إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة بعنوان : روائع البيان لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    الحكم بالعدل بين الناس تشريع إلهي


    تدبروا في الآية

    (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)
    قبل أن يقول تعالى
    (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
    ونحن لا زلنا نتعامل مع القرآن بنفس تلك القرآءة التي أشرنا إليها فيم سبق القرآءة العضين المجتزأة المقتطعة من سياقاتها نقتطع من الآيات! ولذلك في بعض المؤسسات أو بعض المحاكم الآية تقتطع هذا الجزء من الآية فقط

    (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
    أين الجزء الأول من الآية؟!
    لا ينفصل عن أداء الأمانات لهم ثم إن الله سبحانه وتعالى قدّم أداء الأمانة على الحكم بين الناس والقضاء بينهم لماذا؟
    ليجعل الفرد الإنسان المسلم رقيبًا على أمانة نفسه وإذا أصبح الإنسان المسلم المؤمن رقيبًا على ذاته في أداء الأمانة ما احتاج إلى القضاء، ولا احتاج إلى التحاكم ولا احتاج إلى أن يرفع مظلمته إلى محكمة هنا أو هناك.

    لو أقيمت فضيلة أداء الأمانات في بيوتنا وفي أُسرنا وبين الأزواج يا ترى هل كنا سنحتاج إلى الوقوف في تلك الطوابير المضنية ساعات لأجل رفع قضية طلاق أو ضرر أو نفقة أو ما شابه؟! لو أدى الناس الأمانات إلى أهلها فعلًا هل كان سيكون هناك فعلًا حاجة حقيقية لما يحدث في المحاكم الشرعية والمحاكم الأسرية محاكم الأحوال الشخصية وقضاياها التي لا تكاد تنتهي ولو قلبنا في إضبارات وملفات ودفاتر تلك القضايا المختلفة المرفوعة هنا وهناك في مختلف دول العالم ولكن نتكلم عن عالمنا الإسلامي ومجتمعاتنا المسلمة التي أُمرت ووجِّه لها خاصة هذا الخطاب القرآني أن تؤدي الأمانة إلى أهلها لو بحثنا لوجدنا فعلًا أن الكارثة الأصل غياب الأمانة!

    قضايا النفقة المرفوعة، المطالبات بالنفقة،
    الرجل يريد مخرج قانوني لأجل أن يتحايل على النصوص الشريعة والقانونية فيتخلص من النفقة على سبيل المثال!

    هذا جزء من مثال، هذا لو أدرك أداء الأمانة إلى أهلها أكنّا بحاجة إلى ما نحن فيه؟! أداء الأمانة إلى أهلها! لكن القرآن كتاب واقعي يعالج الواقع الإنساني ما كان من الممكن أن يترك الناس دون تحاكم دون وجود من يحكم بينهم بالعدل دون وجود من ترفع إليه المظالم، القضاء، نظام القضاء ولذلك جاءت الآية (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الحكم بين الناس، قيمة العدل الحقيقية أمانة، القضاء أمانة. وأنا أريد أن أقف - ونحن في سياق الحديث عن القضايا الأُسرية والمشاكل الزوجية وما شابه - تأخير العدالة ظلم وغبن، تأخير إعطاء الحقوق وردّ الحقوق إلى أصحابها، التأخير فقط في الأجَل، التأجيل في الزمن في المدة هذا ظلم، وهذا ليس من العدل في شيء. ولنا أن نقف طويلًا عند كل تلك طوابير الانتظار عند المحاكم في المجتمعات المختلفة في مجتمعاتنا المختلفة سنجد عشرات وربما مئات من القضايا أُجّل النظر فيها مرة بعد مرة، لماذا يؤجل؟
    تدبروا في كل هذه المعاني
    (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
    فمن العدل وتمام العدل أن يعجل الحاكم في رد الحقوق إلى أصحابها متى ثبت عنده ذلك.


    تعليق


    • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني





      اذا اختلفنا فإلى اى شئ نرجع ؟

      (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ)

      ذكرنا أن سورة النساء من أعظم السور التي تعلم الإنسان والمجتمع والأسرة المسلمة كيفية إدارة النزاعات والصراعات والخلافات الزوجية والشقاق بين الزوجين بكل هذه المفردات التي جاءت بها. فهنا قال
      (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
      الكتاب والسنة وبخاصة ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من السُنة الفعلية وطبقها في حياته سلوكًا وعملًا. النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك تفسيرا مكتوبا إلا بضع آيات ذكر لها معاني ولكن الحياة التي عاشها السنوات التي قضاها سلما وحربا، رجل أمة ورجل أسرة وزوج أب وأخ وجار وقائد في ميدان المعركة وأشكال عشرات الصور مربي معلم بائع مشتري حاكم هذه الصور بأكملها تشكل التفسير العملي لهذا المنهج الرباني القرآني الذي نحتاج إلى أن نرد الخلافات حين تقع فيما بيننا إليه لذلك المنهج نتعلم من حياته وسنّته كيف أدار النزاع لا نذهب بنزاعاتنا إلى الخارج!

