بارك الله فيكم
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
تقليص
X
-
من اللمسات القرآنية في سورة البقرة {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}
ما دلالة قوله تعالى {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] ؟ وما إعراب {لا} ؟
الجواب:
1ـ جملة {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] جعلت أحد الغربيين يُسلِمُ بمجرد أنْ سمعها، كيف؟
قال : إنه مهما بلغتْ فصاحةُ أيٍّ من البشر في اللغة والكتابة وتمكنُه منهما، فإنه إذا كتب كتاباً أو رسالة ثم أعاد قراءتها فلا بدّ أنْ يُغير حرفاً أو كلمة أو جملة، وهذا يحدث في كل مرة يعيد قراءة ما كتب .
ولفظة (لا) في قوله تعالى{لَا رَيْبَ} [البقرة:2] هي نافية للجنس، أي: تنفي الريب بالكلية.
وفي قوله تعالى {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] دليل واضح لا يقبل الشك على أنه من عند الله تعالى, فمهما تكررت القراءة لا تجد ما قد تحتاجه من تنقيح أو تعديل ,وهذا من إعجازه ودليل على قدرة الله العظيم على إحكام آياته {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ }[هود:1] .
2ـ (لا) نافية للجنس و (ما) نافية كذلك فما الفرق بينهما ؟
يُقال : لا رجلَ في الدار , ويقال : ما من رجلٍ في الدار , فما الفرق بينهما علماً بأنّ التعبيرين نص في نفي الجنس ؟
آ ـ (لا) تستعمل لجواب سؤال حاصل أو مقدر هو : هل من ؟ نحو : من سأل عن وجود أحد في الدار ؟ فالجواب: لا , ويكون الجواب كالإعلام.
ب ـ (ما) تستعمل كَرَدٍّ على قولٍ أو ما نُزِّلَ هذه المنزلة، نحو من قال : إنّ في الدار لرجلاً , فيكون الرَّدُّ : ما من رجلٍ في الدار , فهو رَدٌّ على قول وتصحيح ظن.
شواهد قرآنية على استعمال ( ما) كرد على أقوالهم :
- {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ } [المائدة:73] .
- {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ(61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ(62) } [آل عمران:61-62] .
- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] .
- {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب:13] .
- {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ } [آل عمران:78] .
- {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ } [التوبة:56] .
شواهد قرآنية على استعمال (لا) كإعلام للمخاطب :
- {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2].
- {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ } [البقرة:256].
- {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ } [محمد:19] .
3ـ وإنْ قيل: كيف الجمع بين قوله تعالى {لَا رَيْبَ فِيهِ} وبين إخبار الله بشك الكفار وريبهم فيه، ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23]
وجوابه : أنه لظهور أدلته عند من نظر فيه لا ريب فيه عنده , أمّا الريبة فيه فهي لعدم نظر الكفار والمشركين في أدلة صحته .
وقال الرازي : المراد أنه ليس محلاً للريب، أو هو نفيٌ معناه النهي، أي: لا ترتابوا أنه من عند الله تعالى.
ما دلالة قوله تعالى:{ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ؟ وما معنى التقوى؟
الجواب:
1-التقوى هو : أنْ يحفظ الإنسان نفسه بشيء ويحمي نفسه من خطر , والقرآن وقاية، وهذه الوقاية تكون بالأعمال الصالحة التي تقي المؤمن من النار.
وقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ } ليس معناه أنْ نجعل بيننا وبين الله وقاية، ولكنّ المعنى أنْ نجعل بيننا وبين غضب الله وعذابه وقاية , فنحن نتقي بصفات كمال الله (غافر الذنب والرحمن والرحيم والغفور) من صفات جلال الله (المنتقم والجبار والمتكبر).
وقد قال الحسن البصري في تعريف التقوى : التقوى هي الخوف من الجليل، والرضى بالقليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل .
وقال غيره : التقوى أنْ لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك .
وقال سيد قطب رحمه الله تعالى عن القرآن الكريم : الهدى حقيقته، والهدى طبيعته، والهدى كيانه، والهدى ماهيته ... ولكن للمتقين ..؛ لأنّ التقوى في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب.
2ـ الوقف على {فيِهِ} هو المشهور، وعن نافع وعاصم أنهما وقفا على {لَا رَيْبَ} ، والقراءة الأولى أولى لأنه يكون في هذه الحالة الكتاب نفسه هدى وفي الثانية يكون الكتاب فيه هدى.
3ـ في الآية تنبيه على أنه الكلام المتحدى به في قوله تعالى {ألم} ثم أُشير بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال فكان تقرير جهة التحدي , ثم نفى عنه الريب فكان شهادة بكماله , ثم أخبر عنه بأنه هدى للمتقين.
وفي الأولى حذف ورمز إلى الغرض بألطف وجه , وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة , وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف , وفي الرابعة الحذف ووضع المصدر {هُدىً} موضع الوصف الذي هو (هاد) وإيراده منكّراً ليفيد عموم الهدى. والله أعلم.
