تفسير الشيخ الشعراوي
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)}
لهذه الآية الكريمة أسباب نزول، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أُمِرَ بالهجرة من مكة إلى المدينة، أمر المسلمين بالهجرة، فتركوا أموالهم التي اكتسبوها بمكة وتجاراتهم ومساكنهم، وآبائهم وأبنائهم، وإخوانهم وأزواجهم وعشائرهم، التي تستطيع حمايتهم، تركوا كل هذا وهاجروا لأرض جديدة.
ولكن من المسلمين من ركنوا للدنيا فبقوا بجوار أموالهم وأواجهم وأبنائهم المشركين، وكانت الواحدة من النساء المشركات تتعلق بقدمي زوجها المسلم الذي يريد الهجرة حتى لا يتركها فكان قلبه يرقُّ لها، ومنهم من كان يخشى ضياع ماله وكساد تجارته، التي بينه وبين المشركين، فنزلت هذه الآية.
إن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يوضح قيمة الانتماء الإيماني ويدرب المؤمنين عليه. فقد كان المسلم لا يتم إيمانه حتى يهاجر، ويصارم أهله وأقاربه ويقاطعهم، فشق ذلك عليهم. وقالوا: يا رسول الله إن نحن اعتزلنا من خالفنا في ديننا قطعنا آباءنا وأبناءنا وأزواجنا وأقاربنا، وخفنا على أموالنا وتجارتنا من الفساد، وخفنا على مساكننا أن تخرب، وبذلك نضيع، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وكأنها تأمرهم بأن كسب الإيمان أعلى من أي كسب آخر، فأنزل الحق سبحانه وتعالى الآية الكريمة: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقترفتموها وتجارة تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ومساكن تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين} [التوبة: 24].
ولما نزلت هذه الآية الكريمة أخذها الصحابة مأخذ الجد وهاجروا؛ وقاطعوا آباءهم وأبناءهم، حتى إن الواحد منهم كان يلقى أباه أو ابنه فلا يكلمه، ولا يدخله بيته، ولا ينزله في منزله إن لقيه، ولا ينفق عليه، إلى أن نزلت الآية الكريمة: {وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15].
أي: أن المعروف معهم يقتصر فقط في المعاملة وفي الإنفاق على المحتاج. أما الطاعة لهم فيما يغضب الله فهي محرمة. وحاول بعض المستشرقين أن يطعن في القرآن، فمنهم من قال: إن هناك تعارضاً بين آيات القرآن الكريم، فالآيتان اللتان ذكرناهما؛
الأولى تطلب مقاطعة الآباء والأبناء إن استحبوا الكفر على الإيمان، والآية الثانية تطلب مصاحبتهم بالمعروف أو عدم القطيعة،
وآية ثالثة تقول: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانوا آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22].
ولم يفطن هؤلاء إلى أن هناك فارقاً بين الود والمعروف، فالود هو عمل القلب، فأنت تحب بقلبك، ولكن المعروف ليس من عمل القلب لأنك قد تصنع معروفاً في إنسان لا تعرفه، وقد تصنع معروفاً في عدوك حين تجده في مأزق، ولكنك لا تحبه ولا توده.
إذن: فالمنهي عنه أن يكون بينك وبين من يحادون الله ورسوله حب ومودة، أما المعروف فليس منهيا عنه؛ لأن الله يريد للنفس الإيمانية أن تعترف بفضل الأبوة، فإن وجدت أباك وهو غير مؤمن في مأزق فاصنع معه معروفاً وساعده، لكن عليك ألا تطيعه فيما يغضب الله؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يربي في النفس الإيمانية أن تحترم من له فضل عليها. والأب والأم من أسباب الوجود الفرعي في الحياة، لذلك جاء الأمر بمصاحبتهما بالمعروف في الدنيا، شرط ألا نقبل منهما دعوتهما للكفر إن كانا من أهل الكفر، لأن إيمانك بالله لابد أن يكون هو الأقوى. ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار».
وذلك حتى لا يكون مقياس الحب هو النسب أو القربى، وإنما يكون القرب من الله سبب الحب، والبعد عن الله سبب الكره. فقضية الإيمان تَجُبُّ قضية العاطفة. ففي معركة بدر كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما ابنه فلم يكن قد أسلم بعد وكان مع الكفار، فلما أسلم ابن أبي بكر وآمن؛ قال لأبيه: لقد رأيتك يوم بدر فلويت وجهي عنك حتى لا أقتلك. فرد سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: لو أني رأيتُكَ لقتلتُكَ. وهذا منطقي مع الإيمان لأن الموازنة النفسية اقتضت أن يقارن ابن أبي بكر بين أبيه وبين صنم يعبده؛ فرجحت كفة أبيه، ولكن أبا بكر حين رأى ابنه قارن بين ربه وابنه فرجحت كفة ربه.
