إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير و فوائد وأحكام من قوله تعالى {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء...}

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفسير و فوائد وأحكام من قوله تعالى {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء...}


    فوائد وأحكام من قوله تعالى:

    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ... ﴾



    قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 5 - 9].

    1- سعة علم الله - عز وجل - واطِّلاعه التام على كل شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ .


    وهذا من الصفات المنفية التي تدل على كمال ضدها وهو سعة علمه - عز وجل - واطِّلاعه على كل شيء صغيرًا كان أو كبيرًا، قليلًا كان أو كثيرًا، وفي هذا دلالة على كمال حياته عز وجل.


    2- الوعد لمن آمن بالله، والوعيد لمن كفر به؛ لأنه سبحانه مُطِّلع على كل شيء، ومن ذلك أعمال العباد وسيحاسبهم ويجازيهم عليها.


    3- الرد على القدرية الذين يقولون: إن الله لا يعلم بأعمال العباد حتى تقع منهم تعالى الله عن ذلك.


    4- قدرة الله تعالى التامة حيث يصور بني آدم في الأرحام كيف يشاء، وينقلهم فيها من حال إلى حال؛ لقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ، وفي هذا دلالة على كمال قيوميته - عز وجل - وكمال علمه، وكمال ربوبيته.


    5- عناية الله - عز وجل - ببني آدم حيث يصورهم في بطون أمهاتهم منتقلين فيها من حال إلى حال، ورحمته لهم، ومنته عليهم حيث صورهم وأحسن صورهم، كما قال تعالى: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [غافر: 64]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 - 8].

    ولكونه - عز وجل - خلق الإنسان على أحسن صورة؛ نهى الشرع عن التجميل الذي يكون فيه تغيير خلق الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، والمغيرات خلق الله»[1].

    أما ما كان من إزالة العيب في أصل الخِلقة فلا بأس به، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قُطِعَ أنفه أن يتخذ أنفًا من ورق، فأنتن، فأذن له أن يتخذ أنفًا من ذهب[2].

    6- في اختلاف صور بني آدم نعمة أخرى في طي نعمة تصويرهم وخلقهم، وهي اختلاف صورهم وأشكالهم وألوانهم ليتعارفوا ويتمايزوا، كما أن في ذلك ابتلاء لهم ليعلم الله من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يجزع.

    7- إثبات المشيئة لله تعالى، وهي الإرادة الكونية، وأن ما شاء الله تعالى وأراده كونًا لابد كائن لا محالة؛ لقوله تعالى: ﴿ كيف يشاء ﴾.

    8- الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية بقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾.

    9- إثبات انفراد الله تعالى بالألوهية، فلا معبود بحق سواه؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.

    10- أن كل ما يُعبد من دون الله فهو باطل؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾؛ أي: لا إله حق إلا هو.

    11- إثبات اسم الله «العزيز» وما يدل عليه من إثبات صفة العزة التامة لله تعالى؛ عزة الامتناع، وعزة القهر والغلبة، وعزة القوة؛ لقوله تعالى: ﴿ العزيز ﴾.

    12- إثبات اسم الله تعالى «الحكيم» وما يدل عليه من إثبات صفة الحكم التام والحكمة البالغة لله - عز وجل - الحكم الكوني، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، والحكمة الغائية، والحكمة الصورية؛ لقوله تعالى: ﴿ الحكيم ﴾.

    13- في اقتران «العزيز» و«الحكيم» واجتماعهما في حقه - عز وجل - زيادة كماله إلى كمال.

    ولله المثل الأعلى، فمع أن المخلوق قد يوصف بالعزة والحكمة المحدودة، لكن قلَّ أن تجتمع في شخص هاتان الصفتان، فإن وُجِدَ عنده عِزة صاحبها الطيش والخفة والسفه وعدم الحكمة، فصار ضرر هذه العزة أكبر من نفعها، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206]، وإن وُجِدَ عنده حكمة صاحبها الضعف وعدم القدرة، فلم تنفعه حكمته؛ لأن الناس لا يحترمون إلا الأقوياء، ولا مكان للضعفاء عندهم، وكما قال زهير[3]:
    ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
    يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم



    وظلم الناس لا يجوز، لكن لابد من قوة تردع المعتدي، وتمنع من الاعتداء والظلم، كما قال الآخر:
    فلا منعت دار ولا عز أهلها
    من الناس إلا بالقنا والقنابل[4]


    وقد أحسن النابغة الجعدي في قوله[5]:
    ولا خير في حلم إذا لم تكن له
    بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
    ولا خير في جهل إذا لم يكن له
    حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

    14- إثبات أن القرآن الكريم كلام الله تعالى، أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه مُنزَّل غير مخلوق؛ لقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾، وقول الراسخين في العلم: ﴿ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾، وفي هذا الرد على من زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم اختلقه وافتراه من عند نفسه، وعلى من زعموا أن القرآن مخلوق.

    15- إثبات علو الله - عز وجل - على خلقه، فله - عز وجل - العلو المطلق: علو الذات، وعلو الصفات؛ لأن الإنزال يكون من أعلى إلى أسفل؛ لقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾.

    16- تشريف النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب الله تعالى له، وإنزال الكتاب عليه, وإثبات رسالته صلى الله عليه وسلم.

    17- تعظيم القرآن الكريم؛ لقوله تعالى: ﴿ الْكِتَابَ؛ أي: الكتاب الذي هو أعظم الكتب وأفضلها، ويكفيه عظمة أنه مُنزَّل من الله تعالى وكلامه.

