فوائد وأحكام من قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا... ﴾
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 10 - 13].
1- أن الكفار لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا، فلن ترفع ما وقع عليهم من عذاب الله تعالى، ولن تمنع عنهم ما لم يقع، ولا تعوضهم ما فقدوا من رحمة الله؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾، وهذا بخلاف المؤمنين فإنهم ينتفعون بأموالهم بالصدقة، وبأولادهم بالدعاء ونحو ذلك وتكون من أسباب رحمة الله تعالى بهم.
2- إثبات الملكية الخاصة للكفار؛ لقوله تعالى: ﴿ أَمْوَالُهُمْ ﴾، فلا يجوز استباحة أموالهم إلا إذا كانوا محاربين للمسلمين.
3- أن أولاد الكفار ينسبون إليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ أَوْلَادُهُمْ ﴾.
4- إمداد الله للكفار بالأموال والأولاد كغيرهم؛ كما قال تعالى: ﴿ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 20].
5- قدرة الله تعالى التامة وقوته التي لا تقهر، ونفوذ أمره فلا تغني الكفار أموالهم ولا أولادهم منه شيئًا.
6- الحذر من الانشغال بالأموال والأولاد عن طاعة الله تعالى، ومن الاغترار بها فهي قد تضر ولا تنفع.
7- أن الكفار هم وقود النار؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ﴾.
8- التحذير من الكفر والوعيد للكافرين بالنار.
9- إثبات النار وعذابها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقُودُ النَّارِ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾.
10- سلوك الكفار من هذه الأمة مسلك آل فرعون والذين من قبلهم بتكذيب آيات الله؛ لقوله تعالى: ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾.
11- تكذيب آل فرعون ومن قبلهم بآيات الله وشدة تكذيب آل فرعون وطغيانهم، للتنصيص عليهم دون غيرهم، كيف؟! وقد ادعى فرعون الربوبية والألوهية.
12- إقامة الله - عز وجل - الحجة على الخلق بما آتاهم من الآيات الكونية والشرعية الدالة على ربوبيته وألوهيته وكمال صفاته؛ لقوله تعالى: ﴿ بِآيَاتِنَا ﴾.
13- تعظيم الله - عز وجل - لنفسه؛ لقوله تعالى: ﴿ بِآيَاتِنَا ﴾ بضمير العظمة؛ لأنه العظيم سبحانه وتعالى.
14- أخذه - عز وجل - لفرعون وقومه والمكذبين قبلهم بآيات الله، وإهلاكهم بسبب ذنوبهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾، وفي هذا رد على من زعم أن فرعون نجا من العذاب مستدلًا بقوله تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 92].
وليس المراد في هذه الآية أنه نجا من العذاب، وإنما المراد بها أن الله أنجاه ببدنه؛ أي: بجثته فقط؛ حيث رمى بها الموج خارج البحر؛ ليتأكد بنو إسرائيل من هلاكه، فيطمئنوا لأنه قد أرعبهم وأرهبهم بجبروته، فلا يكادون يصدقون بأنه هلك حتى يعاينوا جثته، وليكون آية لمن خلفه، أما روحه فهي في العذاب، كما قال تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].
15- التهديد والوعيد للمكذبين من هذه الأمة بأخذهم وإهلاكهم بسبب ذنوبهم كالمكذبين من آل فرعون ومن قبلهم.
16- تشابه مواقف المكذبين بآيات الله ورسله، كما قال تعالى: ﴿ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [الذاريات: 53].
17- أن ما يصيب الناس من عقوبات إنما هو بسبب ذنوبهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾، ومفهوم هذا إثبات العدل له - عز وجل - فلا يعاقب أحدًا إلا بذنب، ولا يظلم أحدًا من خلقه.
18- إثبات الأفعال الاختيارية للعبد؛ لقوله تعالى: ﴿ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ فأضاف الذنوب إليهم، وقوله تعالى: ﴿ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، فأضاف الفعل إليهم، وفي هذا رد على الجبرية الذين ينفون الاختيار للإنسان، ويقولون: إنه كالسعفة في الهواء ونحو ذلك.
