قصة أصحاب الكهف
لفضيلة الشيخ هاني حلمي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومنسيئات أعمالنا من يهده
الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار،
ثم أما بعد: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ}[يوسف:111]،
ولاريب أن في قصص القرآن العبرة والعظة والدروس الحياتية والواقعية التي نحتاجها في كل وقت. إننا كل جمعة مطالبون أن نقرأ سورة الكهف، هذه السورة التي من قرأها سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة ومن قرأها يغفر له مابين الجمعتين، هذه السورة التي نزلت في مكة،
هذه السورة العاصمة من الفتن فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حفِظ عشرَ آياتٍ من أولِ سورةِ الكهفِ ،عُصِمَ من الدَّجَّالِ"[صحيح مسلم(809)]،
وجعل صلى الله عليه وسلم أمر الوقاية من هذه الفتنة التي هي أشد فتنة ستكون على وجه الأرض بذلك فقال: فإن رأيتموه فاقرؤوا عليه هذه الآيات
قصص سورة الكهف
هذه السورة التي تحتوي على أربع قصص، كل قصة منها مرحلة من المراحل ستمر بها
القصة الأولى: هي قصة أهل الكهف وهذا في زمان يكون القهر والظلم والاستبداد هو الشائع والغالب {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف:20].
القصة الثانية: قصة صاحب الجنتين وهنا الأمور تختلف فيبدوا في الأفق شيء من نوع آخر ويحدث توازن في القوى وتأتي منهجية ثانية {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}[الكهف:34]، فبدل ما كان الإيواء إلى الكهف والتلطف هو الاستراتيجية وهو المنهج في الحالة الأولى، تأتي في الحالة الثانية منهجية الحوار والمناقشة.
ثم تأتي القصة الثالثة وهي قصة موسى والخضر وهنا يبدو شأن العلم وشأن ما خفي من العلم.
ثم تأتي القصة الأخيرة، قصة ذي القرنين {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا* فَأَتْبَعَ سَبَبًا}[الكهف84: 85]
من الكهف إلى تمكين ذي القرنين تمر بخطوات ينبغي أن نتأملها وأن نعيها لأن هذه السورة نزلت بهذه الرسالة على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم في وقت شدة وفي وقت صعوبة بالغة كان يمر بها الصحابة رضوان الله عليهم تنزل هذه الآيات.
قصة أصحاب الكهف
القصة الأولى وهي التي سميت بها السورة قصة أصحاب الكهف وبدأت في خواتيم العشر آيات عندما قال الله تبارك وتعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا}[الكهف:9] بدأت في أواخر العشر آيات العاصمة من الدجال
بدأت من ها هنا {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف 9: 10] يقول الله لنبيه أم ظننت وتعجبت من هذه الآية البالغة كما سيأتينا في هذه القصة ،كيف كان فيها من آيات الله تبارك وتعالى، آيات ولايته لعباده، آيات قدرته سبحانه وتعالى.
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ..}[الكهف:9]،
مالرقيم؟
قالوا اسم الجبل الذي كانوا قد أووا إليه وكان فيه الكهف وقالوا اسم البلد وقالوا اسم كلبهم وقالوا بل كانت الرقيم من معنى المرقوم يعني المكتوب فقالوا كان ثمة لوحة مكتوب عليها سيرتهم وأسماءهم وما كان من شأنهم
ولذلك سمي الرقيم فيقول الله تبارك وتعالى {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَىالْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ.}
إيواء الله تعالى لهم
أولًا يقول القرآن أوى إلى الكهف وكلمة الإيواء تعني معنى الاستقرار، كانوا في شدة بالغة وكانوا قد تسلط عليهم ظلمة وجبابرة في زمانهم إلا أنهم أووا إلى كهف يعصمهم من ذلك لذلك سيقولون {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا}[الكهف:16]، {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف: 10]فأول شيء عبر بأن استقراراهم في الكهف كان إيواء من الله لهم
{إِذْ أَوَىالْفِتْيَةُ}
وكلمة الفتية تعني أنهم كانوا شباب في ريعان شبابهم وكانوا أهل جد وأهل نشاط وأهل فتوة أي أهل شجاعة لذلك سماهم فتية.
