{ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }الاسراء 82
الآية تُعطينا نموذجين لتلقِّي القرآن: إنْ تلقَّاه المؤمن كان له شفاء ورحمة، وإنْ تلقّاه الظالم كان عليه خَسَار، والقرآن حَدَّدَ الظالمين لِيُبَيِّن أن ظلمهم هو سبب عدم انتفاعهم بالقرآن لأن القرآن خير في ذاته وليس خساراً.
وقد سبق أن أوضحنا أن الفعل قد يكون واحداً، لكن يختلف القابل للفعل، ويختلف الأثر من شخص لآخر، كما أن الماء الزلال يشربه الصحيح، فيجد له لذة وحلاوة ويشربه العليل فيجده مُرَّاً مائعاً، فالماء واحد لكن المنفعل للماء مختلف. كذلك أكل الدَّسم، فإنْ أكله الصحيح نفعه، وزاد في قوته ونشاطه، وإنْ أكله السقيم زاده سُقْماً وجَرَّ عليه علة فوق عِلّته.
وقد سبق أن أوضحنا في قصة إسلام الفاروق عمر - رضي الله عنه - أنه لما تلقَّى القرآن بروح الكفر والعناد كَرهه ونَفَر منه، ولما تلقاه بروح العطف والرِّقّة واللين على أخته التي شجَّ وجهها أعجبه فآمن.
إذن: سلامة الطبع أو فساده لها أثر في تلقِّي القرآن والانفعال به. وما أشبه هذه المسألة بمسألة التفاؤل والتشاؤم، فلو عندك كوب ماءٍ قد مُلِئ نصفه، فالمتفائل يُلفِت نظره النصف المملوء، في حين أن المتشائم يُلفِت نظره النصف الفارغ،
فالأول يقول: نصف الكوب ممتلئ. والآخر يقول: نصف الكوب فارغ، وكلاهما صادق لكن طبعهما مختلف.
وقد عالج القرآن مسألة التلقِّي هذه في قوله تعالى:{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة: 124-125].
فالآية واحدة، لكن الطبع المستقل مختلف، فالمؤمن يستقبلها بمَلكاتٍ سليمة، فيزداد بها إيماناً، والكافر يستقبلها بملكَات فاسدة فيزدادَ بها كفراً، إذن: المشكلة في تلقّي الحقائق واستقبالها أن تكون ملكاتُ التلقي فاسدة. ومن هنا نقول: إذا نظرتَ إلى الحق، فإياك أنْ تنظره وفي جوفك باطل تحرص عليه، لا بُدَّ أن تُخرِج ما عندك من الباطل أولاً، ثم قارن وفاضل بين الأمور.
وكذلك جاءت هذه المسألة في قول الله تعالى:{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ * وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد: 16-17]. وقولهم:{ مَاذَا قَالَ آنِفاً.. } [محمد: 16] دليل على عدم اهتمامهم بالقرآن، وأنه شيء لا يُؤْبَهُ له. وكذلك في قوله تعالى:{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى.. } [فصلت: 44].
ومثالٌ لسلامة التلقّي من حياتنا المعاصرة إرسال التلفاز مثلاً، فقد تستقبله أنت في بيتك فتجده واضحاً في حَلْقة من الحلقات أو برنامج من البرامج، فتتمتع بما شاهدت، ثم تقابل صديقاً فيشكو لك سوء الإرسال وعدم وضوح الصورة فيؤكد لك سلامة الإرسال، إلا أن العيب في جهاز الاستقبال عندك، فعليك أولاً أن تضبط جهاز الاستقبال عندك لتستقبل آيات الله الاستقبال الصحيح.
تفسير الشيخ الشعراوي
نداء الايمان
/////////////////////////
القرآن شفاء للأمراض الحسية والمعنوية
القرآن شفاء كما قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا الإسراء/82
وهذا يعم الأمراض الحسية والمعنوية، وقد كان النبي صلى عليه وسلم يقرأ على نفسه، وعلى المريض من أهله: المعوذات، فلولا أن ذلك ينفع لم يفعله.
روى مسلم (2192) عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا.
وروى مسلم (2192) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ: نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي.
وروى ابن حبان (6098) عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَامْرَأَةٌ تُعَالِجُهَا، أَوْ تَرْقِيهَا، فَقَالَ: (عَالِجِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ).
قال ابن القيم رحمه الله : " قال الله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء/ 82 .
والصحيح: أن (مِن) هاهنا لبيان الجنس، لا للتبعيض. وقال تعالى: ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ) .
فالقرآن : هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية ، والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة.
وما كل أحد يؤهَّل ، ولا يوفق : للاستشفاء به.
وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه: لم يقاومه الداء أبدا.
وكيف تُقاوِم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدَّعها أو على الأرض لقطعها.
فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان، إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، والحِمية منه؛ لمن رزقه فهما في كتابه" انتهى من زاد المعاد (4/ 322).
وقال رحمه الله في زاد المعاد (4/ 22): "وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع:
أحدها: بالأدوية الطبيعية.
والثاني: بالأدوية الإلهية.