19- شدة وقوة عقاب الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.
20- التحذير من عقاب الله وشدته.
21- أن القرآن من عند الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، وفي هذا رد على من يزعمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم افترى القرآن وتقوله من عند نفسه.
22- أهمية هذا الخبر الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يبلغه للكافرين؛ لقوله تعالى: ﴿ قل ﴾.
23- تخويف الكافرين وإرعابهم وإرهابهم؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ﴾.
وفي هذا بشارة للمؤمنين بالغلبة وتقوية لقلوبهم ومعنوياتهم؛ كما قال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، ووعد الله لا يتخلف إذا صدق المسلمون الله.
24- الوعيد والتهديد للكافرين بجمعهم وحشرهم إلى جهنم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾.
25- الجمع للكافرين بين عقوبة الدنيا والآخرة؛ عقوبة الدنيا بهزيمتهم وغلبة المؤمنين لهم، وعقوبة الآخرة بجمعهم وحشرهم إلى جهنم.
26- شدة ظلمة النار وجهمتها وحرها، وبعد قعرها؛ لهذا سميت جهنم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾.
27- ذم جهنم وأنها بئست المهاد والفراش؛ لقوله تعالى: ﴿ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾.
28- ضرب الأمثال والتوجيه لأخذ العبر والعظات من الأمور والأحداث الواقعة؛ لقوله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ الآية.
29- زيادة التصديق والطمأنينة في ربط الخبر والوعيد بحدث وأمر واقع مشاهد محسوس ليجتمع للمخاطب مع علم اليقين- وهو الخبر الصادق- عين اليقين وهو مشاهدة الحدث الواقع؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260].
فهو عليه الصلاة والسلام مؤمن مصدق بأن الله يحيي الموتى، ولكنه أراد أن يجمع الله له مع علم اليقين عين اليقين، فيرى ذلك بعينه. وفي الحديث: «ليس الخبر كالعيان»[1].
30- أن القتال المشروع ما كان في سبيل الله، أي في سبيل إعلاء كلمة الله، خالصًا لله تعالى، موافقًا للشرع؛ لقوله تعالى: ﴿ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾.
31- أن الغلبة والنصرة ليس بكثرة العدد والعدة، وإنما ذلك بتأييد الله تعالى ونصره للذين صدقوا الله في القتال في سبيله؛ لقوله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾.
كما قال تعالى: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، وقال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، وقال تعالى: ﴿ لَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور ﴾ [الحج: 40، 41]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].
وهكذا كانت الغلبة والنصرة للمؤمنين في عهود الإسلام الزاهرة، وفاءً بوعد الله تعالى بقوله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].
أيام كان المسلمون أعزة في دينهم والعود صلب المكسر أيام كان الدين ملء نفوسهم وأتوا على كسرى العظيم وقيصر[2] |
33- أن الله عز وجل قد يُري المقاتلين من كل فئة الفئة الأخرى مثليهم ليكون ذلك من أسباب نصر المؤمنين وهزيمة الكافرين؛ لقوله تعالى: ﴿ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾.
ولا يعارض هذا قوله تعالى في سورة الأنفال في قصة بدر: ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [الأنفال: 44]، فهذا في حال وذاك في حال أخرى.
فعندما عاين كل من الفريقين الآخر رأوهم مثليهم، ليستعد المسلمون ويتوجهوا إلى الله في طلب العون والنصر، وليحصل للكفار الخوف والرعب والوهن، وعندما التحم الفريقان قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء وهؤلاء في أعين هؤلاء؛ ليقدم كل منهما على الآخر، ويتم ما أراده الله من نصر المسلمين وهزيمة الكافرين، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل.
عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾.
قال: هذا يوم بدر؛ قال عبدالله بن مسعود: وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يُضعِفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا واحدًا، وذلك قول الله - عز وجل -: ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [الأنفال: 44] [3].
