السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تيأســوا فالنصـر قــادم
سورة يوسف نزلت في عام الحزن ..
هي السورة الوحيدة في القرآن ، التي تقص قصة كاملة بكل لقطاتها ..
لذلك قال الله تعالى عنها : أنه سيقص على النبي ﷺ : " أحْسنَ القَصَص " ..
وهي أحسن القصص بالفعل كما يقول علماء الأدب ، وخاصة المتخصصين في علم القصة ، فكل عناصر القصة الجيدة متوفرة بها :
من التشويق ، واستخدام الرمز ، والترابط المنطقي ، وغير ذلك .. فهي تبدأ بحُلم ، وتنتهي بتفسير هذا الحلم ..!
من الطريف أن " قميص يوسف " :
- استُخدم كأداة براءة لإخوته ،
- ثم استُخدم كأداة براءة بعد ذلك ليوسف نفسه مع إمرأة العزيز ؛ فبرَّأه !! ،
- ثم استخدم للبشارة ، فأعاد الله تعالى به بصر والده .
نلاحظ أن معاني القصة متجسِّدة ، وكأنك تراها بالصوت والصورة ، وهي من أجمل القصص التي يمكن أن تقرأها ، ومِن أبدع ما تتأثر به ..
لكنها لم تجيء في القرآن لمجرد رواية القصص ..! ، فقد كان هدفها هو ما جاء في آخر سطر من القصة ؛ وهو :
(إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف:90.
فالمحور الأساسي للقصة هو :
- ثِق في تدبير الله ،
- اصبر ،
- لا تيأَس .
الملاحظ أن السورة تمشي بوتيرة عجيبة ، مفادها أن الشيء الجميل ، قد تكون نهايته سيئة ، والعكس :
فيوسف أبوه يحبه ، و هو شيء جميل .. فتكون نتيجة هذا الحب أن يُلقى في البئر !!
ثم الإلقاء في البئر ، شيء فظيع .. فتكون نتيجته أن يُكرَم في بيت العزيز !!
ثم الإكرام في بيت العزيز ، شيء رائع .. فتكون نهايته أن يدخل يوسف السجن !!
ثم أن دخول السجن ، شيءٌ بَشِع .. فتكون نتيجته أن يصبح يوسف عزيز مصر !!
الهدف من ذلك أن تنـتبه ، أيها المؤمن :
إلى أنَّ تسيير الكون شيءٌ فوق مستوى إدراكك ، فلا تُشغل نفسك به ، ودعه لخالقه يسيِّره كما يشاء ؛ وفق عِلمه وحِكمته .
فإذا رأيت أحداثًـا تُصيبُ بالإحباط ، ولم تفهم الحكمة منها ؛ فلا تيأس ، ولا تتذمَّر ..
بل ثِق في تدبير الله ، فهو مالك هذا المُلك ، وهو خير مُدبِّر للأمور ..!
كما يفيد ذلك :
أن الإنسان لا يجـب أن يفرح بشىءٍ قد يكون ظاهره رحمة ، ولكنه يحمل في طياته العذاب ؛ أو العكس .
العجيب أنك في هذه السورة ، لا تجد ملامح يوسف النبي ..! بل تجدها في سورة " غافر " ..!
أما هنا فقد جاءت ملامح يوسف ( الإنسان ) ، الذي واجه حياة شديدة الصعوبة منذ طفولته ، ولكنه نجح ؛ ليقول لنا :
إنَّ يوسف لم يأتِ بمعجزات ، بل كان إنسانـًا عاديًّـا ، ولكنه اتَّقى الله ؛ فنجح !!
- وهي عِظة لكل شاب مُسلم مُبتَلى ، أو عاطل ويبحث عن عمل .
- وهي أملٌ لكل مَن يريد أن ينجح ، رغم واقعه المرير .
فهذه هي أكثر السور التي تحدَّثت عن اليأس ، قال تعالى :
- (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ) " آية ٨٠ "
- (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) آية " ٨٧ "
- (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا) " آية ١١٠ "
وكأنها تقول لك أيُّها المؤمن :
( إن اللهَ قادر ؛ فلِمَ اليأس ..!! )
إنَّ يوسف ، رغم كل ظروفه الصعبة ، لم ييأس ، ولم يفقد الأمل ، فهي قصة نجاح في الدنيا والآخرة :
- في الدنيا : حين استطاع بفضل الله ، ثم بحكمته ، في التعامل مع الملِك أن يُصبح عزيز مصر .
- وفي الآخرة : حين تصدَّى لامرأة العزيز ، ورفض الفاحشة ، ونجح .
'منقول
تعليق