بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والرسول على اشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
والصلاة والرسول على اشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
عند مقارنه القصص المتعلقه ببنى اسرائيل مع مثيلاتها الموجودة فى التوراة الحاليه نجد ان القرآن الكريم ان لايوافق على كل ماذكر فيه من احداث فى القصص التوراتى بل يقوم بتصحيح الكثير من الاخطاء الواردة فيه
وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على عدة حقائق بالغة الأهمية أولها أنه ينفي التهمة الواهية التي يتشدق بها بعض أهل الكتاب من أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد أخذ هذا القصص من التوراة فلو كان هذا الأمر صحيحا لأخذ القصص بحذافيرها دون أي تصحيح لها وذلك لكي لا يغالطه أهل الكتاب ويحاججوه بها أمام أتباعه بحجة أنهم أعرف بدينهم منه صلى الله عليه وسلم. أما ثاني هذه الحقائق فهي إثبات أن التوراة الحالية قد أصاب كثيرا من نصوصها التحريف بقصد أو بغير قصد والدليل على ذلك أن التصحيحات التي أوردها القرآن لبعض الأحداث يمكن لصاحب العقل السليم أن يتقبلها ويقرها بينما تجعله نصوص التوراة في حيرة من أمره لما فيها من تناقضات.
ومن هذه التناقضات في قصص التوراة أنها نصت على أن هارون عليه السلام هو من صنع العجل الذهبي لبني إسرائيل وهو الذي أمرهم بعبادته وذلك عندما تأخر موسى عليه السلام في الرجوع إليهم بعد لقاء ربه على جبل الطور وكان قد وعدهم بالرجوع إليهم بعد ثلاثين ليلة ولكن الله سبحانه وتعالى قد زاد عليها عشرة فأتمها سبحانه أربعين ليلة وذلك اختبارا لبني إسرائيل وهو أعلم سبحانه بما سيفعلون كما جاء ذلك في قوله تعالى "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" الأعراف 142.
وسنورد فيما يلي نص التوراة المتعلق بهذه القصة ثم نبين ما فيه من تناقضات ثم نورد القصة كما وردت في القرآن الكريم ونبين التصحيحات التي أتى بها والتي تثبت براءة هارون عليه السلام من هذه التهمة الباطلة.
جاء في الإصحاح الثَّانِي وَالثَّلاَثُينَ من سفر الخروج ما نصه " 1وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ، اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمِ اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ». 2فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: «انْزِعُوا أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِ نِسَائِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَاتُونِي بِهَا». 3فَنَزَعَ كُلُّ الشَّعْبِ أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ. 4فَأَخَذَ ذلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِالإِزْمِيلِ، وَصَنَعَهُ عِجْلاً مَسْبُوكًا. فَقَالُوا: «هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». 5فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحًا أَمَامَهُ، وَنَادَى هَارُونُ وَقَالَ: «غَدًا عِيدٌ لِلرَّبِّ». 6فَبَكَّرُوا فِي الْغَدِ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. وَجَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اذْهَبِ انْزِلْ. لأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ الَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. 8زَاغُوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلاً مَسْبُوكًا، وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». 9وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «رَأَيْتُ هذَا الشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ. 10فَالآنَ اتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، فَأُصَيِّرَكَ شَعْبًا عَظِيمًا». 11فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَقَالَ: «لِمَاذَا يَا رَبُّ يَحْمَى غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ؟ 12لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ الْمِصْرِيُّونَ قَائِلِينَ: أَخْرَجَهُمْ بِخُبْثٍ لِيَقْتُلَهُمْ فِي الْجِبَالِ، وَيُفْنِيَهُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ؟ اِرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ، وَانْدَمْ عَلَى الشَّرِّ بِشَعْبِكَ. 13اُذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ عَبِيدَكَ الَّذِينَ حَلَفْتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ وَقُلْتَ لَهُمْ: أُكَثِّرُ نَسْلَكُمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكُمْ كُلَّ هذِهِ الأَرْضِ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَنْهَا فَيَمْلِكُونَهَا إِلَى الأَبَدِ». 14فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِهِ.15فَانْصَرَفَ مُوسَى وَنَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ وَلَوْحَا الشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ: لَوْحَانِ مَكْتُوبَانِ عَلَى جَانِبَيْهِمَا. مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا كَانَا مَكْتُوبَيْنِ. 16وَاللَّوْحَانِ هُمَا صَنْعَةُ اللهِ، وَالْكِتَابَةُ كِتَابَةُ اللهِ مَنْقُوشَةٌ عَلَى اللَّوْحَيْنِ. 17وَسَمِعَ يَشُوعُ صَوْتَ الشَّعْبِ فِي هُتَافِهِ فَقَالَ لِمُوسَى: «صَوْتُ قِتَال فِي الْمَحَلَّةِ». 18فَقَالَ: «لَيْسَ صَوْتَ صِيَاحِ النُّصْرَةِ وَلاَ صَوْتَ صِيَاحِ الْكَسْرَةِ، بَلْ صَوْتَ غِنَاءٍ أَنَا سَامِعٌ». 19وَكَانَ عِنْدَمَا اقْتَرَبَ إِلَى الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ أَبْصَرَ الْعِجْلَ وَالرَّقْصَ، فَحَمِيَ غَضَبُ مُوسَى، وَطَرَحَ اللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَكَسَّرَهُمَا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ. 20ثُمَّ أَخَذَ الْعِجْلَ الَّذِي صَنَعُوا وَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ، وَطَحَنَهُ حَتَّى صَارَ نَاعِمًا، وَذَرَّاهُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَسَقَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. 21وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «مَاذَا صَنَعَ بِكَ هذَا الشَّعْبُ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيْهِ خَطِيَّةً عَظِيمَةً؟» 22فَقَالَ هَارُونُ: «لاَ يَحْمَ غَضَبُ سَيِّدِي. أَنْتَ تَعْرِفُ الشَّعْبَ أَنَّهُ فِي شَرّ. 23فَقَالُوا لِيَ: اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ. 24فَقُلْتُ لَهُمْ: مَنْ لَهُ ذَهَبٌ فَلْيَنْزِعْهُ وَيُعْطِنِي. فَطَرَحْتُهُ فِي النَّارِ فَخَرَجَ هذَا الْعِجْلُ». 25وَلَمَّا رَأَى مُوسَى الشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى لأَنَّ هَارُونَ كَانَ قَدْ عَرَّاهُ لِلْهُزْءِ بَيْنَ مُقَاوِمِيهِ، 26وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ الْمَحَلَّةِ، وَقَالَ: «مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ». فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمِيعُ بَنِي لاَوِي. 27فَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخِْذِهِ وَمُرُّوا وَارْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي الْمَحَلَّةِ، وَاقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ». 28فَفَعَلَ بَنُو لاَوِي بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. وَوَقَعَ مِنَ الشَّعْبِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُل. 29وَقَالَ مُوسَى: «امْلأُوا أَيْدِيَكُمُ الْيَوْمَ لِلرَّبِّ، حَتَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِابْنِهِ وَبِأَخِيهِ، فَيُعْطِيَكُمُ الْيَوْمَ بَرَكَةً».
وكما هو واضح من هذا النص أن بني إسرائيل قد طلبوا من هارون عليه السلام أن يصنع لهم آلهة وليس فقط إلها واحدا وذلك لكي تدبر لهم أمورهم كما كان يفعل إله موسى لهم من قبل وذلك بعد أن ظنوا أن موسى عليه السلام لن يعود إليهم.
وهذا الطلب ليس غريبا على بني إسرائيل فقد طلبوا من موسى عليه السلام بعد آيام قليلة من نجاتهم من فرعون وبعد أن رأوا المعجزات الباهرة التي أجراها الله سبحانه وتعالى لهم أن يصنع لهم إلها كتلك التي كان يعبدها بعض أهل القرى التي مروا عليها بعد خروجهم من مصر كما جاء ذلك في قوله تعالى "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" الأعراف 138-140.