وقيل: قللوا في أعين بعضهم أولًا ليجترئ كل منهما على الآخر، ثم لما التحم القتال رأى كل فريق الآخر مثليهم.
34- الإشارة إلى أنه ليس الخبر كالعيان؛ لقوله تعالى: ﴿ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾.
35- تأييد الله تعالى بنصره من يشاء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾.
36- إثبات الأفعال لله تعالى، والمشيئة، وأنه تعالى يفعل ما يشاء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾[البروج: 16]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾ [المائدة: 1].
37- الترغيب في التوجه إلى الله تعالى وسؤاله النصر، والتوكل عليه مع بذل أسباب النصر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾.
38- أن فيما ذكر من التقاء الفئتين المتقاتلتين، ورؤية إحداهما الأخرى مثليها، وتأييد الله بنصره للفئة المؤمنة القليلة على الفئة الكافرة الكثيرة عبرة وعظة لأصحاب الأبصار والبصائر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾.
39- أنه لا يعتبر بالوقائع والأحداث إلا أصحاب البصائر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
40- الترغيب في أخذ العبرة والعظة من الوقائع؛ لأن الله أثنى على أهل البصائر وخصَّهم بالاعتبار، ويفهم من هذا ذم أهل الغفلة وعمي القلوب والبصائر.
.........................
تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا... ﴾
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 10 - 13].
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ﴾.
قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ «الكفر» في اللغة الستر، وهو إنكار وجود الله وربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته وشرعه أو شيء من ذلك، أو ترك ما يستلزم الكفر بتركه كالصلاة، وهو أقسام[1].
وهو ضد الإيمان، أي: التكذيب بما أوجب الله الإيمان به، من الإيمان بالله - عز وجل - والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، أو الكفر والتكذيب ببعض ذلك.
والمراد بهم في الآية جنس الكفرة من اليهود والنصارى ومشركي العرب وغيرهم.
﴿ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ ﴾؛ أي: لن تنفعهم، وتمنع أو تدفع عنهم ﴿ أَمْوَالُهُمْ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ﴾ [الحاقة: 28]، و﴿ أَمْوَالُهُمْ ﴾: كل ما يتمولونه ويملكونه من أنواع المال من نقد أو عين أو منفعة أو غير ذلك.
﴿ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ﴾؛ أي: ولن تغني عنهم أولادهم، والأولاد: جمع «ولد» وهو إذا أطلق يشمل الذكور والإناث من أولاد الشخص وأولاد بنيه وإن نزلوا بمحض الذكور.
﴿ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾؛ أي: من عذابه وعقابه، لا في الدنيا ولا في الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 17].
والمعنى: لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا، فتنجيهم من عذاب الله، بأن تمنع أو تدفع عنهم شيئًا من عذاب الله قبل وقوعه، أو ترفع عنهم شيئًا من عذاب الله بعد وقوعه، بل كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 85]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 196، 197].
وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ﴾ [سبأ: 37].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد»[2]؛ أي: ولا ينفع ذا الغنى والحظ منك غناه وحظه، وخص الأموال والأولاد؛ لأن الاستغناء في الدنيا يكون بهما، فبالمال يكون الفداء ودفع الديات والغرامات، وبالأولاد يكون الانتصار والقتال.
وقدَّم الأموال على الأولاد - والله أعلم - لأن الاعتماد على نفع الأموال في الدنيا أكثر من الاعتماد على نفع الأولاد؛ لأن الأولاد أحيانًا قد ينفعون، وأحيانًا كثيرة لا ينفعون، بل قد يضرون، وفي الآية إشارة إلى انشغالهم بأموالهم وأولادهم.
﴿ وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ﴾ الواو: عاطفة، وأشار إليهم بإشارة البعيد «أولئك» تحقيرًا لهم، و﴿ هم ﴾ يحتمل أن يكون مبتدأً، أو ضميرَ فصل.
وفي كون الجملة اسمية دلالة وتأكيد على تحقق الأمر وتقرره، وأن هذا هو حقيقة حالهم ومآلهم.
