هذا الكتاب بعدة أوصاف في القرآن نفسه
ومن تلك الأوصاف أن الله وصفه بأنه بشارة وبشرى والبشارة كما نعلم هي الخبر السار الذي يثلج الصدر ويطيب به الخاطر وترتاح به النفس ويأنس له الوجدان. البشرى ذاك الخبر المفرِح الذي يُدخل السرور والأنس والطمأنينة على القلب حين يطول الانتظار بالإنسان ويتمنى أن يسمع خبرًا سارًا. وربي سبحانه وصف كتابه الكريم بهذا الوصف فقال(وَهُدًى وَبُشْرَى( لِلْمُؤْمِنِينَ)) [البقرة: 97]
وفي موضع آخر (وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89]
(وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 102]
(وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) [الأحقاف: 12]
إضافة إلى عشرات البشارات جاءت بصيغة الفعل (وبشّر) في كتاب الله الكريم.
ولنا أن نتساءل ما نوع الأخبار السارة التي حملها القرآن للمؤمنين به؟
تدبروا على سبيل المثال في قوله في سورة البقرة
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لهم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار) [البقرة: 25]
وفي نفس السورة حين يحدثني الله عز وجلّ عن ابتلاءات، عن مصائب، عن طبيعة الحياة فيقول (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) البقرة) وفي آية أخرى (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة: 223] وفي ثالثة في سورة الحج (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) [الحج: 34] وفي نفس السورة (وَبَشِّر الْمُحْسِنِينَ) [الحج: 37] (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الأحزاب: 47] (فَبَشِّرْ عِبَادِ) [الزمر: 17]
كل تلك البشارات كل تلك الأنباء السارة التي تفرّج عن القلب الهموم
وتمسح عنه آثار الحزن والألم كل تلك البشارات لمن؟!
لمن يؤمن بهذا الكتاب لعظيم، لمن ينظر ويتدبر ويتلو في آياته فيرى فيها غدًا أفضل، لا يرى في تلك الابتلاءات الوجوه الكريهة التي يبغضها في الابتلاءات أو المحن ولكنه يرى أو يقرأ ما بين السطور، يرى بُعدًا آخر وصفحة أخرى في تلك الابتلاءات والمحن والأشياء التي تمر به في أحداث الحياة فتتألم نفسه بها.
يرى فيها شيئًا آخر يرى فيها صبرًا حين يكون الصبر مطلبًا وواجبًا فيرى في الصبر حلاوة تمحو به تلك المرارة التي يمر بها في أثناء دروب الحياة ومكابدة الهموم والأحزان والصبر على الابتلاءات والمحن.
القرآن العظيم وهو يحدثنا عن طبيعة الدنيا وهو يحدثنا عن الابتلاءات التي نمر بها عن طبيعة الامتحانات، المواقف التي نتعرض لها يبشرنا دومًا أن الله مع الصابرين، يبشرنا ويحمل لنا الأنباء السارة أن ما تراه اليوم وأن ما تراه من بدايات الأمور لا يعني أن ليس فيها خيرًا ما تراه في بداية حياتك ربما من ظروف، ما تمر به من صعوبات، ما تعترضك من عقبات كل هذه الأمور لا تبتئس حين تمر بك، امتلك في نفسك وفي قلبك تفاؤلًا ينبع من الإيمان بالله، تفاؤلًا ينبع من التدبر في كتابه سبحانه، ينبع من صدق التوكل عليه، ينبع من اليقين بأن ما ورد في كتاب الله عز وجلّ صدق، حقّ، تيقن، تأكد تمامًا وتيقن بأن الغد يحمل أخبارًا سارة وبأن ما نام على الإنسان ربما من خبر أو حزن أو من ألم، خبر لم يرق له ربي سبحانه وتعالى قادر على أن يبدل ذلك الحزن بشيء آخر بسرور، بفرح، بطمأنينة. مرارة الصبر لا تذهب سدى فأجر الصابرين عند ربهم يوفّى بغير حساب.
آهات الأمراض والمتاعب والمشاق التي تمر بنا لا تضيع هكذا هدرًا فربي سبحانه يكفر بكل آهة عشرات الخطايا والذنوب والآثام يرفع بها الدرجات ويضاعف بها الحسنات ويمحو بها السيئات ويعطي بها تفضلًا وتكرمًا ومنًّا وإحسانًا.
وما يمنعه ربي سبحانه عنا لخير لنا في ذلك لحكمه يراها سبحانه فهو العزيز الحكيم، لا ترى فيها فقط مرارة الامتحان وصعوبة الابتلاء والانتظار ولكن تأمل وانظر وتدبر في كتاب الله عز وجلّ وهو يبشر المؤمنين وهو يبشر أولئك الذين يبحثون عن الحكم يبحثون عن ما وراء الأحداث، يبحثون عن الأشياء التي يقرأونها في كتاب الله فيصلون ويدركون بها ما يعرض في حياتهم من أمور من مشاق من مصاعب من تحديات، لا يرون في الابتلاءات نهاية المطافات ولكن يرونها مجرد سؤال يستعينون بالله على حلّه ومواجهته وقطعًا والنتيجة لا يمكن أن تكون إلا خيرًا وعطاء ومنًّا وفضلًا وإحسانًا.
ثم إن المؤمن ينتظر الخبر السار، ينتظر البشرى ولذلك ربي عز وجلّ يقول
(لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) [يونس: 64]
ربي يبشر عباده في الحياة الدنيا من خلال آيات القرآن العظيم ولذلك ونحن نأتي إلى القرآن العظيم ينبغي أن نأتي إليه بقلوب تنتظر الإخبار بأمور سارة، تنتظر إدراك حقائق الأمور والوقائع، تقرأها بنفس مطمئنة لا ترى في الواقع مهما اسودّ ومهما تغيرت أشكاله وتبدلت أصناف الأمور التي تمر به لا ترى فيه واقعا ميؤوسا منه ولا حالة ميؤوسا منها فالمؤمن لا يعرف اليأس إلى قلبه ممرًا أو مسلكا وكيف يعرف اليأس وهو يقرأ في كتاب الله عز وجلّ عشرات البشارات وهو يرى في أن ذلك القرآن العظيم في حد ذاته هو مصدر لكل بشارة هو مصدر لكل خير
ولذلك ليس من العجب أن تأتي النفوس إلى كتاب الله منقبضة منكمشة تحمل الهموم والأحزان لكنها بمجرد أن تتلو من آيات هذا الكتاب آية أو ربما كم آية إذا بكلّ ذلك الهمّ يذهب ويروح وكأنه قد زال تمامًا حتى وإن لم يتبين للإنسان أن قد زالت أسباب ومسببات تلك المكدرات والمنغّصات في حياته ولكن مجرد تلاوة القرآن تطيب بها النفوس وتنشرح بها الصدور وتهدأ بها القلوب وتخفت بها أصوات المخاوف وما يمكن أن يبث اليأس في قلوب البشر الذين يبتعدون عن ذلك الكتاب العظيم.
بشّركم الله بكل خير وأسعد الله أوقاتكم
إسلاميات
رقيه العلواني
تعليق