مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ٢-فاطر
مادام أنه - سبحانه وتعالى - هو الخالق، هو الخالق، فمقتضى الخَلْق أنْ يوفر الله للمخلوق ما يصلحه، فهو أولاً يحتاج إلى رحمة في بقاء حياته؛ لذلك يُنزل سبحانه المطرَ فيحيى الأرضَ بالنبات ليزرع الإنسان ويأكل ويشرب، وهذا قِوَام حياته المادية، ثم يوفر له أيضاً قوام حياته الروحية والمعنوية، فيُنزل عليه ما يحفظ قيمه، وما يُنظم حياته بأدب مع غيره، وهذا هو المنهج الذي قال الله فيه { { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [الزخرف: 32].
وهذه الرحمة إنْ أرادها الله بعبد، فلا أحدَ يمنعها عنه { مَّا يَفْتَحِ } [فاطر: 2] يعني: يعطي ويمنح { فَلاَ مُمْسِكَ } [فاطر: 2] فلا مانع ولا حابس لها { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ } [فاطر: 2] لا معطي { لَهُ مِن بَعْدِهِ } [فاطر: 2] أي: من بعد الله.
وتأمل الأسلوب القرآني في { مَّا يَفْتَحِ } [فاطر: 2] مقابلها يغلق، لكن الحق سبحانه لم يَقُل: وما يغلق، إنما { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } [فاطر: 2] لماذا؟ قالوا: لأن المغلَق ربما تمكَّن أحد من فتحه بالحيلة أو بالقوة، أما { وَمَا يُمْسِكْ } [فاطر: 2] فلا أحدَ يستطيع أنْ ينال شيئاً أمسكه الله.
ومن معاني هذا الفتح وهذه الرحمة: الرسالة التي خَصَّ الله بها سيدنا رسول الله؛ لذلك قال الكفار { { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31].
وقالوا: { { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ص: 8].
فردَّ الله عليهم: { { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا.. } [الزخرف: 32].
يعني: تأدبوا مع الله، فهو الذي قسم لكم أمور الدنيا وأمور المعايش، أيترك لكم ولأهوائكم أنْ تُقسِّموا الوحي، وأنْ تجعلوه ينزل على مَنْ تهوون؟
والفتح: إزالة حاجز بين شيئين، ومنه حِسيٌّ كما نفتح الباب أو الشنطة مثلاً، كما ورد في القرآن: { { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ } [يوسف: 65].
وقد يكون الفتح أمراً معنوياً كالفتح بالخير، أو بالرحمة كالوحي الذي اختص الله به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى: { { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 76] يعني: من الوحي الموجود في التوراة من صفة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا فَتْح معنوي بالخير وبالبركة.
ومن معاني الفتح: الفصل وفضّ الإشكال بين الخصوم، كما في قوله سبحانه: { { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [الأعراف: 89].
وعِلَّة قوله تعالى: { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا .. } [فاطر: 2] لأنه سبحانه واحد لا شريك له، ولا إله غيره، فلو كان معه إله آخر لكان له رأي آخر، أمَّا الحق سبحانه وحده فيتصرف في مُلْكه تصرُّف مَنْ لا شريكَ له، وإلا فكيف يثق بأنه حين يقول للشيء كُنْ فيكون أن الشيء يطيعه؟
فالله يقول هذا الأمر، وهو يعلم أن الشيء سيطيع، فلا أحدَ يستطيع أنْ يقول له لا تطع، لذلك أول مَنْ شهد بالألوهية والوحدانية الواحدة هو الله سبحانه، شهد بها لنفسه سبحانه، فقال: { { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [آل عمران: 18] وهذه شهادة الذات للذات، لذلك أقبل على الأشياء بكُنْ فكانت، وسمعت، وأطاعت، ونفذت.
واقرأ: { { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [الانشقاق: 1-2] يعني: سمعتْ بوعى وحَقّ لها أنْ تسمع، وأن تطيع؛ لأنه ليس لها إله آخر يعارضها إنْ أطاعتْ.
وبعد أنْ شهد الحق سبحانه لنفسه شهادة الذات للذات شهدتْ بذلك الملائكةُ شهادةَ المشاهدة، ثم شهد أولو العلم شهادةَ التدليل: { { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ .. } [آل عمران: 18].
ثم تُذيَّل الآية بقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [فاطر: 2] نعم، ما دام أنه تعالى إله واحد لا شريك له، يرسل رحمته لمن يشاء، ويمسك عَمَّنْ يشاء فهو عزيز، والعزيز هو الذي لا يُغْلَب ولا يُمَانع، لكن هذه العزة وهذه الغلبة ليست صادرة عن بطش أو ظلم أو جبروت، إنما صادرة عن حكمة { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [فاطر: 2] فهو سبحانه حكيم في عطائه، حكيم في منعه، والحكمة - كما قلنا - هي وَضْع الشيء في موضعه المناسب.