﴿ وَقُودُ النَّارِ ﴾ «وَقود» بفتح الواو: ما توقد به النار، أي: حطبها الذي توقد وتسجر به، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 98]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، فهؤلاء الكفار هم الوقود الذي توقد وتسجر به النار، مع الحجارة.
و﴿ النارِ ﴾ هي الدار التي أُعدت لتعذيب.
قوله تعالى: ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.
قوله: ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: دأب هؤلاء الكفار كدأب ﴿ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾، والكاف: للتشبيه بمعنى: «مثل» والدأب: العادة والشأن والصنيع.
﴿ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ أتباعه وقومه.
والمعنى: دأب هؤلاء الكفار وشأنهم وحالهم في الكفر والتكذيب، وفي استحقاقهم العقاب كدأب وشأن آل فرعون، وفيه تخويف لهم.
وفرعون هو ملك مصر في عهد موسى عليه الصلاة والسلام، الذي كذَّب موسى وأنكر رسالته، وادَّعى الربوبية والألوهية فقال: ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، وقال: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، وقال مهددًا موسى عليه السلام: ﴿ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [الشعراء: 29].
﴿ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾؛ أي: والذين من قبل آل فرعون من الأمم، كقوم نوح، وعاد وثمود، وقوم لوط وغيرهم.
﴿ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ تفسير وبيان لدأبهم، أي: كذبوا بآياتنا الكونية والشرعية، وما جاء به الرُّسل من المعجزات.
﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ الفاء: عاطفة، والباء في قوله: ﴿ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ للسببية، و«الذنوب» جمع «ذنب» و«الذنب» في الأصل: التلو والتابع، ثم أطلق على الجريمة؛ لأنها يتلو - أي: يتبع - عقابها فاعلها.
والمعنى: فأهلكهم الله وعاقبهم بسبب ذنوبهم؛ أي: بسبب كفرهم ومعاصيهم التي تلبسوا بها وأصرُّوا عليها من غير توبة، فأهلك فرعون وقومه بالغرق؛ كما قال تعالى: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 39، 40]، وقال تعالى: ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ [الذاريات: 40].
وكان إهلاك فرعون وقومه بالغرق - والله أعلم - لأنه كان يفتخر بالماء والأنهار، كما قال تعالى عنه أنه قال: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51].
كما أهلك الله قوم نوح بالغرق، وأهلك عادًا بالريح الصرصر العاتية، وثمود بالصيحة، قال تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].
﴿ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ الجملة مقررة لمضمون ما قبلها، فيها تخويف وتحذير من التكذيب بآيات الله، أي: والله شديد الأخذ، قوي العقاب لمن كذَّب بآياته، لا يُقَدِّر أحد قَدْر شدة عقابه وعذابه، لا كمًّا ولا كيفًا ولا نوعًا، ولا غير ذلك.
قوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾.
توعَّد عز وجل في الآيتين السابقتين الذين كفروا بالنار وبأخذهم كما أخذ المكذبين من قبلهم، ثم أكد ذلك وقرره بما فيه تحطيم لمعنوياتهم وتبديد لآمالهم بأمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم بأنكم ستُغلبون في الدنيا وتحشرون إلى جهنم في الآخرة.
رُويَ عن ابن عباس- رضي الله عنهما- من طريق عكرمة وسعيد بن جبير قال: «لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا يوم بدر، فقدم المدينة جمع يهود في سوق بني قينقاع، فقال: «يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا». فقالوا: يا محمد، لا تغرَّنَّك نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾»[3].
هكذا أورده أكثر المفسرين وجعلوه سببًا لنزول هاتين الآيتين، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لو صح هذا.
قوله: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي أمره تعالى له صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذه المقالة زيادة عناية واهتمام بها، كما في أمره صلى الله عليه وسلم أن يقول: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، ونحو ذلك. وإلا فهو في الأصل مأمور بتبليغ القرآن كله.
