونهم، ولا إلى أحكام الله فيعملون بها، هؤلاء القوم ماذا ينتظرون؟
{ فَهَلْ يَنظُرُونَ .. } [محمد: 18] أي: ينتظرون { إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ .. } [محمد: 18] الساعة بالنسبة لهم يعني الموت، لأن الزمن ينتهي بالنسبة للإنسان بالموت، فمَنْ مات قامت قيامته، والمرء لا يعرف أجله ولا متى يموت، لأن الله أخفاه واحتفظ به لنفسه سبحانه، فلا يطلع عليه أحد.
إذن: طول العمر وقصره نحن لا دخْلَ لنا به، ولا نتحكم فيه، لأنه متروك لمن بيده الأعمار والآجال، لكن بيدك عرضه بأنْ تشغل عمرك بعمل الخير، وتوسِّع دائرة الخير في حياتك وتنفع الآخرين، كما يمكنك أنْ تضيف لحياتك بُعداً آخر، بأن تفعل من الخير ما يبقى ذكراً لك بعد موتك، وذُخْراً لك عند ربك.
فإذا علمتَ أن العمر نفسٌ يدخل ولا يخرج، أو طرفة عين لا تعود كنت على حذر من أنْ تموت على معصية الله، على حذر من أنْ تؤخر التوبة أو تسوِّف فيها، لأنك لا تضمن متى يداهمك الموت.
فحين تسمع نداء الصلاة قُمْ ولبِّ النداء، ولا تقل الوقت طويل، وسوف أصلي، معك مال وتقدر أنْ تحج لا تقل أحج العام القادم، لأنك إذا كنتَ لا تضمن عمرك لحظة، فكيف تضمنه بعد عام؟
"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً" .
البعض فهم "اعمل لدنياك" أي: ما يكفيك طوال العمر، لكن المراد بالعمل هنا: اعمل للدنيا على رسلك ولا تستغرق فيها، وما فاتك منها اليوم تدركه غداً. يعني على مهل ولا تأخذ المسألة من أول صفقة.
والذي يُعاب في السَّعي من أجل الدنيا أنْ تستحوذ الدنيا على كلِّ اهتمامك وتأخذ كل وقتك وتريدها على عجل. والأخطر من ذلك أن نستعين بالنعمة وبالمال على المعصية أو نروج السلعة بشيء محرم شرعاً، فتنقلب النعمة في أيدينا إلى نقمة.
لذلك يقول تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً .. } [إبراهيم: 28] ككثيرات من بناتنا الآن نراهن كايسات عاريات يُظهرنَ ما حباهن الله من جمال، وبدل أنْ تشكر النعمة بصيانتها تَكْفُرها بتبرجها.
وياليت الضال يضل في نفسه، أنما الأدهى من ضلاله أنْ يكون مثالاً لغيره فتشيع الفتنة في المجتمع، لذلك يقول تعالى في تتمة الآية: { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } [إبراهيم: 28] ما هي دار البوار؟ { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } [إبراهيم: 29].
فهذه الفتن تعصف بالشباب خاصة في مراحل المراهقة وعدم وجود فرصة عمل وهم ما يزالون عالة على أهاليهم، لذلك نقول لبناتنا: أتقين الله فالشباب معذور غلبان كفاه أنْ يدافع سُعار المراهقة، فلا تُهيجنَّ فيه سعاراً جديداً بما تفعلْنَ من التبرج والسُّفور وعدم التحشم.
وأذكر مرة أنهم أرادوا أنْ يكرموا أحد رجالهم البارزين فأقاموا له حفلاً وأحضروا فيه الراقصات وما إلى ذلك، فقلت: سبحان الله أهكذا يكون تكريم البارزين عندنا، ثم أمسكت بصاحبنا وقت له (يا سلام الرقص الليلة كان حلواً، فالبنت كانت (تتشخلع) بورع وتتثنَّى بتقوى)!! إيه حكايتكم بالضبط؟
نعم: { { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } [إبراهيم: 28].
وقوله تعالى: { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} [محمد: 18] يعني: فجأة { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } [محمد: 18] أي: علاماتها وسماتها المميزة لها المنذرة بقربها، وقد ذكر لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفاً من هذه العلامات، فقال: "نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" .
يُغيِّرنَ خَلْق الله ويستعنَّ بنعمة الله على معصية الله، وهذه من علامات الساعة.
