(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًاعَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ (8) التحريم)
ليس كل ما يحتاج إليه الإنسان هو الطعام والشراب والحاجات الضرورية للبدن، هناك أمور يحتاج الواحد إليها منا أكثر من أي شيءآخر، يحتاج إليها لتزكو بها نفسه، لتطيب بها روحه، حاجة الإنسان إلى التوبة، حاجة الإنسان ليس إلى أي توبة، التوبة النصوح حاجة مستمرة حاجة لا تنقطع، حاجة الإنسان إلى التراجع عن الأخطاء وتصحيح الأخطاء مع الله عز وجل أكبر من حاجته للطعام والشراب.
قد يحيا الإنسان بدون طعام أو شراب يومًا أو يومين ويبقى على قيد الحياة ولكن إذا استطاع الإنسان بدون انتباه وبغفلة منه أن يعيش بلا توبة وبلا تراجع عن أخطائه التي تقع فيما بينه وبين خالقه سبحانه فهو ليس في الأحياء فالقلب يموت حين لا تأتي عليه قطرات الندم وتنزل على سفحه دموع التوبة، القلب يموت. التوبة بالنسبة للقلب المؤمن كالماء بالنسبة للأرض لا يمكن أن يحيا بدونها
ولذلك من أعظم وجوه الرحمة، رحمة اله سبحانه وتعالى بعباده تلك الرحمة التي نتقلب فيها ليل نهار، الرحمة التي عمّت السموات والأرض، هو ذلك الفتح والبشارة لكل عاصٍ ومذنب في قوله تعالى في سورة الزمر (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٥٣﴾) ويقول في آية أخرى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْكُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الأعراف) هذه الأبواب المشرعة، أبواب الأمل، أبواب الرجاء، أبواب لا تغلق لا ساعة من ليل ولا ساعة من نهار، فالله سبحانه وتعالى فتح أمامنا جميعًا أبواب التوبة، فتحها بالليل ليتوب مسيء النهار وفتحها بالنهار ليتوب مسيء الليل وما بين هذه وتلك لا تغلق تلك الأبواب ولا لحظة من ليل ولا نهار، لماذا؟ لأنها تعبير عن رحمة الله سبحانه وتعالى بنا، إشعار للإنسان بأن الله الذي خلقك عالمٌ بضعفك وعجزك يعلم سبحانه (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك) يعلم بنقاط الضعف فينا يعلم بغفلتنا في بعض الأحيان، يعلم كم نعجز في كثير من الأحيان حين نرى الدنيا وإقبال الدنيا فننشغل بها عن ذكره وربما نؤخر في وقت من أوقات الصلاة، ربما نستمع للمؤذن وهو ينادي للصلاة فلا نسارع بالقيام لها، ربما ننام في أوقات والمؤذن يؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح فلا نجيب الندار، ربنا ينادينا في أوقات كثيرة في الصلاة لكننا نتكاسل في بعض الأحيان، نتباطأ، نتراجع! حتى إذا قمنا في بعض الأحيان إلى الصلاة نقوم بشيء من الفتور والكسل، نقاط الضعف هذه من الذي يمحوها؟ من الذي يمسح عنها تلك الأتربة؟ من الذي يجدد تلك العلاقة بيننا وبين الله سبحانه إلا هو؟ وهو ربي قد فتح تلك الأبواب، أبواب التوبة لنتراجع عن أخطائنا.ولذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ذات يوم أمًا تضم طفلها إلى صدرها بكل عطف وحنان فإذا به يقول لأصحابه: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا لا والله، قال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها.
باب التوبة المفتوح أمام أعيننا ليل نهار يحتاج منا إلى خطوات:
الخطوة الأولى استشعار والتقصير في جنب الله وهذا يقتضي أن تكون لي جلسة محاسبة مع نفسي كل ليلة ولو خمس دقائق أحاسب نفسي عما مر بي من أحداث يومية عما قلت من كلمات وربما أحتاج في بعض الأوقات أن أكتب بالورقة والقلم ماذا فعلت وأين الخلل وأين الخطأ فأُقلع وأتراجع عن الأخطاء وأندم على فعلها وأستحضر معاني الندم على التقصير أو التفريط في جنب الله سبحانه وتعالى سواء كان في عبادة أو في ذكر أو في معاملة أو في حق من حقوق الله سبحانه وتعالى أو في حق من حقوق عباده مع العزم الأكيد الصادق في النية على عدم الرجوع إلى ذلك الذنب وذاك التقصير مرة أخرى، التوبة النصوح تحتاج أن يرافقها العزم الأكيد على تجنب الوقوع في الخطايا، تحتاج أن يصاحبها العمل المخلص الجاد.التوبة النصوح تعني تغيرًا واقعيًا ملموسًا في حياة الإنسان،التوبة النصوح من ثمراتها ونتائجها وأسبابها وشروطها أنها تنتقل بالإنسان من حياة فيها ظلمة ظلمة المعصية والذنوب إلى جحياة ملؤها النور نور الإيمان والعمل الصالح الخيّر الطيب، فالله سبحانه وتعالى قد فتح ذلك الباب لأجل أن نعود إليه.
ما يتعلق بالحقوق المتعلقة بالعباد أو بالأشخاص نحتاج أن نطلب العفو، نحتاج أن نرد الحقوق إلى أصحابها، نحتاج أن نرد المظالم، نحتاج أن نبرّئ الذمّة قبل فوات الأوان. نحن اليوم الآن في هذه الساعة في متسع من الوقت والقدرة المادية والعمر ولكن ربما بعد ساعة أو أقل يأتي الأجل فلا يتسع الوقت لرد الحقوق إلى أصحابها، لرد المظالم إلى أهلها! فيا ترى بأيّ عملة سأرد تلك الحقوق والمظالم؟! بأيّ عملة؟!.
يوم القيامة كل العملات المادية النقدية المالية تسقط لا قيمة لها وتبقى العملة الوحيدة هي عملة الحسنات، فهل يا ترى سأدفع من حسناتي لأولئك الذين أسأت وأخطأت في حقهم؟ وكم سأدفع؟ كما جاء في الأحاديث التي تؤكد أن الإنسان حين يسيء في حق الآخرين سيأحذ هذا من حسناته زذاك من حسناته فإذا لم يبق له شيء بدأ بأخذ حمل الأوزار والذنوب منهم على عاتق ذلك الإنسان الذي أخطأ ولم يردّ حقوق الآخرين.
ما أجمل أن نتراجع عن أخطائنا، ما أجمل أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة نتوب ونتراجع ونردّ الحقوق ونردّ الأمانات ونردّ المظالم إلى أصحابها قبل فوات الأوان، قبل أن لا يكون لدينا متسع من الوقت لردّها.
رقيه العلوانى
اسلاميات