تعليق
-
من اللمسات القرآنية في سورة البقرة {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [البقرة:5]
اللمسات البيانية لهذه الآية تتضح في السؤال التالي :
السؤال الأول: المطلوب إجراء مقارنة بين آيات بداية سورة البقرة و آيات بداية سورة لقمان
الجواب:
الجدول التالي يلخص لنا المقارنة المطلوبة :
الملاحظات البيانية حسب التسلسل :
1ـ قال في البقرة {ذَلِكَ الكِتَابُ} [البقرة:2] واسم الإشارة (ذا) للمفرد المذكر، وهو الكتاب واللام للبعد والكاف للخطاب بينما قال في لقمان: {تِلْكَ آَيَاتُ }[لقمان:2] لأنّ تلك للمؤنث، أي الآيات، ويشار بتلك إلى البعيد وتستعمل تلك للمفرد، كما قال تعالى: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ }[الأعراف:22] وللجمع على نحو ما مثِّل سابقا .
2ـ قال في البقرة: {ذَلِكَ الكِتَابُ} [البقرة:2] بينما قال في لقمان: {تِلْكَ آَيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ} [لقمان:2] ولم يشر إلى الكتاب فقط ، والسبب- والله أعلم -:
آ ـ لو لاحظنا في سورة لقمان أنه تردد كثير من الآيات السمعية والكونية، مثلاً: قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا } [لقمان:7] والآيات الكونية مثل: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ } [لقمان:10] ، إلقاء الرواسي وإخراج النبات وسمّاها آيات: {وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان:32] .
ب ـ ثم هنالك أمر آخر وهو أن كلمة الكتاب ومشتقات الكتابة في البقرة أكثر من الآيات، وفي لقمان كلمة الآيات أكثر من الكتابة، في البقرة مشتقات الكتاب والكتابة (47) مرة والآيات (21) مرة وفي لقمان ذكر الكتاب مرتين والآيات خمس مرات، وهذه سمة تعبيرية أنّ التي بدأت بالكتاب ذكر فيها الكتاب أكثر، والتي بدأ فيها بالآيات ذكر فيها الآيات أكثر.
3ـ قال في سورة لقمان: {الكِتَابِ الحَكِيمِ}[لقمان:2] بينما في البقرة لم يصف الكتاب فلماذا؟ وما معنى الحكيم؟
الجواب:
آ ـ الحكيم قد يكون من الحِكمة أو من الحُكم، وهذا من باب التوسع في المعنى، ولو أراد تعالى معنى محدداً لخصّص.
ب ـ في سورة البقرة لم يصف الكتاب؛ لأنّ السورة فيها اتجاه آخرحيث قال: {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] وهو ذكر التقوى والمتقين .
ففي البقرة قال: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] ثم قال:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24) } [البقرة:23-24] اتقوا النار مقابل المتقين، فإذن هناك مناسبة بين هدى للمتقين وكلمة التقوى التي ترددت كثيراً في البقرة، كما أنّ قوله تعالى {لا رَيْبَ فيِهِ} [البقرة:2] متناسب مع قوله {وإن كُنتم فيِ رَيْبٍ} [البقرة:23] .
ج ـ أمّا وصفه بالحكيم في سورة لقمان فهو مناسب لما ورد في السورة من ذكر الحكمة {آَتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ } [لقمان:12] وذكر الحِكَم ، وربنا وصف نفسه بأنه عزيز حكيم في سورة لقمان أكثر من مرة , فكلمة حكيم مناسبة لجو السورة وذكر الحكمة، لذلك قال في لقمان: {الكِتَابِ الحَكِيمِ} [لقمان:2]
4ـ وفي البقرة قال فقط:{هُدىً للمتَقِينَ} [البقرة:2] بينما قال في لقمان: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان:3] فما دلالة ذلك ؟
آ ـ ما الفرق بين المتقي والمحسن؟
المتقي هو الذي يحفظ نفسه فيتقي الأشياء، أمّا المُحسِن فيحسن إلى نفسه وإلى غيره، كما قال تعالى: {وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [البقرة:83] فالإحسان يكون إلى نفسه وإلى غيره , أمّا التقوى فتقتصر على النفس .
والإحسان إلى الآخرين هو من الرحمة، فلمّا رحموا الآخرين وتعدّى إحسانهم إلى غيرهم زادهم ربنا رحمة، أمّا التقوى فهي للنفس , وهؤلاء إحسان للنفس وإلى الآخرين, والإحسان إلى الآخرين هو الرحمة فلمّا زادوا هم زادهم ربهم , والجزاء من جنس العمل، حتى في الآخرة زاد لهم الجزاء، قال تعالى في الآخرة: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ }[يونس:26] وهذه رحمة، فكما زاد الجزاء لهم في الآخرة زاد لهم في الدنيا {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] و {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ}[لقمان:3] .
ب ـ ولو لاحظنا أنّ هذه الأوصاف {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ}[لقمان:3] هي مناسبة لما ورد في عموم سورة لقمان وما شاع في جوِّها من هدى ورحمة وإحسان:
ـ فمن مظاهر الهدى المذكورة في سورة لقمان قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:15] والذي يسلك السبيل يبتغي الهداية، هذا هدى، وجوُّ الهداية في سورة لقمان شائع.
