إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ


    وردت كلمة «أسباط» في القرآن الكريم خمس مرات: أربعة منها في سياق تَعداد أسماء بعض الأنبياء، ونصَّت هذه الآيات على وجوب الإيمان بمن سمَّتْهم الأسباطَ، وهم أنبياءُ كِرامٌ من بني إسرائيل؛ حيث قال تعالى:


    1- ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136].


    2- ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140].

    3- ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84].

    4- ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163].

    فالأسباطُ مذكورون في هذه الآيات الأربعة، كلها في إطار ذكر الأنبياء: إبراهيمَ، وإسماعيلَ، وإسحاقَ، ويعقوبَ، وهذا الذِّكْرُ جَعَلَ الكثيرين يعتبرون الأسباطَ هم أبناءَ يعقوب الاثني عشر، لكن الذين يعتبرون إخوةَ يوسف أنبياءَ يجعلون معنى الأسباط: الأبناءَ، فهم أسباطٌ ليعقوب؛ لأنهم أبناء من صُلْبِهِ، وهذا محلُّ نظرٍ.

    أما المرة الخامسة؛ ففي قوله تعالى: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾ [الأعراف: 160].

    اختلف العلماء في المراد بالأسباط، بعد اتفاقهم على أنهم أبناء يعقوب عليه السلام:
    1- فذهب بعضهم إلى أن المراد بالأسباط: أبناء يعقوب عليه السلام لصُلْبِهِ؛ أي: المباشرين.

    حيث رأى بعض المفسرين أن المراد بالأسباط في الآيات الأربع الأولى هم إخوة يوسف الأحد عشر، فبعد أن تابوا عن ذنوبهم، واعتذروا إلى أخيهم يوسفَ عن فعلتهم الشنيعة به؛ وقال لهم: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ﴾ [يوسف: 92]، وبعد أنِ استغفر لهم أبوهم يعقوبُ عليه السلام، أنْعَمَ عليهم بالنُّبوَّة جميعًا، ونالوا هذه الدرجة العالية؛ لذا فهم الْمَعْنِيُّون بكلمة "الأسباط"، وهذا الرأي يفتقر إلى الأدلة القوية الصحيحة التي تؤيِّدُه وتُقرِّره.

    2- وذهب الجمهور إلى أنهم حَفَدَةُ يعقوبَ، ذراري أبنائه الاثني عشر، قبائل بني إسرائيل، وأنهم كالقبائل في العرب من بني إسماعيل، والشعوب من العجم.

    فسِبْطُ الرجل: حفيده، ومنه قيل للحسن والحسين رضي الله عنهما: سِبْطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في الأسباط أنبياءُ.

    قال الإمام الراغب في معنى السِّبط: "أصل السَّبط: انبساط في سهولة، والسِّبط: ولد، كأنه امتداد الفروع، وقوله تعالى: ﴿ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ [النساء: 163]؛ أي: قبائل، كل قبيلة من نسل رجل".

    وقال السَّمين الحلبي: الأسباط جمع سِبط، وهم في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، وأحسن منه ما قاله الأزهري: الأسباط في ولد إسحاق، والقبائل في ولد إسماعيل، فعلوا ذلك تفرقةً بين أولاد الآخرين؛ أعني إسحاق وإسماعيل، واشتقاق السبط من الامتداد والتفريع؛ لأن السِّبطَ ولد الولد، فكأن النسب امتدَّ وانبسط وتفرَّع.

    وقيل: اشتقاق الأسباط من السَّبَطِ؛ وهو الشجرة التي أصلها واحد وأعضاؤها كثيرة، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ أَسْبَاطًا أُمَمًا ﴾ [الأعراف: 160] فترجم الأسباط بالأمم، فكل سبط أُمَّةٌ.

    وقال أبو سعيد الضرير: أصل السبط: شجرة مُلتفَّةٌ كثيرة الأغصان.

    وقال ابن تيمية: فسُمُّوا الأسباط لكثرتهم، فكما أن الأغصان من شجرة واحدة، كذلك الأسباط كانوا من يعقوب، ومثل السبط الحافد، وكان الحسن والحسين سِبْطَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأسباط حَفَدَة يعقوبَ ذراري أبنائه الاثني عشر.

    وقال المبرِّد: سألت ابن الأعرابي عن الأسباط فقال: هم خاصة الولد؛ أي: هم أولاد الولد.

    وقال القرطبي: وسُمُّوا الأسباط؛ من السَّبَط، وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون.

    وقال أيضًا: والسِّبط: الجماعة والقبيلة، الراجعون إلى أصل واحد... وقيل: أصله من السَّبَط – بالتحريك - وهو الشجر؛ أي: هم في الكثرة بمنزلة الشجر، الواحدة سَبْطَة.

    وقوله تعالى: ﴿ أُمَمًا ﴾ [الأعراف: 160] في الآية منصوبة؛ لأنها بدل من ﴿ أَسْبَاطًا ﴾ [الأعراف: 160]؛ أي: قطَّعنا بني إسرائيل اثنتي عشرة أُمَّةً، ولهذا فجَّر الله لهم الحجر اثنتي عشرة عينًا على عدد قبائلهم وأسباطهم، وإذا كانت "الأسباط" بمعنى قبائل بني إسرائيل، فإن الأسباط ليسوا أنبياءَ، وإنما ذكرهم الله ضمن مجموعة من الأنبياء على تقدير حذف مضاف، والتقدير: «وأنبياء أسباط بني إسرائيل»؛ أي: آمَنَّا بما أنزل على الأنبياء: إبراهيم وإسماعيل، وإسحاق ويعقوب؛ لأن الله أخبرنا بأسمائهم أنهم أنبياء، وآمنَّا بالأنبياء الآخرين الذين بعثهم الله إلى أسباط وقبائل بني إسرائيل، ولم يُخبرنا الله عن أسمائهم.

