ما أشد فقر الخلائق إلى الله تعالى، فهم لا غِنَى لهم عن رحمته وتدبيره وستره طرفة عين، وحاجتهم إلى معرفة الله، والإيمان به، ومحبته، أشد من حاجتهم لدنيا زائلةٍ، ومالٍ فانٍ، فإنَّ كل ما يتعلق به الخلائقُ يَفْنَى ويزول، ولا يبقى للعبد على الحقيقة في دنياه وأُخْراه إلا الله الواحد الأحد، الذي يدبِّر أمره، ويُنْزِل رزقه، ويكشف كُرَبه، ويعافيه، ويحوطه من كل ما يؤذيه.
ومع شدة حاجة العباد إلى ربهم، وافتقارهم إلى فضله وإكرامه، وعدم استغنائهم عنه، إلا إن كثيراً من البشر قد أعرضوا عن عبادة الله وطاعته، وتعجز هذه الكلمات عن حَصْر بعض صور المخالفات التي وقع فيها كثيرٌ من الناس.
وإنَّ من السنن الربانية التي استفاضت بها الأدلة الشرعية إيضاحاً وإقراراً أنَّ الله لا يُعَذِّب الأمم لمجرد ارتكاب الذنب والوقوع في الإثم، بل من رحمة الله أنَّ العذاب والإهلاك لا يُصيب الأمم والأفراد إلا بعد استيفاء مراحل متعددة؛ يتجلى فيها حِلْم الله، وعدم معاجلته للأمم بالعقوبات، فإذا استقامت الأمم على النهج القويم غفر الله لها الزلات، وأمدهم بعطائه، وتولاهم بحفظه، وأما إذا ما خالفت الأمم ونقضت العهود وأصرت على مخالفة المنهج الحق، والاستمرار على الغي، والتمادي في الباطل؛ فعندها يتنزل عليهم العقاب ويحل عليهم السخط.
وإذا حل الابتلاء فلا سبيل لرفعه إلا بالتضرع والالتجاء إلى الله رب العالمين، ونظراً لأهمية التضرع في التقرب من الله تعالى، وكثرة ذكره في القرآن العظيم في مواضع رفع البلاء ودفع العقوبات فسنلقي عليه مزيداً من الإيضاح.
وهذا محورنا الثاني :
التضرع إلى الله سبيل النجاة ؟
يتبع ...
تعليق