ولكن الغريب في هذا النص أن تتهم التوراة نبيا من أنبياء الله وهو هارون عليه السلام بأنه قد وافق على الفور وبدون تردد على طلب كفار بني إسرائيل وقام بصنع عجل من ذهب من حلي نسائهم التي سرقنها من نساء الفراعنة قبل خروجهم.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قام كذلك ببناء مذبح لهذا العجل وأمر اليهود بعبادته وتقديم الذبائح إليه وبالطبع لا بد أن يكون هارون عليه السلام كما تدعي التوراة المحرفة أول العابدين لهذا العجل كيف لا وهو الذي صنعه وأمر الناس بعبادته كما يزعمون.
لقد نصت التوراة الحالية في مواضع لا تحصى على أن هارون عليه السلام كان نبيا من الأنبياء وأن الله قد أجرى على يديه كثيرا من المعجزات فقد جاء في الإصحاح السادس من سفر الخروج "26هذَانِ هُمَا هَارُونُ وَمُوسَى اللَّذَانِ قَالَ الرَّبُّ لَهُمَا: «أَخْرِجَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ» بِحَسَبِ أَجْنَادِهِمْ. 27هُمَا اللَّذَانِ كَلَّمَا فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ فِي إِخْرَاجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ. هذَانِ هُمَا مُوسَى وَهَارُونُ.
بل إن من تناقضات التوراة المحرفة أن أكدت على أن المعجزات كانت تجري على يد هارون وليس على يد موسى عليهما السلام فقد جاء في الإصحاح السابع من سفر الخروج ما نصه "8وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلاً: 9«إِذَا كَلَّمَكُمَا فِرْعَوْنُ قَائِلاً: هَاتِيَا عَجِيبَةً، تَقُولُ لِهَارُونَ: خُذْ عَصَاكَ وَاطْرَحْهَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ فَتَصِيرَ ثُعْبَانًا». 10فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَفَعَلاَ هكَذَا كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ. طَرَحَ هَارُونُ عَصَاهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عَبِيدِهِ فَصَارَتْ ثُعْبَانًا. 11فَدَعَا فِرْعَوْنُ أَيْضًا الْحُكَمَاءَ وَالسَّحَرَةَ، فَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ أَيْضًا بِسِحْرِهِمْ كَذلِكَ. 12طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ الْعِصِيُّ ثَعَابِينَ. وَلكِنْ عَصَا هَارُونَ ابْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ. 13فَاشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ".
وقد جاء القرآن الكريم فأكد على نبوة هارون عليه السلام وذكر على أن ذلك كان استجابة لطلب موسى عليه السلام من الله أن يشرك أخاه هارون معه في أمر الرسالة كما في قوله تعالى "قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى" طه25-36.
وبعد ما تأكد لنا أن التوراة تعترف بنبوة هارون عليه السلام وكما أكد على ذلك القرآن الكريم فهل يمكن لأي إنسان عاقل أن يصدق فرية التوراة المحرفة من أن هارون عليه السلام قد ضل كما ضل قومه فقام بصناعة العجل ليكون إلها له ولبني إسرائيل! إن من أبسط قواعد الاعتقاد أن الله سبحانه وتعالى إذا ما اختار شخصا ليكون رسولا أو نبيا فإنه يعصمه من الوقوع في الخطأ وخاصة في الأمور الإعتقادية مصداقا لقوله تعالى "مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" آل عمران 79-80 وقوله تعالى "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا " الجن 26-28.
ومما يؤكد أن هذا النص التوراتي قد كتب بأيدي بشرية وليس وحيا من الله هو وجود تناقضات أخرى كثيرة فيه منها أن النص يقرر في بدايته أن هارون عليه السلام قد قام بسبك العجل باستخدام الإزميل ومن ثم يقول في آخر النص أنه ألقى الذهب في النار فخرج العجل منها! ومنها أن موسى عليه السلام قد أمر المؤمنين من بني إسرائيل بقتل أقربائهم الذين عبدوا العجل وقد فعلوا ذلك وعليه فإن هارون لا بد وأن يكون أول المقتولين وبيد أخاه موسى عليه السلام لأنه هو الذي صنع العجل وهو الذي بنى له مذبحا وأمرهم بعبادته ولكن هارون عليه السلام لم يقتل بل بقي وزيرا لأخيه موسى عليه السلام لفترة طويلة بعد الخروج مما يؤكد بطلان هذه الفرية.
