﴿ ۞ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿٩﴾ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِىَ مِن فَوْقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَٰتَهَا فِىٓ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٩﴾] الحكمة في خلقه هذه المخلوقات في مدة ممتدة مع قدرة الله على إيجادها في حين واحد... ليعلّم عباده التأني في الأمور والمهل. ابن عطية:5/5.
﴿ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٧﴾] فإن قلت: لمَ خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة؟ قلت: لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته؛ ألا ترى إلى قوله عز وجل: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم) [البقرة: 265] أي: يثبتون أنفسهم، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال. القرطبي:18/393.
﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٦﴾] أي: لست بملك، بل أنا من بني آدم. قال الحسن: علمه الله تعالى التواضع. القرطبي:18/392.
﴿ وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا فِىٓ أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ وَفِىٓ ءَاذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنۢ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٥﴾] وذلك الحجاب هو اختلافهم في الدين؛ لأن دينهم كان عبادة الأوثان، ودين محمد ﷺ عبادة الله وحده لا شريك له؛ فذلك هو الحجاب الذي زعموا أنه بينهم وبين نبي الله. الطبري:21/429.
﴿ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٤﴾] نفي لسمعهم النافع الذي يعتد به. ابن عطية:5/4.
﴿ كِتَٰبٌ فُصِّلَتْ ءَايَٰتُهُۥ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٣﴾] أي: فُصِّل كل شيء من أنواعه على حدته، وهذا يستلزم البيان التام، والتفريق بين كل شيء، وتمييز الحقائق. السعدي:744.
﴿ تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٢﴾] من أعظم رحمته وأجلّها: إنزال هذا الكتاب الذي حصل به من العلم والهدى والنور والشفاء والرحمة والخير الكثير ما هو من أجلِّ نعمه على العباد. السعدي:744.
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٢٠﴾] وخص هذه الأعضاء الثلاثة؛ لأن أكثر الذنوب إنما تقع عليها أو بسببها. السعدي: 747.
﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿١٩﴾] يساقون ويدفعون إلى جهنم؛ قال قتادة والسدي: «يحبس أولهم عن آخرهم حتى يجتمعوا»، قال أبو الأحوص: «فإذا تكاملت العدة بدئ بالأكابر فالأكابر جرماً». القرطبي: 18/405.
﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَٰهُمْ فَٱسْتَحَبُّوا۟ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿١٧﴾] هذا كما هي الآن شريعة الإسلام مبينة لليهود والنصارى المختلطين لنا، ولكنهم يعرضون ويشتغلون بالصد؛ فذلك استحباب العمى على الهدى. ابن عطية: 5/10.
﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَٰهُمْ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿١٧﴾] وإنما نص عليهم –وإن كان جميع الأمم المهلكة قد قامت عليهم الحجة وحصل لهم البيان- لأن آية ثمود آية باهرة، قد رآها صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وكانت آية مبصرة، فلهذا خصهم بزيادة البيان والهدى. السعدي: 747.
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [سورة فصلت آية:﴿١٥﴾] اغتروا بأجسامهم حين تهددهم بالعذاب، وقالوا: «نحن نقدر على دفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا»؛ وذلك أنهم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم. القرطبي: 18/401.
﴿ قَالُوا۟ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿١٤﴾] وهذه الشبهة لم تزل متوارثة بين المكذبين من الأمم، وهي من أوهى الشبه؛ فإنه ليس من شرط الإرسال أن يكون المرسل مَلَكاً، وإنما شرط الرسالة أن يأتي الرسول بما يدل على صدقه، فليَقْدَحوا إن استطاعوا بصدقه بقادح عقلي أو شرعي، ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً. السعدي: 746.
﴿ إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ قَالُوا۟ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿١٣﴾] وقوله: (من بين أيديهم ومن خلفهم) تمثيل لحرص رسول كل منهم على هداهم؛ بحيث لا يترك وسيلة يَتوسل بها إلى إبلاغهم الدين إلا توسل بها، فمُثِّل ذلك بالمجيء إلى كل منهم؛ تارة من أمامه، وتارة من خلفه؛ لا يترك له جهة، كما يفعل الحريص على تحصيل أمرٍ أَن يتطلبه، ويعيد تطلبه، ويستوعب مظانّ وجوده أو مظانّ سماعه. ابن عاشور: 24/253.
