إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وقفات مع السور التي تُقرأ يوم الجمعة - سورتى الأعلى و الغاشية - د. عمر المقبل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وقفات مع السور التي تُقرأ يوم الجمعة - سورتى الأعلى و الغاشية - د. عمر المقبل

    وقفات مع سورة الأعلى



    الوقفة الأولى: وقفتنا اليوم مع إحدى السور العظيمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في صلاة الجمعة وهي سورة الأعلى.

    هذه السورة لمن تأملها وجد أنها ركزت على قضيتين أساسيتين:

    1. القضية الأولى: الثناء على الله سبحانه وتعالى بجملة من أسمائه الحسنى وأفعاله في خلقه وآثار هذه الأفعال.

    2. والقضية الثانية هي تعليق هذه القلوب بالله جلّ وعلا وتزهيدها في الدنيا وربطها بالآخرة وأن الفوز فيها هو الفوز الحق وأن الخسارة فيها هي الخسارة الحقّة. وفي تضاعيف هذه السورة إشارة إلى جملة من الأسباب التي تحصل بها زكاة النفوس والنجاة من العذاب في الدنيا وفي الآخرة. هذا ملخص هذه السورة، وفي الجمعة القادمة نتوقف عند آية من آيات هذه السورة التي أدهشت جملة من أهل العلم حينما توقفوا عندها حاولوا أن يستخرجوا شيئًا من أسرارها وكنوزها.



    الوقفة الثانية: هذه الوقفة الثانية مع سورة الأعلى وتحديدًا مع الآية الثانية والثالثة لترابطهما جميعًا.

    قال الله عز وجلّ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴿١﴾ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴿٢﴾ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴿٣﴾)

    فهذه أربعة أمور فيما يتعلق بالهداية التي هدى الله عز وجلّ لها هذه المخلوقات فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق كلهم ثم سوّاهم جعل هناك ذكرًا وأنثى وكذلك سوّاهم في حُسن الخَلْق قال الله تبارك وتعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾ الشمس) (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) [الملك: 3]. ثم قال الله عز وجلّ (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) فهو سبحانه وتعالى حينما خلق الذكر والأنثى حينما خلق الحيوانات حينما خلق الإنسان قدّر الله سبحانه وتعالى خلقها ثم هداها لما فيه صلاح معاشها وصلاح أحوالها في أمر الرزق وغيره. ثم إن ابن القيم رحمه الله هو أحد أولئك العلماء الذين أشرنا إليهم في المقطع السابق في الجمعة الماضية أحد العلماء الذين سال قلمهم جدًا جدًا في الحديث عن هداية الله سبحانه وتعالى لهذه المخلوقات فذكر نماذج لهذه المخلوقات لا يملك الإنسان أمامها وهو يقرأ ما ذكره الإمام رحمه الله تعالى إلا أن يسبّح الله عز وجلّ وأن يُخبت له سبحانه وتعالى. اقرأوا ما ذكره عن هداية الله عز وجلّ للنحل وما ذكره عن هداية الله سبحانه وتعالى للنمل كيف هداها لجلب ما يتعلق برزقها، كيف هدى النحل لتكوين هذه الخلايا بهذا الشكل وتكلم بكلام عجيب جدًا. ثم تكلم عن النمل كيف تبني بيوتها، كيف تجلب رزقها، كيف تتعامل مع المتغيرات الجوية إلى غير ذلك من ألوان الهداية لا يملك الإنسان وهو يقرأ هذا إلا أن يقول فتبارك الله أحسن الخالقين، تبارك الله رب العالمين، إلى غير ذلك من المعاني التي في الحقيقة إن حصول الإيمان بها هو من أعظم مقاصد تدبر هذه الآيات الكريمات. في عصرنا الحاضر لما قُدر للإنسان أن يطلع على ألوان من الهجرة للطيور ازداد إيمانه ويقينه بهذه الآية يتساءل الإنسان من الذي هدى هذه الطيور حيث تهاجر آلآف الكيلومترات من موضع إلى موضع ثم إذا تغيّر الفصل عليها رجعت إلى مواضعها دون أن تخطئ طريقها قيد أنملة؟! سبحان الذي قدّر فهدى!.