طلب الرحمة والرشاد من الله تعالى
فلما أووا إلى الكهف أول شأنهم وهكذا أنت في كل فتنة ينبغي أن تتعامل هكذا، إذا نزل بك فتنة ضراء أو فتنة سراء، إذا نزل بك مرض وفتنة نقص في الأموال والأنفس، في أيما فتنة ينبغي أن يكون أول الشأن استعانة بالله، اترك حمولك على الله
{رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} نحتاج في هذه الأزمان إلى نسيم الرحمة من الرحيم الرحمن فلو نزلت بنا الرحمة ورفعت عنا النقمة لكان الشأن غير الشأن، نحتاج أن نرى هذه في واقعنا، نرحم فنُرحم { رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ} وليس من أحد سواك يا ربنا فهي رحمة عظيمة وبالغة.
{رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف: 10]بعض الرحمة تحتاج إلى رؤية، تحتاج إلى رشاد لكي تعرف الصح من الخطأ ومن على الحق ومن على الباطل، من في زمن تختلط فيه الأمور وتتبعثر فيه الأوراق، اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه فحين تتخبط بالناس الأقدام وتزل أقدام حينها تقول، {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف: 10] يارب وضح لي الطريق
{وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف: 10]، حتى لانكون كما جاء في آخر السورة من الأخسرين أعمالًا {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف:104]، وما يدريك كل يدعي وصلًا بليلى، الكل يقول مؤمن، من قال لك هذا أو هذا؟
تحتاج في البداية أن تتضرع إلى الله، وأن تستعين بالله، أن تحسن التوكل على الله فتقول: {رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف: 10]
ولاية الله لهم
قال الله { فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا }[الكهف 11: 12]، انظر إلى آيات ولاية الله، الله تبارك وتعالى يقول { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ }[البقرة:257]، ويقول: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}[الأعراف:196]، انظر إلى معنى وهو يتولى الصالحين في هذه القصة العجيبة، { فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}[الكهف:11]، قالوا النائم إذا سمع استيقظ، النائم إذا سمع استيقظ وهكذا أنت إذا ضرب المنبه، إذا سمعت صوتًا عاليًا تستيقظ فإذا سمعت استيقظت،
فإذا بالله من ولايته لهم يقول: { فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}[الكهف:11] وسيأتي تفسيرها في آخر القصة ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعة، 309 سنة هجرية يضرب على آذانهم لايسمعون شيئًا، هذا أول آيات قدرته سبحانه وتعالى وولايته لهم، لما أراد أن يناموا هذه المدة الطويلة { فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}[الكهف:11]
ثم بعد هذه السنوات الطوال { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } أيقظناهم {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا }[الكهف:12]، ولم يحكِ لنا القرآن من الحزبين، يوجد حزبين، ناس تقول شيء وناس تقول شيء فاختلفوا من هؤلاء، هل الحزبين هم أهل الكهف وقومهم الذين سيبعثوا فيهم، من سيجدوا أناس ماتت واستيقظت وأصبح حالهم غير الحال، الدنيا تغيرت والعملة التي معهم تغيرت وأشياء أخرى تمامًا فسيحدث جدال بينهم وبين قومهم،
أن الناس كانت تعرف أنه توجد مجموعة كانوا شباب واختفوا فجأة وأنتم تعرفون هذه القصة من أجداد الأجداد وكتب شأنهم فلذلك سيحدث أن يكون حزب أهل الكهف أمام قومهم يختلفون، كم مكثتم وقالوا لا بل أعظم ما يفسر القرآن القرآن نفسه لأنهم حينما يستيقظون سيحدث بينهم حوار وكلهم سيتساءل { كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ }[الكهف:19] قالوا هذان قسمين انقسموا هم أنفسهم أهل الكهف إلى قسمين وحزبين، حزب يقول قعدنا يوم بل أقل قليلًا والحزب الآخر قال {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} وهؤلاء الذين كانوا على الجادة في ذلك لأنه سيتبين أنك إن لم تدري وليس عندك دليل على ما تقول ففوض الأمر إلى علم الله، الله أعلم، {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}[الكهف:12]، من من الحزبين من عرف كم لبثنا، أيهم أحصى ذلك الأمر.