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلْأَسْفَلِينَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٢٩﴾] ثم ذكر عز وجل مقالة كفار يوم القيامة إذا دخلوا النار؛ فإنهم يرون عظيم ما حل بهم وسوء منقلبهم، فتجول أفكارهم فيمن كان سبب غوايتهم وبادي ضلالتهم، فيعظم غيظهم وحنقهم عليه، ويودون أن يحصل في أشد عذاب، فحينئذ يقولون: (ربنا أرنا اللذين أضلانا). ابن عطية: 5/14.
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَا تَسْمَعُوا۟ لِهَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ وَٱلْغَوْا۟ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٢٦﴾] قال ابن عباس رضي الله عنهما: «يعني الغطوا فيه»، وكان بعضهم يوصي إلى بعض: إذا رأيتم محمدًا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر واللغو، قال مجاهد: والغوا فيه بالمكاء والصفير، وقال الضحاك: أكثروا الكلام؛ فيختلط عليه ما يقول. القرطبي: 4/65.
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَا تَسْمَعُوا۟ لِهَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ وَٱلْغَوْا۟ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٢٦﴾] وهذه شهادة من الأعداء، وأوضح الحق ما شهدت به الأعداء؛ فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلا في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك، ومفهوم كلامهم: أنهم إن لم يلغوا فيه، بل استمعوا إليه، وألقوا أذهانهم أنهم لا يَغلِبُون. السعدي: 748.
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَا تَسْمَعُوا۟ لِهَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ وَٱلْغَوْا۟ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٢٦﴾] وهذا من شأن دعاة الضلال والباطل: أن يُكَمِّموا أفواه الناطقين بالحق والحجة بما يستطيعون من تخويف وتسويل، وترهيب وترغيب، ولا يَدعوا الناس يتجادلون بالحجة، ويتراجعون بالأدلة؛ لأنهم يوقنون أن حجة خصومهم أنهَضُ، فهم يسترونها ويدافعونها لا بمثلها؛ ولكن بأساليب من البهتان والتضليل، فإذا أعيتهم الحِيَل، ورأوا بوارق الحق تخفق؛ خَشُوا أن يعُمَّ نورُها الناسَ الذين فيهم بقية من خير ورشد، عدلوا إلى لغو الكلام، ونفخوا في أبواق اللغو. ابن عاشور: 24/277.
﴿ ۞ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُوا۟ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٢٥﴾] أي: هيأنا لهم شياطين، وقيل: سلطنا عليهم قرناء يزينون عندهم المعاصي، وهؤلاء القرناء من الجن والشياطين، ومن الإنس أيضا. القرطبي: 18/411.
﴿ وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَىٰكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٢٣﴾] قال الحسن البصري: «إن قوماً ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم من حسنة، ويقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي. وكذب؛ ولو أحسن الظن لأحسن العمل». القرطبي: 18/409- 410.
﴿ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَآ أَبْصَٰرُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٢٢﴾] في معناه وجهان: أحدهما: لم تقدروا أن تستتروا من سمعكم وأبصاركم وجلودكم؛ لأنها ملازمة لكم، فلم يمكنكم احتراس من ذلك، فشهدت عليكم. والآخر: لم تتحفظوا من شهادة سمعكم وأبصاركم وجلودكم؛ لأنكم لم تبالوا بشهادتها، ولم تظنوا أنها تشهد عليكم. ابن جزي: 2/291.
﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٣٥﴾] لما ذكر تعالى ما يقابل به العدو من الإنس -وهو مقابلة إساءته بالإحسان- ذكر ما يدفع به العدو الجني؛ وهو: الاستعاذة بالله، والاحتماء من شره. فقال: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) أي: أي وقت من الأوقات أحسست بشيء من نزغات الشيطان؛ أي: من وساوسه وتزيينه للشر، وتكسيله عن الخير، وإصابة ببعض الذنوب، وإطاعة له ببعض ما يأمر به؛ (فاستعذ بالله) أي: اسأله، مفتقرًا إليه، أن يعيذك ويعصمك منه. السعدي: 750.
