الخطبة الأولى (انْتِظَارُ الْفَرَجِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (7) الطلاق، وفي مسند أحمد: قال صلى الله عليه وسلم: (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً»،
إخوة الإسلام
سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ، فانتظارُ الفَرَجِ عِبادةٌ عَظيمةٌ، نتأملها في ثَنايا قوله صلى الله عليه وسلم: (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً»،
وانتظارُ الفَرَجِ عِبادةُ الأنبياءِ، وزَادُ الأولياءِ، وسَلوةُ الأتقياءِ، فإذا أشَدُّ على المسلمين البَلاء، فأنيسُهم هو الإيمانُ الرَّاسخُ بوَعدِ الله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) [الطلاق:7]، ووَعد الرسول صلى الله عليه وسلم: “وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً”، ولِسانُ حَالِ قُلوبِهم يتلون قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضَّالُّونَ) [الحجر:56]. وانتظار الفرج هو حسن ظن بالله تعالى، فهو الذي صير النار للخليل بردا وسلاما، وهو الذي فرج عن يونس فأخرجه من بطن الحوت، وهو الذي فلق لنبي الله موسى وقومه البحر، وأنجاهم من الكرب العظيم، وهو الذي أخرج يوسف من الجب، وأخرجه من السجن، وهو الذي رفع عيسى، ونجاه من القتل، وهو الذي نجا رسوله محمدا من قومه، إذ يمكرون به ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه، فالشدّة لا تدوم، والعسر يعقبه يسر، وما من ضائقة إلا ويزيلها الفرج، فمن إيمان العبد بربه، أن يستشعر أن للآلام نهاية، وأن لكل داء دواء.
فانتظر الفرج أيّها المسلم (المهموم والمكروب والمحزون) بإيمان، وعمل خالص، وحسن ظن بربك جل وعلا، ولا تخرم وثيقة الايمان بسخط متكرر، أو جزع متتالي، أو اعتراض لا يجدي، ولكن انتظر الفرج بقلب آمن ومطمئن، وبلسان ذاكر شاكر، وبجوارح عاملة باذلة، وبإقامة للعبادات والطاعات، وبتوبة من المعاصي والمنكرات، وبتذلل لله وخضوع، وابتهال إليه وخشوع،
انتظر الفرج؛ لأن انتظارك عباده، وصبرك طاعة، وبعد الضيق فسحة، وبعد الكدر سرور، وبعد المدكرات صافيات، وما أجمل أن يتربى الانسان على انتظار الفرج؛ لأنه لا محالة قادم، فتنال بذلك أجر انتظاره، وتفوز بسعادة وصوله، والعبد المسلم يؤمن أن ما يتعرض له من ابتلاءات ومصائب – أيّاً كانت – فهي تكفير له من الذنوب، وتطهير له من الخطايا، ورفع للدرجات، فكم من عبد غارق في الذنوب والشهوات، فإذا به قد أصابه البلاء، فصبر وصدق ،فكان له ذلك البلاء مصفياً لذنوبه وخطاياه، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، وفيه أيضا: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».