      والآية العظيمة هنا تبين لي مبدأ عظيمًا جدًا:
      النزاعات والخلافات ينبغي أن تُحلّ في البيت الاجتماعي، بيت المجتمع، الأسرة هي البيت الصغير، والقرآن في الآيات التي سبقت في سورة النساء أكد أهمية أن يقوم الزوجان بحلّ الخلافات فيما بينهما إلا إذا وصلت إلى سقف وإلى حد لا يمكن إلا أن يتدخل فيه حكم من أهله وحكم من أهلها وفي حالة النزاعات في المجتمع في المؤسسات، في المصارف، مؤسسات الدولة، طوائف مختلفة في المجتمع فئات مختلفة في المجتمع، حدث النزاع، النزاع وحدوث النزاع ليس بالشيء المستغرب، هذا واقع إنساني من خلال التعامل والاحتكاك يحدث سوء فهم وسوء الفهم يؤدي إلى نزاع، لا إشكالية في ذلك، الإشكالية في أن لا نحسن التعامل مع نزاعاتنا وأن نذهب بنزاعاتنا إلى طرق من هنا ومن هنا بعيدًا عن الردّ إلى الله وإلى الرسول، هذه هي الإشكالية الخطيرة! لأن ربي عز وجلّ ربطها بعد ذلك فقال
      (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
      لا تذهب به إلى محاكم دولية هنا وهناك.

      النزاعات التي تحدث في واقعك وفي مجتمعك عليك أن تقوم بحلّها أنت حل داخلي ولكن لأجل أن تقوم بحلها وتحسن إدارة هذه النزاعات ومحاولة استيعابها واحتوائها عليك أن تؤمن بالله واليوم الآخر حتى تحسن الرد لأنك إن لم تؤمن بالله واليوم الآخر كيف ستقوم برد هذه النزاعات ومعالجتها من خلال الرجوع إلى الله والرسول، إلى المنهج إلى القرآن وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة. هذا ما نحتاج إليه ولذلك آيات سورة النساء تعالج قضايا مجتمع، قضايا دول، قضايا أمم ونحن اليوم نتخبط هنا وهناك،
      لماذا التخبط؟ ذاك الضعف في ذاك الجانب؟!
      ليس لأننا لا نؤمن ولكن كما ذكرت سورة النساء قبل قليل، الإيمان إحساس وشعور وعمل وقول وتطبيق وتنفيذ وأخلاق وسلوك، كلٌّ متكامل لا يكفي أن تأخذ منه جزءًا وتقول يكفيني هذا الجزء لأعيش حياتي بطريقة صحيحة سليمة، لا يمكن! أنا بحاجة إلى أن آخذ المنهج كاملًا وأجعله منه مرجعًا لي في حياتي في سلوكي وتعاملي مع القريب والبعيد، مع الصديق ومع العدو، في السلم وفي الحرب في الاستقرار وفي الخلاف والنزاع، هذه حقيقة.

      ولذلك تدبروا في عظمة التناسب الواضح لكل من يتدبر في آيات هذه السورة الكريمة
      (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿٦٠﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴿٦١﴾)
      صورة واقعية تجيب عن تساؤلاتنا تجيب عن خواطرنا حين نقرأ القرآن ونرى الواقع شيئًا يخالف القرآن!
      زعم، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) قد يزعم الإنسان أنه آمن بما أنزل الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، يزعم ولكن إذا كان هذا وأصبح مجرد زعم فالواقع سينبئك بذلك يتحاكم إلى الطاغوت، إلى مناهج مختلفة، مناهج ما أنزل بها من سلطان، مناقضة لهذا المنهج في الوقت الذي أمر أن يكفر بالمنهج الطاغوتي،
      هذا هو الضلال الحقيقي.

      تعليق


      • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

        باب التوبة مفتوح




        (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)
        الرسالات لا لأجل أن تكون فقط رسالة شفوية، القرآن لا لأجل فقط أن يحفظ ككلمات وآيات وسور، صحيح حفظ القرآن أمر عظيم جدًا ولكن الرسل جاءت بتلك الرسالات والمناهج لأجل الطاعة،
        لأجل أن يُطاعوا في رسالاتهم والنبي صلى الله عليه وسلم جاء ونزل عليه القرآن لأجل أن يطاع والطاعة سلوك وتنفيذ وتطبيق، تأمل
        (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)
        والذي يحدث أن يظلم الإنسان نفسه
        (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)
        تأملوا باب التوبة، الخطأ وارد، والنسيان وارد وصدور التناقض في حياتنا والإشكاليات المختلفة ووقوع الظلم فيما بيننا أمر وارد قد يحدث ولكن الإشكالية في حياتنا أن يبقى الإنسان مصرّا على خطئه أن يبقى الظلم على ظلمه فلا تبرأ ذمته من ذلك الظلم ولا يفكر في يوم أبدًا أن يعيد الحقوق إلى أصحابها ويرد المظالم إلى أهلها! تلك هي الإشكالية. أن نخطئ فيما بيننا ونقع في الخطأ في علاقتنا الزوجية والأُسرية والاجتماعية وارد ولكن المهم أن تصحح الخطأ المهم أن تستغفر الأبواب مفتوحة (لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) تواب لأنه رحيم ومن رحمته بعباده أنه فتح باب التوبة للخاطئين، فتح باب التوبة لأولئك الذين يريدون أن يعودوا إلى المنهج من جديد، الباب مفتوح في أي وقت في أي زمن في أي لحظة ما عليك إلا أن تستدرك ما فات قبل فوات الأوان، هذا هو القرآن.


        تدبروا كيف يفتح القرآن باب الأمل، التوبة أمل، أمل للعاصين، أمل للمذنبين، أمل للظالمين، أمل للمخطئين، أمل لأولئك الذين لا يزال في قلوبهم شيء من الإيمان شيء من محبة الله عز وجلّ والرغبة في الرجوع إليه. الباب مفتوح، ارجع، استدرك ما فات، صحح، عدِّل أوضاعك، عدّل إيمانك، عدّل صلتك بالله سبحانه وتعالى، استسمح واطلب السماح من الآخرين ممن ظلمت في يوم من الأيام ولو بكلمة في سر أو علانية، صحح علاقاتك، صحح تصرفاتك، أمر مهم.