ثم يبدأ القرآن في شرح تفاصيل القصة،
{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى }[الكهف:13] عدد معي لأن هذه هي الوصفة المطلوب دائمًا عندما تكون هناك مشاكل، مطلوب في أزمان الاضطراب، المرحلة الأولى ما هي صفات الناس فيها؟ 1- عندهم إيمان وعندهم ثبات وعندهم رؤيا وهم مسددون من الله تبارك وتعالى، {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ}،
مرة أخرى يذكر شأنهم وشأن نشاطهم وشأن جديتهم وشأن حماسهم { فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى* وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا }[الكهف13: 15]، هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} لاحظ دائمًا تحتاج إلى هذه في حياتك إيمان وتسديد من الرحمن {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} تحتاج إلى ثبات،
الثبات لا يأتي إلا من عند الله
ربنا سبحانه وتعالى لما أنزل سورة آل عمران، سورة آل عمران تتكلم عن الثبات، تتكلم كيف يثبت المسلمون أمام الحروب الضاريةحروب العقيدة والحروب التي قد يدخلون فيها، قصة أحد وغيرها، ختم السورة بـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا }[آل عمران:200]،
رابطوا هذه معناها اثبتوا، هذه هي {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} لولا ذلك يزيغ قلبك، لولا أن ربطنا يثبتك فالثبات لا يأتي إلا من الله { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}[الإسراء 74: 75]، أول ما تتوكل على نفسك تُخذل.
النبي صلى الله عليه وسلم علم ابنته فاطمة أن تقول " ياحيُّ ياقيُّومُ برحمتِك أستغيثُ، أَصلِحْ لي شأني كلَّه ، و لا تَكِلْني إلى نفسي طرفةَ عَيْنٍ"[حسنه الألباني في صحيح الترغيب(661)]، أنا لو رميت الحمول على امكانياتي وعلمي وقدراتي ومهارتي ونفوذي وسلطاني وأموالي ووجهاتي ونسبي وحسبي تخذل، أول ما ترمي بالحمل على الله وتفوض أمرك إلى الله وتتوكل على الحي الذي لا يموت والتوكل ليس معناه أن لا تأخذ بالأسباب، معناه أن تأخذ بالأسباب ولكن النتائج ليست لك، اترك الحمل على الله، { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }[الفاتحة:5]، استعنت به سبحانه وتعالى، رب أعني ولا تعن علىَّ، هذا كان شأن أهل الكهف {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ}[الكهف:14].
تثبيت الله عون للوقوف أمام الظلمة
فلما ثبتهم وقفوا أمام أظلم الظلمة الذين كانوا في عصرهم بل وقفوا أمام قومهم يعلنون راية التوحيد ويقولون { رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا }[الكهف:14]، كيف نتجاوز حدودنا، هذا ربنا رب كل شيء وهو إلهنا وإله كل شيء سبحانه وتعالى { رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} تحتاجها في كل وقت أن ترددها بينك وبين نفسك { رَبِّيَ اللَّهُ }[غافر:28]، الله أعلى وأجل، الله أكبر { رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} لن أعبد سواه، لن أحب سواه، لن أخضع وأذل إلا له،
{لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا }[الكهف:14] لقد جاوزنا حدودنا إن فعلنا ذلك.
