﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾
في حديث قدسي: "قال اللهُ -عز وجل-، وعزَّتي لا أَجْمَعُ لعبدي أَمْنَيْنِ ولا خَوْفَيْنِ، إنْ هو أَمِنَنِي في الدنيا أَخَفْتُهُ يومَ أَجْمَعُ فيهِ عبادِي، وإنْ هو خَافَنِي في الدنيا أَمَّنْتُهُ يومَ أَجْمَعُ فيهِ عِبادِي"[صححه الألباني].
وكلما كان العبد أكثر إخلاصا وتوحيدا كان أكثر أمنا يوم القيامة
ومن مشاهد الكرامة يوم القيامة الذين يظلهم الله في ظله، فعندما يكون الناس في الموقف العظيم تحت وهج الشمس القاسي يذوقون من البلاء شيئا عظيما بينما يكون فريق من المؤمنين في ظل عرش الرحمن لا يعانون الكربات التي يقاسي منها الآخرون، كما أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ -تعالى- في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ"[أخرجه الشيخان].
فليس حال العباد يوم القيامة على حال واحدة، فبعض المسلمين يكون قد قارف ذنوبا توقعه في أهوال ومشقات وعقاب، فممن أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنهم يعذب في الموقف العظيم: الذين لا يؤدون الزكاة، وجاء في الأحاديث أن عذابهم متنوع، قال عليه الصلاة والسلام: "من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعا أقرع -وهو الحية الذكر المتمعط شعر رأسه لكثرة سمه- له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه- يقول: أنا مالك أنا كنزك".
ثم تلا هذه الآية: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران الْقِيَامَةِ: 180]"[أخرجه الشيخان].
وعند مسلم: "ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم. فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار".
عباد الله: وممن يعذب في الموقف العظيم: المتكبرون، فالكبر جريمة كبرى في شرع الله، والله يبغض أصحابها أشد البغض وعندما يبعث الله العباد يحشر المتكبرون في صورة مهينة ذليلة؛ ففي الحديث الذي أخرجه أحمد والترمذي: "يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يومَ القيامةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ من كلِّ مَكَانٍ، يُساقُونَ إلى سِجْنٍ في جهنمَ يُسَمَّى: بُولَسَ تَعْلوهُمْ نارُ الأنْيارِ، يُسْقَوْنَ من عُصارَةِ أهلِ النارِ طِينَةَ الخَبالِ"[حسنه الألباني].
والذر: صغار النمل، وصغار النمل لا يعبأ بها الناس، فيطؤونهم بأرجلهم، وهم لا يشعرون.
وفي صحيح مسلم مرفوعا: "ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهمْ اللهُ يومَ القِيامةِ ولا يُزَكِّيهِمْ وذكر منهم: وعائِلٌ مُستَكْبِرٌ".
كما يبغض الله أسماء المتكبرين التي يطلقونها على أنفسهم استكبارا واستعلاءً؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أخنَعُ الأسماءِ عِندَ اللهِ رجلٌ تَسمَّى بملِكِ الأملاكِ".
زاد مسلم في رواية: "لا مالك إلا الله -عز وجل-".
إن مما ينجي العبد يوم الدين: سعيه في حاجات المسلمين، ومساعدة المحتاجين، وتيسيره على المعسرين، قال عليه الصلاة والسلام: "من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ. ومن يسّرَ على معسرٍ، يسّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ. ومن سترَ مسلمًا، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه"[رواه مسلم].
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان تاجرٌ يُداينُ الناسَ، فإذا رأى مُعسرًا قال لفتيانِهِ: تجاوزوا عنهُ، لعلَّ اللهَ يتجاوزُ عنَّا، فتجاوزَ اللهُ عنهُ".
وممن يكرم -إخوة الإيمان- يوم العرض: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا، فهم يوم القيامة في مقام رفيع يجلسون على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين؛ ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن المقسطينَ، عند اللِه، على منابرَ من نورٍ. عن يمينِ الرحمنِ -عز وجل-، وكلتَا يديهِ يمينٌ؛ الذين يعدلونَ في حُكمهِم وأهليهِم وما وُلّوا".
وممن يكرم يوم العرض: الشهداء، فإن الشهيد لا يفزع إذا فزع الناس؛ ففي سنن الترمذي وابن ماجة عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ: يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ، ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ، ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها، ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه"[صححه الألباني].
ومن إكرام الله للشهيد يوم القيامة: أن الله يبعثه وجرحه يتفجر دما لونه لون الدم، وأما رائحته فرائحة المسك؛ أخرج مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَكْلَمُ أحدٌ في سبيلِ اللهِ، واللهُ أعلمُ بمنْ يَكْلمُ في سبيلِهِ، إلا جاء يومَ القيامةِ وجُرحُهُ يثْعُبُ، اللونُ لونُ دمٍ والريحُ ريحُ مسكٍ".
,,,,,,,,,,,,,,,,,
التفسير الميسر :﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾
لا يخيفهم الهول العظيم يوم القيامة، بل تبشرهم الملائكة: هذا يومكم الذي وُعِدتُم فيه الكرامة من الله وجزيل الثواب. يوم نطوي السماء كما تُطْوى الصحيفة على ما كُتب فيها، ونبعث فيه الخلق على هيئة خَلْقنا لهم أول مرة كما ولدتهم أمهاتهم، ذلك وعد الله الذي لا يتخلَّف، وَعَدْنا بذلك وعدًا حقًا علينا، إنا كنا فاعلين دائمًا ما نَعِدُ به.
المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار
لا يخيفهم الهول العظيم حين تطبق النار على أهلها، وتستقبلهم الملائكة بالتهنئة قائلين: هذا يومكم الذي كنتم توعدون به في الدنيا، وتبشّرون بما تلاقون فيه من النعيم.
تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 103
«لا يحزنهم الفزع الأكبر» وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار «وتتلقاهم» تستقبلهم «الملائكة» عند خروجهم من القبور يقولون لهم «هذا يومكم الذي كنتم توعدون» في الدنيا.
تفسير السعدي : لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم
{ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ }- أي: لا يقلقهم إذا فزع الناس أكبر فزع، وذلك يوم القيامة، حين تقرب النار، تتغيظ على الكافرين والعاصين فيفزع الناس لذلك الأمر وهؤلاء لا يحزنهم، لعلمهم بما يقدمون عليه وأن الله قد أمنهم مما يخافون.{ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ } إذا بعثوا من قبورهم، وأتوا على النجائب وفدا، لنشورهم، مهنئين لهم قائلين: { هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } فليهنكم ما وعدكم الله، وليعظم استبشاركم، بما أمامكم من الكرامة، وليكثر فرحكم وسروركم، بما أمنكم الله من المخاوف والمكاره.
تفسير البغوي : مضمون الآية 103 من سورة الأنبياء
( لا يحزنهم الفزع الأكبر ) قال ابن عباس : الفزع الأكبر النفخة الأخيرة بدليل قوله عز وجل ( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض ) ( النمل 87 ) ، قال الحسن : حين يؤمر بالعبد إلى النار قال ابن جريج : حين يذبح الموت وينادى يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت وقال سعيد بن جبير والضحاك : هو أن تطبق عليهم جهنم وذلك بعد أن يخرج الله منها من يريد أن يخرجه .
( وتتلقاهم الملائكة ) أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون : ( هذا يومكم الذي كنتم توعدون )
التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية
وقوله-تبارك وتعالى-: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ...بيان لنجاتهم من كل ما يفزعهم ويدخل القلق على نفوسهم.أى: إن هؤلاء الذين سبقت لهم منا الحسنى، لا يحزنهم ما يحزن غيرهم من أهوال يشاهدونها ويحسونها في هذا اليوم العصيب، وهم يوم القيامة وما يشتمل عليه من مواقف متعددة.فالمراد بالفزع الأكبر: الخوف الأكبر الذي يعترى الناس في هذا اليوم.وفضلا عن ذلك فإن الملائكة تستقبلهم بفرح واستبشار، فتقول لهم على سبيل التهنئة:هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ به في الدنيا من خالقكم- عز وجل - في مقابل إيمانكم وعملكم الصالح.قالوا: وهذا الاستقبال من الملائكة للمؤمنين، يكون على أبواب الجنة، أو عند الخروج من القبور.ثم ختم- سبحانه - سورة الأنبياء ببيان جانب من أحوال هذا الكون يوم القيامة، وببيان سننه في خلقه، وببيان نعمه على عباده، وببيان ما أمر به نبيه صلّى الله عليه وسلّم، فقال-تبارك
وتعالى-:
تفسير ابن كثير
وقوله : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } قيل المراد بذلك الموت . رواه عبد الرزاق ، عن يحيى بن ربيعة عن عطاء .وقيل : المراد بالفزع الأكبر : النفخة في الصور . قاله العوفي عن ابن عباس ، وأبو سنان سعيد بن سنان الشيباني ، واختاره ابن جرير في تفسيره .
وقيل : حين يؤمر بالعبد إلى النار . قاله الحسن البصري .
وقيل : حين تطبق النار على أهلها . قاله سعيد بن جبير ، وابن جريج .
وقيل : حين يذبح الموت بين الجنة والنار . قاله أبو بكر الهذلي ، فيما رواه ابن أبي حاتم ، عنه .
وقوله : { وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } ، يعني : تقول لهم الملائكة ، تبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم : { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } أي: قابلوا ما يسركم .
تفسير القرطبي : معنى الآية 103 من سورة الأنبياء
قوله تعالى : لا يحزنهم الفزع الأكبر وقرأ أبو جعفر وابن محيصن ( لا يحزنهم ) بضم الياء وكسر الزاي .الباقون بفتح الياء وضم الزاي .
قال اليزيدي : حزنه لغة قريش ، وأحزنه لغة تميم ، وقد قرئ بهما .
والفزع الأكبر أهوال يوم القيامة والبعث ؛ عن ابن عباس .
وقال الحسن : هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار .
وقال ابن جريج وسعيد بن جبير والضحاك : هو إذا أطبقت النار على أهلها ، وذبح الموت بين الجنة والنار وقال ذو النون المصري : هو القطيعة والفراق .
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ثلاثة يوم القيامة في كثيب من المسك الأذفر ولا يحزنهم الفزع الأكبر ، رجل أم قوما محتسبا وهم له راضون ، ورجل أذن لقوم محتسبا ، ورجل ابتلي برق في الدنيا فلم يشغله عن طاعة ربه .
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : مررت برجل يضرب غلاما له ، فأشار إلي الغلام ، فكلمت مولاه حتى عفا عنه ؛ فلقيت أبا سعيد الخدري فأخبرته ، فقال : يا ابن أخي ! من أغاث مكروبا أعتقه الله من النار يوم الفزع الأكبر سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتتلقاهم الملائكة أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا يومكم الذي كنتم توعدون وقيل : تستقبلهم ملائكة الرحمة عند خروجهم من القبور عن ابن عباس هذا يومكم أي ويقولون لهم ؛ فحذف .
الذي كنتم توعدون فيه الكرامة .
ملتقى الخطباء