وإذا ما عدنا إلى القرآن الكريم وقرأنا قصة العجل نجد أن أحداثها واضحة وضوح الشمس ولا يمكن للعقل أن يرتاب في صحة أحداثها لما فيها من تسلسل منطقي ولتماشيها مع أبسط قواعد الاعتقاد.
لقد جاء القرآن الكريم بعد مرور أكثر من ألفي عام على مجريات هذه الأحداث ليبرئ هارون عليه السلام من هذه التهمة الباطلة ويحدد هوية الشخص الذي قام بصنع عجل بني إسرائيل وهو السامري بل ويؤكد كذلك على أن هارون عليه السلام عمل ما بوسعه لمنع بني إسرائيل من عبادة العجل حتى كادوا أن يقتلوه ولولا تخوفه من إحداث فتنة بينهم لخرج بالمؤمنين منهم ليلحق بأخيه موسى عليه السلام كما جاء ذلك في قوله تعالى "وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99)"طه 83-99.
وكما هو واضح من هذه الآيات القرآنية أن موسى عليه السلام قد عنف هارون عليه السلام أشد التعنيف لمجرد بقاؤه في بني إسرائيل وهم يعبدون العجل فكيف الحال لو كان الأمر كما تدعي التوراة المحرفة.وقدت بينت الآيات كذلك الطريقة التي صنع بها السامري العجل فقد صنعه بطريقة أقرب ما تكون لطرق االسحر وليس من خلال السبك المباشر كما بينت ذلك كتب التفسير وهذا أدعى لأن يصدقه بني إسرائيل لكونه صنعه بطريقة أشبه ما تكون بالمعجزة فبعد أن قذف الذهب في النار أتبعها بقذف حفنة من التراب وراءها سبق وأن أخذها من أثر الرسول والتي تقول التفاسير أنه جبريل عليه السلام فخرج من النار عجل له خوار.
وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على عدة حقائق بالغة الأهمية أولها أنه ينفي التهمة الواهية التي يتشدق بها بعض أهل الكتاب من أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد أخذ هذا القصص من التوراة فلو كان هذا الأمر صحيحا لأخذ القصص بحذافيرها دون أي تصحيح لها وذلك لكي لا يغالطه أهل الكتاب ويحاججوه بها أمام أتباعه بحجة أنهم أعرف بدينهم منه صلى الله عليه وسلم. أما ثاني هذه الحقائق فهي إثبات أن التوراة الحالية قد أصاب كثيرا من نصوصها التحريف بقصد أو بغير قصد والدليل على ذلك أن التصحيحات التي أوردها القرآن لبعض الأحداث يمكن لصاحب العقل السليم أن يتقبلها ويقرها بينما تجعله نصوص التوراة في حيرة من أمره لما فيها من تناقضات.
ومن هذه التناقضات في قصص التوراة أنها نصت على أن هارون عليه السلام هو من صنع العجل الذهبي لبني إسرائيل وهو الذي أمرهم بعبادته وذلك عندما تأخر موسى عليه السلام في الرجوع إليهم بعد لقاء ربه على جبل الطور وكان قد وعدهم بالرجوع إليهم بعد ثلاثين ليلة ولكن الله سبحانه وتعالى قد زاد عليها عشرة فأتمها سبحانه أربعين ليلة وذلك اختبارا لبني إسرائيل وهو أعلم سبحانه بما سيفعلون كما جاء ذلك في قوله تعالى "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" الأعراف 142.
وسنورد فيما يلي نص التوراة المتعلق بهذه القصة ثم نبين ما فيه من تناقضات ثم نورد القصة كما وردت في القرآن الكريم ونبين التصحيحات التي أتى بها والتي تثبت براءة هارون عليه السلام من هذه التهمة الباطلة.