والثالث بالمركب من الأمرين" انتهى.
ثم قال رحمه الله في (4/ 162): "فصل في هديه - صلى الله عليه وسلم - في رقية اللديغ بالفاتحة.
أخرجا في " الصحيحين " من حديث أبي سعيد الخدري، قال: " انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم ، فأبوا أن يضيفوهم ، فلدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شيء ، لا ينفعه شيء !! فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا ، لعلهم أن يكون عند بعضهم شيء ؟ فأتوهم ، فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لُدِغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما أنشط من عقال، فانطلق يمشي، وما به قَلَبَة. قال: فأوفَوْهُم جُعْلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسِموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له ذلك، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ، ثم قال: قد أصبتم؛ اقسموا، واضربوا لي معكم سهما .
وقد روى ابن ماجه في " سننه " من حديث علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( خير الدواء القرآن ) .
ومن المعلوم أن بعض الكلام له خواص ومنافع مُجَرَّبة، فما الظن بكلام رب العالمين، الذي فضلُه على كل كلام، كفضل الله على خلقه، الذي هو الشفاء التام، والعصمة النافعة، والنور الهادي، والرحمة العامة، الذي لو أُنزِل على جبل؛ لتصدع من عظمته وجلالته.
قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82] [الإسراء: 82] . و" من " هاهنا : لبيان الجنس ، لا للتبعيض، هذا أصح القولين ، كقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 29] [الفتح: 29] ، وكلهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات؛ فما الظن بفاتحة الكتاب التي لم ينزل في القرآن، ولا في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور مثلها، المتضمنة لجميع معاني كتب الله، المشتملة على ذكر أصول أسماء الرب - تعالى - ومجامعها، وهي الله، والرب، والرحمن، وإثبات المعاد، وذكر التوحيدين: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وذكر الافتقار إلى الرب سبحانه في طلب الإعانة، وطلب الهداية، وتخصيصه سبحانه بذلك"
إلى أن قال: "ولقد مر بي وقتٌ بمكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها، آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارا، ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع بها غاية الانتفاع" انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إن الله جل وعلا ما أنزل داء إلا وأنزل له شفاء، علمه من علم وجهله من جهل، وأن الله سبحانه وتعالى جعل فيما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة - العلاج لجميع ما يشكو منه الناس، من أمراض حسية ومعنوية، وقد نفع الله بذلك العباد، وحصل به من الخير ما لا يحصيه إلا الله عز وجل" انتهى من فتاواه (3/ 453).
الاسلام سؤال وجواب
الآية تُعطينا نموذجين لتلقِّي القرآن: إنْ تلقَّاه المؤمن كان له شفاء ورحمة، وإنْ تلقّاه الظالم كان عليه خَسَار، والقرآن حَدَّدَ الظالمين لِيُبَيِّن أن ظلمهم هو سبب عدم انتفاعهم بالقرآن لأن القرآن خير في ذاته وليس خساراً.
وقد سبق أن أوضحنا أن الفعل قد يكون واحداً، لكن يختلف القابل للفعل، ويختلف الأثر من شخص لآخر، كما أن الماء الزلال يشربه الصحيح، فيجد له لذة وحلاوة ويشربه العليل فيجده مُرَّاً مائعاً، فالماء واحد لكن المنفعل للماء مختلف. كذلك أكل الدَّسم، فإنْ أكله الصحيح نفعه، وزاد في قوته ونشاطه، وإنْ أكله السقيم زاده سُقْماً وجَرَّ عليه علة فوق عِلّته.
وقد سبق أن أوضحنا في قصة إسلام الفاروق عمر - رضي الله عنه - أنه لما تلقَّى القرآن بروح الكفر والعناد كَرهه ونَفَر منه، ولما تلقاه بروح العطف والرِّقّة واللين على أخته التي شجَّ وجهها أعجبه فآمن.
إذن: سلامة الطبع أو فساده لها أثر في تلقِّي القرآن والانفعال به. وما أشبه هذه المسألة بمسألة التفاؤل والتشاؤم، فلو عندك كوب ماءٍ قد مُلِئ نصفه، فالمتفائل يُلفِت نظره النصف المملوء، في حين أن المتشائم يُلفِت نظره النصف الفارغ،
فالأول يقول: نصف الكوب ممتلئ. والآخر يقول: نصف الكوب فارغ، وكلاهما صادق لكن طبعهما مختلف.
وقد عالج القرآن مسألة التلقِّي هذه في قوله تعالى:{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة: 124-125].
فالآية واحدة، لكن الطبع المستقل مختلف، فالمؤمن يستقبلها بمَلكاتٍ سليمة، فيزداد بها إيماناً، والكافر يستقبلها بملكَات فاسدة فيزدادَ بها كفراً، إذن: المشكلة في تلقّي الحقائق واستقبالها أن تكون ملكاتُ التلقي فاسدة. ومن هنا نقول: إذا نظرتَ إلى الحق، فإياك أنْ تنظره وفي جوفك باطل تحرص عليه، لا بُدَّ أن تُخرِج ما عندك من الباطل أولاً، ثم قارن وفاضل بين الأمور.