    الوقفة الثالثة: هذه هي الوقفة الثالثة والأخيرة مع هذه السورة العظيمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها أحيانًا في صلاة الجمعة. ووقفتنا مع قوله عز وجلّ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿١٦﴾ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴿١٧﴾) وهذا التعقيب جاء بعد قوله عز وجلّ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴿١٤﴾ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴿١٥﴾) وفي هذه الآية إشارة إلى أن من أعظم الحجب عن الوصول إلى مرتبة الفلاح وتزكية النفس والتوفيق لذكر الله عز وجلّ والقيام بشأن عبوديته هو إيثار الحياة الدنيا أي تقديمها على أمر الآخرة وعلى ما فيه صلاح العبد في معاشه ومعاده. وهذا المعنى تكرر كثيرًا في القرآن الكريم عند ذكر جملة من الأوامر والنواهي فمثلًا في قوله سبحانه وتعالى لما فرض الجهاد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴿٣٨﴾ التوبة) وقد قال أهل العلم رحمهم الله: إنه ما عيبت الدنيا بشيء أعظم من عيبها بفنائها ولهذا كان أهل العلم يقولون: عجبًا لإنسان يقدم الخسيس الفاني على النفيس الباقي والخسيس الفاني هي الدنيا والنفيس الباقي هو الآخرة ولهذا قال الله عز وجلّ هنا (وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) أي خير من الدنيا وأبقى منها فإن الدنيا فانية والآخرة شريفة باقية فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى؟! كيف يؤثر الإنسان دارًا كلها منغّصة؟! إن كان فيها سرور أعقبه حزن وإن كان فيها صفا أعقبه كدر ولو لم يكن من المكدرات إلا الموت ولهذا لما بنى هارون الرشيد قصره في بغداد دعا الشعراء الذي كان يريد منهم سماع كلمة مدح ونحو ذلك فقال هل أتيتم بجميع الشعراء؟ فقالوا: إلا أبا العتاهية عِشْ ما بدا لكَ سالمًا في ظلّ شاهقة القُصور إلى أن قال: فإذا النّفوسُ تَقعَقَعَتْ في ظلّ حَشرجَة ِ الصّدورِ فَهُناكَ تَعلَم، مُوقِناً مَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُرُورِ فبكى هارون رحمه الله تعالى. وهكذا الإنسان ينبغي له أن يتعامل مع الدنيا على أنها وسيلة لا غاية وأن تكون في يده لا في قلبه وأن يستخدمها لا أن يخدمها، والله الموفق.




    وقفات مع سورة الغاشية -



    الوقفة الأولى: هذه هي الوقفة الأولى مع السورة الأخيرة من السور التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في صلاة الجمعة وهي سورة الغاشية. وهذه السورة العظيمة سورة مكية وتأتي مباشرة في ترتيب المصحف وأيضًا تأتي مقرونة مع سورة الأعلى في قرآءته صلى الله عليه وسلم بها في صلاة الجمعة.

    والملاحظ أن بين السورتين تطابقًا عجيبًا في قضيتين أساسيتين الأولى: في التذكير بالدار الآخرة ومصير المستجيبين والمعرضين القضية الأخرى: هي ربط الناس وتحريك قلوبهم بالتفكر في آيات الله سبحانه وتعالى والاستدلال بها على وحدانية الله عز وجلّ وأحقيته بالعبادة وأن هذا التفكر ينبغي أن يقود إلى التذكّر، تأملوا في قول الله عز وجلّ (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴿١٧﴾ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴿١٨﴾ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴿١٩﴾ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴿٢٠﴾ فَذَكِّرْ) قارنوها مع قوله عز وجلّ في سورة الأعلى (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴿٩﴾) بعد ما ذكر الله سبحانه وتعالى آياته فيما يخرجه من الأرض وتغير النبات (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ﴿٤﴾ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴿٥﴾) إلى آخر ما ذكر في سورة الأعلى.