لذلك نسأل الله الهداية لبناتنا، وأنْ تحفظ كُلٌّ منهن جمالها، وأنْ تجعل حمد الله على النعمة طاعةً له سبحانه، وألاَّ تجعل نعمة الله عليها مُسمَّمة بمعصيته وأقول لأولياء الأمور: اتقوا الله في البنات ولا تضطروهن للعمل في الإعلانات الخليعة لأنها محرمة، ومَنْ يأكل منها إنما يأكل سُحْتاً من حرام.
كذلك من أشراط الساعة التي أخبر بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيت شُحاً مطاعاً، وهَوى مُتبعاً، وإعجابَ كل ذي رأي برأيه فانتظر الساعة" .
وقال:( إذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتظر الساعة, قال: كيف إضاعتُها يا رسول الله؟ قال: إذا أسندَ الأمْرُ إلى غير أهله, فانتظر السَّاعة).. [أخرجه البخاري في الصحيح)وغير ذلك من العلامات.
وقوله سبحانه: { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } [محمد: 18] يعني: كيف أو من أين لهم التذكُّر وقد فات أوانه وباغتتهم القيامة، أنّى لهم التذكر، وأنّى لهم أنْ يستأنفوا عملاً صالحاً.
تفسير الشيخ الشعراوي
///////////////
أشراط الساعة الصغرى
من علامات الساعة ظهور الربا وانتشاره بين الناس، وعدم المبالاة بأكل الحرام، ففي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين يدي الساعة يظهر الربا) رواه الطبراني في الأوسط وقال الألباني في صحيح الترغيب: صحيح لغيره. وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام).
وهذه الأحاديث تنطبق على كثير من المسلمين في هذا الزمن، فتجدهم لا يتحرون الحلال في المكاسب، بل يجمعون المال من الحلال والحرام وأغلب ذلك بدخول الربا في معاملات الناس، فقد انتشرت المصارف المتعاملة بالربا، ووقع كثير من الناس في هذا البلاء العظيم ولقد كثر الربا وتعددت صوره وأشكاله وقلّ من يسلم من ذلك، بعد أن صار كثير من الناس همه جمع المال وتضخيم الأرصدة والمساهمات والصفقات ولا يبالي أمن حلال جمع ماله أم من حرام.
الربا بلاء على الأمة في دينها وأخلاقها ودمار لاقتصادها، فهو نظام بشع يمحق سعادة الناس ويفسد الضمير ويفت تضامن المجتمع بما ينشره فيه من روح الطمع والجشع والأثرة لهذا وقف الإسلام من الربا موقفاً حازماً واعلن حرباً على المرابين لا هوادة فيها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]. ويحذر الله تعالى من سوء عاقبة الربا فيقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 275، 276].
من علامات الساعة الصغرى: التطاول في البنيان "أن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان". يعني يتبارون ويتباهون في تطويله وزخرفته، وتكثير المجالس والمرافق.
قال النووي: معناه: أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان. قلت: والتطاول في البنيان يكون بتكثير طبقات البيوت ورفعها إلى فوق، ويكون بتحسين البناء وتقويته وتزويقه، ويكون بتوسيع البيوت وتكثير مجالسها ومرافقها، وكل ذلك واقع في زماننا؛ حين كثرت الأموال، وبسطت الدنيا على الحفاة العراة العالة. فالله المستعان. انتهى.
فصح أن التطاول في البنيان من أشراط الساعة، لكن ذلك لا يقتضي ذمًّا لطول البنيان إن لم يترتب عليه طغيان، أو بطر، أو تفاخر، أو إسراف، أو إضاعة للحقوق ونحو ذلك. وقد ظهر هذا جلياً فأصبح الناس يتطاولون في بناء الأبراج والمباني الشاهقة وما يسمى ناطحات السحاب.
ومن علامات الساعة الصغرى ظهور المعازف واستحلالها فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال إذا ظهرت المعازف والقينات". رواه ابن ماجه، وقال الألباني صحيح.
وهذه العلامة قد وقع شيء كبير منها في العصور السابقة، وهي الآن أكثر ظهوراً، فقد ظهرت المعازف في هذا الزمن وانتشرت انتشاراً عظيماً، وكثر المغنون والمغنيات وأعظم من ذلك استحلال كثير من الناس للمعازف، روى البخاري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة).
لقد شاع الغناء وانتشر في كثير من المجتمعات ورفعت أصوات المعازف والأغاني في البيوت والطرقات دون حياء من الله تعالى أو خجل من الناس بل أصبح أهل الفن والطرب نجوماً وقدوات يصدرون للشباب والناشئة وباتوا يشار إليهم بالبنان!