        تعليق


        • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

          متى يكون الجهاد في سبيل الله؟




          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ)
          إذن أنت لا تقاتل في سبيل أهوائك ولا في سبيل مطامع دنيوية ولا عروض زائلة ولا لأجل نهب ثروات الشعوب ونفطها ومصادرها ومائها وأنهارها وأقواتها، لا تقاتل لأجل كل تلك الترهات الزائفة القائمة على هوى النفس وعبادة الذات بل تقاتل لأجل من؟ وفي سبيل من؟
          سبيل الرب عليك أن تقاتل وفق منهج الله لا وفق أهواء النفوس، لا تحرك الجيوش الأهواء، في الإسلام في ذلك النهج والتطبيق الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم، جنود النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تحرّكهم الأهواء، حركتهم آيات الكتاب والمنهج الذي جاء في كتاب الله عز وجلّ، هذا الذي حرّكهم (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ) باعوا الدنيا بكل عروضها بكل أموالها ومكاسبها وأطماعها وأهوائها وشهواتها ليشتري الآخرة
          والسؤال: الإنسان الذي يبيع الدنيا بكل ما فيها أهو إنسان يقاتل لإرضاء لنزوة أو شهوة أو تحصيل مطمع أو غاية دنيوية؟!



          (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا )
          إذن هو قتال لأجل حماية حقوق المستضعفين، قيم، حماية العدالة، حماية الضعيف، نصرة للضعيف وتدبروا في واقع المجتمعات المعاصرة اليوم، اليوم الجيوش تخرج لكن السؤال ألنصرة الضعفاء أم الأقوياء؟ ألنصرة الضعفاء الذين ظُلموا أم لنصرة الأقوياء الذين ظَلموا؟ فارق عظيم بين مقصد ومغزى القتال في سبيل الله في الإسلام وبين القتال في سبيل الطاغوت ولذلك جاءت الآية
          (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ)
          طاغوت والظلم والعدوان والافتراء والكذب وسفك دماء ونهب أموال الشعوب وتخريب الأرض التي أمر الله أن تعمّر. الفارق شاسع والتناسب واضح ولذلك قال الله عز وجلّ
          (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)
          لماذا يا رب؟

          لأن المعركة واضحة، لأن معركة الواقع الإنساني واضحة في الصراع بين الحق والباطل، هنا حق وهناك باطل، هناك قيم أمر الله بأن تطبق، حقوق حرية عدالة مواساة أمانة تؤدّى، وهناك قيم كانت موجودة في المجتمع الجاهلي والآن بدأت تعود للمجتمعات المعاصرة، الظلم، الاستعباد والاستبداد، التفرقة العنصرية لا المساواة،

          الحق والعدل والحرية والمساواة لا بد لها من من يدافع عنها ولن يدافع عنها أولئك الذين لا يؤمنون بها ولن يدافع عنها أولئك الذين لا يطبّقونها في أُسرهم وبيوتهم وحياتهم وعلاقاتهم الأسرية والمجتمعية ومؤسساتهم المختلفة صغيرة كانت أو كبيرة ولذا ربي عز وجلّ قال - والآيات لا تزال تتكلم في سياق القتال -
          (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ)
          الحياة أجمل من القتال، القتال قد يفقد فيه الإنسان حياته وأغلى شي عند الإنسان الحياة الروح! ليست كل حياة غالية، الحياة القائمة على الظلم وقبول الاعتداء على الناس وأعراضهم وأموالهم وتصفية وسفك دمائهم هذه ليست بحياة تستحق أن يعيشها الإنسان! الحياة ليست مجرد أنفاس ولو كانت أنفاسًا مكتومة تكتم الحق والعدل والحرية والمساواة! هذه ليست الحياة التي يريدها القرآن، تدبروا في الآية
          (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)

          (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ)
          الموت سنة من السنن مكتوب على كل الأحياء القوي والضعيف لظال والمظلوم المرأة والرجل الصغير والكبير المريض والصحيح. إذن إذا كان الأمر هكذا ربي سبحانه وتعالى شرع للبشر أن يعيشوا حياة إنسانية كريمة تليق بإنسانيتهم فإن لم يكن ذلك فهنا في هذا الموضع هنا يشرع لقتال لأجل أن تبقى الحياة الإنسانية ويبقى الإنسان على كرامته ولا تهان وتهدر كرامة الإنسان. القتال ما شرع في القرآن لأجل الموت في الإسلام، القتال شرع لأجل الحياة الكريمة. وهذا الفهم فهم غير صحيح أن يتصور البعض وينشر هكذا عن الإسلام أن الإسلام شرع القتال لأجل الموت في سبيل الله والواقع أن القتال شُرع لأجل إبقاء الحياة الإنسانية الكريمة. ولكن إذا مات الإنسان في سبيل هذه الحياة الكريمة وإعلاء قيمتها وإحيائها الحفاظ عليها فليكن فالموت نهاية كل حيّ ولكن موته عندئذ سيكون شهادة

          تعليق


          • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

            تدبر القرآن





            (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا )82
            هنا تدبر القرآن. لماذا جاء الكلام عن التدبر واستنكار على من لا يتدبر في هذا السياق؟
            لأن التدبر يقودك إلى التطبيق والتنفيذ في الواقع فإذا لم يقدك التدبرإلى التنفيذ في الواقع ستجد الاختلاف ستجد الشجار والنزاع والصراع والحروب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال والتشتيت والتهجير من قبيل عدم تطبيق المنهج، ولماذا لا يحدث عدم التطبيق؟