ـ والرحمة لمّا ذكر قوله تعالى {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } [لقمان:10] هذا من الرحمة.
ـ ولمّا ذكر تسخير ما في السموات والأرض وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان:20] هل هناك أعظم من هذه الرحمة؟
ـ ومن مظاهر الإحسان أيضاً إيتاء الزكاة , وفي الوصية بالوالدين والإحسان إليهما، إذن جوُّ السورة كلها شائع فيه الهدى والرحمة والإحسان, وهذه ليست في البقرة، وإنما سورة البقرة ذكرت أموراً أخرى نحو: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4)} [البقرة:3-4] وصف كثير ثم انتهى {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [البقرة:5] أمّا في لقمان فاختصر {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[لقمان:4] .
والإيمان أعمّ من الإحسان، ولا يمكن للإنسان أنْ يكون متقياً حتى يكون مؤمناً، وورود كلمة المتقين، المؤمنين، المحسنين والمسلمين يعود إلى سياق الآيات في كل سورة.
5ـ في البقرة قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ } [البقرة:3] ولم يقلها في لقمان، وقال في البقرة: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ }[البقرة:4] ولم يقلها في لقمان ,فما دلالة ذلك ؟ ولماذا؟
آ ـ قوله تعالى {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ } [البقرة:3] هذا متعلق بالسورة نفسها، ومفتتح السورة غالباً ما يكون له علاقة بطابع السورة من أولها إلى نهايتها.
ففي سورة البقرة قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ } [البقرة:3] وبعدها قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:8] هذا من الغيب : لم يؤمنوا لا بالله ولا باليوم الآخر، وقال على لسان بني إسرائيل: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً } [البقرة:55] إذن هم لا يؤمنون بالغيب وطلبهم عكس الغيب لذلك هو قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ } [البقرة:3] وليس مثل هؤلاء الذين يقولون: آمنا وما هم بمؤمنين، ولا مثل هؤلاء الذين طلبوا أنْ يروا الله جهرة .
بينما في لقمان قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [لقمان:25] إذن هم مؤمنون بالغيب، وقال: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [لقمان:32] إذن الطابع العام في سورة البقرة هو الإيمان بالغيب وطلب الإيمان أو الإنكار على عدم الإيمان بالغيب, بينما في لقمان الإيمان بالغيب حتى الذين كفروا قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [لقمان:25] إذن يؤمنون بجزء من الغيب بينما أولئك في سورة البقرة ينكرون {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] هذه ليست إيماناً بالغيب وربنا يريد الإيمان بالغيب.
ب ـ قوله تعالى {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ}[البقرة:3] ولم يقل: آمنوا بالغيب، مع أنّ إيمان المتقين بالغيب مؤكد في الآية، فلماذا ؟
والجواب أنّ قوله تعالى {يؤمنون} [البقرة:3] بصيغة المضارع ولم يقل: آمنوا بصيغة الماضي؛ لأنّ الإيمان منا مستمر متجدد لا يطرأ عليه شك ولا ريبة.
...................
من اللمسات القرآنية في سورة البقرة : {يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]
السؤال الأول:
ما الفرق في استعمال: {وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]{لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] {لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] في آيات البقرة :
{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]) {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] و : {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] ؟
الجواب:
هذه الآيات في الكلام عن المنافقين وهم لمّا يعلنوا أنهم قد آمنوا كأنما يعتقدون أنهم يخادعون الله سبحانه وتعالى .
1ـ الفعل المضارع (يشعرون) يدل على الحال أو الاستقبال، أي: الاستمرار، نحو: فلان ينظم الشعر , أي: هذه حاله.
2ـ العرب تستعمل لنفي الفعل أدوات؛ ومنها :
آ ـ استعملوا (ما) لنفي الحاضر.
ب ـ واستعملوا (لا) لنفي المستقبل.
ج ـ واستعملوا (لن) للتأبيد.
ولذلك الصيغتان: {وَمَا يَشْعُرُونَ} و {لا يَشْعُرُونَ} هي لنفي الإحساس والشعور عنهم الآن وفي المستقبل.
3ـ استعمل القرآن {وَمَا يَشْعُرُونَ} في القضايا الظاهرة وعلى الأحاسيس الواضحة فالمنافقون يخادعون, وهو عمل ظاهر, ويقولون ويتصرفون بالكلام وهذا في الحركة الظاهرة التي فيها معنى الإحساس فاستعمل هنا {وَمَا يَشْعُرُونَ} .
واستعمل {لا يَشْعُرُونَ} في الآية 12؛ لأنّ الإفساد واضح .
4ـ بينما استعمل: {لايَعْلَمُونَ} مع القضايا القلبية والمعنوية كما في الآية 13؛ لأنّ العلم في الداخل؛ ولأنّ الإيمان ليس شعوراً ظاهرا،ً وإنما هو علم الباطن.
تعليق
تعليق