﴿ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ ﴾ قرأ حمزة والكسائي وخلف بياء الغيبة: «سيغلبون ويحشرون» وقرأ الباقون بتاء الخطاب: ﴿ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ ﴾.
أي: قل يا محمد للذين كفروا وكذبوك فيما جئت به من الحق من اليهود والنصارى والمشركين، وغيرهم من الكفار: ﴿ سَتُغْلَبُونَ ﴾ السين للتقريب، أي: ستغلبون قريبًا، أي: في الدنيا، أي: ستكون للمؤمنين الغلبة والظهور عليكم، والقهر لكم، كما قال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].
﴿ وَتُحْشَرُونَ ﴾ أي: في الآخرة، أي: تجمعون وتساقون ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾ «جهنم» اسم من أسماء النار سميت به لجهمتها وظلمتها وبُعد قعرها وشدة حرها.
والمعنى: وتجمعون وتساقون إلى جهنم وتدخلون فيها.
﴿ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ الواو: استئنافية، و«بئس»: فعل جامد يفيد الذم، ﴿ الْمِهَادُ ﴾ الفراش الذي يفترشونه ويلتحفون به؛ كما قال تعالى: ﴿ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 41]، وقال تعالى: ﴿ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: 16]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [العنكبوت: 55].
وهكذا حصل، فخسروا الدنيا والآخرة، غلبوا في الدنيا وسيحشرون إلى جهنم في الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36].
قوله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾.
أمر الله - عز وجل - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للكافرين مخبرًا ومتوعدًا لهم بأنكم ستغلبون، ثم وجههم لأخذ دليل ذلك ومصداقه من الواقع مما شاهدوه أو عايشوه أو سمعوه، وهو غلبة المسلمين في بدر مع قلة عددهم وضعف عدتهم للكافرين مع كثرتهم وقوة عدتهم.
قوله: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ ﴾ هذا من جملة مقول القول السابق، ويحتمل أن يكون استئنافًا.
﴿ قَدْ ﴾: للتحقيق، ﴿ لَكُمْ ﴾ الخطاب للذين كفروا من اليهود والمشركين وغيرهم ﴿ آيَةٌ ﴾؛ أي: علامة ودلالة على أنكم ستغلبون وعلى صدق الرسول، وأن ما جاء به حق، وأن النصر والغلبة والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
﴿ فِي فِئَتَيْنِ ﴾، ﴿ فِئَتَيْنِ ﴾: تثنية «فئة»، و«الفئة»: الطائفة والجماعة من الناس، أي: قد كانت لكم علامة ودلالة على صدق الرسول، وعلى صدق ما جاء به وأنكم ستغلبون، في طائفتين، وهما المسلمون والمشركون يوم بدر ﴿ الْتَقَتَا ﴾؛ أي: للقتال؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 15].
﴿ فِئَةٌ ﴾: مبتدأ، وخبره جملة ﴿ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ وهم المؤمنون، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، وجاز الابتداء بالنكرة؛ لأن المقام مقام تقسيم وتفصيل، كما في قول الشاعر:
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُساء ويوم نُسر[4] |
كما أن فيه الدلالة على أنهم في أعلى درجات الإيمان والإخلاص، وفي هذا امتداح لهم وتعظيم لشأنهم وتنويه بسمو هدفهم.
و«المقاتلة» المفاعلة بين طائفتين.
ومعنى: ﴿ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾؛ أي: تقاتل لإعلاء كلمة الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَن قاتَل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله»[5].
والمراد بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والمؤمنون.
ومعنى ﴿ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: طريقه ودينه، ونصرة شرعه.
ولابد لكون القتال في سبيل الله من شرطين، هما: شرطا صلاح العمل:
الأول: الإخلاص لله تعالى، بأن يكون القصد منه إعلاء كلمة الله تعالى كما في الحديث.
