هذه اجتهادات بيانية قد تصيب وقد تخطئ ، وقد تدنو أو تبعد ، وأرجو الله أن يسدد قلبي وعقلي للصواب ، إنه الميسر للخير سبحانه وتعالى
1- " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ... " 20 سورة يس .
" وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى .... " 20 سورة القصص .
مؤمن آل يس رجل من عامة الناس آمن بالرسل الثلاثة الذين بُعثوا في قومه ، اسمه - كما يقول المفسرون - حبيب النجار قتله قومه حين سعى يدافع من أنبيائه .
ومؤمن موسى من قوم فرعون آمن بموسى عليه السلام ، ونجّاه الله تعالى مع موسى .
والرجلان جاءا من أقصى المدينة يسعيان لإنقاذ من تآمر عليهم كفار قومهم ليقتلوهم . فقد ائتمر قوم يس على الأنبياء واجتمعوا عليهم ، فوقف بينهم حبيب النجار يذود عنهم ، ويدعو قومه حتى آخر لحظة من حياته للإيمان بالله الواحد الذي يدعو إليه هؤلاء الأنبياء الكرام ، فقتل دونهم . ومؤمن آل فرعون علم أن القوم ألّبوا فرعون على موسى فأمر بقتله ، فانطلق المؤمن يسعى إلى موسى ويحذره قائلاً " فاخرج إني لك من الناصحين " .
مؤمن آل يس وقف بشجاعة أمام قومه ينصحهم ويدعوهم دعوة الحق ، ومؤمن آل فرعون كان يفعل ذلك ، وسورة غافر تصور حواره مع قومه ، إلا أنه هذه اللحظة كان يريد أن ينبه موسى إلى ما عزم عليه فرعون وملؤه من قتل موسى ، فلم تحدُث بينه وبين قومه مجابهة ، إنما كان همه إعلام موسى بما خططه الأقباط للتخلص منه .
مؤمن آل يس لم يحفل بالموت ، فنال الشهادة ونال الجنة سريعاً " قيل ادخل الجنة ، قال : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي ، وجعلني من المكرمين " ومؤمن آل يس دعا الله تعالى حين هدده فرعون وملؤه بالقتل أن يحفظه الله منهم ، فنجاه " فستذكرون ما أقول لكم ، وأفوّض أمري إلى الله ، إن الله بصير بالعباد ، فوقاه الله سيئات ما مكروا ، وحاق بآل فرعون سوء العذاب "
المؤمنان كانا يحملان صفة الرجولة الحقة فبذلا جهدهما لإنقاذ الدعاة إلى الله ، فاستحقا هذه الصفة عن جدارة ، إذ قدِما من بعيد يسرعان كي لا يسبقهما الكافرون فيما خططوا له من الفتك بالأنبياء ، جاءا من أقصى المدينة مسرعين يجدان السير . " ومن جدّ وجدَ ، ومن سار على الدرب وصل " .
بقي أن نقول : في سورة يس نعلق ( من أقصى ) بالفعل جاء ، وتكون جملة ( يسعى )صفة مرفوعة للفاعل رجل ، بينما – في سورة القصص نعلق ( من أقصى ) بصفة مرفوعة لرجل ، ونعرب جملة ( يسعى ) حالاً منصوبة من رجل أو صفة مرفوعة لرجل . وكأنني أستشف من تقديم الرجل في سورة القصص انفلاتَ الرجل من أسر الغنى والسيادة – فهو من الأمراء - وتحرره من قيود الدنيا ، ورغبته في الآخرة ، وقليلاً ما تجد الغني المترف يتخلى عن البهارج ودعة الحياة في سبيل دعوة الحق .
ومن تخلّى عن الدنيا – وهي ملك يديه – في سبيل الآخرة حق أن يكون عند الله تعالى مقدّماً .... والله أعلم .
>>>>>>>>>>>>
نظرات بيانية (2) إذ يتنازعون بينهم أمرهم – بقلم: الدكتور عثمان قدري مكانسي
" ... إذ يتنازعون بينهم أمرهم ، فقالوا : ابنوا عليهم بنياناً ...." الكهف (21)
" ... فتنازعوا أمرهم بينهم ، وأسرّوا النجوى " طه (62)
التنازع في سورة الكهف بين المؤمنين في أمر الفتيان الذين ناموا في الكهف ثلاث مئةٍ سنين ، ثم استيقظوا بقدرة الله تعالى ليؤكد المولى للناس أنه لا بد من اليوم الآخر ، وسيحشر فيه الناس بأرواحهم وأجسادهم . هذا التنازع في الطريقة التي يكرّمون بها هؤلاء المفتيان المؤمنين بعد موتهم ليكونوا عبرة للناس جميعاً ، " قال الذين غلبوا على أمرهم لنتّخذنّ عليهم مسجداً ".