جاء في الإصحاح الثَّانِي وَالثَّلاَثُينَ من سفر الخروج ما نصه " 1وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ، اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمِ اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ». 2فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: «انْزِعُوا أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِ نِسَائِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَاتُونِي بِهَا». 3فَنَزَعَ كُلُّ الشَّعْبِ أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ. 4فَأَخَذَ ذلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِالإِزْمِيلِ، وَصَنَعَهُ عِجْلاً مَسْبُوكًا. فَقَالُوا: «هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». 5فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحًا أَمَامَهُ، وَنَادَى هَارُونُ وَقَالَ: «غَدًا عِيدٌ لِلرَّبِّ». 6فَبَكَّرُوا فِي الْغَدِ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. وَجَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اذْهَبِ انْزِلْ. لأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ الَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. 8زَاغُوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلاً مَسْبُوكًا، وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». 9وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «رَأَيْتُ هذَا الشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ. 10فَالآنَ اتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، فَأُصَيِّرَكَ شَعْبًا عَظِيمًا». 11فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَقَالَ: «لِمَاذَا يَا رَبُّ يَحْمَى غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ؟ 12لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ الْمِصْرِيُّونَ قَائِلِينَ: أَخْرَجَهُمْ بِخُبْثٍ لِيَقْتُلَهُمْ فِي الْجِبَالِ، وَيُفْنِيَهُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ؟ اِرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ، وَانْدَمْ عَلَى الشَّرِّ بِشَعْبِكَ. 13اُذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ عَبِيدَكَ الَّذِينَ حَلَفْتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ وَقُلْتَ لَهُمْ: أُكَثِّرُ نَسْلَكُمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكُمْ كُلَّ هذِهِ الأَرْضِ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَنْهَا فَيَمْلِكُونَهَا إِلَى الأَبَدِ». 14فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِهِ.15فَانْصَرَفَ مُوسَى وَنَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ وَلَوْحَا الشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ: لَوْحَانِ مَكْتُوبَانِ عَلَى جَانِبَيْهِمَا. مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا كَانَا مَكْتُوبَيْنِ. 16وَاللَّوْحَانِ هُمَا صَنْعَةُ اللهِ، وَالْكِتَابَةُ كِتَابَةُ اللهِ مَنْقُوشَةٌ عَلَى اللَّوْحَيْنِ. 17وَسَمِعَ يَشُوعُ صَوْتَ الشَّعْبِ فِي هُتَافِهِ فَقَالَ لِمُوسَى: «صَوْتُ قِتَال فِي الْمَحَلَّةِ». 18فَقَالَ: «لَيْسَ صَوْتَ صِيَاحِ النُّصْرَةِ وَلاَ صَوْتَ صِيَاحِ الْكَسْرَةِ، بَلْ صَوْتَ غِنَاءٍ أَنَا سَامِعٌ». 19وَكَانَ عِنْدَمَا اقْتَرَبَ إِلَى الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ أَبْصَرَ الْعِجْلَ وَالرَّقْصَ، فَحَمِيَ غَضَبُ مُوسَى، وَطَرَحَ اللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَكَسَّرَهُمَا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ. 20ثُمَّ أَخَذَ الْعِجْلَ الَّذِي صَنَعُوا وَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ، وَطَحَنَهُ حَتَّى صَارَ نَاعِمًا، وَذَرَّاهُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَسَقَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. 21وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «مَاذَا صَنَعَ بِكَ هذَا الشَّعْبُ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيْهِ خَطِيَّةً عَظِيمَةً؟» 22فَقَالَ هَارُونُ: «لاَ يَحْمَ غَضَبُ سَيِّدِي. أَنْتَ تَعْرِفُ الشَّعْبَ أَنَّهُ فِي شَرّ. 23فَقَالُوا لِيَ: اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ. 24فَقُلْتُ لَهُمْ: مَنْ لَهُ ذَهَبٌ فَلْيَنْزِعْهُ وَيُعْطِنِي. فَطَرَحْتُهُ فِي النَّارِ فَخَرَجَ هذَا الْعِجْلُ». 25وَلَمَّا رَأَى مُوسَى الشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى لأَنَّ هَارُونَ كَانَ قَدْ عَرَّاهُ لِلْهُزْءِ بَيْنَ مُقَاوِمِيهِ، 26وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ الْمَحَلَّةِ، وَقَالَ: «مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ». فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمِيعُ بَنِي لاَوِي. 27فَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخِْذِهِ وَمُرُّوا وَارْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي الْمَحَلَّةِ، وَاقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ». 28فَفَعَلَ بَنُو لاَوِي بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. وَوَقَعَ مِنَ الشَّعْبِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُل. 29وَقَالَ مُوسَى: «امْلأُوا أَيْدِيَكُمُ الْيَوْمَ لِلرَّبِّ، حَتَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِابْنِهِ وَبِأَخِيهِ، فَيُعْطِيَكُمُ الْيَوْمَ بَرَكَةً».