والثاني: أن يكون موافقًا لشرع الله - عز وجل - بحيث يكون القتال عند وجود أسبابه، وتوافر أدواته، وأن يكون القتال تحت راية ولي أمر المسلمين أو من ينيبه، لا تحت راية عمياء، وأن تكون مصلحة المسلمين فيه ظاهرة، كالدفاع عن بلاد المسلمين ومقدساتهم وحرماتهم وخيرات بلادهم، أو نشر الدعوة الإسلامية وإزالة العوائق أمام دعاة الإسلام، ونحو ذلك، وأن لا يكون فيه بغي ولا اعتداء ولا نقض للعهود أو قتل لمن لم يقاتل كالنساء والصبيان وغيرهم.
﴿ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ﴾ «أخرى» صفة لمقدر، أي: وفئة أخرى كافرة، وهم المشركون، وكانوا قريبًا من ألف؛ أي: وفئة أخرى كافرة مغترة بكثرتها، مفتخرة بقوتها، تقاتل في غير سبيل الله، بل في سبيل الطاغوت، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ﴾ [النساء: 76].
وفي الآية إيجاز يدل على بلاغة القرآن الكريم، فقد اكتفى بوصف الفئة الأولى بأنها ﴿ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ عن وصف الثانية بأنها تقاتل في سبيل الطاغوت. كما اكتفى بوصف الفئة الثانية بأنها كافرة عن وصف الأولى بأنها مؤمنة، فدل في كل جملة على ما لم يذكر في الجملة الأخرى.
﴿ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾، قرأ نافع ويعقوب بتاء الخطاب: «ترونهم»، وقرأ الباقون بياء الغيبة: ﴿ يَرَوْنَهُمْ ﴾.
فعلى قراءة ﴿ يَرَوْنَهُمْ ﴾ الخطاب للفئة التي تقاتل في سبيل الله، وضمير الغيبة الهاء يعود إلى الفئة الكافرة، أي: تشاهدون أيها المؤمنون الكفار ﴿ مِثْلَيْهِمْ ﴾؛ أي: كثرهم مرتين، أي: كثرهم في الواقع والحقيقة مرتين.
وعلى قراءة: ﴿ يَرَوْنَهُمْ ﴾ بالغيبة، أي: يشاهد كل فريق منهم الفريق الآخر مثليهم أي: كثرهم مرتين، والضمير في ﴿ مِثْلَيْهِمْ ﴾ يعود إلى الفريق الرائي، أي: يرى المشركون المسلمين ﴿ مِثْلَيْهِمْ ﴾؛ أي: كثرهم مرتين مما كان سببًا في دخول الرعب في قلوبهم وهزيمتهم.
وقد يشكل على هذا أن المشركين بعثوا عُمر بن سعد يومئذٍ قبل القتال يحْرز لهم عدد المسلمين، فأخبرهم أنهم ثلاثمائة يزيدون قليلًا أو ينقصون قليلًا، فهم لديهم خبر بعدد المسلمين ولو على وجه التقريب.
ويرى المسلمون المشركين ﴿ مِثْلَيْهِمْ ﴾؛ أي: كثرهم مرتين في العدد، ومع هذا نصرهم الله عليهم.
ويشكل على هذا أن المشهور والذي عليه الجمهور أن المشركين ما بين التسعمائة إلى الألف. ففي حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الرجل الذي جيء به إليه، فقال: «كم ينحرون من الجزور؟»، قال: عشرة كل يوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القوم ألف»[6].
وفي حديث عروة بن الزبير أنه سأل الرجلين اللذين جيء بهما إليه، فقال: «كم ينحرون؟»، قالا: يومًا تسعًا، ويومًا عشرًا. قال صلى الله عليه وسلم: «القوم ما بين التسعمائة إلى الألف»[7]، فهم على هذا التقدير ثلاثة أمثال المسلمين.
وقد وجه هذا ابن جرير وجعله صحيحًا كما تقول: عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها أي: إلى ألفين معها، أي: أنك محتاج إلى ثلاثة آلاف، وعلى هذا يزول الإشكال[8].
ويحتمل عود الضمير في ﴿ مِثْلَيْهِمْ ﴾ إلى الفريق المرئي، أي: يرى كل فريق منهم عدد عدوه مضاعفًا، والأول أقرب.