أيها المسلمون
لقد روى الامام مالك في الموطإ: (عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران:200، فانتظار المؤمنِ لفرَج اللهِ تعالى هو أملٌ في اللهِ كبيرٌ، وتَوقُّعٌ جازمٌ بالخيرِ، يَجودُ به اللطيفُ الخبيرُ؛ فالمؤمن في كلِّ أحواله وساعاتِه مُرْتَقِبٌ تفريجَ كربتِه، وتيسيرَ عسرتِه؛ فكما أنَّ الأملَ فيه معْقودٌ وحدَه -سبحانه-؛ فكذلك، لا تكونُ الشكايةُ إلا إليه، كما قال يعقوبُ -عليه السلامُ-: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 86]، والمؤمنُ وهو في ذلك الانتظارِ، يتقلَّبُ في عبادةٍ هيَ من أعظم العباداتِ، ففي انتظارِ الفرجِ قَطْعُ للعلائقِ والأسبابِ، وتعلُّقُ القلبِ بالله تعالى، وشُخوصُ الأملِ إليه، والتبرِّي من الحَوْلِ والقوةِ؛ وهذا خالِصُ الإيمانِ، فأشرفُ العبادات، ولب الطاعات، أنْ يتوجَّهَ القلبُ بهمومِه كلِّها إلى خالقه، ومدبر أمره ومولاه؛ فإذا نزلَ به ضيقٌ انتظرَ الفرَجَ منه، لا من سواه، مع صبرِه، وعدمِ ضجرِه، وعدمِ شكواه، وعدمِ اتهامِه للحقَّ فيما ابتلاه؛ فانتظار المؤمنِ لفرَج اللهِ تعالى فيه من الانقيادِ للقضاءِ، والتسليمِ لقدْرِ اللهِ، فما أقربَ فرَجُ اللهِ لمن انكسرَ قلبُه بين يديه، ولم يرتضِ جابراً لكَسْرِه سوى الجبَّارِ -سبحانه-
وفي انتظارِ المؤمن للفرَجِ من اللهِ: إفرادٌ له بالربوبيةِ، وتدبيرِ الأمورِ، وأنَّ الكونَ كله في قبْضتِه؛ ومحكومٌ بقدَرِه وقدرته، فمشيئةً مُطْلَقةً؛ لا يُعجزُها شيءٌ، ولا يصمدُ أمامَ فرَجِها أيُّ قوةٍ، وإنْ اجتمع عليها أهلُ الأرضِ قاطبةً، وانتظارُ الفرَجِ من اللهِ مُفْرَدَةٌ من مُفرداتِ حُسْنِ الظنِّ به -سبحانَه-؛ إذ حقيقةُ ذلك الانتظارِ إفلاسٌ مما عدا اللهِ، وخيبةُ ظنٍّ فيما سواه، وقَصْرٌ لِحُسْنِ الظنِّ فيه وحدَه -جلَّ شَأْنُه-؛ وذاك أعظمُ درجاتِ حُسْنِ الظنِّ باللهِ،
وانتظارُ الفرجِ من اللهِ تعالى فيه مُعايَشَةُ وتذوِّقِ لطَعْمِ معاني أسمائه الحُسنى وصفاتِه العُلا؛ من رحمةِ الرحيمِ، ولُطْفِ اللطيفِ، وجَبْرِ الجَبَّارِ، وقَهْرِ القَّهارِ، وعُلُوِّ العليِّ الأعلى، وسَمْعِ السميعِ، وقُرْبِ القريبِ الباطنِ، واطِّلاعِ الرقيبِ، ومودَّةِ الوَدودِ، ومِنَّةِ المنَّانِ، وعِزَّةِ العزيزِ، وسَعَةِ الواسعِ، وهِبَةِ الوهابِ، ورِزْقِ الرزَّاقِ، وحياةِ الحيِّ، وقيَّوميِّةِ القيومِ، وملكوتِ المَلَكِ المالكِ.
نعم فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (فلنْ يَغلبَ عسرٌ يسريْنِ)، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ” إِذَا جَاءَكَ أَمْرٌ لَا كِفَاءَ لَكَ بِهِ؛ فَاصْبِرْ، وَانْتَظِرِ الْفَرَجَ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- “، فإمّا يُذْهِبُ اللهُ الشدةَ، أو يُعينُ عليها بالصبرِ، والتعايشِ والاسترواحِ بارتقابِ الفرجِ، وفي انتظارِ فرجِ اللهِ تسريعٌ لفرَجِه، وتَرَقٍّ في سُلِّمِ عبوديتِه، وتلذُّذٌ بمناجاتِه، فانتظار الفرج انتصار على اليأس، كما قال يعقوب لبنيه: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف: (87)، وفيه قهر للقنوط، كما قال نبي الله إبراهيم: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ } الحجر: (56)، وفي انتظار الفرج تصديق للخبر، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} الشرح: (5)، (6)، وفيه تسليم للوعد، بأن الفرج بعد الكرب، وفيه اطمئنان لسنة الله: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (7) الطلاق، وفي انتظار الفرج تطلع إلى لطفه ورحمته، قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف (56)، وفيه ركون إلى كفايته سبحانه، قال تعالى: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (137) البقرة، وفيه اعتماد على رعايته وولايته، قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} البقرة: 257، وقال ابن رجب الحنبلي في (جامع العلوم والحكم): في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)، قال: (وهذا يشهد له قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) الشورى: (28)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد: (عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ»، والمعنى: أنه سبحانه يعجب من قنوط عباده عند احتباس القطر عنهم، وقنوطهم ويأسهم من الرحمة، وقد اقترب وقت فرجه ورحمته لعباده، بإنزال الغيث عليهم، وتغيره لحالهم وهم لا يشعرون. وقال تعالى: (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) الروم (48)، (49)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (انْتِظَارُ الْفَرَجِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
نحن-المسلمين- نَنتَظرُ الفَرجَ: لأنَّنا نَعلمُ أنَّ لنا رَبَّاً عَليماً حَكيماً، سَميعاً كَريماً، بَصيراً رَحيماً، ونَنتظرُ الفَرجَ: بِحُسنِ ظَنٍّ باللهِ الذي لا يَنقَطِعُ بِهِ الرَّجاءُ، فَمهمَا اشتَدَّ الظَّلامُ فلا بُدَّ أن يَعقِبَهُ ضِياءٌ، وسَطوةُ الفَقرِ لا بُدَّ لَها مِن جَلاءٍ، وشِدَّةُ الضِّيقِ عَاقِبَتُها إلى سِعةٍ ورَخاءٍ، هَكَذا عَلَّمنا القُرآنُ، عَلمنا أنَّهُ ليسَ لَها مِن دُونِ اللهِ كاشفةٌ، فآمنا: (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر:38].
ونحن-المسلمين- نَنتظرُ الفَرَجَ: بِصبرٍ جَميلٍ على أقدارِ العزيزِ الجليلِ، دُونَ شَكوى أو تسَخَطٍ، وننتظرُ الفَرَجَ بِدُعاءٍ صَادقٍ، مِن أعماقِ القُلوبِ، فإنَّه نِعمَ الصَّاحبُ في الشدة والأزَماتِ والكُروبِ، فَقد أَمرَنا اللهُ تَعالى بالدُّعاءِ، ووَعدَ بالإجابةِ، ففي صحيح البخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي. إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ.
قَالَ «أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ»، وفي صحيح الأدب المفرد للبخاري: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت”. وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ».
حامد ابراهيم
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (7) الطلاق، وفي مسند أحمد: قال صلى الله عليه وسلم: (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً»،
إخوة الإسلام
سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ، فانتظارُ الفَرَجِ عِبادةٌ عَظيمةٌ، نتأملها في ثَنايا قوله صلى الله عليه وسلم: (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً»،
وانتظارُ الفَرَجِ عِبادةُ الأنبياءِ، وزَادُ الأولياءِ، وسَلوةُ الأتقياءِ، فإذا أشَدُّ على المسلمين البَلاء، فأنيسُهم هو الإيمانُ الرَّاسخُ بوَعدِ الله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) [الطلاق:7]، ووَعد الرسول صلى الله عليه وسلم: “وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً”، ولِسانُ حَالِ قُلوبِهم يتلون قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضَّالُّونَ) [الحجر:56]. وانتظار الفرج هو حسن ظن بالله تعالى، فهو الذي صير النار للخليل بردا وسلاما، وهو الذي فرج عن يونس فأخرجه من بطن الحوت، وهو الذي فلق لنبي الله موسى وقومه البحر، وأنجاهم من الكرب العظيم، وهو الذي أخرج يوسف من الجب، وأخرجه من السجن، وهو الذي رفع عيسى، ونجاه من القتل، وهو الذي نجا رسوله محمدا من قومه، إذ يمكرون به ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه، فالشدّة لا تدوم، والعسر يعقبه يسر، وما من ضائقة إلا ويزيلها الفرج، فمن إيمان العبد بربه، أن يستشعر أن للآلام نهاية، وأن لكل داء دواء.
