فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ
لفضيلة الشيخ أ.د أحمد القاضي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :
ففي معرض محاجة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لقومه
وجَّه إليهم هذا السؤال : {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الصافات 87]
وقد ذُكر في تفسيرها قولان :
أحدهما : ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره فهو من باب التهديد والتحذير .
الثاني : أي شيء أو همتموه حتى أشركتم به غيره فهو من التعجب والاستنكار .
( انظر تفسير القرطبي : 15-92)
ولا تعارض بين المعنيين إلا إن الثاني أنسب للمقام فقد سبقه قوله :
(إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(84)إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ(85)
أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ(86)[سورة الصافات 84-86]
فصاحب القلب السليم المعمور بحسن الظن بمعمبوده يقضي عجباً
من المشركين المتخذين إفكاً دون الله ويسائلهم بإنكار :
ما معتقدكم بالله رب العالمين الذي توهمتموه حتى أوقعكم في الشرك ؟!
إن ظن العبد بربه وما ينطوي عليه قلبه تجاه خالقه من صواب أو خطأ
أو حسن أو قبح هو أساس دينه وباعث أقواله وأفعاله وعنوان حياته ومماته .
والظن هاهنا يعني ما يقوم في القلب من المعارف التي يعتقدها
صاحبها صواباً وقد تكون كذلك وقد لا تكون . فمن الأول قوله:
{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [سورة البقرة 46]
وقوله: {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [سورة القيامة 28] .
ومن الثاني، قوله : {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [سورة آل عمران 154]
وقوله : {وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ} [سورة الحشر 2]
فالكافر يسيء الظن بربه في :
1- ذاته وأسمائه وصفاته : قال تعالى:
{وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة الأعراف 180]
2- قدره : قال عن المنافقين : {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ
السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [سورة الفتح 6]
3- شرعه وخبره : {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[سورة النحل 24]
فيحمله ذلك الظن على الكفر بالله ومعصية رسله وتكذيب كتبه .
قال تعالى عن فرعون وقومه :
{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ} [سورة القصص 39]
فما ذا كانت نتيجة هذه الظنون الفاسدة ؟ قال تعالى :
{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} [سورة فصلت 23]
والمؤمن يحسن الظن بربه في :
1- ذاته وأسمائه وصفاته فيعتقد أن :
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [سورة الشورى 11]
وأن {لَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة الروم 27]
وأن { َلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [سورة الأعراف 180]
2- قدره وتدبيره : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156)أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [سورة البقرة 157]
3- شرعه : قال تعالى :
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا
حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ)[سورة النحل 30]
وقال :{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ
أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [سورة النــور 51]
وثمرة هذا الظن الحسن المختزن في القلب المستدعى عند كل نازلة
أنس بالله وثقة بوعده وبصيرة ترى بنوره وخاتمة حسنة تليق بذلك الظن الحسن .
لفضيلة الشيخ أ.د أحمد القاضي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :
ففي معرض محاجة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لقومه
وجَّه إليهم هذا السؤال : {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الصافات 87]
وقد ذُكر في تفسيرها قولان :
أحدهما : ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره فهو من باب التهديد والتحذير .
الثاني : أي شيء أو همتموه حتى أشركتم به غيره فهو من التعجب والاستنكار .
( انظر تفسير القرطبي : 15-92)
ولا تعارض بين المعنيين إلا إن الثاني أنسب للمقام فقد سبقه قوله :
(إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(84)إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ(85)
أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ(86)[سورة الصافات 84-86]
فصاحب القلب السليم المعمور بحسن الظن بمعمبوده يقضي عجباً
من المشركين المتخذين إفكاً دون الله ويسائلهم بإنكار :
ما معتقدكم بالله رب العالمين الذي توهمتموه حتى أوقعكم في الشرك ؟!
إن ظن العبد بربه وما ينطوي عليه قلبه تجاه خالقه من صواب أو خطأ
أو حسن أو قبح هو أساس دينه وباعث أقواله وأفعاله وعنوان حياته ومماته .
والظن هاهنا يعني ما يقوم في القلب من المعارف التي يعتقدها
صاحبها صواباً وقد تكون كذلك وقد لا تكون . فمن الأول قوله:
{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [سورة البقرة 46]
وقوله: {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [سورة القيامة 28] .
ومن الثاني، قوله : {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [سورة آل عمران 154]
وقوله : {وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ} [سورة الحشر 2]
فالكافر يسيء الظن بربه في :
1- ذاته وأسمائه وصفاته : قال تعالى:
{وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة الأعراف 180]
2- قدره : قال عن المنافقين : {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ
السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [سورة الفتح 6]
3- شرعه وخبره : {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[سورة النحل 24]
فيحمله ذلك الظن على الكفر بالله ومعصية رسله وتكذيب كتبه .
قال تعالى عن فرعون وقومه :
{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ} [سورة القصص 39]
فما ذا كانت نتيجة هذه الظنون الفاسدة ؟ قال تعالى :
{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} [سورة فصلت 23]
والمؤمن يحسن الظن بربه في :
1- ذاته وأسمائه وصفاته فيعتقد أن :
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [سورة الشورى 11]
وأن {لَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة الروم 27]
وأن { َلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [سورة الأعراف 180]
2- قدره وتدبيره : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156)أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [سورة البقرة 157]
3- شرعه : قال تعالى :
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا
حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ)[سورة النحل 30]
وقال :{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ
أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [سورة النــور 51]
وثمرة هذا الظن الحسن المختزن في القلب المستدعى عند كل نازلة
أنس بالله وثقة بوعده وبصيرة ترى بنوره وخاتمة حسنة تليق بذلك الظن الحسن .
تعليق