ومن علامات الساعة الصغرى ضياع الأمانة وإسناد الأمر إلى غير أهله فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: " أين السائلُ عن الساعة. قال: ها أنا يا رسول الله قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". رواه البخاري. وفي رواية أخرى: (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
ومن علامات الساعة كثرة شرب الخمر واستحلالها فقد ظهر في هذه الأمة شرب الخمر وتسميتها بغير اسمها، والأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها، وهذا من أمارات الساعة، فقد روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أشراط الساعة) وذكر منها (ويشرب الخمر).
وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه). فقد أطلق على الخمر أسماء كثيرة، حتى سميت بالمشروبات الروحية ونحو ذلك، وقد فتن بعض الناس بشربها، وأعظم من ذلك بيعها جهاراً وشربها علانية في بعض البلدان، وانتشار المسكرات والمخدرات والحشيش انتشاراً عظيماً لم يسبق له مثيل مما ينذر بخطر عظيم، وفساد كبير، والأمر لله من قبل ومن بعد.
ومن أشراط الساعة انتشار الزنا ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من أشراط الساعة: - فذكر منها - ويظهر الزنا "، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترُشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط". رواه أبو يعلي وقال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح"، وصححه الألباني.
قال القرطبي في (المفهم) على حديث أنس السابق: (في هذا الحديث علم من أعلم النبوة إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصاً في هذه الأزمان).
وأعظم من الزنا استحلال الزنا فقد ثبت في الصحيح عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير)، وفي آخر الزمان بعد ذهاب المؤمنين يبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر، كما جاء في حديث النواس رضي الله عنه (ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة). رواه مسلم.
لقد فشا الزنا وانتشر في العالم بشكل مخيف حتى غدا في بعض المجتمعات شيئاً مألوفاً لأناس أصبحوا أحط من البهائم إلى درجة أن الرجل يغشى المرأة على قارعة الطريق وفي الحدائق العامة ولا يرون في ذلك بأساً، فتلك هي الحرية البهيمية التي تترفع عنها بعض الحيوانات!
وأهل الشهوات والباطل يدعون إلى الإباحية البهيمية والشهوات من خلال ترويج أفلام وقنوات الزنا والشذوذ بل أصبح لذلك تجارة وبيوت دعارة وتراخيص وقوانين تبيح الفواحش!
إن من أسباب انتشار الزنا في بلاد المسلمين كثرة العوائق أمام الراغبين في العفاف كغلاء المهور وكثرة التكاليف والاشتراطات الفاسدة التي تشكل عقبة في طريق الحلال.
ومن أسباب فشو الزنا القنوات والبرامج الخليعة التي تزين الفاحشة في قلوب الشباب كبرامج الواقع ومسلسلات وأفلام التعري وغيرها ناهيكم عن البلية بمواقع الانترنت ووسائل التواصل مع مخالفة الشرع في الخلوة المحرمة والسفر بلا محرم وخلع الحجاب والسياحة إلى البلاد الموبوءة.
الزنا من أفحش الفواحش، وأحط القاذورات، جريمة تبدد الأموال، وتنتهك الأعراض، وتقتل الذرية وتهلك الحرث والنسل، عارها يهدم البيوت، ويطأطئ الرؤوس، ويسوِّد الوجوه، ويخرس الألسنة، ويخلط الأنساب، ويهوي بالرجل العزيز إلى حضيض الذل والازدراء، وينزع ثوب الجاه مهما اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما ارتفع.
من علامات الساعة الصغرى كثرة الشح، والشح هو أشد البخل، وقيل: هو البخل مع الحرص. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشح". رواه البخاري.
والشح خلق مذموم نهى عنه الإسلام، وبين أن من وقي شُح نفسه، فقد فاز وأفلح، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم).
قال القاضي عياض: يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنه هلاك الآخرة، وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة.
ومن علامات الساعة الصغرى كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن بين يدي الساعة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق ". رواه أحمد، وصححه أحمد شاكر 5 /333 وشهادة الزور هي الكذب متعمداً في الشهادة، فكما أن شهادة الزور سببٌ لإبطال الحق، فكذلك كتمان الشهادة سبب لإبطال الحق قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283]. وفي الصحيحين عن أبي بكرة قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثاً) الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وكان متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت"، ولعظم خطرها قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك وعقوق الوالدين، فإنها سببٌ للظلم والجور وضياع حقوق الناس في الأموال والأعراض، وظهورها دليل على ضعف الإيمان، وعدم الخوف من الرحمن.
ومن أشراط الساعة الصغرى زخرفة المساجد والتباهي بها فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني وقال أنس يتباهون بها، قم لا يعمرونها إلا قليلاً. قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري:" لتُزخرفُنّها كما زخرفت اليهود والنصارى).