وإذا كان ذلك عن القرابة، وكيف يَجُبُّ الإيمان العاطفة، فماذا عن المال؟ يتابع المولى سبحانه وتعالى: {وَأَمْوَالٌ اقترفتموها} أي: أخذتموها بمشقة، وهي مأخوذة من (القرف) وهي القشر، وأنت إن أردت إزالة القشر عن حبة نبات ما، قد تجد شيئا من المشقة؛ لأن هناك التصاقا بين القشرة والحبة، والحق هنا يقول: {وَأَمْوَالٌ اقترفتموها} أي: أخذتموها بجهد ومشقة، وهو غير المال الموروث الذي لم يتعب فيه صاحبه، وإنما ورثه عن غيره، وفي هذه الحالة قد يكون أمره هيناً على صاحبه. أما المال الذي كسبه الإنسان بعرق جبينه وكدِّه فصاحبه أكثر حرصًاعليه من المال الموروث. ويقال: (فلان اقترف كذا)، أي: أنه قام بجهد حتى حصل عليه، ويقال: (اقترف الكذب) و(اقترف السرقة)، بمعنى أنه قد بذل جهدًا ليكذب، أو بذل جهدًا ليسرق، أي: قام بعملية فيها مجهود.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {فَتَرَبَّصُواْ حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين} وسبحانه هنا يوضح لهم: انتظروا أمر الله الذي سوف يأتي، لأنه سبحانه لا يهدي فاسقاً خرج عن الإيمان، ولا يهدي من جعلوا حبهم للعلاقات الدنيوية فوق حب الله فخرجوا عن مشيئة هداية الله تعالى، فسبحانه لا يهديهم كما لا يهدي الظالمين أو الكافرين؛ لأن هؤلاء هم من قدموا الظلم والكفر والفسق، فكان ذلك سببا في أن الله لم يدخلهم في مشيئة هداية المعونة على الإيمان، أما هداية الدلالة فقد قدمها لهم.
ثم أراد الحق سبحانه وتعالى أن يبعث الطمأنينة الإيمانية في نفوس المؤمنين، فيوضح لهم: إن كنتم تريدون بالآباء والأبناء والعشيرة والأقربين والمال قوة، فاعلموا أن قوة المؤمن من ربه، وإياك أن تنظر إلى ولي آخر غير الله؛ لأن ولاية البشر عرضة للتغير والتبدل، حيث إن الإنسان حدث يتقلب بين الأغيار، فالغني فيها قد يصبح فقيرا، والسليم قد يصبح مريضاً، والقوي قد يصير ضعيفاً، ولكن الولاية الدائمة إنما تكون من قادر قاهر لا يتغير، فإذا كان الله وليك فهو القادر دائمًا، والقاهر دائمًا، والغالب دائمًا، والموجود دائماً، والناصر دائماً، ولكن إذا كانت الولاية من إنسان لإنسان فالأغيار في الدنيا تجعل الصديق ينقلب عدواً، والمعين يصبح ضعيفاً لا يملك شيئا، والموجود يصبح لا وجود له بالموت، إذن: فلابد أن تجعل ولايتك مع الله سبحانه وتعالى: لأنه هو الدائم الباقي. ولهذا يعلِّم المولى- عز وجل- عبده المؤمن أن يكون دائماً يقظاً، فطناً، لبيباً، فيقول سبحانه وتعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ} [الفرقان: 58].
أي: لا تتوكل على من قد تصبح غداً فتجده ميتاً، ولكن توكل على الحي الموجود دائما، العزيز الذي لا يقهر، القوي الذي لا يغلب.
تأملات في قوله تعالى
قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
يقول تعالى آمراً رسوله أن يتوعد من آثر أهله، وقرابته، وعشيرته على الله ورسوله، وجهاد في سبيله: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾ ثم قال: ﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا ﴾: أي اكتسبتموها وحصلتموها، ﴿ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾: أي فسادها، ونقصها، وهذا يشمل جميع أنواع التجارات، والمكاسب، والأنعام، وغيرها، ﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ﴾: أي تحبونها لطيبها وحسنها، أي إن كانت هذه الأشياء ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ﴾، ﴿ فَتَرَبَّصُوا ﴾: أي انتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله، ولهذا قال: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ أي الخارجين عن طاعته، المُقَدِّمِينَ على محبة الله شيئاً من المذكورات، قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي: "وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله"[1].
روى البخاري في صحيحه من حديث زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم - وهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم -: "لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ"، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم -: "الْآنَ يَا عُمَرُ"[2].
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس ابن مالك - رضي الله عنه -، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"[3].
ومن فوائد الآية الكريمة:
أولاً: أن محبة الله ورسوله دليل على كمال الإيمان، وحسن الإسلام، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"[4].
ثانياً: أن طاعة الله ورسوله مقدمة على الأهل، والمال، والولد، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
ثالثاً: أن ترك الجهاد في سبيل الله والخلود إلى الأرض سبب لغضب الله ووقوع الذل على المسلمين، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38].
روى الإمام أبو داود في سننه من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا، لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"[5].
رابعاً: أن التكاسل عن الجهاد من صفات المنافقين، قال تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴾ [آل عمران: 167].
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ"[6].
خامساً: أن الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله سبب لنجاة العبد من عذاب الله، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 10-11].
روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الرحمن ابن جبر- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ"[7].
سادساً: أن الجهاد من أفضل الأعمال؛ ولذلك قرنه الله بمحبة الله ورسوله كما في الآية السابقة: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ"[8].
سابعاً: أن فيها الترغيب في الجهاد والزهد في الدنيا، فإن الأهل والعشيرة والأموال والتجارات والمساكن، إنما هي متاع الدنيا الزائل، قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]. وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آل عمران: 169-170].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعليق