(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )٣٢-الزخرف
قال”ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سُخريا” ليس معنى”سُخريا”من السخرية؛بل من التسخير؛لأنها بالضم وتلك بالكسر تصحيح_التفسير” / د.عبدالمحسن المطيري
( ورحمة ربك خيرٌ ممَّا يجمعُون ) إنْ أحرق قلبك متاع لا تقدر عليه ، أطفئ الأسى والحسرة بهذه الآيه . / عايض المطيري
-﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا﴾ قال حاتم الأصم : تأملتها فعلمت أن القسمة من الله ؛فما حسدت أحداً أبداً.
:::::::::::::::::::::
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )٣٢-الزخرف
{نَحْنُ قَسَمْنَا} فَارْضَ بِما بِهِ اللهُ قَسَم، وثِقْ بِما بِهِ اللهُ حَكَمْ. وسَلِّمْ أَمْرَكَ لَه، وتَوَسَّلْ إليه مُفْتَقِراً. ولا تُنازِعِ اللهَ فِيما قَضَى. فَهُو الأَعْلَمُ بِما يُصْلِحُ حالَك، وهُو الأَقْدَرُ عَلى تَحْقِيْقِ آمالِك.
خَزائِنُهُ مَلأَى وهُو الكَرِيم.. لا يُمْسِكُ رِزْقاً عَن العَبْدِ بُخْلاً بِه. ــ تَعالَى الله ــ ولا يَمنَعُ الرِّزْقَ عَن العَبدِ عَجْزاً عَنْه ــ تَعالى الله ــ . ولَكنَّهُ الحَكِيْمُ العَلِيْم.. إِنْ أَعْطَى فَلِحِكْمَةٍ، وإِن مَنَعَ فَلِحِكْمَةٍ. وتَدْبِيْرُ اللهِ للعَبْدِ خَيْرٌ مِنْ تَدْبِيْرِ العَبْدِ لِنَفْسِه، وفي الدُّعاءِ المأَثُور: (أَصْلِحْ لِيْ شَأَنِيْ كُلَّهُ، وَلا تَكِلْنِيْ إِلى نَفْسِيْ طَرْفَةَ عَيْن)
وصَلاحُ شأَنِكَ رَبُكَ يَعْلَمُه. فَقَدْ يَكُونُ بالغِنى وقَدْ يَكُونُ بالفَقْرِ، وقَدْ يَكُونُ بالصِحةِ وقَدْ بالمَرَضْ، وقَدْ يَكونُ بالعُسْرِ وقَدْ يَكُونُ باليُسْر. فَكْمِ كَرِهَ إِنْسانٌ نازِلَةً نَزَلَتْ بِه. وفي طَيَّاتِها مِنَحٌ وفَضْلُ {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
{قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} كَذا كانَتْ أَعْظَمُ أُمْنِياتِهِم. فَلما خُسِفَ بِهِ وبِدَارِهِ الأَرْضَ. تَلاشَت تِلك الأُمْنياتُ. وتَوالَتْ شَواهِدُ المِنَنْ {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا}عُبُودِيةُ القَلْبِ.. إِخلاصٌ ومَسْكَنَةٌ. وتَوَكُلٌ على اللهِ وصِدْقُ اعِتِماد، وقَناعَةٌ بالعَيْشِ ورِضا. وتُمْتَحَنُ صَلابَةُ الإِيمانِ في مُنْعَطَفاتِ الحَياةِ. حِينَ يَقَسُو الفَقْرُ، أَو يشْتَدُ الأَلَم. أَو تَلُوحُ مِن الدُّنْيا زِيْنَةٌ وَتَعْجَزُ النَّفْسُ عَنْ إِدْرَاكِها {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} بارك الله لي ولكم..
