استنصحني أحد الشباب الذين منّ الله عليهم بحفظ القرآن، فكتبت له هذه الأحرف، أسأل الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها. هنيئًا لك –أخي الفاضل- ما منّ الله به عليك من حفظ كتابه الكريم، وألخص ما أوصيك به فيما يلي:
1 ـ اعلم ـ وفقك الله ـ أن أول ما ينبغي على منْ مَنَّ الله عليه بحفظ كتابه، هو كثرة الحمد والشكر على هذه النعمة الكبيرة، فكن حريصًا على صونها.
2 ـ تذكّر قول نبيك صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويضع به آخرين" رواه مسلم،ولن تكون رفعتك بشيء أعظم من ضبط حدوده كما تحرص على ضبط حروفه، والنظرِ في أثرِه على قلبك وجوارحك، فإن عملتَ بما علمتَ من كتاب الله طبت وطاب ممشاك، ورفعك الله مقامًا عليًّا، وإلا كان الخسران المبين عافانا الله وإياك، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيحين ـ: "المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر -أو خبيث- وريحها مر".
3 ـ الوصول إلى ختم القرآن الكريم أسهل من الحفاظ على بقائه متقنًا، فهذا يتطلب منك جهدًا وتنظيمًا لأوقاتك، فاحرص على التكرار والمراجعة اليومية، وحاول أن تقرأ ما قمت بحفظه خلال صلاتك، وبهذه الطريقة سوف تحافظ على ما حفظته، وتتأكد أنك لم تنس الآيات التي حفظتها، كما أنها طريقة مفيدة جدًا من أجل مراجعة ما حفظته بصفة عامة، واستشعر دائمًا نصيحة الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم حين قال: "تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها"[متفق عليه]، فاحرص على استغلال الأوقات في هذا الأمر، مثل الوقت الذي بين الأذان والإقامة، وفي الطريق إلى البيت أو المدرسة أو العمل، وأوقات الانتظار والفراغ، وما شابه ذلك.
4 ـ حاول أن يكون لك نصيب من تدبره وتفهم معانيه، فهذه من أعظم مقاصد تنزيله، واستعن على ذلك ببعض التفاسير المختصرة، فإن هذا الأمر سيعينك كثيرًا -إن شاء الله- على إتقان وتثبيت ما حفظت.
5 ـ احرص على سماع القرآن المرتل من الشيوخ المتقنين ـ الذين ترتاح لهم أُذُنك ـ بصفة مستمرة، فهذا سيعينك -إن شاء الله- على تقوية ما حفظته، ومراجعة واستحضار الآيات بسهولة ويسر.
6 ـ حاذر من الذنوب والمعاصي، فإنها تقسّي القلب، وتُقْحِط العين، وتقلل أثر القرآن على قلبك، بل قد تنسيك حروفه، فإن القلب إذا استضاء كان كالزجاجة، والذنب كالرقم الأسود، يكدر صفاءها، ويضعف وهجها، ومتى وقعتَ فسارع للتوبة، يقول الضحاك بن مُزاحم ـ رحمه الله ـ: "ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنبٍ يُحْدثه؛ لأن اللَّه عز وجلَّ يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، وإنَّ نسيان القرآن من أعظم المصائب".
7ـ مما يعين على تثبيت وإتقان ما حفظت، المشاركة في برامج وأنشطة تحفيظ القرآن، فإنها تعين على ذلك كثيرًا، وأيضًا يصيبك -إن شاء الله- قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".[رواه البخاري] وأذكرك بوصيةٍ عظيمة ذكرها النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه النافع "التبيان في آداب حملة القرآن"، وهي قوله: "وينبغي للمعلم أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها والخصال الحميدة والشيم المرضية التي أرشده الله إليها من الزهادة في الدنيا والتقلل منها وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والجود ومكارم الأخلاق وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم والصبر والتنزه عن دنئ المكاسب، وملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع واجتناب الضحك والإكثار من المزاح، وملازمة الوظائف الشرعية، كالتنظيف بإزالة الأوساخ والشعور التي ورد الشرع بإزالتها كقص الشارب وتقليم الظفر وتسريح اللحية وإزالة الروائح الكريهة والملابس المكروهة، وليحذر كل الحذر من الحسد والرياء والعجب واحتقار غيره وإن كان دونه، وينبغي أن يستعمل الأحاديث الواردة في التسبيح والتهليل ونحوهما من الأذكار والدعوات، وأن يراقب الله تعالى في سره وعلانيته ويحافظ على ذلك، وأن يكون تعويله في جميع أموره على الله تعالى"..
8 ـ ليكن لك مراجعة في بعض كتب العلماء التي اعتنت بهذا النوع من الوصايا، والحديث عن أخلاق صاحب القرآن، ككتاب الإمام الآجري "أخلاق حملة القرآن"، وكتاب النووي الذي سلف ذكره.
9 ـ ختامًا
أدمن الدعاء والتضرع لربك في سجودك، وفي ساعات الإجابة أن يجعلك من أهل القرآن حقًا، وأن يرفعك وينفعك به، وأن يكون حجة لك لا عليك. أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
محبك/ عمر بن عبدالله المقبل السبت 23/ 4 / 1438هـ
تعليق