التنازع في سورة طه بين الكفار من السحرة الذين أمرهم فرعون أن يجهزوا أنفسهم لمقارعة موسى وهارون عليهما السلام ، فكان السحرة فريقين – كما يذكر المفسرون – في أمرهما ، فكان الغالبية من السحرة يعتقدون أن النبيين الكريمين ساحران يمكن الغلبة عليهما " قالوا إنْ هذان لساحران " وكان بعضهم يعتقد أن موسى وهارون ليسا ساحرين ، وهما يعتمدان على قوة قاهرة لا يمكن التغلب عليهما .
في قصة أهل الكهف نجد " إذ " مع الفعل المضارع " يتنازعون " يستحضران صورة المسلمين يتناقشون في تكريم هؤلاء الفتية الأبرار دون ضجة ولا جلبة ، فليس بينهم منافسة ولا تحدٍّ ، إنما يريدون الوصول – برأيهم – إلى الطريقة المثلى لتكريم الهاربين إلى الله بدينهم الذين ضربوا المثل والقدوة في اللجوء إلى الله . واستحضار الصورة مشهد حضاري في الشورى الذي قرر العمل برأي الأغلبية ، فكان من الأولى تقديم كلمة " بينهم " على كلمة " أمرهم " . فاختلاف الرأي ليس في أمر الفتية إنما بين المتحاورين في طريقة تكريمهم .
في قصة السحرة والنبيين الأخوين الكريمين موسى وهارون ، نجد الفعل الماضي " تنازعوا " يدل على لفلفة الأمور وطمس رأي الآخرين الذين خالفوهم في الرؤية ولا حظ معي الجملة التالية " قالوا: إنْ هذان لساحران ... " وقد حُذفت فاء الترتيب والتعقيب ، ومكانها قبل الفعل قالوا . ولن يُسمح حتى بسماع الرأي الآخر لأن فرعون قرر أنهما ساحران ينبغي مواجهتهما والقضاء عليهما سريعاً ، وينبغي أن يكونوا رأياً واحداً ، فلا يسمع أحد برأي يأباه فرعون " فأجمعوا أمركم ، ثم ائتوا صفاً " وكان همهم وهمّ سيدهم النصر لا الوصول إلى الحق ، والدليل على ذلك قولهم " وقد أفلح اليوم من استعلى " ولم يقولوا : قد أفلح اليوم من كان الحق معه !! . ولأن التنازع في موقف السحرة أنفسهم من النبيين موسى وهارون قٌدّمت كلمة " أمرهم" على كلمة " بينهم " والضمير في كلمة " أمرهم " عائد على السحرة ، ولو كانوا على كلمة واحدة في اتخاذ القرار ، وكان الخلاف متعلقاً بمقارعة النبيين ليس غير لقال " فتنازعوا أمرهما بينهم " .
والله أعلم .
يتبع
1- " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ... " 20 سورة يس .
" وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى .... " 20 سورة القصص .
مؤمن آل يس رجل من عامة الناس آمن بالرسل الثلاثة الذين بُعثوا في قومه ، اسمه - كما يقول المفسرون - حبيب النجار قتله قومه حين سعى يدافع من أنبيائه .
ومؤمن موسى من قوم فرعون آمن بموسى عليه السلام ، ونجّاه الله تعالى مع موسى .
والرجلان جاءا من أقصى المدينة يسعيان لإنقاذ من تآمر عليهم كفار قومهم ليقتلوهم . فقد ائتمر قوم يس على الأنبياء واجتمعوا عليهم ، فوقف بينهم حبيب النجار يذود عنهم ، ويدعو قومه حتى آخر لحظة من حياته للإيمان بالله الواحد الذي يدعو إليه هؤلاء الأنبياء الكرام ، فقتل دونهم . ومؤمن آل فرعون علم أن القوم ألّبوا فرعون على موسى فأمر بقتله ، فانطلق المؤمن يسعى إلى موسى ويحذره قائلاً " فاخرج إني لك من الناصحين " .
مؤمن آل يس وقف بشجاعة أمام قومه ينصحهم ويدعوهم دعوة الحق ، ومؤمن آل فرعون كان يفعل ذلك ، وسورة غافر تصور حواره مع قومه ، إلا أنه هذه اللحظة كان يريد أن ينبه موسى إلى ما عزم عليه فرعون وملؤه من قتل موسى ، فلم تحدُث بينه وبين قومه مجابهة ، إنما كان همه إعلام موسى بما خططه الأقباط للتخلص منه .
مؤمن آل يس لم يحفل بالموت ، فنال الشهادة ونال الجنة سريعاً " قيل ادخل الجنة ، قال : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي ، وجعلني من المكرمين " ومؤمن آل يس دعا الله تعالى حين هدده فرعون وملؤه بالقتل أن يحفظه الله منهم ، فنجاه " فستذكرون ما أقول لكم ، وأفوّض أمري إلى الله ، إن الله بصير بالعباد ، فوقاه الله سيئات ما مكروا ، وحاق بآل فرعون سوء العذاب "
المؤمنان كانا يحملان صفة الرجولة الحقة فبذلا جهدهما لإنقاذ الدعاة إلى الله ، فاستحقا هذه الصفة عن جدارة ، إذ قدِما من بعيد يسرعان كي لا يسبقهما الكافرون فيما خططوا له من الفتك بالأنبياء ، جاءا من أقصى المدينة مسرعين يجدان السير . " ومن جدّ وجدَ ، ومن سار على الدرب وصل " .