            لغياب التدبر ولذلك خسر المسلمون كثيرًا في واقعهم حين أعرضوا عن تدبر هذا الكتاب، التدبر فريضة على كل مسلم عاقل يقرأ هذا الكتاب أنزله لأجل أن نتدبره لأنه بدون تدبر لا يحصل طاعة وتدبر في حياتك أنت كلما ازددت قربًا من هذا الكتاب وتدبرا في آياته ازددت طاعة لله واستسلامًا لمنهجه وسيرا على هدى نبيه صلى الله عليه وسلم. التدبر يولّد فيك الطاعة يولّد فيك الانقياد والخضوع لأمر الله ومنهجه في الواقع وهو ما أراده القرآن
            (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ)






            قد يقول قائل لو ما أدرك التناسب بين الآيات، ما دخل الكلام عن التدبر في الآية؟
            الكلام عن الطاعة
            (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا )80
            التولي والصدود والإعراض عن منهج الله لا يكون إلا بالإعراض عن تدبر هذا الكتاب وعدم تفهّم معانيه نتيجة طبيعية والتدبر يقودك إلى الطاعة والانقياد والاستسلام لأمر الله نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأن يجعلنا من أهل القرآن الواعين المتدبرين المنفذين لأوامره وتعاليمه وأن يلحقنا بأولئك الرفقة الطيبة التي أدركت كيف يتدبر المؤمن القرآن وينفذ تلك الأوامر في واقعه وحياته.

            تعليق


            • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني



              (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا )
              تدبروا هناك فارق بين القاعد وبين القائم، فارق بين الإنسان الذي نذر حياته ونفسه ووظفها لإقامة منهج الله في الأرض، لحماية الإنسانية والكرامة الإنسانية هناك فارق بينه وبين الإنسان القاعد والقرآن حدد قال
              (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ)
              القرآن يريد أن يصنع أناسًا يقومون بهذه القيم الحق يحتاج إلى نفس تفديه ولسان عدل يدافع عنه ويفديه، قلب يحميه، ويد تدافع عنه وتغليه، الحق لا يقوم بالضعفاء. القيم العظيمة التي دعت إليها سورة النساء لا تقوم على أكتاف الضعفاء والقاعدين والعجزة. وماذا يحدث حين لا يقوم هؤلاء الأقوياء بتلك القيم حماية ونصرة ودفاعا؟

              الذي يحدث أن تنتشر رقعة الفساد والمساحة التي يتبؤها أصحاب الحق والقيم تصغر شيئا فشيئا حتى تضيّق عليهم المساحة فلا يجدون مكانا يلجأون إليه فيلجأون للهجرة وتدبروا كيف جاء الحديث عن الهجرة بعد الحديث عن القعود والجهاد.قيمة الجهاد في سبيل الله والجهاد ليس كما يتصور البعض فقط يكون بأن يحمل الإنسان أدوات القتال ويخرج لا غاية ولا تخطيط ولا استراتيجية، هذا ليس ما يدعو إليه القرآن أبدا.


              القرآن يعلمنا أن الجهاد بكل أشكاله بالكلمة بالنفس بالمال بالنصرة بالدفاع عنه بكل أشكاله المتعددة بنصرة الحق في نفسك وفي مجتمعك وفي مؤسستك وفي أسرتك بالدفاع عن القيم في حياتك منهجًا وسلوكًا، أنت حين تتمثل القيم قيم الأمانة والحرية والمساواة في بيتك وفي أسرتك ومع طلابك ومع جيرانك ومع أصدقائك ومعارفك ومع من لا تعرف أنت تحقق هذا المعنى العظيم من معاني الجهاد التي للأسف الشديد غفل عنها الكثيرون.

              ماذا يحدث حين لا نقوم بهذا الأمر الإلهي؟الذي يحدث أن رقعة الصلاح تضيق وتضيق وتشتد وتضيق الخناق على أهلها حتى لا يجدوا في الأرض مكانا يقيمون فيه هذه القيم العظيمة، ولا مكانا يمارسون فيه هذه القيم العظيمة فلا يجدون مفرا إلا أن يهاجروا وهنا جاء الكلام عن الهجرة في سبيل الله. الإنسان الذي أريد منه وطلب إليه أن يقيم تلك القيم في كل مكان يتواجد فيه فإذا ما قام بتلك الأوامر، ضاقت عليه الأرض بما رحبت وهذا حاصل في زماننا وفي كل زمان حين لا يقوم الناس بما أمر به الله سبحانه وتعالى من إحقاق للحق ونصرة للعدل.

              تعليق


              • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                الهجرة في سبيل الله



                (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ)

                تدبروا كل ما ذكر في سورة النساء: مستضعفين، استضعفوا، كلمة مقصودة لذاتها، الإنسان لا يولد ضعيفًا، لا يخلق ضعيفًا، لا يُخلق عاجزًا ولكن هو الذي باستسلامه وخضوعه للآخرين يعطي من نفسه ذلك الضعف حتى يصبح فعلًأ ضعيفا لا يؤبه له ولا يقام له وزن
                (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)
                ظلم النفس أن لا يحقق الإنسان لنفسه الغاية التي لأجلها خلق، أعظم ظلم للنفس!
                ربي عز وجلّ خلقنا لغاية قال (إني جاعل في الأرض خليفة)
                فإذا لم أحقق الغاية التي لأجلها خلقت أيّ ظلم هذا؟!
                (قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ
                قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)

                الهجرة، فتح باب الهجرة لأن القرآن يعالج واقعًا إنسانيًا.

                هب أنك كنت في مكان كما كان المسلمون وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قضوا تلك الفترة وهم يحاولون كل ما يستطيعون القيام به لأجل نصرة القيم التي جاء بها القرآن في ذلك البلد الأمين في ذلك الوطن الذي هو بالفعل وطن لهم لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق ذلك، استمروا، ثبتوا، حاولوا عشرات المرات، لم يتسللل إلى نفوسهم ولا إل قلوبهم العجز أو الياس!

                القضية قضية رسالة، قضية حق، قضية حياة تكون أو لا تكون، فحين ضاقت عليهم الأمور ولم يجدوا بعد ذلك مكانًا يمارسون فيها ذلك المنهج الذي نزل في كتاب الله هاجروا في سبيل الله، الهجرة لأن هذه الأرض شرقا وغربا شمالا أو جنوبا هي أرض الله وهي واسعة للإنسان لأجل أن يقيم منهج الله فيها. فالمكان لا ينبغي أن يكون عذرًا وهو ليس بعذر مقبول بمعنى آخر عليك أن تمارس المنهج الذي أنزله الله في كتابه في اي مكان كنت ولا تجعل قضية المكان هي التي تقف حجر عثرة في تطبيقك لمنهج، إن لم يكن بوسعك، هاجر فأرض الله واسعة. وتدبروا (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ﴿٩٨﴾) مساحة للواقع الإنساني، القرآن جاء ليعالج واقعا إنسانيا، الناس ليسوا سواء، يتفاوتون في قدراتهم، يتفاوتون في ضعفهم، يتفاوتون في أحوالهم والقرآن كتاب عظيم يخاطب كل النفوس في ضعفها كما في قوتها في عجزها كما في قدرتها في صحتها كما في مرضها جاءت هذه الآية رخصة
                (فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴿٩٩﴾)
                ولكن لا يعني ذلك أن يتحول السواد الأعظم من البشر إلى فئة مستضعفة!
                الفئة الغالبة لا بد أن تكون تلك الفئة القوية القادرة على أن تحقق الرسالة العظيمة ذلك المنهج القرآني العظيم.

                (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

                لا يهاجر في سبيل أطماع مادية ولا يهاجر في سبيل ثمرات عاجلة دنيوية أو منافع أو مكاسب عاجلة
                وإنما يهاجر في سبيل الله
                (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)
                يجد بدائل متعددة، يجد مغانم، يفتح الله سبحانه وتعالى بها عليه على قدر ما في قلبه ونيّته من صدق وتوجه لله سبحانه وتعالى.

                وهنا قد يقول قائل:
                هل الهجرة لأجل الكسب المادي أو لأجل حياة أفضل ممنوعة أو محرمة
                بناء على هذا الكلام في كتاب الله عز وجلّ؟
                كتاب الله سبحانه وتعالى لا يقف بنا فقط عند قضية الممنوع أو المحظور أو المباح أو المفتوح أو المسموح به ليس فقط الأمر هكذا، يعطينا أبعادًا عظيمة للفعل الإنساني للفعل التكليفي كما يطلق عليه في عرف الفقهاء، الفعل الإنساني، الحكم التكليفي يعطيه أبعادا عظيمة واسعة أبعادا لا تخرج عن المقصد الذي لأجله خلق الإنسان إطلاقاً، القرآن يعطيك الغاية التي لأجلها خلقت كإنسان، نحن لم نخلق لأجل أن نأكل ونعيش ونلبس ونسكن،لا، نحن خُلقنا وسُخّر لنا ما في الأرض جميعًا من طعام وشراب ومسكن وغير ذلك من حاجيات لا تستقيم حياتنا إلا بها والحصول عليها لأجل أن نكون خلائف الأرض، أن نحقق هذا المنهج الذي أنزله الله في حياتنا وفي واقعنا وفي كل مكان نكون فيه، فلا تلهينا الوسلية عن الغاية ولا يشغلنا ذلك السبب عن المقصد الذي لأجله خُلقنا، هذا هو القصد، بمعنى آخر أنت حين تتخذ قرار الهجرة والفسر قف مع نفسك وقفة صادقة واسأل نفسك: لم تهاجر؟

                هب أن تهاجر لأجل عيش كريم، قضية محمودة تمامًا لا غبار عليها ولكنها غير كافية لأجل أن تجعل منك إنسانًا مصنوعًأ على عين المنهج الذي أنزله القرآن العظيم، إذن ماذا أفعل؟
                صحح مقصدك قبل أن تسافر وقبل أن تهاجر اِجعل لك حظًا من هذه الآية العظيمة (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
                ما هو حظك من هذه الآية؟ هل هجرتك فعلا في سبيل الله؟
                فإن لم تكن في سبيل الله فاجعلها في سبيل الله، وما معنى أن تهاجر في سبيل الله؟
                ليس هناك تعارض بين أن تعيش عيشة كريمة تليق بإنسانيتك تكسب منها لقمة حلال شريفة كريمة وبين أن تحقق هذا المنهج الذي دعا إليه القرآن، ليس هناك نعارض أبدًا.