    18- أن القرآن الكريم منه ما هو محكم واضح المعنى والدلالة، وهو أصل الكتاب ومرجعه وجله، ومنه ما هو متشابه غير واضح المعنى والدلالة؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾.

    19- وجوب إرجاع المتشابه من القرآن إلى المحكم منه؛ لقوله تعالى: ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾؛ أي: هي أصله ومرجعه الذي ينبغي أن يُرجع إليه عند الاشتباه، ولهذا قال الراسخون في العلم: ﴿ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾.

    20- ابتلاء العباد يجعل القرآن الكريم منه محكم ومتشابه؛ ليتميز أهل الزيغ من أهل العلم والإيمان، فمن ردَّ ما اشتبه منه إلى ما وضح منه، وحكم بمحكمه على متشابهه اهتدى، ومن عكس ضل.

    21- اتباع الذين في قلوبهم زيغ ما تشابه من القرآن؛ لفتنة الناس وصدهم عن دينهم وإيقاعهم في الشك والكفر، ولتأويل هذا المتشابه تأويلًا مذمومًا، وتحريفه ليوافق أهواءهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾.

    22- أن مدار فساد الأعمال وصلاحها على القلوب؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾.

    ومفهوم هذا: أن من كانت قلوبهم سليمة لا يتبعون ما تشابه منه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾، وقول الراسخين في العلم: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾.

    23- التحذير من زيغ القلب وميله عن الحق، ووجوب علاجه والعمل على إصلاحه؛ لأن الله ذم أهل الزيغ وفضحهم، وبيَّن سوء قصدهم وسوء عملهم.

    24- أن حقيقة الفتنة هي الفتنة في الدين بالشرك، والصد عن سبيل الله؛ لقوله تعالى: ﴿ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ﴾.

    25- أن تأويل المتشابه بمعنى معرفة عاقبته وما يؤول إليه لا يعلمه إلا الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾، على قراءة الوقف على قوله: ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾.

    26- أن الراسخين في العلم يعلمون تفسير المتشابه ومعناه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ على قراءة الوصل.

    27- فضل الرسوخ في العلم والتأصيل والثبات فيه، والثناء على أهله؛ لأنه سبب لعلم تأويل القرآن وتفسيره والإيمان به، ورد المتشابه منه إلى المحكم، والخوف من زيغ القلوب، وسؤال الله الثبات على الهدى والرحمة، والإقرار بالبعث والمعاد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، ويقولون: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾.

    28- أن القرآن كله من عند الله - عز وجل - يجب الإيمان به، محكمه ومتشابه؛ فهو حق لاشك فيه، ولا اختلاف.

    29- إثبات ربوبية الله تعالى الخاصة بالمؤمنين؛ لقوله تعالى: ﴿ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾، وقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا ﴾، وقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾.

    30- إنه لا يتذكر ولا يتعظ بمواعظ القرآن وغيرها إلا أصحاب العقول، الذين تهديهم عقولهم إلى ما ينفعهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾.

    31- فضل العقل الذي ينتفع به صاحبه، وهو عقل الرشد وحسن التصرف؛ لأنه سبب للتذكر، ولهذا أثنى الله على أولي الألباب وحصر التذكر فيهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾، وفي هذا تعريض بذم الذين لا يعقلون.

    32- امتحان العباد في وجود المتشابه في القرآن الذي لا يعلم تأويله إلا الله، هل يتأدبون مع الله ويقفون عند حد ما تدركه عقولهم، ويعلمون أن فوق كل ذي علمٍ عليم، أو يتجرؤون على القول على الله بغير علم؟

    33- أن مدار صلاح الأعمال والهداية على القلوب مما يوجب الخوف من زيغ القلوب، وسؤال الله الثبات والاستقامة على الهدى، وأن لا يغتر المرء بما هو عليه من الهدى والصلاح؛ لقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾.

    وفي الحديث: «قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا شاء أن يقلب قلب عبده قلبه»[6]. ومن الذي يأمن- والحالة هذه- إلا مغرور؟!. وقد قيل: «ما أمن النفاق إلا منافق».

    34- تصدير الدعاء باسم «الرب» - عز وجل - فذلك أقرب إلى الإجابة؛ لأن الرب هو الذي بيده الخلق والملك والتدبير، فكأن السائل يقول: يا من له الخلق والملك والتدبير لا تُزِغ قلبي، وهب لي من لدنك رحمة؛ ولهذا صدر الراسخون في العلم دعاءهم بهذا الاسم، وبه كان دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين.

    35- التوسل لله - عز وجل - بقبول الدعاء بالاعتراف بنعمه، والثناء عليه بها؛ لقول الراسخين في العلم: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾.

    36- أن الاعتراف بنعمة صاحب النعمة والثناء بها عليه قبل السؤال من أسباب الإجابة؛ ولهذا علَّمنا الله - عز وجل - في مطلع سورة (الفاتحة) أن نحمده ونثني عليه ونمجده ثم نسأله، بل إن في الثناء على المنعم ما قد يكفي عن التصريح بالسؤال، كما قيل:

    إذا أثنى عليك المرء يومًا
    كفاهُ من تعرضه الثناء[7]



    37- أن التخلية قبل التحلية؛ لقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾، فدعوا بزوال المرهوب، ثم حصول المطلوب.

    38- حاجة الإنسان إلى ربه - عز وجل - في دفع الضر والشر، وجلب النفع والخير؛ لقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾.