فانتظر الفرج أيّها المسلم (المهموم والمكروب والمحزون) بإيمان، وعمل خالص، وحسن ظن بربك جل وعلا، ولا تخرم وثيقة الايمان بسخط متكرر، أو جزع متتالي، أو اعتراض لا يجدي، ولكن انتظر الفرج بقلب آمن ومطمئن، وبلسان ذاكر شاكر، وبجوارح عاملة باذلة، وبإقامة للعبادات والطاعات، وبتوبة من المعاصي والمنكرات، وبتذلل لله وخضوع، وابتهال إليه وخشوع،
انتظر الفرج؛ لأن انتظارك عباده، وصبرك طاعة، وبعد الضيق فسحة، وبعد الكدر سرور، وبعد المدكرات صافيات، وما أجمل أن يتربى الانسان على انتظار الفرج؛ لأنه لا محالة قادم، فتنال بذلك أجر انتظاره، وتفوز بسعادة وصوله، والعبد المسلم يؤمن أن ما يتعرض له من ابتلاءات ومصائب – أيّاً كانت – فهي تكفير له من الذنوب، وتطهير له من الخطايا، ورفع للدرجات، فكم من عبد غارق في الذنوب والشهوات، فإذا به قد أصابه البلاء، فصبر وصدق ،فكان له ذلك البلاء مصفياً لذنوبه وخطاياه، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، وفيه أيضا: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».
أيها المسلمون
لقد روى الامام مالك في الموطإ: (عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران:200، فانتظار المؤمنِ لفرَج اللهِ تعالى هو أملٌ في اللهِ كبيرٌ، وتَوقُّعٌ جازمٌ بالخيرِ، يَجودُ به اللطيفُ الخبيرُ؛ فالمؤمن في كلِّ أحواله وساعاتِه مُرْتَقِبٌ تفريجَ كربتِه، وتيسيرَ عسرتِه؛ فكما أنَّ الأملَ فيه معْقودٌ وحدَه -سبحانه-؛ فكذلك، لا تكونُ الشكايةُ إلا إليه، كما قال يعقوبُ -عليه السلامُ-: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 86]، والمؤمنُ وهو في ذلك الانتظارِ، يتقلَّبُ في عبادةٍ هيَ من أعظم العباداتِ، ففي انتظارِ الفرجِ قَطْعُ للعلائقِ والأسبابِ، وتعلُّقُ القلبِ بالله تعالى، وشُخوصُ الأملِ إليه، والتبرِّي من الحَوْلِ والقوةِ؛ وهذا خالِصُ الإيمانِ، فأشرفُ العبادات، ولب الطاعات، أنْ يتوجَّهَ القلبُ بهمومِه كلِّها إلى خالقه، ومدبر أمره ومولاه؛ فإذا نزلَ به ضيقٌ انتظرَ الفرَجَ منه، لا من سواه، مع صبرِه، وعدمِ ضجرِه، وعدمِ شكواه، وعدمِ اتهامِه للحقَّ فيما ابتلاه؛ فانتظار المؤمنِ لفرَج اللهِ تعالى فيه من الانقيادِ للقضاءِ، والتسليمِ لقدْرِ اللهِ، فما أقربَ فرَجُ اللهِ لمن انكسرَ قلبُه بين يديه، ولم يرتضِ جابراً لكَسْرِه سوى الجبَّارِ -سبحانه-
وفي انتظارِ المؤمن للفرَجِ من اللهِ: إفرادٌ له بالربوبيةِ، وتدبيرِ الأمورِ، وأنَّ الكونَ كله في قبْضتِه؛ ومحكومٌ بقدَرِه وقدرته، فمشيئةً مُطْلَقةً؛ لا يُعجزُها شيءٌ، ولا يصمدُ أمامَ فرَجِها أيُّ قوةٍ، وإنْ اجتمع عليها أهلُ الأرضِ قاطبةً، وانتظارُ الفرَجِ من اللهِ مُفْرَدَةٌ من مُفرداتِ حُسْنِ الظنِّ به -سبحانَه-؛ إذ حقيقةُ ذلك الانتظارِ إفلاسٌ مما عدا اللهِ، وخيبةُ ظنٍّ فيما سواه، وقَصْرٌ لِحُسْنِ الظنِّ فيه وحدَه -جلَّ شَأْنُه-؛ وذاك أعظمُ درجاتِ حُسْنِ الظنِّ باللهِ،
وانتظارُ الفرجِ من اللهِ تعالى فيه مُعايَشَةُ وتذوِّقِ لطَعْمِ معاني أسمائه الحُسنى وصفاتِه العُلا؛ من رحمةِ الرحيمِ، ولُطْفِ اللطيفِ، وجَبْرِ الجَبَّارِ، وقَهْرِ القَّهارِ، وعُلُوِّ العليِّ الأعلى، وسَمْعِ السميعِ، وقُرْبِ القريبِ الباطنِ، واطِّلاعِ الرقيبِ، ومودَّةِ الوَدودِ، ومِنَّةِ المنَّانِ، وعِزَّةِ العزيزِ، وسَعَةِ الواسعِ، وهِبَةِ الوهابِ، ورِزْقِ الرزَّاقِ، وحياةِ الحيِّ، وقيَّوميِّةِ القيومِ، وملكوتِ المَلَكِ المالكِ.