بقي أن نقول : في سورة يس نعلق ( من أقصى ) بالفعل جاء ، وتكون جملة ( يسعى )صفة مرفوعة للفاعل رجل ، بينما – في سورة القصص نعلق ( من أقصى ) بصفة مرفوعة لرجل ، ونعرب جملة ( يسعى ) حالاً منصوبة من رجل أو صفة مرفوعة لرجل . وكأنني أستشف من تقديم الرجل في سورة القصص انفلاتَ الرجل من أسر الغنى والسيادة – فهو من الأمراء - وتحرره من قيود الدنيا ، ورغبته في الآخرة ، وقليلاً ما تجد الغني المترف يتخلى عن البهارج ودعة الحياة في سبيل دعوة الحق .
ومن تخلّى عن الدنيا – وهي ملك يديه – في سبيل الآخرة حق أن يكون عند الله تعالى مقدّماً .... والله أعلم .
>>>>>>>>>>>>
نظرات بيانية (2) إذ يتنازعون بينهم أمرهم – بقلم: الدكتور عثمان قدري مكانسي
" ... إذ يتنازعون بينهم أمرهم ، فقالوا : ابنوا عليهم بنياناً ...." الكهف (21)
" ... فتنازعوا أمرهم بينهم ، وأسرّوا النجوى " طه (62)
التنازع في سورة الكهف بين المؤمنين في أمر الفتيان الذين ناموا في الكهف ثلاث مئةٍ سنين ، ثم استيقظوا بقدرة الله تعالى ليؤكد المولى للناس أنه لا بد من اليوم الآخر ، وسيحشر فيه الناس بأرواحهم وأجسادهم . هذا التنازع في الطريقة التي يكرّمون بها هؤلاء المفتيان المؤمنين بعد موتهم ليكونوا عبرة للناس جميعاً ، " قال الذين غلبوا على أمرهم لنتّخذنّ عليهم مسجداً ".
التنازع في سورة طه بين الكفار من السحرة الذين أمرهم فرعون أن يجهزوا أنفسهم لمقارعة موسى وهارون عليهما السلام ، فكان السحرة فريقين – كما يذكر المفسرون – في أمرهما ، فكان الغالبية من السحرة يعتقدون أن النبيين الكريمين ساحران يمكن الغلبة عليهما " قالوا إنْ هذان لساحران " وكان بعضهم يعتقد أن موسى وهارون ليسا ساحرين ، وهما يعتمدان على قوة قاهرة لا يمكن التغلب عليهما .
في قصة أهل الكهف نجد " إذ " مع الفعل المضارع " يتنازعون " يستحضران صورة المسلمين يتناقشون في تكريم هؤلاء الفتية الأبرار دون ضجة ولا جلبة ، فليس بينهم منافسة ولا تحدٍّ ، إنما يريدون الوصول – برأيهم – إلى الطريقة المثلى لتكريم الهاربين إلى الله بدينهم الذين ضربوا المثل والقدوة في اللجوء إلى الله . واستحضار الصورة مشهد حضاري في الشورى الذي قرر العمل برأي الأغلبية ، فكان من الأولى تقديم كلمة " بينهم " على كلمة " أمرهم " . فاختلاف الرأي ليس في أمر الفتية إنما بين المتحاورين في طريقة تكريمهم .
في قصة السحرة والنبيين الأخوين الكريمين موسى وهارون ، نجد الفعل الماضي " تنازعوا " يدل على لفلفة الأمور وطمس رأي الآخرين الذين خالفوهم في الرؤية ولا حظ معي الجملة التالية " قالوا: إنْ هذان لساحران ... " وقد حُذفت فاء الترتيب والتعقيب ، ومكانها قبل الفعل قالوا . ولن يُسمح حتى بسماع الرأي الآخر لأن فرعون قرر أنهما ساحران ينبغي مواجهتهما والقضاء عليهما سريعاً ، وينبغي أن يكونوا رأياً واحداً ، فلا يسمع أحد برأي يأباه فرعون " فأجمعوا أمركم ، ثم ائتوا صفاً " وكان همهم وهمّ سيدهم النصر لا الوصول إلى الحق ، والدليل على ذلك قولهم " وقد أفلح اليوم من استعلى " ولم يقولوا : قد أفلح اليوم من كان الحق معه !! . ولأن التنازع في موقف السحرة أنفسهم من النبيين موسى وهارون قٌدّمت كلمة " أمرهم" على كلمة " بينهم " والضمير في كلمة " أمرهم " عائد على السحرة ، ولو كانوا على كلمة واحدة في اتخاذ القرار ، وكان الخلاف متعلقاً بمقارعة النبيين ليس غير لقال " فتنازعوا أمرهما بينهم " .
والله أعلم .
يتبع
تعليق