    39- أن الهداية والإضلال كونًا بيد الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾.

    40- ينبغي الاستغناء بالله - عز وجل - وسؤاله الرحمة من عنده دون الخلق ومِنَّتهم؛ لأنه سبحانه ذو الرحمة الواسعة والعطاء الجزيل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾، فطلبوا الرحمة منه خاصة؛ تعظيمًا له - عز وجل - ومعرفةً منهم بعظيم رحمته وواسع فضله؛ ولهذا قالوا: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ .


    والعطاء على قدر المعطي، وكما قيل:
    على قدر أهل العزم تأتي العزائم
    وتأتي على قدر الكرام المكارم[8]



    41- إثبات اسم الله تعالى ﴿ الْوَهَّابُ ﴾، وأنه سبحانه يهب ويعطي الرحمة والفضل لمن شاء من خلقه.


    42- إثبات يوم القيامة، وأنه آتٍ لا ريب فيه؛ لقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾، وأن الناس أحوج ما يكونوا إلى رحمة الله تعالى في هذا اليوم العظيم.


    43- قدرة الله تعالى التامة على جمع الناس لهذا اليوم، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 29]، وقال تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ [النازعات: 13، 14].

    44- إثبات الحساب والجزاء على الأعمال؛ لأن هذا هو المقصود من بعث الناس وجمعهم في ذلك اليوم.

    45- أن الله - عز وجل - لا يخلف الميعاد، فوعده حق، ولقاؤه حق، وحسابه حق، وجزاؤه حق؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾.

    وليس في الآية دليل على وجوب عقاب العاصي كما يقول الوعيدية؛ لأن الوعيد مشروط بعدم التوبة، وعدم العفو عما يدخل تحت العفو، وهو ما دون الشرك.

    ................................

    تفسير قوله تعالى:


    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ... ﴾ [آل عمران: 5 - 9]




    قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾[آل عمران: 5 - 9].



    قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾.

    قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴾: ﴿ إِنَّ ﴾: حرف توكيد ونصب، واسمها لفظ الجلالة ﴿ الله ﴾، وخبرها جملة النفي: ﴿ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴾، وهي جملة منفية تدل على ثبوت ضدها وهو ظهور كل شيء له سبحانه وتعالى، وكمال علمه وإحاطته؛ لأن الخفاء يقابله ويضاده الظهور.



    و﴿ شيء ﴾: نكرة في سياق النفي، فيعم كل شيء أيًّا كان، صغيرًا أو كبيرًا، قليلًا أو كثيرًا.



    ﴿ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾: متعلق بـ ﴿ يَخْفَى ﴾؛ أي: لا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا يخفى عليه شيء في السماء.



    والمراد جنس الأرض وجنس السماء؛ أي: لا يخفى عليه شيء في الكون كله، ومن ذلك إيمان مَن آمن، وكُفر مَن كفر، وغير ذلك؛ لكمال علم الله - عز وجل - الدال على كمال حياته.



    وفي هذا وعد لمن آمن بآيات الله، ووعيد لمن كفر بها، وترغيب في الثواب، وترهيب من العقاب.



    قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.

    هذا من الأدلة على كمال ربوبيته وقيوميَّته - عز وجل - وتقرير علمه.



    قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ ﴾: ﴿ هُوَ ﴾ يعود إلى «الله»؛ أي: الله الذي ﴿ يُصَوِّرُكُمْ ﴾؛أي: يجعلكم على صور معينة في أرحام أمهاتكم.



    ﴿ فِي الْأَرْحَامِ ﴾: حال من ضمير الخطاب « الكاف »، أي: يصوركم حال كونكم في الأرحام.



    و﴿ الْأَرْحَامِ ﴾: جمع رحم، وهو موضع تكون الجنين في بطن أمه، وهو القرار المكين، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [المرسلات: 20 - 22].



    ﴿ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾: حال من فاعل ﴿ يُصَوِّرُكُمْ ﴾؛ أي: يصوركم في أرحام أمهاتكم، ويخلقكم على أي كيفية أراد كونًا، نطفًا، ثم علقًا، ثم مُضغًا، ثم تنفخ فيه الروح.



    هذا شقي وهذا سعيد، هذا ذكر وهذه أنثى، هذا طويل وهذا قصير، هذا أبيض وهذا أسود، هذا جميل وهذا قبيح، هذا مكتمل الخلقة وهذا ناقص الخلقة.



    هذا يشبه أباه وهذا يشبه أمه، وهذا يشبههما وهذا لا يشبه واحدًا منهما، وهذا يشبه جده أو جدته، وهذا يشبه عمه أو خاله، ونحو ذلك، وهذا لا يشبه أحدًا من أقاربه، وهذا يشبه بعض الأبعدين، وهذا لا يشبه أحدًا.



    ولا تنافي بين كونه تعالى يُصور الجنين كيف يشاء، وبين كونه يشبه أباه أو أمه أو نحو ذلك؛ لأن الله - عز وجل - قد جعل لكل شيءٍ سببًا، وربط المسببات بأسبابها؛ ولهذا لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلامًا أسود- كأنه يُعرِّض بزوجته[1]- قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك من إبل؟»، قال: نعم، قال: «ما ألوانها؟» قال: حمر، قال: «فهل فيها من أورق؟» قال: نعم، قال: «أنى لها ذلك؟»، قال: لعله نزعه عرق، فقال صلى الله عليه وسلم: «فلذلك ابنك لعله نزعه عرق»[2].




    ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾؛ أي: لا معبود حق إلا هو، وقد كرر هذا؛ لتوكيد تفرده - عز وجل - بالألوهية، والمبالغة في الرد على النصارى الذين ادَّعوا إلهية عيسى عليه السلام، وعلى غيرهم من المشركين. وقد قرن فيما سبق بتقرير ألوهيته وكمال حياته وقيومته وإنزاله الكتب السماوية.



    وقرن هنا بذكر تصويره الخلق في الأرحام كيف يشاء وخلقهم، وكمال عزته، وكمال حكمه وحكمته، وهذا وذاك مما يوجب إفراده بالعبادة دون سواه.



    ﴿ الْعَزِيزُ ﴾: اسم من أسماء الله - عز وجل - على وزن «فعيل» يدل على أنه سبحانه ذو العزة التامة.



    ﴿ الْحَكِيمُ ﴾: اسم من أسماء الله - عز وجل - على وزن «فعيل» يدل على أنه الحاكم ذو الحكم التام بأقسامه الثلاثة: الحكم الكوني، والحكم الشرعي، والحكم الجزئي، وعلى أنه المحكم المتقن ذو الحكمة البالغة بقسميها: الحكمة الغائية، والحكمة الصورية.


    قال ابن كثير: «وهذه الآية فيها تعريض، بل تصريح بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق، كما خلق الله سائر البشر؛ لأن الله صوره في الرحم وخلقه كما يشاء، فكيف يكون إلهًا - كما زعمته النصارى عليهم لعائن الله، وقد تقلب في الأحشاء، وتنقَّل من حالٍ إلى حال، كما قال تعالى: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [الزمر: 6].



    قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾.

    ذكر عز وجل في الآية السابقة نعمته على العباد بتصويرهم في الأرحام وخلقهم، ثم أتبع ذلك بما هو أعظم، وهو نعمته عليهم بإنزال الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم لهدايتهم.



    قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ تأكيدٌ لقوله تعالى: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران: 3]، وتمهيد لقوله: ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ﴾ الآية.



    وفي قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ قصر صفة إنزال القرآن على الله تعالى، وإبطال لزعم المشركين أنه إنما يعلمه بشر، أو أساطير الأولين.



    ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ﴾: أي من هذا الكتاب آيات، و﴿ آيَاتٌ ﴾ جمع آية، وهي في اللغة: العلامة، وفى الشرع: القطعة من كلام الله تعالى ذات بداية ونهاية معلومة.



    ﴿ مُحْكَمَاتٌ ﴾: الإحكام: الإتقان؛ أي: منه آيات متقنات معلومات واضحات المعنى والدلالة، لا اشتباه فيهن ولا التباس، وجُل القرآن على هذا؛ كما قال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1].



    ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾: الجملة في محل نصب حال من ﴿ آيَاتٌ ﴾، أو في محل رفع صفة لـ﴿ آيَاتٌ ﴾، والضمير ﴿ هنَّ ﴾ يعود إلى قوله: ﴿ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ﴾.



    وأم الشيء أصله ومعظمه ومرجعه، أي: هن أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه.



    قال تعالى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39]؛ أي: اللوح المحفوظ الذي كتب فيه كل شيء، وهو مرجع وأصل كل الكتب.



    ومنه سُمِّيت الفاتحة «أم الكتاب»؛ لأنها أصل القرآن الكريم وابتداؤه، ومشتملة على جميع معاينه[3].



    ومنه سُمِّيت خريطة الرأس الجامعة له «أم الرأس» وهي الدماغ، وسُمِّيت الراية «الأم»؛ لأن الجيش ينضوى إليها، كما قال ذو الرمة[4]:
    على رأسه أم لنا نقتدي بها
    جماع أمور لا نعاصي لها أمرًا


    قال الطبري[5]: «يعني بذلك أنهن أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود، وسائر ما بالخلق الحاجة إليه من أمر دينهم، وما كُلِّفوا من الفرائض والحدود وسائر ما يحتاجون إليه في عاجلهم وآجلهم».



    ﴿ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾: أي وآيات أُخر متشابهات، و«أُخر» ممنوع من الصرف؛ لأنه وصف معدول عن الآخر.



    ومعنى ﴿ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾؛أي: فيهن اشتباه من حيث عدم وضوح المعنى والدلالة، أو لكونهن مما استأثر الله تعالى بعلمه، كحقائق صفات الله وكيفياتها؛ فهذه لا يعلمها إلا الله، وما يتعلق بعلم الغيب، كقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾ [الأنعام: 158]، وكقيام الساعة، فهذا مما لا يعلمه إلا الله، وعدَّ بعض أهل العلم من هذا الحروف المقطعة في أوائل بعض السور.



    وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: «المحكمات: ناسخه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وما يؤمن به ويعمل به، والمتشابهات: منسوخه، ومقدمه ومؤخره، وأمثاله وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به»[6].



    فأما قوله تعالى في سورة (الزمر): ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23]، فليس المراد بقوله: ﴿ مُتَشَابِهًا ﴾ التشابه الذي هو هذا الإحكام، وإنما المراد أنه يشبه بعضه بعضًا في الكمال والحسن والبلاغة، وما فيه من الهدى والبيان والمواعظ والحكم والأحكام والدعوة إلى الخير، والتحذير من الشر والوعد والوعيد... ونحو ذلك.



    ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ﴾: الفاء: استئنافية، و«أما» حرف شرط وتفصيل، أي: فأما الناس الذين في قلوبهم زيغ، و«القلوب» جمع قلب، وهو محل الإدراك وهو العقل، و«الزيغ»: الميل والانحراف عن القصد، ومنه قوله تعالى: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم: 17]؛ أي: ما مال البصر وما انحرف عن المقصود، ويُقال: «زاغت الشمس»؛ أي: مالت وزالت عن كبد السماء.



    والمعنى: فأما الناس الذين في قلوبهم ميل عن الحق وقصد للباطل، كما هو حال كثير من المشركين من أهل الكتاب وغيرهم من أهل البدع والأهواء من الرافضة المجوسية والخوارج والقدرية والمعتزلة والجهمية وغيرهم.



    ﴿ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾ « ما »: موصولة، أي: فيتبعون الذي تشابه منه، ويأخذون به، ويحملون المحكم على المتشابه، ويضربون الآيات بعضها ببعض.



    وقد كنت أكتب في تفسير هذه الآية جوار بيت الله الحرام يوم الثلاثاء 11/ 8/ 1432هـ، فخرجت لصلاة الظهر في الحرم، وبعد صلاة الظهر جلس بجواري أحد الإخوة، فسألته: من أين أنت؟ فقال: أنا إيراني شيعي، وأخذ يُثني على الشيعة، فقلت له: الشيعة فيهم أناس طيبون، وفيهم غُلاة يزعمون أن القرآن مُـحرَّف، وأن الأئمة يدبرون الكون مع الله، ويُكَفِّرون كثيرًا من الصحابة كأبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي الله عنهم- فقام وأحضر مصحفًا، وفتح على قول الله تعالى في سورة (الرعد): ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43]، وأشار بأصبعه إلى قوله: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ ﴾، وقال: «كل المفسرين من أهل السنة يقولون: المراد بهذا علي بن أبي طالب، قلت: ليس هذا بصحيح، فلا أحد من أهل السنة يقول بهذا، وإنما يقولون: الضمير يعود إلى الله تعالى؛ أي: قل كفى بالله شهيدًا على رسالتي، وهو الذي عنده علم الكتاب، أي: علم اللوح المحفوظ.



    وقال بعض المفسرين: المراد بالضمير في قوله: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ ﴾: عبدالله بن سلام، والمراد بالكتاب: التوراة، فهو شهيد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة التوراة بذلك، فأخذ يقلِّب في المصحف، فأخرج الآية في سورة التوبة ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ ﴾ [التوبة: 40]، فقال: «من صاحبه؟» قلت: أبوبكر - رضي الله عنه - فقال: «كيف يحزن؟!»، كأنه يريد أن ينتقص من أبي بكر- رضي الله عنه - قلت له: الحزن ليس عيبًا، وقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127]، وقال تعالى: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 3]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [فاطر: 7]، فخرج من الموضوع وقال: «كيف تسلمون في المدينة على أبي بكر وعمر، وتمنعوننا أن نسلم على بعض الصحابة في البقيع؟»، فقلت له: لأنكم نجس تتبولون على قبور بعض الصحابة كما فعل بعضكم عند قبر عثمان - رضي الله عنه - فقام وانصرف منهزمًا، فقلت: يا سبحان الله، صدق الله العظيم: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾.



    قوله: ﴿ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾: مفعول لأجله، أي: لأجل الفتنة ولأجل تأويله، أي: طلب الفتنة وطلب تأويله، فاتبعوا ما تشابه منه لأجل هذين الغرضين الفاسدين.



    والضمير في ﴿ تَأْوِيلِهِ ﴾ يعود إلى المتشابه، والفتنة: الصد عن دين الله والشرك، أي: طلب فتنة الناس وصدهم عن دينهم، وإيقاعهم في الكفر والشرك والشك والإلحاد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 191]، وقوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ [البقرة: 193]، وقوله تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10].



    ﴿ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾: أي وطلب تأويله التأويل المذموم، وتحريفه تبعًا لأهوائهم المنحرفة، وإيهام أتباعهم أنهم يحتجون بالقرآن نظرًا لتشابهه، بخلاف المحكم فلا يتبعونه لأنه دامغ لهم، وحجة عليهم لوضوحه وعدم احتماله للتأويل.



    عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم»[7].



    ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ﴾ الواو: حالية، و«ما»: نافية، والضمير في ﴿ تَأْوِيلَهُ ﴾ يعود إلى ما تشابه من القرآن، والحال أنه لا يعلم تأويل المتشابه من القرآن، ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾: أداة حصر، أي: وما يعلم تأويله إلا الله وحده، أي: لا يعلم حقيقته وما يؤول إليه إلا الله وحده.



    والتأويل يأتي بمعنى التفسير، والتعبير، وبيان الشيء، كما قال أحد صاحبي السجن ليوسف عليه السلام: ﴿ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ﴾ [يوسف: 36]؛ أي: بتفسير وتعبير الرؤيا التي رأى كل منهما.



    ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه لابن عباس: «اللهم فقِّهه في الدين وعلمه التأويل»[8]؛ أي: تأويل القرآن وتفسيره.



    ويأتي التأويل بمعنى العاقبة والغاية التي يؤول إليها الشيء، والتي لا يعلمها إلا الله، كما قال تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأعراف: 53].



    فالمراد بـ﴿ تَأْوِيلِهِ ﴾ في الموضعين: عاقبته وما يؤول إليه، كما قال تعالى: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 39]، عاقبته وما يؤول إليه، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ [يوسف: 100]، وقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 39] ؛ أي: أحسن مآلًا وعاقبة.



    ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ الواو: استئنافية، والوقف عند أكثر السلف على قوله: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ ؛ أي: لا يعلم عاقبته وما يؤول إليه إلا الله.



    ﴿ وَالرَّاسِخُونَ ﴾: مبتدأ، وخبره جملة ﴿ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ﴾، والراسخون: جمع راسخ، والرسوخ بمعنى الثبات والتمكن، فالراسخون في العلم هم الثابتون فيه، المتمكنون منه، العارفون بدقائقه.



    ﴿ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ﴾: الضمير في ﴿ بِهِ ﴾ يعود إلى قوله: ﴿ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾؛ أي: إلى المتشابه، أي: صدقنا به وإن لم نعلم تأويله، ورددنا علم هذا المتشابه إلى المحكم.



    ويحتمل عود الضمير إلى ﴿ الْكِتَابِ ﴾، والأول أظهر؛ لقولهم بعده: ﴿ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾؛ أي: كل من المحكم والمتشابه من عند ربنا، فالمحكم صدَّقنا به وعلِمناه، والمتشابه صدقنا به ورددناه إلى المحكم، ووكَلنا علمَه إلى الله، وكل ذلك حق وصدق، لا تناقض فيه ولا اختلاف، كما قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].



    وبعض السلف يصلون قوله: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾، بقوله: ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾، فتكون الواو عاطفة، وقوله: ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾ معطوف على لفظ الجلالة ﴿ الله ﴾، وفي هذا تشريف لهم، كما في قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].



    وعلى هذا فالراسخون في العلم يعلمون تأويله، أي: تفسيره، كما قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس- رضي الله عنهما-: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»، ولهذا رُوِيَ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: «أنا ممن يعلم تأويله»[9]، وتكون جملة ﴿ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ﴾ على هذا القول في محل نصب على الحال.



    ولا تعارض بين القولين، فإن حُمِلَ معنى «التأويل» في قوله: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ على التفسير كان الوصل أولى، وإن حُمِلَ معنى «التأويل» على عاقبة الشيء وغايته وما يؤول إليه، ونحو ذلك فالوقف أَولى.



    وقد رُوِيَ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «التفسير على أربعة أنحاء؛ فتفسير لا يعذر أحد في فهمه، وتفسير تعرفه العرب من لغاتها، وتفسير يعلمه الراسخون، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل»[10].



    ومراده بالذي (لا يعلمه إلا الله): هو ما يتعلق بالأمور الغيبية وحقائق الأشياء ومآلاتها.



    وعلى هذا فتأويل القرآن كله بمعنى تفسيره مما يعلمه الراسخون في العلم؛ لأنهم إذا كانوا يعلمون تفسير المتشابه، فعلمهم بتفسير المحكم أَولى.



    وقد فسر السلف - رضي الله عنهم - من الصحابة والتابعين وتابعيهم القرآن كله وفهموا معانيه.



    قال مجاهد: «عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية، وأساله عن تفسيرها»[11].



    قال ابن تيمية: «وتارة يكون الإحكام في التأويل والمعنى، وهو تمييز الحقيقة المقصودة من غيرها، حتى لا تشتبه بغيرها، وفي مقابلة المحكمات الآيات المتشابهات التي تشبه هذا وتشبه هذا، فتكون محتملة للمعنيين، ولم يقل في المتشابه: «لا يعلم تفسيره ومعناه إلا الله» وإنما قال: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾، وهذا هو فصل الخطاب بين المتنازعين في هذا الموضع، فإن الله أخبر أنه لا يعلم تأويله إلا هو، والوقف هنا على ما دلت عليه أدلة كثيرة، وعليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمهور التابعين وجماهير الأمة، ولكن لم ينف علمهم بمعناه وتفسيره، بل قال: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وهذا يعم الآيات المحكمات والآيات المتشابهات، وما لا يعقل له معنى لا يتدبر، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، ولم يستثن شيئًا منه نُهِيَ عن تدبره، والله ورسوله إنما ذمَّا من اتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فأما من تدبر المحكم والمتشابه كما أمر الله، وطلب فهمه ومعرفة معناه فلم يذمه الله، بل أمر بذلك ومدح عليه»[12].



    ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ «الواو»: استئنافية، و«ما»: نافية، و﴿ يَذَّكَّرُ ﴾ أصلها «يتذكر» قُلِبَت التاء ذالًا وأُدغِمت في الذال الأخرى، والمعنى: وما يتعظ بالقرآن وما فيه من الهدى والمواعظ والبيان، ويفهم ويعقل ويتدبر ذلك وينتفع به ﴿ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾.



    ﴿ إِلَّا ﴾: أداة حصر، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19]، و﴿ أُولُو ﴾ بمعنى أصحاب، و﴿ الْأَلْبَابِ ﴾: جمع «لُب» وهو العقل؛ لأنه مجمع الخير والشر عند الإنسان، والمعنى: وما يتعظ بالقرآن وينتفع بما فيه من الهدى والبيان إلا أصحاب العقول السليمة، الذين تهديهم عقولهم إلى الحق والخير، وتمنعهم من الباطل والشر، كما قال تعالى: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ [الفجر: 5]؛ أي: الذي له لُب وعقل يهديه عقله إلى الخير ويحجره ويمنعه من الشر، وليس المراد بالألباب العقول التي بها مجرد الإدراك ضد الجنون، فهذه لا يمتدح بها، بل لا يكلف الإنسان إلا بوجود هذا العقل.