نعم فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (فلنْ يَغلبَ عسرٌ يسريْنِ)، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ” إِذَا جَاءَكَ أَمْرٌ لَا كِفَاءَ لَكَ بِهِ؛ فَاصْبِرْ، وَانْتَظِرِ الْفَرَجَ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- “، فإمّا يُذْهِبُ اللهُ الشدةَ، أو يُعينُ عليها بالصبرِ، والتعايشِ والاسترواحِ بارتقابِ الفرجِ، وفي انتظارِ فرجِ اللهِ تسريعٌ لفرَجِه، وتَرَقٍّ في سُلِّمِ عبوديتِه، وتلذُّذٌ بمناجاتِه، فانتظار الفرج انتصار على اليأس، كما قال يعقوب لبنيه: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف: (87)، وفيه قهر للقنوط، كما قال نبي الله إبراهيم: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ } الحجر: (56)، وفي انتظار الفرج تصديق للخبر، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} الشرح: (5)، (6)، وفيه تسليم للوعد، بأن الفرج بعد الكرب، وفيه اطمئنان لسنة الله: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (7) الطلاق، وفي انتظار الفرج تطلع إلى لطفه ورحمته، قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف (56)، وفيه ركون إلى كفايته سبحانه، قال تعالى: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (137) البقرة، وفيه اعتماد على رعايته وولايته، قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} البقرة: 257، وقال ابن رجب الحنبلي في (جامع العلوم والحكم): في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)، قال: (وهذا يشهد له قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) الشورى: (28)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد: (عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ»، والمعنى: أنه سبحانه يعجب من قنوط عباده عند احتباس القطر عنهم، وقنوطهم ويأسهم من الرحمة، وقد اقترب وقت فرجه ورحمته لعباده، بإنزال الغيث عليهم، وتغيره لحالهم وهم لا يشعرون. وقال تعالى: (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) الروم (48)، (49)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (انْتِظَارُ الْفَرَجِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
نحن-المسلمين- نَنتَظرُ الفَرجَ: لأنَّنا نَعلمُ أنَّ لنا رَبَّاً عَليماً حَكيماً، سَميعاً كَريماً، بَصيراً رَحيماً، ونَنتظرُ الفَرجَ: بِحُسنِ ظَنٍّ باللهِ الذي لا يَنقَطِعُ بِهِ الرَّجاءُ، فَمهمَا اشتَدَّ الظَّلامُ فلا بُدَّ أن يَعقِبَهُ ضِياءٌ، وسَطوةُ الفَقرِ لا بُدَّ لَها مِن جَلاءٍ، وشِدَّةُ الضِّيقِ عَاقِبَتُها إلى سِعةٍ ورَخاءٍ، هَكَذا عَلَّمنا القُرآنُ، عَلمنا أنَّهُ ليسَ لَها مِن دُونِ اللهِ كاشفةٌ، فآمنا: (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر:38].
ونحن-المسلمين- نَنتظرُ الفَرَجَ: بِصبرٍ جَميلٍ على أقدارِ العزيزِ الجليلِ، دُونَ شَكوى أو تسَخَطٍ، وننتظرُ الفَرَجَ بِدُعاءٍ صَادقٍ، مِن أعماقِ القُلوبِ، فإنَّه نِعمَ الصَّاحبُ في الشدة والأزَماتِ والكُروبِ، فَقد أَمرَنا اللهُ تَعالى بالدُّعاءِ، ووَعدَ بالإجابةِ، ففي صحيح البخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي. إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ.
قَالَ «أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ»، وفي صحيح الأدب المفرد للبخاري: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت”. وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ».
حامد ابراهيم