وكما هو واضح من هذا النص أن بني إسرائيل قد طلبوا من هارون عليه السلام أن يصنع لهم آلهة وليس فقط إلها واحدا وذلك لكي تدبر لهم أمورهم كما كان يفعل إله موسى لهم من قبل وذلك بعد أن ظنوا أن موسى عليه السلام لن يعود إليهم.
وهذا الطلب ليس غريبا على بني إسرائيل فقد طلبوا من موسى عليه السلام بعد آيام قليلة من نجاتهم من فرعون وبعد أن رأوا المعجزات الباهرة التي أجراها الله سبحانه وتعالى لهم أن يصنع لهم إلها كتلك التي كان يعبدها بعض أهل القرى التي مروا عليها بعد خروجهم من مصر كما جاء ذلك في قوله تعالى "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" الأعراف 138-140.
ولكن الغريب في هذا النص أن تتهم التوراة نبيا من أنبياء الله وهو هارون عليه السلام بأنه قد وافق على الفور وبدون تردد على طلب كفار بني إسرائيل وقام بصنع عجل من ذهب من حلي نسائهم التي سرقنها من نساء الفراعنة قبل خروجهم.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قام كذلك ببناء مذبح لهذا العجل وأمر اليهود بعبادته وتقديم الذبائح إليه وبالطبع لا بد أن يكون هارون عليه السلام كما تدعي التوراة المحرفة أول العابدين لهذا العجل كيف لا وهو الذي صنعه وأمر الناس بعبادته كما يزعمون.
لقد نصت التوراة الحالية في مواضع لا تحصى على أن هارون عليه السلام كان نبيا من الأنبياء وأن الله قد أجرى على يديه كثيرا من المعجزات فقد جاء في الإصحاح السادس من سفر الخروج "26هذَانِ هُمَا هَارُونُ وَمُوسَى اللَّذَانِ قَالَ الرَّبُّ لَهُمَا: «أَخْرِجَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ» بِحَسَبِ أَجْنَادِهِمْ. 27هُمَا اللَّذَانِ كَلَّمَا فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ فِي إِخْرَاجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ. هذَانِ هُمَا مُوسَى وَهَارُونُ.
بل إن من تناقضات التوراة المحرفة أن أكدت على أن المعجزات كانت تجري على يد هارون وليس على يد موسى عليهما السلام فقد جاء في الإصحاح السابع من سفر الخروج ما نصه "8وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلاً: 9«إِذَا كَلَّمَكُمَا فِرْعَوْنُ قَائِلاً: هَاتِيَا عَجِيبَةً، تَقُولُ لِهَارُونَ: خُذْ عَصَاكَ وَاطْرَحْهَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ فَتَصِيرَ ثُعْبَانًا». 10فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَفَعَلاَ هكَذَا كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ. طَرَحَ هَارُونُ عَصَاهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عَبِيدِهِ فَصَارَتْ ثُعْبَانًا. 11فَدَعَا فِرْعَوْنُ أَيْضًا الْحُكَمَاءَ وَالسَّحَرَةَ، فَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ أَيْضًا بِسِحْرِهِمْ كَذلِكَ. 12طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ الْعِصِيُّ ثَعَابِينَ. وَلكِنْ عَصَا هَارُونَ ابْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ. 13فَاشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ".