﴿ رَأْيَ الْعَيْنِ ﮒ ﴾ ﴿ رَأْيَ ﴾: مصدر مؤكد لقوله: ﴿ يَرَوْنَهُمْ ﴾ أي: مشاهدة العين، أي: يرونهم بعيونهم وأبصارهم.
فالرؤية بصرية، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [الأنفال: 44].
﴿ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾، ﴿ يُؤَيِّدُ ﴾: يقوي، ﴿ نَصْرِهِ ﴾، الباء: للسببية، أي: بسبب نصره.
﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾، ﴿ مَنْ ﴾: موصولة؛ أي: الذي يشاء ويريد كونًا نصره من عباده، ممن تقتضي حكمته نصره.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ المشار إليه: ما سبق في الآية، من قوله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ﴾ إلى هنا ﴿ لَعِبْرَةً ﴾؛ أي: اعتبارًا وعظة.
﴿ لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾؛ أي: لأصحاب الأبصار؛ أي: إن في ذلك التقليل والتكثير، وغلبة الفئة القليلة من المسلمين للفئة الكثيرة من الكافرين اعتبارًا وعظة لأصحاب العقول والبصائر، كما أن في ذلك دلالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه على الحق، وتحقيق بشارة المؤمنين بالنصر ووعيد الذين كفروا بأنهم المغلوبون، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَا ﴾ [آل عمران: 12].
وهكذا حصل، فقد تم النصر للمسلمين، وغُلب أهل الكفر من اليهود والمشركين وغيرهم، فقتل بنو قريظة، وأجلي بنو النضير، وفتحت خيبر، وأخذت الجزية ممن بقي من اليهود، وتوالت الهزائم على المشركين في معارك الإسلام، وفتحت مكة، وظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا.
فوائد وأحكام من قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا... ﴾
[1] أخرجه أحمد (1/ 215)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[2] البيتان للشاعر محمد صادق عرنوس، من قصيدة نشرها في صحيفة الفتح، العدد 207، بتاريخ 14 صفر 1349هـ. انظر: «الوحدة الإسلامية في الشعر العربي الحديث» (ص166). والبيتان فيه بلفظ:
أيام كان المسلمون بحالة مرهوبة والعود صلب المكسر أيام كان الدين ملء قلوبهم فأتوا على كسرى العظيم وقيصر |
تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا... ﴾
[1] سبق ذكر أقسام الكفر في الكلام على قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6].
[2] أخرجه البخاري في الأذان (844)، ومسلم في المساجد (593)، وأبو داود في الصلاة (1505)، والنسائي في السهو (1341)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
[3] أخرجه من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس- أبوداود في الخراج والإمارة والفيء- كيف كان إخراج اليهود من المدينة (3001)، والطبري في «جامع البيان» (5/ 239)، والبيهقي في «سننه» (9/ 183)، ومحمد بن أبي محمد مولى زيد قال عنه ابن حجر في «التقريب» (6276): «مجهول»، وقال عنه الذهبي في «الميزان» (4/ 26): «لا يعرف». وقد أخرجه الطبري (5/ 239) أيضًا من طريق محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: «لما أصاب الله قريشًا يوم بدر- وذكره بنحوه، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 604)، وانظر: «السيرة النبوية» لابن هشام (2/ 47)، وأخرجه الطبري (9/ 240)- مختصرًا من طريق ابن جريج عن عكرمة موقوفًا عليه، وقال ابن حجر في «فتح الباري» (7/ 386): «إسناده حسن».
[4] البيت لنمر بن تولب. انظر: «ديوانه» (ص 347).
[5] سبق تخريجه.
[6] أخرجه أحمد (1/ 117)، وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (5/ 247-248).
[7] أخرجه ابن إسحاق. انظر: «السيرة النبوية» لابن هشام (1/ 616-617)، وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (5/ 248).
[8] انظر: «جامع البيان» (5/ 250)، «تفسير ابن كثير» (2/ 13).
الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الالوكة