وعلة النهي من ذلك أنه علامة على الترف والتبذير والإسراف، وسبب لإشغال الناس عن صلاتهم.
ولمّا أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتجديد المسجد النبوي، نهى عن الزخرفة فقال:" أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمرّ أو تصفرّ، فتفتن الناس).
لقد كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جريد النخل، وما كان ذلك في يوم من الأيام عائقاً أمام الدور الريادي والحضاري الذي أدَّاه المسجد النبوي فقد كان مكان الصلاة والذكر وتعليم العلم والشورى ومأوى الفقراء والمساكين ومنه انطلقت جيوش الإسلام، وجحافل الإيمان.
ما هو حال بعض مساجد المسلمين الآن، وما هو حال مساجد السلف التي كانت عامرة بذكر الله تجللها البساطة والترفع عن زخرف الدنيا الفاني ففتحوا الدنيا ودانت لهم الأمم والشعوب.
ومن العلامات تقارب الزمان فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان". رواه البخاري. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة ". رواه الإمام أحمد بسند صحيح.
ومن معاني تقارب الزمان: سرعة انقضاء الوقت، والتطور في وسائل النقل والاتصال التي تجعل التنقل أو المحادثة تتم في وقت قصير جداً، وقلة البركة في الوقت ولعل هذا هو المعنى الصحيح. قال ابن حجر: (فالذي تضمنه الحديث وُجد في زماننا هذا، فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وإن لم يكن هناك عيش مستلذ، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء من الزمان وذلك من علامات الساعة... قال النووي: المراد بقصده: عدم البركة فيه، وأن اليوم مثلاً يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة) الفتح (16 /309).
ومن علامات الساعة الصغرى التشبه بالكفار. قال صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع " قيل يا رسول الله: كفارسَ والروم؟! فقال: " ومَنْ الناسُ إلا أولئك؟" رواه البخاري.
وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعنّ سنَنَ مَنْ كان قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جحر ضبٍ اتبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهودُ والنصارى، قال: فَمنْ؟) رواه البخاري ومسلم، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في أمته مضاهاةٌ لليهود والنصارى، وهم أهل الكتاب ومضاهاةٌ لفارس والروم وهم الأعاجم.
وقد تحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع كثير من المسلمين في التشبه باليهود والنصارى، والتخلق بأخلاقهم، وهذا كثيراً ما يفعله ضعاف الإيمان والنفوس الذين يظنون أنهم بهذا يسيرون في ركب التقدم والرقي.
قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، رواه أحمد وأبو داود. فكيف يتناسى المسلمون هذا المآل الفظيع في سبيل المسايرة والمجاراة في أمور لا تزيدهم إلا جهلاً ونقصاً.
ومن علامات الساعة الصغرى ظهور النساء الكاسيات العاريات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات، مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (من أشراط الساعة، أن تظهر ثيابٌ يلبَسُها نساءٌ كاسيات عاريات).
ومعنى (كاسيات عاريات) أي أنهن يلبسن ثياباً غير ساترة لجميع أبدانهن، أو شفافة تصف ما تحتها، أو ضيقة تبرز تفاصيل جسدها. وهذا كله موجود ويختلف من بلد لآخر.
ومن العلامات كثرة النساء وقلة الرجال فعن أنس رضي الله عنه، قال: لأحدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ). رواه البخاري ومسلم.
وقيل إن سبب ذلك كثرة الفتن فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل الحرب دون النساء. وقيل: إن سبب ذلك كثرة الفتوح، فتكثر السبايا، فيتخذ الرجل عدة موطوءات.
ومن العلامات صدق رؤيا المؤمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. وفي رواية: " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ".
فكلما اقترب الزمان، زادت غربة الإسلام وقبض أكثر العلم، ودرست معالم الشريعة، وازدادت الفتن، فيقل عندها أنيس المؤمنين وتعظم وحشتهم وغربتهم، ولذلك فإنهم يعوضون بالرؤيا الصادقة، التي هي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.
قال الحافظ في الفتح (12 /406): والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان: أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريباً فيقل أنيسه ومعينه في ذلك الوقت فيُكرم بالرؤيا الصالحة.
في آخر الزمان يتمنى المرء الموت من شدة البلاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه). رواه البخاري ومسلم.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغَ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدَّين إلا البلاء) رواه مسلم.
وتمني الموت يكون عند كثرة الفتن وتغير الأحوال وتبديل رسوم الشريعة، وهذا وإن لم يكن وقع فهو واقع لا محالة. قال ابن مسعود رضي الله عنه: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه، وكما قيل:
وهذا العيش ما لا خير فيه *** ألا موت يباع فأشتريهِ؟!