ولَو أَنَّ العَيْنَ حِيْنَ امْتَدَّتْ.. أَبْصَرَتْ مَنْ هُوَ دُونَها. مَرِيضاً يَنْشُدُ الصِّحَةَ، ومُعْسِراً يَنْشُدُ اليُسْر. ومُبْتَلىً يَنْشُدُ العَافِيَة، وغرِيْباً يَنْشُدُ اللُّقْيا، وسَجِيْناً يَنْشَدُ الحُرِيَّةَ، وخائِفاً يَنْشَدُ الأَمْنَ. لاسْتَقامَ لَها المِيزانُ وقَامَتْ في صُفُوفِ الشَّاكِرِين عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِصلى الله عليه وسلم قال: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ)متفقٌ عَلَيْهِ {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ}
* وضَعِيْفُ الإِيْمانِ قَدْ وَهَنَ قَلْبُه.. تَغْشَاهُ الهُمُوم وتَخْتَرِمُهُ الأَوْهَامُ. يَسْتَبْطِئُ الرِّزْقَ فَيَتَجاوَزُ الحَدُودَ وَيَقْتَحِمُ الحَرام {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
وإِذا تَطَاوَلَتْ نَفْسُكَ لِفَضْلِ عَطاءٍ أَعطاهُ اللهُ غَيْرَك، واسْتَشْرَفَتْ إِليهِ طَمَعاً، واهْتَزَّتْ بِهِ إِعْجاباً. وتَمَنَّتْ وتَحَسَّرَتْ، وَضَاقَتْ وتَحَشْرَجَتْ. ودَبَّ فِيْها داءُ التَساؤُلِ والحَسَد. فأَقِمْها بِما يُصْلِحُها. واكْبَحْ جِماحَها بِما يُرَوِّضُها. ورَتِّلَ عَلى مَسامِعِها قَولَ رَبِك {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}
ثُمَّ انْثُرْ عَلَى نَفْسِكَ دَواءً يُطَيِّبُها، وانْفُضْ عَنْ قَلْبِكَ داءً يُهْلِكُه. فَإِنَّ الحَسَدَ قاتِلْ، وإِنَّ الحَسَدَّ لَيَأَكُلُ الحَسَنات. وادْعُ بِما بِهِ قَدْ أُمِرْتَ، أَدْعُ لأَخِيْكَ بالبَرَكَةِ، فَإنَّهُ أَحْفَظُ لِنِعْمَتِهِ، وأَبْقَى لِعَمَلِك. في الحدِيْثِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ) رواه ابن ماجة وصححه الأَلباني
وإِنِي امْرُؤٌ لا أَحْسُدُ النَّاسَ نِعْمَةً ** إِذا نَالَها قَبْلِيْ مِنَ النَّاسِ نَائِلُ
أَأَحْسُدُ فَضْلَ اللهِ أَنْ نَالَهُ امْرؤٌ ** سِوَايَ وعِنْدِيْ للإله فَضَائِلُ
{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}
عبدالعزيز بن محمد
ملتقى الخطباء
//////////////////////////
تفسير الشيخ الشعراوي
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )٣٢-الزخرف
يعني: إذا كنا قسمنا بينهم أبسط الأشياء وهي معايشهم في الدنيا أيريدون هم أنْ يقسموا رحمة الله وفضل الله حسْب أهوائهم، ورحمة الله يختصُّ بها مَنْ يشاء من عباده، فهي من يده سبحانه لا دخَلْ لأحد في توزيعها.
فقوله تعالى { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [الزخرف: 32] دلَّ على عجز الإنسان، وأن حركة الحياة لا تنصلح إلا بمنهج الله الذي ينظمها.
ومن حكمة هذه القسمة أنْ جعل بعضَ الناس أغنياء وبعضهم فقراء، بعضهم سادةٌ وبعضهم خَدَم، ولولا هذه القسمة ما استقامتْ حركة المجتمع وما وجدنا مَنْ يقوم بالأعمال الشاقة أو الأعمال الحقيرة.
وسبق أنْ أوضحنا أن حركة المجتمع وتقدمه لا يقوم على التفضُّل، إنما على الحاجة، فحاجة الفقير هي التي تدفعه للعمل.
والرحمة المرادة هنا { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [الزخرف: 32] هي النبوة، فهم يطمعون في أنْ يجعلوها اختياراً يختارونه من ساداتهم وكبراء القوم فيهم، فالحق سبحانه يُصحِّح لهم ويقول: كيف تطمعون في ذلك وأنتم لا تقدرون على قسمة أبسط الأشياء؟
ثم تلاحظ أن كلمة { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [الزخرف: 32] كلمة مبهمة تعني أن الكلّ مرفوع ومرفوع عليه، مرفوع في شيء، ومرفوع عليه في شيء آخر.
وهكذا يتكامل الخَلْق، وتتم المصالح، وتُقضى حاجات المجتمع كما قال الشاعر:
النَّاسُ للناسِ مِنْ بَدْوٍ وحَاضِرةٍ بَعْضٌ لبعْضٍ بمَا لاَ يعلموا خَدمُ
فأنت مرفوع فيما تُحسنه من الأعمال، ومرفوع عليك فيما لا تجيده، هذا معنى قوله تعالى: { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } [الزخرف: 32].
{ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [الزخرف: 32] المراد برحمة ربك هنا الرسالة والمنهج الذي يهدي الخَلْق إلى طريق الحق، هذه الرحمة في الحقيقة خيرٌ من هذا المتاع الزائل الذي تتنافسون عليه في الدنيا، لأن الإنسان مهما وصل في الدنيا إلى الرفاهية والترف والنعيم فسوف يموت ويتركه ولن يبقى له منه شيء.
أما منهج الله فيُورثك فوزاً باقياً تسعد به في الدنيا وتفوز به في الآخرة. إذن: هو خير وهو أبْقى، وهو أنفع لك وأدوم، هذا المنهج يضمن لك صلاحَ الدنيا وسلامة الآخرة؛ لذلك كان هو { خَيْرٌ } [الزخرف: 32] من كل ما تراه من بريق الدنيا.
ثم يتكلم الحق سبحانه عن الكافرين الذين ملكوا الدنيا، وأخذوا كل مظاهر الزينة والترف والنعيم، وتحكموا حتى في قوت ومصائر المسلمين، وبيَّن أن هذا الزخرف شكلٌ ظاهري زائل، والعاقبة لا بدَّ أنْ تكون لأهل الإيمان في النهاية
التفاسير العظيمة