وقد جاء القرآن الكريم فأكد على نبوة هارون عليه السلام وذكر على أن ذلك كان استجابة لطلب موسى عليه السلام من الله أن يشرك أخاه هارون معه في أمر الرسالة كما في قوله تعالى "قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى" طه25-36.
وبعد ما تأكد لنا أن التوراة تعترف بنبوة هارون عليه السلام وكما أكد على ذلك القرآن الكريم فهل يمكن لأي إنسان عاقل أن يصدق فرية التوراة المحرفة من أن هارون عليه السلام قد ضل كما ضل قومه فقام بصناعة العجل ليكون إلها له ولبني إسرائيل! إن من أبسط قواعد الاعتقاد أن الله سبحانه وتعالى إذا ما اختار شخصا ليكون رسولا أو نبيا فإنه يعصمه من الوقوع في الخطأ وخاصة في الأمور الإعتقادية مصداقا لقوله تعالى "مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" آل عمران 79-80 وقوله تعالى "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا " الجن 26-28.
ومما يؤكد أن هذا النص التوراتي قد كتب بأيدي بشرية وليس وحيا من الله هو وجود تناقضات أخرى كثيرة فيه منها أن النص يقرر في بدايته أن هارون عليه السلام قد قام بسبك العجل باستخدام الإزميل ومن ثم يقول في آخر النص أنه ألقى الذهب في النار فخرج العجل منها! ومنها أن موسى عليه السلام قد أمر المؤمنين من بني إسرائيل بقتل أقربائهم الذين عبدوا العجل وقد فعلوا ذلك وعليه فإن هارون لا بد وأن يكون أول المقتولين وبيد أخاه موسى عليه السلام لأنه هو الذي صنع العجل وهو الذي بنى له مذبحا وأمرهم بعبادته ولكن هارون عليه السلام لم يقتل بل بقي وزيرا لأخيه موسى عليه السلام لفترة طويلة بعد الخروج مما يؤكد بطلان هذه الفرية.
وإذا ما عدنا إلى القرآن الكريم وقرأنا قصة العجل نجد أن أحداثها واضحة وضوح الشمس ولا يمكن للعقل أن يرتاب في صحة أحداثها لما فيها من تسلسل منطقي ولتماشيها مع أبسط قواعد الاعتقاد.
لقد جاء القرآن الكريم بعد مرور أكثر من ألفي عام على مجريات هذه الأحداث ليبرئ هارون عليه السلام من هذه التهمة الباطلة ويحدد هوية الشخص الذي قام بصنع عجل بني إسرائيل وهو السامري بل ويؤكد كذلك على أن هارون عليه السلام عمل ما بوسعه لمنع بني إسرائيل من عبادة العجل حتى كادوا أن يقتلوه ولولا تخوفه من إحداث فتنة بينهم لخرج بالمؤمنين منهم ليلحق بأخيه موسى عليه السلام كما جاء ذلك في قوله تعالى "وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99)"طه 83-99.
وكما هو واضح من هذه الآيات القرآنية أن موسى عليه السلام قد عنف هارون عليه السلام أشد التعنيف لمجرد بقاؤه في بني إسرائيل وهم يعبدون العجل فكيف الحال لو كان الأمر كما تدعي التوراة المحرفة.وقدت بينت الآيات كذلك الطريقة التي صنع بها السامري العجل فقد صنعه بطريقة أقرب ما تكون لطرق االسحر وليس من خلال السبك المباشر كما بينت ذلك كتب التفسير وهذا أدعى لأن يصدقه بني إسرائيل لكونه صنعه بطريقة أشبه ما تكون بالمعجزة فبعد أن قذف الذهب في النار أتبعها بقذف حفنة من التراب وراءها سبق وأن أخذها من أثر الرسول والتي تقول التفاسير أنه جبريل عليه السلام فخرج من النار عجل له خوار.
تعليق