هل لنا أن نطيع الكذاب والله تعالى ينبه حبيبه وخليله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقع في حبائلهم،فقال : "فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ" القلم: (8) فلا خير فيهم. وهم يُغيّرون مواقفهم في كل آن ويلبسون لكل موقف لباسه ، ونلحظ بوضوح نوعاً من النصح المبطن بالتهديد في قوله تعالى : { وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا *إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} الإسراء 74: 75. والمهدد بكسر الدال هو المولى سبحانه ، والمهدَّد بفتحها هو حبيبه صلى الله عليه وسلم .
فما الصفة الفاقعة الأولى للمكذّبين التي ينبغي معرفتها والبعد عنها؟
يذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره معاني كثيرة للصفة الأولى للمكذبين { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) }:إنها المداهنة
1- ودوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم.
2- ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك.
3- لو تلين فيلينون لك . والإدهان : التليين لمن لا ينبغي له التليين ; قاله الفراء .
4- ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك.
5- ودوا لو تكذب فيكذبون .
6- ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك .
7- ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم .
8- ودوا لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم .
9- لو تنافق وترائي فينافقون ويراءون .
10- ودوا لو تضعف فيضعفون ;
11- ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم ;
12- طلبوا منه أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا إلهه مدة.
فهذه اثنا عشر قولاً كلها إن شاء الله تعالى صحيحة على مقتضى اللغة والمعنى ; فإن الإدهان : اللين والمصانعة . ومجاملة العدو،وممايلته .
والمقاربة في الكلام والتليين في القول والمداهنة – في أغلب ال أحيان - نوع من النفاق وترك المناصحة . فهي على هذا الوجه مذمومة .ويقال أدهن في دينه وداهن في أمره ; أي خان فيه وأظهر خلاف ما يضمر . وقيل : داهنت بمعنى واريت , وأدهنت بمعنى غششت .
{ فيدهنون } لم تجزم لسوقها على العطف , ولو جاء بها جواب النهي لقال فيدهنوا . وإنما أراد : إن تمنوا لو فعلت فيفعلون مثل فعلك ; عطفا لا جزاء عليه ولا مكافأة , وإنما هو تمثيل وتنظير .
وأما الصفة الثانية للمكذّبين فكثرة الحلف .
ووصف من يتخذ الحلفان دأبه بالمهانة "وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ" (10) وصيغة المبالغة ( حلاف ) تكسبه المهانة عند الله تعالى وعدم تصديق السامعين له ، فمن امتهن اسم الله كان عند الله مهيناً ( مُحتقراً )ووضيعاً لانه لم يُراعِ عظمة الله سبحانه لضعف إيمانه وقلة يقينه وكان الكذب متأصلاً فيه . ومن أكثر من الحلفان كذّبه الناس ولم يصدّقوه ، فكأنه يقول لهم – على عكس ما يريد – لا تصدقوني أيها الناس.
وأما الصفة الثالثة للمكذبين : فالتحريش بين الناس والمشي بينهم بالنميمة ونقل الحديث لفساد ذات البين .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة قتّات ) وهو النمام ،
وروتْ أسماء بنت يزيد بن السكن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بخياركم ؟ "
قالوا بلى يا رسول الله
قال : ( الذين إذا رُؤُوا ذكر الله عز وجل ) ثم قال : ( ألا أخبركم بشراركم المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة والباغون للبرآء العنت ).
إن النمام والمغتاب لا ذمام له ولا خير فيه ، مذموم محتقر لإساءاته بزرع الفتنة بين الناس .
وأما الصفة الرابعة للمكذبين: فالمناع للخير المعتدي الأثيم يمنع الخير عن الناس ويحتكره لنفسه ويعتدي على حرمات الله سبحانه ويسرف في ارتكاب الموبقات، ويتجاوز حدود الحلال إلى الحرام غير آبهٍ به. يميل إلى الباطل. ويحارب الحق وأهله ويعذب المؤمنين ويصرفهم عن الحق.
وأما الصفة الخامسة للمكذّبين : ( فالعُتُلّ الزنيم )
أما العُتلُّ فهو الفظ الغليظ الصحيح الجموع المنوعُ .
روى الإمام أحمد عن حارثة بن وهب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أنبئكم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر ).
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العتل الزنيم فقال: ( هو الشديد الخلق المصحح الأكول الشروبُ الواجد للطعام والشراب الظلومُ للناس رحيبُ الجوف )
وعن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه وأرحب جوفه وأعطاه من الدنيا هضما فكان للناس ظلوما قال فذلك العتل الزنيم ).
وأما الزنيم في لغة العرب فهو الدعيّ ، قال الشاعر:
زنيم ليس يُعرف من أبوه * بغيّ الأمِّ ذو حسب لئيم
وقيل: الدعي الفاحش اللئيم الملحق النسب الملصق بالقوم ليس منهم ، وعن ابن عباس هو المريب الذي يعرف بالشر.
اما الصفة السادسة : فالناكر لفضل الله المستكبر عن التزام الحق ، إذا عُرض عليه الإيمان بالله وحده أباه جحده ووصفه بالخرافات والأباطيل :
{ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } .ألم يقل الله تعالى :
{ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} لقمان: 32
مختال مخادع . والمستكبر على شرع الله المخالف لأمره يتبع هواه فيرديه
" وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" القصص: (50)
ومن كان بهذه الصفات استحق اللعنة الأبدية وكان من أهل النار والعياذ بالله ..
نسأل الله العفو والعافية والأمن والإيمان وحسن الختام.
مركز الشرق العربي للدراسات
تعليق