وكذلك جاءت هذه المسألة في قول الله تعالى:{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ * وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد: 16-17]. وقولهم:{ مَاذَا قَالَ آنِفاً.. } [محمد: 16] دليل على عدم اهتمامهم بالقرآن، وأنه شيء لا يُؤْبَهُ له. وكذلك في قوله تعالى:{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى.. } [فصلت: 44].
ومثالٌ لسلامة التلقّي من حياتنا المعاصرة إرسال التلفاز مثلاً، فقد تستقبله أنت في بيتك فتجده واضحاً في حَلْقة من الحلقات أو برنامج من البرامج، فتتمتع بما شاهدت، ثم تقابل صديقاً فيشكو لك سوء الإرسال وعدم وضوح الصورة فيؤكد لك سلامة الإرسال، إلا أن العيب في جهاز الاستقبال عندك، فعليك أولاً أن تضبط جهاز الاستقبال عندك لتستقبل آيات الله الاستقبال الصحيح.
تفسير الشيخ الشعراوي
نداء الايمان
/////////////////////////
القرآن شفاء للأمراض الحسية والمعنوية
القرآن شفاء كما قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا الإسراء/82
وهذا يعم الأمراض الحسية والمعنوية، وقد كان النبي صلى عليه وسلم يقرأ على نفسه، وعلى المريض من أهله: المعوذات، فلولا أن ذلك ينفع لم يفعله.
روى مسلم (2192) عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا.
وروى مسلم (2192) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ: نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي.
وروى ابن حبان (6098) عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَامْرَأَةٌ تُعَالِجُهَا، أَوْ تَرْقِيهَا، فَقَالَ: (عَالِجِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ).
قال ابن القيم رحمه الله : " قال الله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء/ 82 .
والصحيح: أن (مِن) هاهنا لبيان الجنس، لا للتبعيض. وقال تعالى: ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ) .
فالقرآن : هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية ، والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة.
وما كل أحد يؤهَّل ، ولا يوفق : للاستشفاء به.
وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه: لم يقاومه الداء أبدا.
وكيف تُقاوِم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدَّعها أو على الأرض لقطعها.
فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان، إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، والحِمية منه؛ لمن رزقه فهما في كتابه" انتهى من زاد المعاد (4/ 322).
وقال رحمه الله في زاد المعاد (4/ 22): "وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع:
أحدها: بالأدوية الطبيعية.
والثاني: بالأدوية الإلهية.
والثالث بالمركب من الأمرين" انتهى.
ثم قال رحمه الله في (4/ 162): "فصل في هديه - صلى الله عليه وسلم - في رقية اللديغ بالفاتحة.
أخرجا في " الصحيحين " من حديث أبي سعيد الخدري، قال: " انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم ، فأبوا أن يضيفوهم ، فلدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شيء ، لا ينفعه شيء !! فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا ، لعلهم أن يكون عند بعضهم شيء ؟ فأتوهم ، فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لُدِغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما أنشط من عقال، فانطلق يمشي، وما به قَلَبَة. قال: فأوفَوْهُم جُعْلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسِموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له ذلك، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ، ثم قال: قد أصبتم؛ اقسموا، واضربوا لي معكم سهما .
وقد روى ابن ماجه في " سننه " من حديث علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( خير الدواء القرآن ) .
ومن المعلوم أن بعض الكلام له خواص ومنافع مُجَرَّبة، فما الظن بكلام رب العالمين، الذي فضلُه على كل كلام، كفضل الله على خلقه، الذي هو الشفاء التام، والعصمة النافعة، والنور الهادي، والرحمة العامة، الذي لو أُنزِل على جبل؛ لتصدع من عظمته وجلالته.
قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82] [الإسراء: 82] . و" من " هاهنا : لبيان الجنس ، لا للتبعيض، هذا أصح القولين ، كقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 29] [الفتح: 29] ، وكلهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات؛ فما الظن بفاتحة الكتاب التي لم ينزل في القرآن، ولا في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور مثلها، المتضمنة لجميع معاني كتب الله، المشتملة على ذكر أصول أسماء الرب - تعالى - ومجامعها، وهي الله، والرب، والرحمن، وإثبات المعاد، وذكر التوحيدين: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وذكر الافتقار إلى الرب سبحانه في طلب الإعانة، وطلب الهداية، وتخصيصه سبحانه بذلك"
إلى أن قال: "ولقد مر بي وقتٌ بمكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها، آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارا، ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع بها غاية الانتفاع" انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إن الله جل وعلا ما أنزل داء إلا وأنزل له شفاء، علمه من علم وجهله من جهل، وأن الله سبحانه وتعالى جعل فيما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة - العلاج لجميع ما يشكو منه الناس، من أمراض حسية ومعنوية، وقد نفع الله بذلك العباد، وحصل به من الخير ما لا يحصيه إلا الله عز وجل" انتهى من فتاواه (3/ 453).
الاسلام سؤال وجواب