                إذن قدّم ورتب الأولويات في حياتك، هاجِر، اخرج بنفسك، بأسرتك، بأهلك إذا ضاق بك المقام ولكن لا تنس وأنت تهاجر أن تأخذ معك إيمانك، أن تأخذ معك المنهج، أن تأخذ معك الكتاب الذي يبنيك من جديد، الكتاب الذي يهديك في ذلك الطريق الشاق الطويل الذي عزمت أن تسافر فيه، لا تنس أن تأخذه معك.
                وأنا لا أقصد بالمنهج أن تأخذ مصحفًا للتبرك به فحسب كما يفعل بعض المسلمين ولكن أقصد أن تأخذه في قلبك يقينا أن تأخذه في سلوكك أفعالا وأخلاقا وقيما ومبادئ وأمانة، أن تأخذه في أسرتك تعاملا وقياما بالأمن والأمانة والعدالة فيها، أن تكون أنموذجا لغيرك في تلك البلد التي هاجرت إليها.

                (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
                هجرة إلى الله، ما جعل الهجرة إلى مكان، لم يحدد مكانًا، قال (مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) وهل ربي سبحانه وتعالى يُهاجر إليه؟ وهل رسوله صلى الله عليه وسلم يُهاجر إليه؟ تدبروا وفي آية أخرى على لسان إبراهيم عليه السلام قال (إني مهاجر إلى ربي) هجرة إلى الله هجرة بأن يترك الإنسان ذلك العجز والتخاذل وعدم القدرة على القيام بأمره سبحانه إلى مكان يستطيع أن يقوم بما أمر به الله سبحانه وتعالى مهاجرا إلى الله ورسوله.

                (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ)

                لم يحقق شيئا بعد، في الطريق أدركه الموت،
                (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وهنيئا لمن وقع أجره على الله. (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) آية عظيمة توقظ الإنسان الذي غفل ونام عن هذه الحقائق العظيمة التي جاءت في كتاب الله سبحانه.

                تعليق


                • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                  اهمية الصلاة



                  (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)
                  لماذا الصلاة؟
                  إقامة شعائر الله. كم من القصص والوقائع الحقيقية التي أثبتها أصحابها من المسلمين عن مسلمين أفراد يقفون في بعض الأماكن في البلدان التي هاجروا أو أقاموا فيها في الغرب لإقامة شعيرة الصلاة وإذا بهؤلاء القوم من حولهم يتوافدون عليهم يسألون ما هي هذه الحركات؟ قيام قعود سجود؟كيف أيها الإنسان تضع جبهتك على الأرض؟ ماذا تفعل؟ ولماذا تفعل؟

                  فكانت بابًا عظيمًا من أبواب الدعوة إلى الله سبحانه. الصلاة العظيمة، إقامة الشعائر، الصلاة بمعناها العظيم وغاياتها العظيمة التي جاءت هنا في سورة النساء لا لأجل أن تقام وراء أبواب مغلقة لا أحد يراها ولا ينظر إليها، الصلاة أريد لها أن تكون ظاهرة واضحة هنا في هذا المقام تحديدا، الكلام هنا عن صلاة الخوف في ساحات القتال لأن الإنسان المؤمن مطالب أن يقيم هذه الشعيرة العظيمة يريها للناس ليس من باب الرياء والمرآءاة وإنما من باب إظهار عظمة هذه الشعيرة ومدى تمسك هذا الإنسان المؤمن بقيمتها وحقيقتها في كل الأحوال في الأمن كما في الخوف في القيام كما في القعود في السفر كما في الإقامة، تدبروا هذه المعاني العظيمة.

                  ثم قال
                  (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ
                  فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)
                  إقامة الصلاة في الأمن كما في الخوف، الحرص الشديد على الصلاة، ولماذا الصلاة وموضع الحديث عن الصلاة في أثناء الكلام عن القتال والهجرة والقيم وحماية القيم؟ الصلاة هي تلك المحطة العظيمة التي يتزود بها المؤمن فردا أو جماعة، رحلة الحياة رحلة شاقة، رحلة القتال رحلة شاقة، رحلة الهجرة رحلة صعبة والطريق وعر يحتاج إلى زاد يحتاج إلى محطات نتوقف فيها وعندها وأيّ محطة أعظم من محطة الصلاة حيث يحط المؤمن رحاله على أبواب الصلاة، على أبواب المساجد والأرض كل الأرض جعلت لنا مسجدًا وطهورا يحط رحاله لأجل أن يقف على الباب يسأل مولاه يسأل خالقه القوة (إياك نعبد وإياك نستعين) أنا أتحرك في الأرض وأضرب فيها يمينا وشمالا في سبيلك مستعينا بقدرتك، أنا عاجز ولكن استعانتي بحولك وقوتك يجعلني قويًا، أنا ضعيف كإنسان ولكن استعانتي بحولك وقوتك وتبرؤي من حولي وقوتي يقويني يعيد لي الحياة، أنا فقير ولكن استمدادي وطلبي للعون والغنى بك يغنيني ويحييني ويصرف عني كل الشرور والأوهام والعقبات التي تعترضني في طريق الحياة، الصلاة، ولذلك جاء الحديث عن الصلاة
                  (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا).


                  (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ)
                  تدبروا الترابط والتناسب: بعيدًا عن الضعف والوهن يكون المؤمن بإقامة الصلاة، الصلاة تقويك، الصلاة تمنحك القدرة على مواصلة الطريق، الصلاة تمنحك الثبات على القيم وحمايتها والسير وفق المنهج العظيم الذي أراده الله سبحانه أن يكون واقعا ولذلك جاء الحديث هنا عن القرآن
                  (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴿١٠٥﴾)
                  تدبروا هنا جاء الحديث عن الخيانة لأن حركة الإنسان المؤمن في الحياة حركة محكومة بحماية الأمانة ومنازلة الخائنين ومخاصمة المعتدين أولئك الذين يعيثون في الأرض فسادا، بدحر القيم الحقيقية التي جاء القرآن بتثبيتها وبنائها الحرية، العدالة والمساواة هؤلاء لا تكن للخائنين خصيما. تدبروا الآيات كل الآيات التي جاءت فيما بعد تتحدث عن هذه القضية في خضم الحديث عن الصلاة.