    وإنما المراد بالألباب العقول التي بها حسن التصرف وفعل الخير وترك الشر، والتي هي مناط المدح أو الذم.



    قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾.

    هذا الدعاء- والله أعلم- من تتمة كلام الراسخين في العلم.



    قوله: ﴿ رَبَّنَا ﴾: أي يا ربنا، وحُذِفت ياء النداء للتخفيف، والتبرك والتيمن بالبداءة باسم الله عز وجل.



    ﴿ لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا ﴾: ﴿ لَا ﴾في الأصل للنهي، وهي هنا للدعاء؛ لأن النهي والطلب إذا جاء من أدنى إلى أعلى كان معناه الدعاء.



    وإزاغة القلوب إمالتها عن الهدى والحق، أي: يا ربنا لا تمل قلوبنا عن الهدى والحق، وثبتنا على الصراط المستقيم.



    وإنما خصُّوا القلوب؛ لأن عليها مدار صلاح الأعمال وفسادها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»[13].



    وكان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يدعو: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».



    وعن أنس- رضي الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، فقلت: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: «نعم، إن القلوب بين أُصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء»[14].



    وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قلب ابن آدم على أُصبعين من أصابع الجبار - عز وجل - إذا شاء أن يقلِّبه قلَّبه»، فكان يُكثِر أن يقول: «يا مصرف القلوب»[15].



    وذلك لأنها محل العقل؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].



    فالعقل يكون بالقلوب، والقلوب في الصدور- كما ذكر الله - عز وجل - ولا ينافي هذا ارتباط العقل بين القلب والمخ- كما ذكر أهل العلم.



    ﴿ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾: أي بعد إذ مننت علينا بدلالتنا وتوفيقنا إلى الحق، وذلك أعظم مِنة، وأفضل نعمة، كما في قول المؤمنين: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، فهم يتوسلون إلى الله - عز وجل - بنعمته السابقة، وهي هدايته لهم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الخندق:
    والله لولا الله ما اهتدينا
    ولا تصدقنا ولا صلينا
    فأنزلن سكينة علينا
    وثبت الأقدام إن لاقينا
    ن الأُُلَى قد بغوا علينا
    وإن أرادوا فتنة أبينا[16]


    ﴿ وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴾ أي: وأعطنا، والهبة: العطية بلا عوض ولا مِنّة.



    ﴿ مِنْ لَدُنْكَ ﴾؛ أي: من عندك؛ لأنك ذو المن والعطاء الجزيل، والفضل العظيم، أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، ولئلا يكون لأحد سواك مِنة علينا.



    ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»[17].



    وعلَّم صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يسألوا الناس شيئًا حتى كان يسقط سوط أحدهم وهو على الدابة فينزل فيأخذه، ولا يسأل أحدًا يناوله إياه [18].



    ﴿ رحمة ﴾: رحمة الله - عز وجل - تنقسم إلى قسمين: رحمة ذاتية ثابتة له - عز وجل - كما قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الكهف: 58].



    ورحمة فعلية يوصلها إلى من شاء من خلقه؛ كما قال تعالى: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [العنكبوت: 21].



    ومعنى ﴿ وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴾؛ أي: وأعطنا من عندك رحمة من رحمتك الواسعة تثبتنا بها على الهداية، وتزيدنا هدى وإيمانًا، وتُدخِلنا بها الجنة، فكل ذلك من آثار رحمة الله تعالى، ولهذا سمى الله الجنة رحمة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 107]، وقال - عز وجل - في الحديث القدسي: «أنت الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء»[19].



    كما سمى عز وجل إنزال الغيث رحمة، فقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].



    فسألوا الله تعالى زوال المرهوب بالتثبيت على الهداية، والسلامة من الميل عن الحق، وحصول المطلوب بالرحمة.



    ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾: الجملة استئنافية للتعليل والتوسل، وقد أُكِّدت هذه الجملة بـ«إنَّ» وبكونها اسمية، وبضمير الفصل ﴿ أنت ﴾ الذي يفيد القصر.



    و﴿ الوهاب ﴾ اسم من أسماء الله - عز وجل - على وزن «فعَّال» يدل على سعة عطائه - عز وجل - وفضله وإنعامه؛ أي: إننا إنما طلبنا منك هبة الرحمة لأنك أنت وحدك الوهاب ذو العطاء الجزيل، والفضل العظيم، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].



    وفي الحديث: «يد الله ملأى، لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض، فإنه لم يغض ما في يده»[20].



    قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾.

    هذا من تتمة مقالة الراسخين يدل على قوة إيمانهم، وتمام يقينهم بالبعث والجزاء، وأنهم أحوج ما يكونوا إلى رحمة الله في هذا، كما قال إبراهيم عليه السلام في دعائه: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 41].



    قوله ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ ﴾؛ أي: يا ربنا إنك جامع الناس.



    ﴿ ليومٍ ﴾؛ أي: ليوم القيامة، واللام فيه للتوقيت، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الواقعة: 49، 50]، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾ [هود: 103].



    ﴿ لا رَيْبَ ﴾ ﴿ لا ﴾: نافية للجنس، و﴿ رَيْبَ ﴾: اسمها منصوب، و﴿ فيه ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبرها؛ أي: لا ريب حاصل فيه، أو نحو ذلك، والمعنى: لا شك فيه، أي: لا ينبغي أن يرتاب ويشك فيه.



    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾: تعليل وتأكيد لما قبله، أي: لجمعه - عز وجل - الناس ليومٍ لا ريب فيه، أي: لأن الله لا يخلف الميعاد.