﴿ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُوا۟ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٣٥﴾] لكونها من خصال خواص الخلق التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق. السعدي: 749.
﴿ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُوا۟ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٣٥﴾] أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة (إلا الذين صبروا) نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله؛ فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟! فإذا صبّر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك متلذذًا مستحليًا له. السعدي: 749.
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٣٣﴾] أي: دعا عباد الله إليه، وهو في نفسه مهتدٍ بما يقوله، فنفعُه لنفسه ولغيره؛ لازمٌ ومتعدٍ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، بل يأتمر بالخير، ويترك الشر، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى. ابن كثير: 4/102.
﴿ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ ۖ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٣١﴾] أي: تقول لهم الملائكة الذين تتنزل عليهم بالبشارة: (نحن أولياؤكم)، قال مجاهد: أي: نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قالوا: لا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة. القرطبي: 18/418.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَٰمُو ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٣٠﴾] قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: «الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب»، وقال عثمان بن عفان- رضي الله عنه-: «أخلصوا العمل لله»، وقال علي- رضي الله عنه-: «أدوا الفرائض». البغوي: 4/65-66.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَٰمُوا۟ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٣٠﴾] وجَمَع قولُه: (قالوا ربنا الله ثم استقاموا) أََصلََي الكمال الإسلامي؛ فقوله: (قالوا ربنا الله) مشير إلى الكمال النفساني؛ وهو معرفة الحق للاهتداء به، ومعرفة الخير لأجل العمل به... وأشار قوله: (ثم استقاموا) إلى أساس الأعمال الصالحة؛ وهو الاستقامة على الحق. ابن عاشور: 24/283.
﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ ۗ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٤٤﴾] يقول: وإن الفريق المبطل منهم (لفي شك) مما قالوا فيه. (مريب) يقول: يريبهم قولهم فيه ما قالوا؛ لأنهم قالوا بغير ثبت، وإنما قالوه ظنا. الطبري:21/487.
﴿ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍۭ بَعِيدٍ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٤٤﴾] أي: إنهم لا يسمعون ولا يفهمون، كما أن من دُعي من مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم، وهذا مثلٌ لقلة انتفاعهم بما يوعظون به؛ كأنهم ينادَون من حيث لا يسمعون. البغوي:4/70.
﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ هُدًى وَشِفَآءٌ ۖ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٤٤﴾] أعلَمَ الله أن القرآن هدى وشفاء لكل من آمن به من الشك، والريب والأوجاع. القرطبي:18/431.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٤٣﴾] لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحداً العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتّكل كل أحد. ابن كثير:4/104.
﴿ مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٤٣﴾] ووصف العقاب بـــ (أليم) دون وصف آخر؛ للإشارة إلى أنه مناسب لما عوقبوا لأجله؛ فإنهم آلموا نفس النبي- صلى الله عليه وسلم- بما عصوا وآذوا. ابن عاشور:4/311.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٌ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٤١﴾] ووصف تعالى الكتاب بالعزة؛ لأنه بصحة معانيه ممتنع الطعن فيه، والإزراء عليه، وهو محفوظ من الله تعالى. ابن عطية:5/19.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ ۗ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٤٠﴾] فيه تهديد شديد، ووعيد أكيد، أي: أنه تعالى عالم بمن يلحد في آياته وأسمائه وصفاته، وسيجزيه على ذلك بالعقوبة والنكال. ابن كثير:4/104.
﴿ أَلَآ إِنَّهُمْ فِى مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٥٤﴾] إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإني لم أجمعكم لأمر أحدثه فيكم، ولكن فكرت في هذا الأمر الذي أنتم إليه صائرون، فعلمت أن المصدق بهذا الأمر أحمق، والمكذب به هالك، ثم نزل. ومعنى قوله رضي الله عنه: (إن المصدق به أحمق) أي: لأنه لا يعمل له عمل مثله، ولا يحذر منه، ولا يخاف من هوله، وهو مع ذلك مصدق به، موقن بوقوعه، وهو مع ذلك يتمادى في لعبه وغفلته وشهواته وذنوبه، فهو أحمق بهذا الاعتبار، والأحمق في اللغة ضعيف العقل. ابن كثير:4/107.