                  (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿١١٠﴾)
                  التوبة، العودة، الرجوع لله سبحانه وتعالى، باب التوبة المفتوح هذه هي القيم التي تُبنى بها مناهج الدنيا وتبنى بها الكرامة الإنسانية وتبنى بها قيمة الحياة الإسانية على وجه الأرض وهذا ما أراده القرآن.

                  تعليق


                  • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                    الإيمان ليس بالتمني
                    ولكنه ما وقر في القلب وصدّقه العمل




                    (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )

                    (أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)
                    قيم اجتماعية، قيم تحقق العدالة الإجتماعية وتحفظ الكرامة الإنسانية هذا هو المنهج الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يحقق في الواقع أما أولئك الذين يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ويريدون أن يقيموا ويدافعوا عن قيم تعاكس ذلك المنهج وتخالفه فهنا يقول الله سبحانه وتعالى
                    (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
                    هذا هو السبيل، هذا هو المنهج. وما الذي يحول بين الإنسان وبين القيام بمنهج الحق في واقعه؟ جانب منها قضية الشيطان اتباع أهواء النفوس والمنهج الشيطاني ولذلك جاء الحديث هنا عن الشيطان
                    (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا )

                    صراع بين القيم العظيمة التي جاءت في القرآن وأراد الله سبحانه وتعالى أن تحقق في الأرض وتقام وبين أهل الباطل على الناصية الأخرى الذين تحركهم أهواؤهم ويحركهم هذا المنهج الشيطاني
                    (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)
                    هذه النهاية المحتومة.


                    (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ)
                    الإيمان ليس بالتمني ولكنه ما وقر في القلب وصدّقه العمل
                    (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)
                    إذن هو العمل،
                    (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
                    وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا )
                    الإيمان ليس أماني، كثير من الناس اليوم يقول أنا أتمنى أن يكون بيدي أن أنصر الحق والعدل والحرية والمساواة، أتألم، الإيمان ليس بالتمني، الإيمان (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) هذا هو الإيمان. أما أن لا أعمل وأبقى أتكل على ذلك الإيمان الضعيف في النفس الذي لا يحقق منهجًا ولا يصلح فسادا ولا يوقِف ظلما ولا عدوانا ولا يحمي إنسانًا ولا ضعيفًا ولا ينصر مظلوما ولا رجلا ولا امرأة ولا ولدًا ولا يدافع عن عرض هذا ليس بإيمان!!
                    ولذلك جاءت الآية
                    (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)
                    آيات عظيمة والتناسب بينها واضح، أسلم وجهه أسلم حياته أسلم قياد أمره لله وحده لا شريك له ثم اتباع اتبع ملة إبراهيم حنيفا.ثم قال
                    (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا )
                    كل شيء بأمر الله، هذا العالم، الأرض، السماء، الملك كل شيء بأمره وملكه. فإذن منهج من ينبغي أن تتبع في حياتك؟! منهج الله المالك الذي يملك كل شيء أم منهج الإنسان الضعيف العبد الذي يشابهك في الإنسانية وفي العبودية وفي الخضوع لله الواحد الأحد؟ منهج من أولى بالاتباع؟!

                    تعليق


                    • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                      وَالصُّلْحُ خَيْرٌ



                      الشح أعمق وأشد من البخل، البخل مجرد ‏أن يمسك الإنسان بما يمتلك

                      الشح أعمق يبخل مع الحرص الشديد وأحيانًا قد يمسك بشيء لا يضره إذا أعطاه أو قدّم ذلك الشيء لشخص آخر ‏ولذلك هو أعمق، الشح إذا وجد في الأسرة ذهبت معه الأسرة بكل تأكيد، تفككت الأسرة ولذلك العلاقات الأسرية والحفاظ عليها من قبل الرجل ‏والمرأة وكذلك من قبل الدائرة الأوسع دائرة الأقارب تحتاج إلى أن يتخلص الإنسان من داء الشحّ
                      (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ ‏الْمُفْلِحُونَ)
                      فائزون. ولذلك قرر القرآن في هذه الآية
                      (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا ‏صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (128))
                      تدبروا هذه القاعدة العظيمة: كل العلاقات الأسرية كل العلاقات الإجتماعية كل العلاقات الإنسانية إدامة والمحافظة على ‏العلاقة عن طريق الصلح هو خير دائما خير من قطع الوشائج، خير من قطع العلاقات، العلاقات المفككة لا يمكن أن يستيقظ ‏بها مجتمع أو أمة، لا يمكن أن يقوى المجتمع بوجود علاقات مجتمعية مفككة مفرّقة ولأجل أن لا تتفكك هذه العلاقات نحن ‏بحاجة إلى علاج الصلح (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ). وقضية الصلح تحتاج إلى أن يتخلص الإنسان من شح نفسه لأن كل المصالحات تحتاج ‏منا لا نقول إلى تنازلات أو تضحيات نحن ناقشنا في مرة سابقة أن الصلح لا يمكن أن يكون تنازلًا ولا يمكن أن يكون ‏تضحية حتى استعمال اللفظة أنك تنزل عن شيء بينما أنت حين تصطلح مع غيرك أنت لا تنزل وإنما ترتفع وترتقي، ترتفع بنفسك على شحّها ‏وتتخلص من ذلك المرض الذي إذا جاء وتولد في النفس واستشرى فيها حرمها من خير كثير من عند الله عز وجل. ‏
                      ولذلك ربي عز وجلّ بعد هذه الآية (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) قال
                      (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ)
                      الحديث هنا عن يوم القيامة يحضرها ربي عز ‏وجلّ لا تخفى عليه خافية. الإنسان في كثير من الأحيان يتوهم أن الصلح يعني التنازل أن الصلح يعني الضعف يعني التضحية يعني أن ‏يتنازل الإنسان ويتراجع عن موقف أو يخسر نقطة لصالح الطرف الآخر الذي يريد أن يبني معه الصلح والقرآن يحطم هذا المفهوم ‏تماماً ويعطينا درجة عالية للإصلاح بقوله سبحانه
                      (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
                      الصلح رقيّ، الصلح ‏ارتقاء، الصلح إحسان، الصلح تقوى، لا تأتي به إلا تلك النفوس الراقية التي لا تريد جزاء ولا تنتظر شكورا من الناس. الناس التي لا تنتظر الشكر من الناس النفوس المتعلقة بخالقها عز ‏وجل المدركة أن الله سبحانه خبير بخبايا النفوس