    وهذا- والله أعلم- من تتمة كلام الراسخين، وفيه التفات من التكلم إلى الغيبة لتنبيه المخاطب، ولتعظيم الله؛ لأن مجيء الكلام بصيغة الغائب أبلغ في التعظيم كأنه سبحانه يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب تعظيمًا وتفخيمًا.



    ويُحتمل أن يكون هذا مستأنفًا، وهو من كلام الله تعالى؛ لأن الأصل عدم الالتفات؛ لأنه خروج بالكلام عن المألوف.



    والمعنى: إن الله لا يخلف ما وعد به من مجيء هذا اليوم العظيم، وما وعد به من حساب الخلائق ومجازاتهم فيه بأعمالهم، وغير ذلك.



    وهذا من الصفات المنفية الدالة على كمال ضدها، وهو وفاؤه - عز وجل - بوعده، كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [إبراهيم: 47]، وقال تعالى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج: 47]، وقال تعالى: ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 6].



    وذلك لأن إخلاف الميعاد إنما يكون بسبب كذب الواحد أو عجزه عن الوفاء بوعده، والله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد لكمال صدقه، فهو أصدق القائلين، ولكمال قدرته، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].




    فوائد وأحكام من قوله تعالى:

    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ... ﴾

    [1] أخرجه البخاري في التفسير (4886)، ومسلم في اللباس والزينة (2125)، وأبو داود في الترجل (4169)، والنسائي في الزينة (5099)، وابن ماجه في النكاح (1989)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.


    [2] أخرجه أبو داود في الخاتم (4232)، والنسائي في الزينة (5161)، والترمذي في اللباس (1770)، من حديث عرفجة بن أسعد رضي الله عنه.

    [3] انظر: «ديوانه» (ص35).

    [4] البيت لطرماح. انظر: «شرح ديوان الحماسة» (1/ 77).

    [5] انظر: «ديوانه» (ص69).

    [6] أخرجه مسلم في القدر تصريف الله القلوب حيث شاء (2654)، من حديث عبد الله بن عمرو
    رضي الله عنهما.


    [7] البيت لأمية بن أبي الصلت. انظر: «ديوانه» (ص17).

    [8] البيت للمتنبي. انظر: «ديوانه» (2/ 272).



    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

    تفسير قوله تعالى:

    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ... ﴾ [آل عمران: 5 - 9]




    [1] أي: بأنها زانية، وأن الولد ليس منه؛ ولهذا قال رؤبة بن العجاج:
    بأبه اقتدى عدي في الكرم
    ومن يشابه أبه فما ظلم


    أي: ومن يشابه أباه فما ظلم أمه؛ حيث أراحها من ألسنة المتقولين على المحصنات بالباطل. انظر: «ديوان رؤبة» (ص182).

    [2] أخرجه البخاري في الطلاق- إذا عرض بنفي الولد (5305)، ومسلم في اللعان (1500)، وأبو داود في الطلاق (2206)، والنسائي في الطلاق (3478)، والترمذي في الولاء والهبة (2128)، وابن ماجه في النكاح (2002)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

    [3] انظر الكلام على أسماء الفاتحة «أم الكتاب».

    [4] انظر: «ديوانه» (3 / 1455- 1446).

    [5] في «جامع البيان» (5/ 189).

    [6] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (5/ 193)، وابن أبي حاتم في «تفسيره » (2/ 592-593).

    [7] أخرجه البخاري في «التفسير» (4547)، ومسلم في «العلم» (2665)، وأبو داود في «السنة» (4598)، والترمذي في «التفسير» (2994).

    [8] أخرجه أحمد (1/ 266)، وإسناده صحيح.

    [9] انظر: «روح المعاني» (2/ 82 ).

    [10] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (1/ 70 )، وفي إسناده انقطاع، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (1/ 18).

    [11] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (1/ 85 )، وأبو نُعيم في «الحلية» (3/ 279).

    [12] انظر: «مجموع الفتاوى» (13/ 275 ).

    [13] أخرجه البخاري في الإيمان فضل من استبرأ لدينه (52)، ومسلم في المساقاة أخذ الحلال وترك الحرام (1599)، وابن ماجه في الفتن (3984)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

    [14] أخرجه الترمذي في القدر (2140) وقال: «حديث حسن» وقد رُوِيَ نحوه عن عائشة رضي الله عنها.

    [15] أخرجه أحمد (2/ 173).

    [16] أخرجه البخاري في المغازي (4104)، ومسلم في الجهاد والسير (1803)، من حديث البراء
    رضي الله عنه.


    [17] أخرجه البخاري في الأذان (834)، ومسلم في الذكر والدعاء (2705)، والنسائي في السهو (1302)، والترمذي في الدعوات (3531)، وابن ماجه في الدعاء (3835) من حديث أبي بكر رضي الله عنه.

    [18] أخرجه مسلم في الزكاة (1043)، وأبو داود في الزكاة (1642)، وابن ماجه في الجهاد (2867)، من حديث أبي مالك الأشجعى رضي الله عنه.

    [19] أخرجه البخاري في التفسير باب: (وتقول: هل من مزيد) (4850)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (2846)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

    [20] أخرجه البخاري في التفسير (4684)، ومسلم في الزكاة الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف (993)، والترمذي في التفسير (3045)، وابن ماجه في «المقدمة» (197)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.












    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


    شبكة الالوكة

يعمل...
X