﴿ سَنُرِيهِمْ ءَايَٰتِنَا فِى ٱلْءَافَاقِ وَفِىٓ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ ۗ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٥٣﴾] فـي هذه الآية طرف من الإعجاز بالإخبار عن الغيب إذ أخبرتْ بالوعد بحصول النصر له ولدينه؛ وذلك بما يسَّر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ولخلفائه مِن بعده في آفاق الدّنيا والمشرق والمغرب عامة وفي بَاحة العرب خاصة من الفتوح وثباتها وانطباع الأمم بها ما لم تتيسر أمْثالها لأحد من ملوك الأرض والقياصرة والأكاسرة على قلة المسلمين... والتاريخ شاهد بأن ما تهيأ للمسلمين من عجائب الانتشار والسلطان على الأمم أمر خارق للعادة، فيتبين أن دين الإسلام هو الحق وأن المسلمين كلما تمسكوا بعرى الإسلام لقوا من نصر الله أمرا عجيبا؛ يشهد بذلك السابق واللاحق. ابن عاشور: 25/18.
﴿ سَنُرِيهِمْ ءَايَٰتِنَا فِى ٱلْءَافَاقِ وَفِىٓ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ ۗ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٥٣﴾] أي: أن القرآن حق؛ فأخبر أنه لا بد أن يريهم من آياته المشهودة ما يبين لهم أن آياته المتلوة حق. ابن القيم:2/420.
﴿ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلْإِنسَٰنِ أَعْرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٥١﴾] وعدل عن إسناد إصابة الشر إلى الله تعليماً للأدب مع الله؛ كما قال إبراهيم: (الذي خلقني فهو يهدين) الخ. ثم قال: (وإذا مرضت فهو يشفين) [الشعراء: 78- 80]، فلم يقل: «وإذا أمرضني». وفي ذلك سرّ: وهو أن النعم والخير مسخّران للإنسان في أصل وضع خلقته؛ فهما الغالبان عليه لأنّهما من مظاهر ناموس بقاء النوع. وأمّا الشرور والأضرار فإن معظمها ينجرّ إلى الإنسان بسوء تصرفه وبتعرضه إلى ما حذرته منه الشرائع والحكماء الملهمون فقلما يقع فيهما الإنسان إلا بعلمه وجُرأته. ابن عاشور:25/15.
﴿ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلْإِنسَٰنِ أَعْرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٥١﴾] (فذو دعاء عريض) أي: كثير جداً؛ لعدم صبره، فلا صبر في الضراء، ولا شكر في الرخاء، إلا مَنْ هداه الله ومَنَّ عليه. السعدي:752.
﴿ لَّا يَسْـَٔمُ ٱلْإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٌ قَنُوطٌ ﴿٤٩﴾ وَلَئِنْ أَذَقْنَٰهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِنۢ بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِى وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّىٓ إِنَّ لِى عِندَهُۥ لَلْحُسْنَىٰ ۚ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٤٩﴾] وصف الإنسان بأقبح صفتين: إن مسه الشر صار إلى حال القانط ووجم وجوم الآيس، فإذا مسه الخير نسي أن الله هو المنعم عليه المفضل بما أعطاه، فبطر وظن أنه هو المستحق لذلك، ثم أضاف إلى ذلك تكذيبه بالبعث فقال: (وما أظن الساعة قائمة)، ثم أضاف إلى ذلك ظنه الكاذب أنه إن بُعِث كان له عند الله الحسنى، فلم يدع هذا للجهل والغرور موضعًا. ابن القيم:2/420.
﴿ لَّا يَسْـَٔمُ ٱلْإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٌ قَنُوطٌ ﴾ [سورة فصلت آية:﴿٤٨﴾] هذا إخبار عن طبيعة الإنسان من حيث هو، وعدم صبره وجَلَدِه؛ لا على الخير ولا على الشر، إلا مَن نقله الله من هذه الحال إلى حال الكمال. السعدي:752.
الكلم الطيب