قصة_وعبرة
منذ أعوام مضت وبعد إتمامي حفظ القرآن – على ما كنت أظن - ،
كُلِّفت بالإمامة في صلاة التروايح في أحد المساجد ، فاشترطتُ على
المسؤولين عن المسجد ألا يضعوا أمامي حامل مصحف في المحراب ،
فإذا به يبتسم قائلا : لا تقلق ، فأكثر المصلين في المسجد حفاظًا للقرآن
الكريم ، فلن يليق بإمامهم أن يقرأ من المصحف!
لقد كان شرطا قاسيا على نفسي ألا يكون هناك مصحف أمامي ؛
فلم يكن مستوى الحفظ يسمح لي بذلك لا سيما الثلث الأخير من
القرآن ، ولكن أرهقتني نفسي التي تعشق كلمة " غدا سأراجع القرآن " ،
فهاجمتها في عقر دارها ، ولم أسمح لها بالمشاورة أو بالمناقشة ،
فاشترطت هذا الشرط على حين غفلة من هواها لألتزم .. لأراجع ..
لأتقن .. لأنعم بالقرآن .
وعندما دخل شهر رمضان ، كنت أراجع بل قل: أحفظ مرة أخرى جزءًا
كل يوم ، أمكث في المسجد خاليا في غرفة ملحقة به ، بعيدا عن
المحادثات ، بعيدا عن الملهيات .. بعيدا عن نفسي .. بعيدا عن كل شيء
إلا القرآن ، هاجرا كل شيء إلا القرآن ؛ فالقرآن يستحق ذلك وأكثر من ذلك!
كان هذا اللقاء المهيب مع كلام الله يبدأ عقب صلاة الفجر يمتد إلى
صلاة العصر، لا يقطع خلوتي إلا خلوة أخرى ؛ الصلاة والتسميع على
صاحب لي.
نعم ، كان وقتا طويلا ولكنه مرَّ بي كما يمر النسيم في السحر ..
نعم ، كان وقتا طويلا قصيرا ؛ فالأوقات الحلوة تمر سريعا ..
نعم ، كان وقتا طويلا يمر في مراجعة الجزء .. لطفا ، قم بتصحيح
العبارة: كان وقتا طويلا يمر في (حفظ ) الجزء ؛ وذلك جزاء من تعجل في
الحفظ الأول !
نعم ، كان أمرا مرهقا للغاية ، وكنت أتعب كثيرا ، ولكني عن راحة نفسي
كنت أبحث ، وقد ذهب التعب ولم يبق له أثر ، وعاد لي قرآني بفرحة
القلب التي يهون معها أي تعب ، تماما كالمسافر الذي لاحت له أعلام
مدينته.
لم يكن يغيب عني في هذه الفترة التاريخية في رحلة حفظي للقرآن
قول الله تعالى :
(وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ.....) العنكبوت 6
وما كان يعزب عني كلام النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم : يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل كَما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 2914 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح
ولم يكن أشق عليَّ في هذه الفترة إلا نفسي ، فكنت أعللها بالجنة تارة
، وأمنيها بقرب انتهاء الوقت المرصود لمراجعة الجزء تارة أخرى ، ولكنها
كانت تنفر مني كما ينفر الإبل في عقله.
وأهمس في أذنيك ، لقد هيئ الله لي أسبابا عظيمة للتفرغ لهذه المهمة
، يأتي متصدرا قائمة هذه الأسباب أنه لم تكن تلاحقني
مكالمات هاتفية أو لم أكن أتابع ردود القوم على موضوعات النت والفيس
بوك ، ولعل السبب الرئيس في ذلك أني
لم أكن أمتلك آنذاك هاتفا جوالا أوجهاز كمبيوتر !
الدكتور سعيد حمزة
تعليق