﴿ وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٢٤﴾] لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط، فقيل: وقفوهم إنهم مسؤولون، قال ابن عباس: عن جميع أقوالهم وأفعالهم. البغوي:3/657.
﴿ ۞ ٱحْشُرُوا۟ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ وَأَزْوَٰجَهُمْ وَمَا كَانُوا۟ يَعْبُدُونَ ﴿٢٢﴾ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٢٢﴾] اجمعوهم إلى الموقف؛ للحساب والجزاء. (وأزواجهم): أشباههم وأتباعهم وأمثالهم، قال قتادة والكلبي: كل من عمل مثل عملهم؛ فأهل الخمر مع أهل الخمر، وأهل الزنا مع أهل الزنا. البغوي:3/657.
﴿ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَٰخِرُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٨﴾] صاغرون أذلاء؛ لأنهم إذا رأوا وقوع ما أنكروه فلا محالة يذلون. القرطبي:18/22.
﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٢﴾] قال قتادة: عجب النبي ﷺ من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم، وذلك أن النبي ﷺ كان يظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به، فلما سمع المشركون القرآن؛ سخروا منه ولم يؤمنوا به، فعجب من ذلك. البغوي:3/656
﴿ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٦﴾] خص تعالى السماء الدنيا بالذكر؛ لأنها التي تباشر بأبصارنا، وأيضا فالحفظ من الشيطان إنما هو فيه وحدها. ابن عطية:4/466.
﴿ إِنَّ إِلَٰهَكُمْ لَوَٰحِدٌ ﴿٤﴾ رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَٰرِقِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٤﴾] أي: هو الخالق لهذه المخلوقات، والرازق لها، المدبر لها؛ فكما أنه لا شريك له في ربوبيته إياها فكذلك لا شريك له في ألوهيته، وكثيراً ما يقرر تعالى توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية؛ لأنه دالٌّ عليه، وقد أقر به المشركون في العبادة، فيلزمهم بما أقروا به على ما أنكروه. السعدي:700.
﴿ وَٱلصَّٰٓفَّٰتِ صَفًّا ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١﴾] تصف في السماء كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة، وقيل: تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه؛ حتى يأمرها الله بما يريد. القرطبي:18/6.
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴿٥٠﴾ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٥٠﴾] من المعلوم أن لذة أهل العلم بالتساؤل عن العلم والبحث عنه فوق اللذات الجارية في أحاديث الدنيا، فلهم من هذا النوع النصيب الوافر، ويحصل لهم من انكشاف الحقائق العلمية في الجنة ما لا يمكن التعبير عنه. السعدي:704.
﴿ وَعِندَهُمْ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٤٨﴾] قصرت طرفها على زوجها؛ لعفتها، وعدم مجاوزته لغيره، ولجمال زوجها وكماله؛ بحيث لا تطلب في الجنة سواه، ولا ترغب إلا به... هذا يدل على جمال الرجال في الجنة. تفسير السعدي:703.
﴿ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٤٧﴾] أي: لا تغتال عقولهم، ولا يصيبهم منها مرض ولا صداع، وإنما صرف الله تعالى السكر عن أهل الجنة؛ لئلا ينقطع الالتذاذ عنهم بنعيمهم. القرطبي:18/31-33.
﴿ فَوَٰكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ ﴿٤٢﴾ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٤٢﴾] ولهم إكرام من الله- جل وعز- برفع الدرجات، وسماع كلامه ولقائه. القرطبي:18/29.
آية
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ﴿٤١﴾ فَوَٰكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ ﴿٤٢﴾ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴿٤٣﴾ عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَٰبِلِينَ ﴿٤٤﴾ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍۭ ﴿٤٥﴾ بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّٰرِبِينَ ﴿٤٦﴾ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴿٤٧﴾ وَعِندَهُمْ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ ﴿٤٨﴾ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٤١﴾] ذكر طعامهم وشرابهم ومجالسهم، وعموم النعيم وتفاصيله داخلة في قوله: (في جنات النعيم)، لكن فصل هذه الأشياء لتعلم فتشتاق النفوس إليها. السعدي:703.
