السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نظرات نحوية في القرآن الكريم
الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة والصلاة والسلام على من أنزل عليه القرآن وكفى به حجة،
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) (الأنعام:44)
وبعد،
أحبتي في الله:
لعل بعض من تابع نقلي السابق في الرد على من زعم أن في القرآن أخطاء نحوية
https://forums.way2allah.com/showthread.php?t=31294
يرى أن لكل شبهة رد مقنع لكل مريد للحق وأن ما هاج بجهلة النصارى ما هو إلا محض أوهام ناقشها أهل العلم قديما وحديثا في مواضع قُتلت فيها بحثا في كتب التفسير واللغة وغيرها فجاء جهلة المستشرقين لينفثوا سمومهم وجاء جهلة المستغربين يلوكونها بألسنتهم يهرفون بما لا يعرفون، ومحولات (المشلوح زكريا بطرس)
و (يوسف تادرس) ليست من المصريين خاصة ببعيد.
ومما يفري القلب كمدا أنني قد أجد من المسلمين من تخِيل عليه مثل هذه الترهات المكذوبة بل إنك لترى أحيانا في عيون بعضهم نظرات حيرة تنبئ بشر عظيم على صاحبها، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فلماذا يدخلون إذا إلى معاقل النصارى وليس لديهم السلاح الذي ينافحون به عن دينهم؟ لماذا؟ وليس عندهم بضاعة من العلم الشرعي بديننا والتخصصي بدينهم .
إن فاقد الشيء لا يعطيه
أحبتي في الله:
إن أهم ما دعاني لكتابة هذا المقال أيضا ما ألفيته من طبيعة الحوار مع النصارى فإن النصرانى الجاهل الذي يعترض على بعض ما ظنه بجهله مخالف لأبسط قواعد العربية، عندما يقرأ ما أتى به المسلم من تخريجات نحوية للعلماء ، يظن أن أقوال العلماء هى مجرد محاولات للهروب وإخفاء الحقيقة وهو يفهم ذلك من قِبل رؤوس جهلتهم ! .. والحقيقة الثابتة ـ عنده ـ أن القرآن به أخطاء نحوية،
ثم إن هذه القناعة المنحرفة إنما تسربت له من جهله أولا ثم من جهلة معلميه ،
و لا أكون مبالغا عندما أدعي أن هذه القناعة المنحرفة إنما تسربت له مما يشعر به من حرص البعض من المنظِّرين (بحسن نية طبعا) على المبالغة أحيانا في الاستدلال بكلام علماء العربية وخلافاتهم مما يسرب إليه ظنا خطيرا جدا ألا وهو أن النحو حاكم على القرآن.
نعم أحبتي في الله:
فإن كثيرا من الناس يظنون أن القواعد النحوية حاكمة على القرآن،
ومنشأ هذا الظن هو عدم علمهم بنشأة هذا العلم الذي سُطر بعد نزول القرآن و الذي لا يستغني عنه من أراد أن يتبحر في دراسة العلوم الشرعية وعلى ذلك وجب علينا أن نتنبه إلى أن أصل علوم العربية بما فيها علم النحو إنما هو من عند الله ببحانه وتعالى الذي أنزل علينا صورة كلامه دليلا دامغا على الإعجاز المطلق لله سبحانه وتعالى ، فإن كانت صورة الكلام بهذ الإٌبداع المعجز فكيف حقيقة الكلام ذاته وكيف حقيقة المتكلم وهنا يتردد في سمعي قول الله تعالى (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11).)
قال ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – في تفسيره على سورة البقرة
(قول الله بحروف؛ لقوله تعالى: { كن }؛ وهي كلمة بحرفين.
فإن قال قائل: كيف يمكن أن نتصور هذا ونحن نقول: ليس كمثله شيء؛ وأنتم تقولون: إنه بحروف؟ قلنا: نعم؛ الحروف هي الحروف؛ لكن كيفية الكلام، وحقيقة النطق بها أو القول لا يماثل نطق المخلوق، وقوله؛ ومن هنا نعرف أننا لا نكون ممثِّلة إذا قلنا: إنه بحرف، وصوت مسموع؛ لأننا نقول: صوت ليس كأصوات المخلوقين؛ بل هو حسب ما يليق بعظمته، وجلاله)اهـ
وبهذا يتبين لنا جميعا أن علم النحو ليس علماً عقلياً بحتا، أي أنه لم يعتمد على الإبداع العقلى فى تقرير قواعده، وإنما هو خاضع للقرآن الكريم الذي هو كلام الله من الأزل ، وكلام الله كما تعلمون صفة ذاتية فعلية تليق بالله سبحانه،
وعلى هذا فإن ما وضعه (أبو الأسود الدؤلى وسيبويه والخليل بن أحمد وغيرهم) لم يكن بدعا من القول ولكنها أصول ضمنها الله تعالى في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يده ومن خلفه، علموا هذه الأصول بالتتبع والاستقراء من كتاب الله ابتداءً ثم كلام العرب من شعر ونثر وخطابة.
حتى علماء القراءات لكل منهم أصل نحوي يعتمد عليه في قراءته، وكل من درس في جامعة متخصصة كدار العلوم والتربية والآداب وغيرها يعلم علم اليقين معنى الاختلاف بين أصول مدرستي الكوفة والبصرة.
أحبتي في الله :
إن غاية ما أريد أن أصل إليه مما سلف:
أنه رب مريد للحق لا يبلغه لجهله بعين الحق
فإذا جادل بجهل عن الحق ضاع الحق بسببه عند كثير من الناس
فلا يخرج من الجدال إلا وصار عجزه عن رد الباطل وإحقاق الحق فتنة لأهل الباطل ظنا منهم أنهم على الحق فيما ادعوه
وكذا كان جهله وعجزه فتنة لأهل الحق الذين لبس عليهم بعجزه وجهله.
ما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو نسيان أو ذلل فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء
وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه.
وكتبه مقيده
(أبو أنس)
أمين بن عباس – عفا الله عنه -
تعليق