    الوقفة الثانية: هذه وقفتنا الثانية من الوقفات مع سورة الغاشية وهي تحديدًا مع قول الله تبارك وتعالى في وصف نعيم أهل الجنة (لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً ﴿١١﴾) أي لا تسمع فيها قولًا باطلًا ولا قولًا فيه إثم ولا قولًا فيه لغو وهذا يدلنا على أن تلك البيوت التي تسلم من هذه الآفة وهي لغو القول وباطله أنها تتمتع بشيء من نعيم الجنة.

    انظروا إلى كثير من بيوت الناس اليوم كم يرتفع فيها الصراخ والصوت! كم يرتفع فيها اللغو والباطل! كم يظهر فيها من اللعن والسبّ والشتم! وإن سلِم أفرادها من ذلك بألسنتهم انظروا إلى ما يبثّ ويذاع فيها من باطل القول ومحرّمه من خلال تلك الفضائيات ونحوها. ألا أيها المؤمنون اِحرصوا على أن تستدرجوا شيئًا من نعيم الجنة في بيوتكم بإخلائها وتنقيتها من لغو القول وباطله جعلني الله وإياكم من أهل هذه الجنة ووالدينا وإخواننا والمسلمين.



    الوقفة الثالثة والأخيرة: آخر وقفة مع هذه السورة العظيمة سور الغاشية وهي أيضًا آخر الوقفات مع السور التي تُقرأ يوم الجمعة. وقفتنا مع قول الله تبارك وتعالى (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴿١٧﴾) وإلى ما بعدها من الآيات التي أمر الله سبحانه وتعالى عباده وحضهم على النظر الذي يصحبه اعتبار وتفكر في هذه المخلوقات العظيمة، في الإبل التي هي من أشد المخلوقات ولولا تذليل الله عز وجلّ لها لما انقادت لذلك الطفل الصغير الذي يبرّكها ويقيمها.

    كذلك هذه السماء التي رُفعت وأُحسن خلقها ولم تسقط على الأرض. كذلك هذه الجبال العظيمة كيف نصبت لتكون أوتادًا للأرض. وهذه الأرض التي جعلها الله عز وجلّ مسطحة ليسهل على الخلق التنقل فيها. لا ينبغي أبدًا أن تمر علينا مثل هذه الآيات مرور الكرام خصوصًا تلك الآيات التي يأمر الله عز وجلّ فيخا بالنظر وفي جزء عمّ وحده نجد أكثر من آية يلفت الله عز وجلّ النظر إلى الاعتبار والتفكر ففي سورة عبس (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴿٢٤﴾) وفي سورة الطارق يقول الله عز وجلّ (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴿٥﴾) إن شأن المتدبرين، إن شأن أهل القرآن أن يُعملوا هذه العبادة، عبادة التفكر فإنها تورث التذكر وقد أثنت أم الدرداء رضي الله عنها على زوجها فقالت كان أكثر وقت أبي الدرداء هو في التفكر والنظر والتأمل.



    هذه وقفات مختصرات مرت على هذه السور أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها كما أرجو من الإخوة أن يغضوا الطرف عما يقع فيها من قصور أو تقصير فإن طبيعة هذه التسجيلات لا تناسب إلا الاختصار ولكن أرجو أن لا يكون اختصارًا مُخلّا كما أن المقصود من ذلك كله هو الإشارة والتنبيه إلى إعمال التفكر والتدبر في هذه الآيات وليس المقصود الاستقصاء فإن هذا تطول عنه هذه المقامات. أسأل الله جلّ وعلا أن ينفع وأن يبارك في هذه المقاطع التي سُجلت عبر هذه الجُمع المتتابعة وأن ينفع بها من قالها وأن ينفع بها من سمعها أو كتبها ونشرها وأن يغفر لنا جميعًا وأن يجعلنا جميعًا وإياكم من أهل القرآن وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    وقفات مع السور التي تُقرأ يوم الجمعة

    - د. عمر المقبل



    اسلاميات

يعمل...
X