﴿ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴿٣٣﴾ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٣٣﴾] إنا هكذا نفعل بالذين اختاروا معاصي الله في الدنيا على طاعته، والكفر به على الإيمان؛ فنذيقهم العذاب الأليم، ونجمع بينهم وبين قرنائهم في النار. الطبري:21/33.
﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٢٥﴾] فكأنهم لا يجيبون هذا السؤال؛ لأنه قد علاهم الذل والصغار، واستسلموا لعذاب النار، وخشعوا وخضعوا وأبلسوا فلم ينطقوا. السعدي:702.
﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٧٠﴾] ووصف الذين ضلّوا قبلهم بأنهم (أكثر الأولين) لئلا يَغترّ ضعفاء العقول بكثرة المشركين ولا يعتزّوا بها، ليعلموا أن كثرة العدد لا تبرّر ضلال الضالّين ولا خطأ المخطئين،... فإذا عرضت لإِحداهما كثرة أو قلة؛ فلا تكونان فتنة لقصار الأنظار وضعفاء التفكير؛ قال تعالى: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) [المائدة: 100]. ابن عاشور:23/128.
﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى ٱلْجَحِيمِ ﴿٦٨﴾ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا۟ ءَابَآءَهُمْ ضَآلِّينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٦٨﴾] وكأنه قيل: ما الذي أوصلهم إلى هذه الدار؟ فقال: (إنهم ألفوا آباءهم ضالين). السعدي:704.
﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٦٤﴾] تبشيع لها، وتكريه لذكرها... وإنما شبهها برؤوس الشياطين وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين؛ لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر. ابن كثير:4/12.
﴿ فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٥٥﴾] فهذا مخرجها، ومعدنها أشر المعادن وأسوأها، وشر المغرس يدل على شر الغِرَاس وخِسَّتِه، ولهذا نبهنا الله على شرها بما ذكر أين تنبت به، وبما ذكر من صفة ثمرتها. السعدي:704.
﴿ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٥٧﴾] (ولولا نعمة ربي): رحمته وإنعامه علي بالإسلام، (لكنت من المحضرين) معك في النار. [البغوي:3/661].
﴿ فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٥٥﴾] قال بعض العلماء: لولا أن الله- جل وعز- عرفه إياه لما عرفه، لقد تغير حِبره وسِبره. يعني: لونه وهيئته. القرطبي:18/39.
﴿ فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ ﴿٥٥﴾ قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ ﴿٥٦﴾ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٥٥﴾] وفي هذه الآية عبرة من الحذر من قرناء السوء، ووجوب الاحتراس مما يدعون إليه، ويزيّنونه من المهالك. ابن عاشور:23/119.
﴿ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٠٢﴾] أخبر أباه أنه مُوَطِّنٌ نفسه على الصبر، وقرن ذلك بمشيئة الله تعالى؛ لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة الله تعالى. السعدي:706.
﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يَٰبُنَىَّ إِنِّىٓ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّىٓ أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٠٢﴾] إن قيل: لم شاوره في أمر هو حتم من الله؟ فالجواب: أنه لم يشاوره ليرجع إلى رأيه، ولكن ليعلم ما عنده، فيثبت قلبه، ويوطن نفسه على الصبر، فأجابه بأحسن جواب. ابن جزي:2/238.
﴿ رَبِّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٠٠﴾] ووصفه بأنه من الصالحين لأن نعمة الولد تكون أكمل إذا كان صالحاً؛ فإن صلاح الأبناء قُرة عين للآباء، ومن صلاحهم برُّهم بوالديهم. ابن عاشور:23/148.
﴿ وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّى سَيَهْدِينِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٩٩﴾] هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة، وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام، وذلك حين خلصه الله من النار؛ قال: (إني ذاهب إلى ربي) أي: مهاجر من بلد قومي ومولدي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي. القرطبي:18/59.
﴿ فَرَاغَ إِلَىٰٓ ءَالِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٩١﴾] إنما قال ذلك على وجه الاستهزاء بالذين يعبدون تلك الأصنام. ابن جزي:2/238.
﴿ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٧٨﴾] فما ظنكم برب العالمين أن يفعل بكم وقد عبدتم معه غيره؟ وهذا ترهيبٌ لهم بالجزاء بالعقاب على الإقامة على شركهم. السعدي:705.