البينة أساس كل أمر
{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا}[الكهف:15]، ثم أعلنوا أنهم يتولون ربهم فهم يوالونه يتبرؤون مما سواه، {هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً}[الكهف:15]، كيف ذلك، كيف بهم وهو يعلمون في قرارة أنفسهم أن هذا الكون لابد له من خالق وأن الخالق هو الله تبارك وتعالى { لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}[الكهف:15]، هذه هي مشكلة التقليد، {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ }[الزخرف:22]،
مشكلة التقليد أنك عندما تسأله لماذا يفعل أمر ما يقول هو هكذا، لايوجد شيء يسمى
هو هكذا يوجد شيء اسمه دليل، يوجد شيء اسمه بينات، لذلك قالوا ايتوا بسلطان، ما تقولونه الآن أنكم تعبدون أصنام من دون الله، ما هو الدليل على أن هذه هي الألهة، { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[الكهف:15]،
لاحظوا هنا السورة ستقول كلمة الظلم وستكررها في ثلاث قصص الأساسية
الثلاث قصص ستقول ظلم وظلم وظلم،
الظلم الأول
ظلم القوم وهؤلاء {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ}[الكهف:20]، ظلمة جبابرة عتاة قومهم
والظلم الثاني
ظلم صاحب الجنتين {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ }[الكهف:35]
والظلم الثالث
سيذكر الله تبارك وتعالى لذي القرنين مسألة ويطلب فيها الحكم {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}[الكهف:86]، قال: { أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ}[الكهف:87]، العدل من يظلم ينال جزاؤه، أما من أحسن وعمل صالحًا وكان على استقامة { فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى}{الكهف:88]، فإذًا ذكر الظلم هنا وهنا.
وقالوا السورة قالت: {ومن أظلم} {فمن أظلم} في موضعين:-
الموضع الأول:-
هنا { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[الكهف:15] وهنا يتكلم على الرؤوس، على الأكابر، على علية القوم، على الذين يسوسون الناس، على الوجهاء، هؤلاء افتروا على الله كذبا فقال الله: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[الكهف:15]
الموضع الثاني:-
وبعد ذلك تكلم على الناس، باقي الشعب على الفئات الأخرى، فيذكر أنهم { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ }[الكهف:57]، هؤلاء الناس في غفلة ولا تسمع ولا تريد أن تستجيب وفي طريق آخر وقلوبهم لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم آذان لايسمعون بها، يذكر بآيات الله فيعرض عنها ونسي ما قدمت يداه {إِنَّاجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا }[الكهف:57]، فجاء بالمثالين
من أظلم عند ربنا، من أظلم البشر؟
اثنين:- الوجهاء الذين يفترون على الله الكذب والآخرون بقية الناس والرعية والشعب والخلق الذين إذا ذكروا لايتذكرون وعلامة المؤمن أنه إذا ذكر تذكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِنَّ المؤمِنَ خُلِقَ مُفَتَّنًا، توَّابًا ، نَسِيًّا ، إذا ذُكِّرَ ذكَرَ"[صححه الألباني في صحيح الجامع(5735)]، قال الله: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[الأعراف:201]، هذه علامة أنك صاحب قلب حي أم قلب سقيم أم قلب ميت، أنت من؟ هذه هي العلامة، العلامة إذا ذُكرت تذكرت والأمر الثاني إياك والكذب
والكذب ثلاث
كذب في الأقوال وكذب في الأعمال وكذب في الأحوال والمؤمن لايكذب، يوجد شخص يتكلم جيدًا لكن أعماله في منطقة أخرى { لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف:2]، ويوجد شخص عمله في وادي وأحواله في وادي، ماذا يعني؟ يعني يصلي لكن قلبه في الدنيا،
هو أمام الناس حاضر لكن هو في واقع الأمر غائب، هو قلبه في الشارع، هو قلبه في المحل، هو قلبه في الشهوات، هو قلبه في مكان آخر لكن الجسد موجود في المسجد، هذا كذب في الأعمال وفي الأحوال، قلبه في طريق وعمله في طريق فإيانا والكذب، إيانا أن نفتري على الله الكذب، أن ندعي أشياء لا علم لنا بها { لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[الكهف:15]
يتبع بإذن الله
تعليق