إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خطبة حول معنى قوله تعالى ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خطبة حول معنى قوله تعالى ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )




    يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (98)

    ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (98) ،(99) الحجر




    قال سالم بن عبد الله بن عمر: (اليقين هنا هو الموت) ، وقد وردت كلمة اليقين بمعنى الموت في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه : (عَنْ أُمِّ الْعَلاَءِ – وَهْىَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – – قَالَتْ طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ ، فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّىَ ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ . قَالَ « وَمَا يُدْرِيكِ » . قُلْتُ لاَ أَدْرِى وَاللَّهِ . قَالَ « أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ ، إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِى وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ » فقوله تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) ،(99) الحجر أي: اعبد يا محمد ربك حتى يأتيك الموت الذي أنت موقن به، وقال القرطبي: والمراد استمرار العبادة مدة حياته، كما قال العبد الصالح: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (31) مريم ، وقال ابن كثير في تفسيره مدلالاً على أن اليقين هنا هو الموت، فقال : والدليل على ذلك قوله تعالى عن أهل النار : قال الله تعالى : (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ*وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ*وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ*وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) [المدثر:43-47]. ثم قال ابن كثير: ويستدل على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة يسقط عنه التكليف عندهم، وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله، وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة، وإنما المراد باليقين ههنا الموت، وقال الحسن البصري – رحمه الله – : يا قوم المداومة المداومة، فإن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت ، فلم يجعل الله في الآية الكريمة حداً زمانياً، أو مكانياً، أو كمية من العمل، إذا وصل إليها العبد توقف عن العبادة وإنما جعل ذلك حتى الموت.







    وهذه الآية الكريمة تدل على أن الإنسان ما دام حيًا وله عقل ثابت يميز به فالعبادة واجبة عليه بحسب طاقته، فمثلا : إن لم يستطع الصلاة قائمًا فليصل قاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب، ففي صحيح البخاري : (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ :« صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ » . فالمداومة على العمل الصالح ،دون انقطاع حتى الموت، هي وصية الله – عز وجل – لعبده ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم ، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – كذلك، فقد روى البخاري: (عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ قَالَتْ لاَ ، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً،وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَسْتَطِيعُ )







    ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (99) الحجر

    ففي هذه الآيةِ الكريمةِ دعوةٌ صريحةٌ منَ الله تعالى لعبده المؤمن، إلى ضرورة المداوَمة على العبادة، حتى يَلقَى ربَّه ، فالمؤمن اليَقِظ يحرص على العبادة حتى تُؤتي ثمارها، وتظهر عليه آثارُها، فليس منَ الفطنة في شيء أن يَعمدَ المسلم إلى القرآن مثلا، فيُداوم على قراءته طوال شهر رمضان المبارك، فإذا خرج رمضان لم تبقَ له بالقرآن الكريم صِلة تُذْكَر، فالمداوَمة على العمل الصالح تُمِدُّ المؤمنَ بالهمَّة على مجاهدة نفسه، وتُبعد عنه الغفلة؛ ولهذا حَثَّ الرسولُ صلى الله عليه وسلم على المداوَمة على الأعمال، وإنْ كانت يسيرة قليلة؛ ففي الحديث الذي يرويه مسلم، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ». قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ. يقول الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: إنَّ القليل الدائم خيرٌ منَ الكثير المنقطع، وإنما كان القليل الدائمُ خيرًا منَ الكثير المنقطع؛ لأنه بدوام القليل تدُوم الطاعة، والذِّكْر، والمراقَبة، والنِّيَّة، والإخلاص، والإقبال على الله سبحانه، ويستمرُّ القليل الدائم؛ بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة. ولهذا قال بعضُ الحكماء: إذا غفلَت النفسُ بترْك العبادة، فلا تأمن أن تعودَ إلى عاداتها السَّيِّئة، وصدَق ابنُ حزم حين قال: إهمال ساعة، يُفسد رياضة سَنَة.




    فالواجب على الإنسان أن يكون عبدا لله في أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، وفي كل شأن من شؤون حياته، يتحرى صحة العمل وإخلاص العبودية لله، والمعصية مذلة ومهانة وضنك وشقاء، ولذلك كان البعض يقول: ” رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة فاستحالت ديانة ” ،وكان الحسن يقول: ” فإنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه ” .ولذلك فالمؤمن الكيس الفطن هو الذي ينتقل من طاعة إلى طاعة، ومن عبادة إلى عبادة، ويحرص على الإكثار من الدعاء فالدعاء هو العبادة، ولن يهلك مع الدعاء أحد، وإذا ألهم العبد الدعاء فإن الإجابة معه، ولا تعارض بين هذا كله وبين العمل والتكسب ،والقيام بواجب الدعوة إلى الله






    فالمطلوب من المؤمن الصبر ،والثبات على الهداية ،وعلى تعظيم كلمات الله ، بتطبيقها واقعاً حيا معاشاً ،مع دوام التسبيح ،والمسارعة بالتوبة عند الوقوع في فخ المعصية.

    {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} الاستغفار الذي فيه دفع المحذور، وبالتسبيح بحمد الله تعالى خصوصًا { بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } اللذين هما أفضل الأوقات، وفيهما من الأوراد والوظائف الواجبة والمستحبة ما فيهما، لأن في ذلك عونًا على جميع الأمور.







    موقع حامد إبراهيم




يعمل...
X