إنّ مِن أبوابِ تدبُّرِ القرآنِ الكريم، التأمُّلُ في علاقَةِ الآيةِ بخاتِمتِها، والوقوفُ على ذلك يَفتحُ لك بابًا مِن أبوابِ فَهمِ كتابِ الله تعالى، ويُبيِّنُ لك نوعًا مِن إِعجازِ القرآنِ الكريم، وسوف نَعرِضُ بعضَ الأمثلةِ مع شرحٍ مُبسَّطٍ لها، ويَستطيعُ المُوفَّقُ أنْ يَقِيسَ عليها:
المثالُ الأول:(سورة النساء 34)
لمّا ذَكَرَ اللهُ قَوامةَ الرجلِ على المرأة، وحَقَّ الزوجِ في تأديبِ امرأتِهِ الناشزِ في قولِه سبحانه: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}، خَتَمَ الآيةَ بقولِه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} فذَكَّرَ بِعُلُوِّهِ وكِبريائِهِ جَل جلالُه تَرهيبًا للرِّجال؛ لئلّا يَعتَدوا على النساء، ويَتَعدَّوا حدودَ اللهِ التي أَمَرَ بها.
المثالُ الثاني:( سورة المائدة 38)
لمّا ذَكَرَ اللهُ تَعالى عُقُوبَةَ السَّرِقَةِ في قولِه:
{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ } قال في آخِرِها -: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي: عَزَّ وحَكَمَ فَقَطَعَ يَدَ السارق، وعَزَّ وحَكَم فعَاقَبَ المُعتَدِين شرعًا، وقدرًا، وجزاء، وفي ذلك القصةُ المشهورة، أنّ أَعرابيًّا سمعَ قارِئًا يقرأُ هذه الآيةَ فأخطأَ في آخِرِها، وقال: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فقال الأعرابيُّ: لو غَفَرَ ورَحِم لَمَا قَطَع، ولكنّه عَزَّ وحَكم فقطع، فنَظَروا في المصحفِ فإذا هي {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
المثالُ الثالث:( سورة الرحمن29)
في قولِه تعالى:
المثالُ الثالث:( سورة الرحمن29)
في قولِه تعالى:
{ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ } مِن الإنسِ والجِنِّ والملائكةِ وكلِّ المخلوقات، {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وفي هذا حَفَاوةٌ بالدعاءِ والسؤال، والتَّعَرُّضُ لنَفَحاتِ ذي الجلال، فإنها مَظِنَّةُ تعجيلِ التبديلِ والتغيير، فإذا سألوه وأَلَحُّوا في سؤالِهم، كان مِن شأنِهِ أنْ يُجيبَ سائلَهم، ويُغيِّرَ أحوالَهم مِن الهوانِ والتَّخَلُّفِ، والجهلِ، والمرضِ والفُرقةِ والضياعِ؛ إلى الرِّفعةِ والمجدِ والعلمِ والعافيةِ والاتحاد. وهذه مناسبةُ اتصالِ أوَّلِ الآيةِ بآخِرِها..
المثالُ الرابع:( سورة البقرة 209 )
حُكِيَ أنّ أَعرابيًّ سمع قارئًا يقرأُ:
المثالُ الرابع:( سورة البقرة 209 )
حُكِيَ أنّ أَعرابيًّ سمع قارئًا يقرأُ:
{ فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ } فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ! ولم يَكن الأعرابيُّ مِن القُرّاءِ فقال: إن كان هذا كلامَ الله، فلا يقول كذا، ومَرَّ بهما رجل، فقال له الأعرابيُّ: كيف تَقرأُ هذه الآية؟
فقال الرجل: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
فقال الأعرابيُّ: هكذا يَنبغي، الحكيمُ لا يَذكُرُ الغفرانَ عند الزَّلَل، لأنه إِغراءٌ عليه!
المثالُ الخامس: ( سورة الشورى 28) قولُه تعالى:
فقال الرجل: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
فقال الأعرابيُّ: هكذا يَنبغي، الحكيمُ لا يَذكُرُ الغفرانَ عند الزَّلَل، لأنه إِغراءٌ عليه!
المثالُ الخامس: ( سورة الشورى 28) قولُه تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}
ومُناسبةُ خَتْمِ الآيةِ بهذين الاسمين الكريمين:
{الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} دونَ غيرِهما؛ لمناسبتِهِما للإِغاثةِ، لأَنَّ الوَليَّ يُحْسِنُ إلى مواليه، والحميدُ يُعطِي ما يُحمَدُ عليه.