التفاسير العظيمة
مادام أنه - سبحانه وتعالى - هو الخالق، هو الخالق، فمقتضى الخَلْق أنْ يوفر الله للمخلوق ما يصلحه، فهو أولاً يحتاج إلى رحمة في بقاء حياته؛ لذلك يُنزل سبحانه المطرَ فيحيى الأرضَ بالنبات ليزرع الإنسان ويأكل ويشرب، وهذا قِوَام حياته المادية، ثم يوفر له أيضاً قوام حياته الروحية والمعنوية، فيُنزل عليه ما يحفظ قيمه، وما يُنظم حياته بأدب مع غيره، وهذا هو المنهج الذي قال الله فيه { { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [الزخرف: 32].
وهذه الرحمة إنْ أرادها الله بعبد، فلا أحدَ يمنعها عنه { مَّا يَفْتَحِ } [فاطر: 2] يعني: يعطي ويمنح { فَلاَ مُمْسِكَ } [فاطر: 2] فلا مانع ولا حابس لها { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ } [فاطر: 2] لا معطي { لَهُ مِن بَعْدِهِ } [فاطر: 2] أي: من بعد الله.
وتأمل الأسلوب القرآني في { مَّا يَفْتَحِ } [فاطر: 2] مقابلها يغلق، لكن الحق سبحانه لم يَقُل: وما يغلق، إنما { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } [فاطر: 2] لماذا؟ قالوا: لأن المغلَق ربما تمكَّن أحد من فتحه بالحيلة أو بالقوة، أما { وَمَا يُمْسِكْ } [فاطر: 2] فلا أحدَ يستطيع أنْ ينال شيئاً أمسكه الله.
ومن معاني هذا الفتح وهذه الرحمة: الرسالة التي خَصَّ الله بها سيدنا رسول الله؛ لذلك قال الكفار { { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31].
وقالوا: { { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ص: 8].
فردَّ الله عليهم: { { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا.. } [الزخرف: 32].
يعني: تأدبوا مع الله، فهو الذي قسم لكم أمور الدنيا وأمور المعايش، أيترك لكم ولأهوائكم أنْ تُقسِّموا الوحي، وأنْ تجعلوه ينزل على مَنْ تهوون؟
والفتح: إزالة حاجز بين شيئين، ومنه حِسيٌّ كما نفتح الباب أو الشنطة مثلاً، كما ورد في القرآن: { { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ } [يوسف: 65].
وقد يكون الفتح أمراً معنوياً كالفتح بالخير، أو بالرحمة كالوحي الذي اختص الله به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى: { { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 76] يعني: من الوحي الموجود في التوراة من صفة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا فَتْح معنوي بالخير وبالبركة.
ومن معاني الفتح: الفصل وفضّ الإشكال بين الخصوم، كما في قوله سبحانه: { { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [الأعراف: 89].
وعِلَّة قوله تعالى: { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا .. } [فاطر: 2] لأنه سبحانه واحد لا شريك له، ولا إله غيره، فلو كان معه إله آخر لكان له رأي آخر، أمَّا الحق سبحانه وحده فيتصرف في مُلْكه تصرُّف مَنْ لا شريكَ له، وإلا فكيف يثق بأنه حين يقول للشيء كُنْ فيكون أن الشيء يطيعه؟
فالله يقول هذا الأمر، وهو يعلم أن الشيء سيطيع، فلا أحدَ يستطيع أنْ يقول له لا تطع، لذلك أول مَنْ شهد بالألوهية والوحدانية الواحدة هو الله سبحانه، شهد بها لنفسه سبحانه، فقال: { { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [آل عمران: 18] وهذه شهادة الذات للذات، لذلك أقبل على الأشياء بكُنْ فكانت، وسمعت، وأطاعت، ونفذت.
واقرأ: { { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [الانشقاق: 1-2] يعني: سمعتْ بوعى وحَقّ لها أنْ تسمع، وأن تطيع؛ لأنه ليس لها إله آخر يعارضها إنْ أطاعتْ.
وبعد أنْ شهد الحق سبحانه لنفسه شهادة الذات للذات شهدتْ بذلك الملائكةُ شهادةَ المشاهدة، ثم شهد أولو العلم شهادةَ التدليل: { { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ .. } [آل عمران: 18].
ثم تُذيَّل الآية بقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [فاطر: 2] نعم، ما دام أنه تعالى إله واحد لا شريك له، يرسل رحمته لمن يشاء، ويمسك عَمَّنْ يشاء فهو عزيز، والعزيز هو الذي لا يُغْلَب ولا يُمَانع، لكن هذه العزة وهذه الغلبة ليست صادرة عن بطش أو ظلم أو جبروت، إنما صادرة عن حكمة { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [فاطر: 2] فهو سبحانه حكيم في عطائه، حكيم في منعه، والحكمة - كما قلنا - هي وَضْع الشيء في موضعه المناسب.
التفاسير العظيمة