    قال ابن تيمية: "ومن قال: الأسباط أولاد يعقوب، لم يرِدْ أنهم أولاده لصُلبه، بل أراد ذريته، كما يُقال: بنو إسرائيل وبنو آدم، فتخصيص الآية ببَنِيه لصُلبه غلط، لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى، ومن ادَّعاه فقط أخطأ خطأً بَيِّنًا".

    وأنزل الله تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم؛ كما قال موسى لهم: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 20].

    قال ابن تيمية: "الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار: أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياءَ، وليس في القرآن، ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا عن أصحابه خبرٌ بأن الله تعالى نبَّأهم، وإنما احتجَّ من قال: إنهم نُبِّئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء: ﴿ وَالْأَسْبَاطِ ﴾، وفسَّر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب، والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصُلبه، بل ذريته، كما يُقال فيهم أيضًا: «بنو إسرائيل»، وكان في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل.

    وقال أيضًا: فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة، وإن كان قبل النبوة؛ كما قال عن موسى: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ [القصص: 14]؛ الآية، وقال في يوسف كذلك، وفي الحديث: ((أكرم الناس يوسفُ بنُ يعقوبَ بن إسحاقَ بن إبراهيمَ، نبيٌّ من نبيٍّ من نبيٍّ))، فلو كانت إخوته أنبياءَ، كانوا قد شاركوه في هذا الكرم، وهو تعالى لما قصَّ قصةَ يوسفَ، وما فعلوا معه، ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة، ولا شيئًا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبةً باهرةً... بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار، ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء - لا قبل النبوة ولا بعدها - أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة؛ من عقوق الوالد، وقطيعة الرحم، وإرقاق المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر، والكذب البيِّن، وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يحكِ شيئًا يناسب الاصطفاء والاختصاص الموجِب لنبوتهم، بل الذي حكاه يخالف ذلك، بخلاف ما حكاه عن يوسف.

    ثم إن القرآن يدل على أنه لم يأتِ أهلَ مصرَ نبيٌّ قبل موسى، سوى يوسف؛ لآية غافر: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ﴾ [غافر: 34]، ولو كان من إخوة يوسف نبيٌّ، لكان قد دعا أهل مصر، وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك، عُلِمَ أنه لم يكن منهم نبي، فهذه وجوه متعددة يقوِّي بعضها بعضًا.

    وقد ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر، وهو أيضًا، وأوصى بنقله إلى الشام، فنقله موسى.

    والحاصل: أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل مِن ظنِّ أنهم هم الأسباط، وليس كذلك، إنما الأسباط ذريتهم، الذين قُطِّعوا أسباطًا من عهد موسى، كل سِبطٍ أُمَّةٌ عظيمة.

    ولو كان المرادُ بالأسباط أبناءَ يعقوب لقال: "ويعقوب وبنيه"، فإنه أوجز وأبَينُ، واختُير لفظ "الأسباط" على لفظ "بني إسرائيل"؛ للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطًا من عهد موسى؛ [انتهى كلام ابن تيمية].

    وإنما نفى الله عنهم اليهوديةَ والنصرانية المحرَّفة، وأثبت لهم الإسلام الذي هو دين الأنبياء جميعًا، والخطاب لأهل الكتاب المبدِّلين لشرائعهم.

    والحاصل أن الراجح عدم نبوة إخوة يوسف عليه السلام للعديد من الشواهد:
    1- إن كلمة "أسباط" لا تُطلَق على الولد، بل على ولد الولد فما دون.

    2- لم يرِد في القرآن الكريم ولا السنة الصحيحة أن إخوة يوسف قد نُبِّئوا، ولو ورد ذلك لَما وسِعنا إلا التسليم بنبوتهم.

    3- لم يذكر مؤمنُ آل فرعون من الأنبياء الذين دَعَوا المصريين إلى التوحيد غيرَ يوسف عليه السلام؛ فقد قال للمصريين: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ [غافر: 34]، ولم يقُلْ: ولقد جاءكم يوسف وإخوته.

    4- إن إخوة يوسف قد همُّوا بقتله وطرحوه في غيابة الجُبِّ، وهذا عمل لا يفعله من يُعَدُّ لمرتبة النبوة.

    5- إن يوسف عليه السلام قال لهم، وبعد سنين طويلة من فعلتهم به: ﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ [يوسف: 77].

    6- إن كلمة "أسباط" لم تُطلَق على ذرية "يعقوب – إسرائيل" إلا في سيناء بعد الخروج، ولم تُطلَق عليهم أبدًا في مصر طيلة ما يزيد على مائتي سنة، مما يفيد أن معنى كلمة "الأسباط" هو القبائل التي تكوَّنت من أبناء وذرية كلِّ ولد من أولاد يعقوب، لا أسماء آبائهم.

    7- كل ما نقوله عن إخوة يوسف عليه السلام أنهم كانوا في أفعالهم الخاطئة التي سجلتها لهم آيات سورة يوسف عصاةً مخطئين، ارتكبوا تلك الذنوب والآثام، وبعد ذلك شعروا بتأنيب الضمير، فتابوا إلى الله وأنابوا له، واستغفروا من ذنوبهم، بل طلبوا من أخيهم يوسفَ أن يستغفر الله لهم، كما طلبوا هذا من أبيهم، وبعد ذلك تابوا وأنابوا، واستقاموا وأصلحوا، فأقصى ما وصلوا إليه أن يكونوا مؤمنين صالحين، وعابدين محسنين، وبهذا ختموا حياتهم.





    د. خالد النجار



    شبكة الالوكة






يعمل...
X