سورة النحل سورة مكية، باستثناء قليل من الآي، وجاءت في الترتيب العثماني بعد سورة الحجر، وسواء كان ترتيب السور توقيفياً أو اجتهاداً من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فإنَّ براعة التناسب بينها جلية واضحة للمتدبرين، حتى لكأنك حين تقرأ القرآن الكريم تقرأ وحدة موضوعية واحدة في غاية النسق والانسجام، ومن ذلك مجيء سورة النحل بعد سورة الحجر وإبراهيم.
ولقد امتلأت سورة الحجر بالحديث عن الأمم السابقة التي كفرت بالله وحاربت دعوة الله تعالى، ومن ثَمَّ سلط الله عليها عذابه في الدنيا، ووعدها بالعذاب الأليم في الآخرة، كان ذلك عزاء لنبينا صلى الله عليه وسلم وتهديداً لمشركي مكة أنْ يصيبهم ما أصاب أمماً قبلهم كانوا أشد قوة وعمراناً، قال الله تعالى: {الـر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ 1 رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ 2 ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ 3 وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ 4 مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} [الحجر: ١ - ٥]، ومن أمثلة ذلك ما ذكره الله تعالى عن قوم صالح: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْـحِجْرِ الْـمُرْسَلِينَ 80 وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ 81 وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْـجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ 82 فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ 83 فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الحجر: 80 - 84].
لقد كان صدود قريش وعنادها محل ألمٍ في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، لكن الله أمرهم بالصفح الجميل: {وَإنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْـجَمِيلَ} [الحجر: 85]. كما أمرهم - ليتخففوا من وطأة هذا الألم - بالتسبيح والصلاة وعدم الاستعجال، وبشرهم بأنَّ فرج الله تعالى قريب: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ 97 فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ 98 وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 97 - 99] فأعقبتها - بعد البسملة - هذه الآية العظيمة المزلزلة: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: ١].
فما هو أمر الله؟ ولماذا أتى هذا الأمر؟ وما هو التوجيه الرباني حيالهما؟
يُتَّبع
تعليق