﴿ إِذْ جَآءَ رَبَّهُۥ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿٨٤﴾] مخلص من الشرك والشك، وقال عوف الأعرابي: سألت محمد بن سيرين: ما القلب السليم؟ فقال: الناصح لله- عز وجل- في خلقه. القرطبي:18/50.
﴿ وَبَٰرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰٓ إِسْحَٰقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِۦ مُبِينٌ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١١٣﴾] لما ذكر البركة في الذرية والكثرة قال: منهم محسن، ومنهم مسيء، وأن المسيء لا تنفعه بنوة النبوة؛ فاليهود والنصارى وإن كانوا من ولد إسحاق، والعرب وإن كانوا من ولد إسماعيل، فلا بد من الفرق بين المحسن والمسيء، والمؤمن والكافر. القرطبي:18/83.
﴿ وَبَٰرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰٓ إِسْحَٰقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِۦ مُبِينٌ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١١٣﴾] وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيّب لا يجري أمرهما على العِرق والعنصر؛ فقد يلد البَرُّ الفاجرَ والفاجر البَّر، وعلى أن فساد الأعقاب لا يُعدّ غضاضة على الآباء، وأن مناط الفضل هو خصال الذات وما اكتسب المرء من الصالحات، وأما كرامة الآباء فتكملة للكمال وباعث على الاتّسام بفضائل الخِلال. ابن عاشور:23/ 162.
﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلْءَاخِرِينَ ﴿١٠٨﴾ سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١١٩﴾] سأل إبراهيم، فقال: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) [الشعراء: 84] قال: فترك الله عليه الثناء الحسن في الآخرين، كما ترك اللسان السوء على فرعون وأشباهه. الطبري:21/91.
﴿ وَفَدَيْنَٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٠٧﴾] كان عظيماً من جهة أنه كان فداءً لإسماعيل، ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة، ومن جهة أنه كان قرباناً وسُنَّة إلى يوم القيامة. السعدي:706.
﴿ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلَٰٓؤُا۟ ٱلْمُبِينُ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٠٦﴾] هو خليل الرحمن، والخلة أعلى أنواع المحبة، وهو منصب لا يقبل المشاركة، ويقتضي أن تكون جميع أجزاء القلب متعلقة بالمحبوب، فلما تعلقت شعبة من شعب قلبه بابنه إسماعيل أراد تعالى أن يصفي وُدَّه، ويختبر خلته، فأمره أن يذبح مَن زاحم حبُّه حب ربه، فلما قدم حب الله، وآثره على هواه، وعزم على ذبحه، وزال ما في القلب من المزاحم، بقي الذبح لا فائدة فيه. السعدي:706.
﴿ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّءْيَآ ۚ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٠٥﴾] أي: قد حصل المقصود من رؤياك وإضجاعك ولدك للذبح. ابن كثير:4/17.
﴿ فَلَمَّآ أَسْلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلْجَبِينِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٠٣﴾] انقادا وخضعا لأمر الله تعالى؛ قال ابن عباس: أضجعه على جبينه على الأرض والجبهة بين الجبينين. البغوي:3/667.
﴿ فَلَوْلَآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٤٣﴾] أخبر الله- عز وجل- أن يونس كان من المسبحين، وأن تسبيحه كان سبب نجاته، ولذلك قيل: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر. قال الحسن: ما كان له صلاة في بطن الحوت، ولكنه قدم عملاً صالحاً في حال الرخاء؛ فذكره الله به في حال البلاء. القرطبي:18/99.
﴿ إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٤٠﴾] أي: هرب إلى السفينة. و(الفلك) هنا واحد، و(المشحون): المملوء. وسبب هروبه غضبه على قومه حين لم يؤمنوا. ابن جزي:2/241.
﴿ إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٤٠﴾] أي: أراد الهروب، ودخل في البحر، وعبر عن هروبه بالإباق من حيث هو عبد الله، فر عن غير إذن مولاه؛ فهذه حقيقة الإباق. ابن عطية: 4/485.
﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿١٣٩﴾ إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٣٩﴾] ولم يذكر الله ما غاضب عليه، ولا ذنبه الذي ارتكبه؛ لعدم فائدتنا بذكره، وإنما فائدتنا بما ذُكّرنا عنه أنه أذنب، وعاقبه الله مع كونه من الرسل الكرام، وأنه نجاه بعد ذلك، وأزال عنه الملام، وقيَّض له ما هو سبب صلاحه. السعدي:707.
﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿١٣٩﴾ إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴿١٤٠﴾ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ ﴿١٤١﴾ فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴿١٤٢﴾ فَلَوْلَآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ ﴿١٤٣﴾ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِۦٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٣٩﴾] واعلم أن الغرض من ذكر يونس هنا تسلية النبي ﷺ فيما يلقاه من ثقل الرسالة بأن ذلك قد أثقل الرسل من قبله، فظهرت مرتبة النبي ﷺ في صبره على ذلك، وعدم تذمّره، ولإِعلام جميع الناس بأنه مأمور من الله تعالى بمداومة الدعوة للدين؛ لأن المشركين كانوا يلومونه على إلحاحِه عليهم، ودعوته إياهم في مختلف الأزمان والأحوال. ابن عاشور:23/178.
﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ ﴿١٣٧﴾ وَبِٱلَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٣٧﴾] تمرون بالنهار والليل عليهم؛ إذا ذهبتم إلى أسفاركم ورجعتم، (أفلا تعقلون) فتعتبرون بهم. البغوي:3/678.
﴿ سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِلْ يَاسِينَ ﴿١٣٠﴾ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴿١٣١﴾ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٣٠﴾] وفي قصة إلياس إنباء بأن الرسول عليه أداء الرسالة، ولا يلزم من ذلك أن يشاهد عقاب المكذِّبين ولا هلاكَهم للرد على المشركين الذين قالوا: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) [يونس: 48]؛ قال تعالى: (قل رب إما تريني ما يوعدون * رب فلا تجعلني في القوم الظالمين * وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون) [المؤمنون: 93 – 95]. ابن عاشور:23/170.
﴿ وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٨٢﴾] (والحمد لله رب العالمين): يقول تعالى ذكره: والحمد لله رب الثقلين: الجن، والإنس، خالصا دون ما سواه؛ لأن كل نعمة لعباده فمنه، فالحمد له خالص لا شريك له، كما لا شريك له في نعمه عندهم. الطبري:21/134.
﴿ سُبْحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٨٠﴾] لما ذكر في هذه السورة كثيراً من أقوالهم الشنيعة التي وصفوه بها نزه نفسه عنها فقال: (سبحن ربك). السعدي:709.
﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ ﴿١٦٥﴾ وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٦٦﴾] عن أبي نضرة قال: كان عمر إذا أقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه، فقال: يا أيها الناس استووا، إن الله إنما يريد بكم هدي الملائكة (وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون) استووا، تقدم أنت يا فلان، تأخر أنت أي هذا، فإذا استووا تقدم فكبر. الطبري:21/128.
﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٦٥﴾] أي: الواقفون في العبادة صفوفاً؛ ولذلك أمر المسلمون بتسوية الصفوف في صلاتهم؛ ليقتدوا بالملائكة، وليس أحد من أهل الملل يصلون صفوفاً إلا المسلمون. ابن جزي:2/244.
﴿ وَمَا مِنَّآ إِلَّا لَهُۥ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٦٤﴾] أي: ما منا ملك إلا له مقام معلوم في السموات؛ يعبد الله فيه، قال ابن عباس: ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح. البغوي:3/681.
﴿ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴿١٦١﴾ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَٰتِنِينَ ﴿١٦٢﴾ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٦١﴾] وفيها من المعاني أن الشياطين لا يصلون إلى إضلال أحد إلا من كتب الله عليه أنه لا يهتدي، ولو علم الله- جل وعز- أنه يهتدي لحال بينه وبينهم. القرطبي:18/112.
﴿ وَجَعَلُوا۟ بَيْنَهُۥ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَبًا ۚ وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ [سورة الصافات آية:﴿١٥٨﴾] أي: جعل هؤلاء المشركون بالله بين الله وبين الجنة نسباً... والحال أن الجِنَّةَ قد علمت أنهم محضرون بين يدي الله؛ ليجازيهم عباداً أذلاء، فلو كان بينهم وبينه نسب لم يكونوا كذلك. السعدي:708.
الكلم الطيب