المثالُ السادس: (سورة البقرة 203)
قولُه تعالى عن الحُجّاج {..فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ..} لَمّا كان الحجُّ حَشْرًا في الدنيا، والانصرافُ منه يُشبِه انصرافَ أَهلِ الموقفِ بعدَ الحشرِ–فريقًا إلى الجنة وفريقًا إلى السعير -؛ ذَكَّرَهم بذلك بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فاعملوا لمِا يكونُ سببًا في انصرافِكم منه إلى دارِ كرامتِهِ لا إلى دارِ إهانتِه.
المثالُ السابع: (سورة المائدة 118)
في قولِهِ تعالى: {
ومُناسبةُ خَتْمِ الآيةِ بهذين الاسمين الكريمين:
{الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} دونَ غيرِهما؛ لمناسبتِهِما للإِغاثةِ، لأَنَّ الوَليَّ يُحْسِنُ إلى مواليه، والحميدُ يُعطِي ما يُحمَدُ عليه.
المثالُ السادس: (سورة البقرة 203)
قولُه تعالى عن الحُجّاج {..فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ..} لَمّا كان الحجُّ حَشْرًا في الدنيا، والانصرافُ منه يُشبِه انصرافَ أَهلِ الموقفِ بعدَ الحشرِ–فريقًا إلى الجنة وفريقًا إلى السعير -؛ ذَكَّرَهم بذلك بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فاعملوا لمِا يكونُ سببًا في انصرافِكم منه إلى دارِ كرامتِهِ لا إلى دارِ إهانتِه.
المثالُ السابع: (سورة المائدة 118)
في قولِهِ تعالى: {
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فلم تُخْتَمُ الآيةُ بقوله {الْغَفُورُالرَّحِيمُ}؛
لأَنَّ المقامَ مَقامُ غَضَبٍ وانتقامٍ مِمَّن اتخذ إلهًا مع الله، فنَاسَبَ ذِكْرُ العِزَّةِ والحكمة، وصار أولى مِن ذِكرِ الرحمة.
المثالُ الثامن: ( سورة النور 10 )
قولُه تعالى بَعدَ ذِكْرِ أحكامِ القَذْف:
لأَنَّ المقامَ مَقامُ غَضَبٍ وانتقامٍ مِمَّن اتخذ إلهًا مع الله، فنَاسَبَ ذِكْرُ العِزَّةِ والحكمة، وصار أولى مِن ذِكرِ الرحمة.
المثالُ الثامن: ( سورة النور 10 )
قولُه تعالى بَعدَ ذِكْرِ أحكامِ القَذْف:
{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ }قد يُقال: إِنَّ المُتَوَقَّعَ أنْ يُقال: {تواب رحيم}؛ لأَنَّ الرحمةَ مناسبةٌ للتَّوبة، لكنْ خُتِمتْ باسمِ الله {حكيم} إشارةٌ إلى فائِدةِ مَشروعيّةِ اللعانِ وحِكمتِه، وهي السِّترُ عن هذه الفاحشةِ العظيمة.
هذه بعضٌ مِن الحِكَمِ التي تُلتَمسُ مِن المناسبةِ بين فَواتِحِ الآياتِ وخَواتِهما، وهي بابٌ عظيمٌ مِن أبوابِ التدبُّر، فاجتهدوا في تدبُّرِ كِتابِ ربِّكم، تَنْعَموا وتَسْعَدوا دنيا وأخرى.
اللهم لا تحرِمْنا بَرَكَةَ كتابِك، ولا تحجُبْ عنا –بذنوبِنا- فَهمَهُ والعملَ به، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميعِ المسلمين..
هذه بعضٌ مِن الحِكَمِ التي تُلتَمسُ مِن المناسبةِ بين فَواتِحِ الآياتِ وخَواتِهما، وهي بابٌ عظيمٌ مِن أبوابِ التدبُّر، فاجتهدوا في تدبُّرِ كِتابِ ربِّكم، تَنْعَموا وتَسْعَدوا دنيا وأخرى.
اللهم لا تحرِمْنا بَرَكَةَ كتابِك، ولا تحجُبْ عنا –بذنوبِنا- فَهمَهُ والعملَ به، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميعِ المسلمين..
تعليق