ومن علامات الساعة عودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً". رواه مسلم.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا) رواه مسلم. وهذه آية من آيات الله حيث تخرج الأرض كنوزها المخبوءة في جوفها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو". رواه البخاري. وفي رواية: "يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً".
وهذه العلامة لم تقع بعد، ومن فسرها بالنفط فقد أخطأ ويلزم على قوله هذا النهي عن الأخذ من النفط ولم يقل به أحد من العلماء، وقد رجح الحافظ ابن حجر: أن سبب المنع من الأخذ من هذا الذهب لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه. اهـ. الفتح (13 /81).
ومن علامات الساعة خروج القحطاني فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ". متفق عليه. وفي رواية: (لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له: الجهجاه) رواه مسلم. وسوقه الناس بعصاه كناية عن طاعة الناس له ورضوخهم لأمره، وهو رجل شديد القوة والبطش والقحطاني ليس هو المهدي الذي في آخر الزمان، فإن خروج المهدي بعد القحطاني بزمن.
وقي آخر الزمان يكثر الروم ويحشدون لقتال المسلمين فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اعدد ستاً بين يدي الساعة، فذكر منها: ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً " رواه البخاري.
وهذا القتال يقع في الشام في آخر الزمان، قبل ظهور الدجال، كما دلت على ذلك الأحاديث ويكون انتصار المسلمين على الروم تهيئة لفتح القسطنطينية، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن نافع بن عتبة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظتُ منه أربعَ كلمات أعدُّهن في يدي، قال: " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله، قال: فقال نافع: يا جابر لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم ". رواه مسلم.
وجاء تحديد أرض المعركة مع الروم وأنها في الشام في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه في سنن أبي داود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة في أرض بالغوطة في مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام".
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق - ودابق قرية قرب حلب - فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذٍ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلو بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فيتنزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك، ولكنه يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته".
وورد في وصف شدة هذا القتال، ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إن الساعة لا تقوم، حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرحَ بغنيمة، - ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشام - فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الروم تعني؟ قال: نعم. وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة".
إن الصراع بين الإسلام والنصرانية لن ينتهي بل هو ماض إلى قيام الساعة. قال صلى الله عليه وسلم: "فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحها الله، ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن قام قرن آخر". رواه ابن أبي شيبة في المصنف ونعيم بن حماد في الفتن وابن حجر في المطالب العلية وهو حديث حسن.
وهذا الصراع والمواجهة تكون بين مد وجزر لتأتي المعركة الفاصلة والملحمة الكبرى التي يحشد لها النصارى قرابة مليون شخص وتنتهي بالهزيمة النهائية حيث لا يقف الجيش الإسلامي إلا بعد أن يفتح روما العاصمة الدينية للروم وعندها تفتح الروم ويتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ويتبع ذلك مباشرة المعارك مع الدجال الذي ينتهي الأمر بقتله، وعندئذٍ تضع الحرب أوزارها ويقرب العالم من نهايته، ويتحقق وعد الله بتبديل الأرض غير الأرض، ويعود الخلق جميعهم إلى موجدهم لتبدأ بعد ذلك الحياة السرمدية الأخروية.
وفي الحديث إشارة إلى أن المسلمين سيتمكنون من تكوين دولة إسلامية تمثل قوة جديدة في العالم، يلتجئ إليها النصارى، ويطلبون مصالحتها للحصول على مساعدتها في محاربة عدو ثالث.
ومن علامات الساعة فتح القسطنطينية فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: " لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها - قال ثور: لا أعلمه إلا قال الذي في البحر- ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون". رواه مسلم.
ومن العلامات قتال اليهود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود". متفق عليه.
وهاهم اليهود يتجمعون في فلسطين من أكثر من عشرات السنين كما أخبر تعالى في كتابه المحكم: "وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا". فقد جاؤوا كما أخبر الله عز وجل، وهاهم يزرعون شجر الغرقد ذي الشوك الذي هو شجرهم كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي آخر الزمان خراب المدينة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي، يريد عوافي السباع والطير". رواه البخاري.
وذلك والله أعلم بعد أن يتوجه أهلها لنصرة جيش المسلمين في الشام ضد جيش الروم الجرار كما مر معنا.
وفي آخر الزمان استحلال البيت الحرام وهدم الكعبة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يخرِّب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله". رواه أحمد بإسناد صحيح.
الشيخ محمد بن إبراهيم السبر