                      ولذا جاء الحديث مباشرة بعد هذه الآية
                      (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ ‏النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ (129)) الكلام مرة أخرى عن قضية التعدد لأن الطبيعي والواضح أن الرجل حين يعرض عن المرأة ‏ويزهد في استمرار العلاقة الزوجية معها فسيبحث له عن أخرى ولذلك جاءت هذه الآية
                      (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ‏وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129))
                      الصلح المبني على تقوى الله عز وجلّ، الصلح الذي لا يخشى الإنسان ‏فيه من أحد يخشى الله سبحانه وتعالى فقط، الصلح الذي يؤسسه في داخل بيته وأسرته، الصلح الذي يحافظ فيه على العشرة ‏بالمعروف، الصلح الذي لا يجعل العلاقات الزوجية والأُسرية رهينة بعواطف أو مشاعر أو بأمزجة أو بأهواء،وقد قلنا في السابق لا تؤسس ‏على المشاعر والعواطف فحسب



                      اليوم نحن نلاحظ أن نسبة الطلاق وخاصة في الزيجات بين الشباب بين أبنائنا وبناتنا نسب ‏مرتفعة نسب مخيفة نسب تنذر فعلًا بأن هناك خللاً حقيقياً يدكّ أبواب الأسر والبيوت إذا حدث هذا الخلل وهذا التصدع في كيان الأسرة فماذا بقي في المجتمع؟! وماذا بقي في الأمة؟! وماذا بقي لنا نحن اليوم كمسليمن لأجل أن نقدمه إلى العالم؟! نحن بحاجة إلى هذا الخلق ‏الرفيع، بمعنى آخر أن يدرك الإنسان وهو مقبل على مشروع الزواج عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه هذه المسؤولية التي لا يمكن أن تتولد إلا على عين التقوى والإصلاح والإحسان والشعور بأن الله سبحانه وتعالى خبير محيط لطيف غفور رحيم وبالتالي هنا تنشأ الأجواء المناسبة جدًا لقيام الأسرة.‏

                      تعليق


                      • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                        الطلاق ليس النهاية




                        (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا ‏يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130))

                        الزواج ليس عقداً أبدياً، إذا استفحلت الخلافات في الأسرة وفي البيت المسام وما عاد هناك مجال بين الزوجين رغم ‏حرصهما على الاستمرار في العلاقة الزوجية أن يكون هناك استمرار فهل يغلق الباب؟ هل توصد الأبواب؟ ويصبح الشعار السائد في الأسرة التعاسة والخلافات التي لا تنتهي والصراعات والشقاق؟
                        لا، لأن كذلك هذا النوع من الأجواء أجواء غير صالحة لتربية أبناء ولو فرضنا لم يكن هناك أبناء فهل من قدر الزوج والزوجة أن يبقيا في هذه التعاسة الأبدية بدون مجال للخلاص؟!


                        الزواج في القرآن ليس سجناً أبدًا، ليس عقوبة ولذلك جاءت هذه الآية العظيمة (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) الحياة الإنسانية لا تنتهي أبداً مع نهاية علاقة إنسانية، نحن نحرص على هذه العلاقات ونحرص على استمراريتها وديموميتها ولكن إن قدّر الله سبحانه وتعالى أمرا آخر وسارت الأمور على خلاف ذلك فلا ينبغي للحياة أن تتوقف ولا ينبغي للإنسان أن يحكم على نفسه وعلى غيره بالتعاسة الأبدية أبداً، هنا تأتي عملية إنهاء العلاقة الزوجية.

                        (وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)
                        الله سبحانه وتعالى يغني كِلا الطرفين لأن إنهاء العلاقة ‏الزوجية لا يعني النزاع ولا الصراع ولا الاقتتال والمخاصمة التي لا تكون في صالح أيّ أحد من الأطراف
                        (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229) البقرة)
                        هذا هو القرآن.‏

                        ومرة أخرى جاءت الآية بقوله عز وجلّ
                        (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (131))
                        ليعلّق القلب البشري بخالقه سبحانه وتعالى ليشعر القلب البشري بغناه عن البشر. عدد من النساء وربما حتى من الرجال يستمرون في علاقات زوجية وأسرية وهم يدركون تماماً أنها علاقات ‏ميؤوس منها تماماً لا مجال للصلاح، ولكن الذي يدفعهم على الاستمرار فيها القضية المادية الحرص على قضية المعيشة وما ‏شابه وهو أمر لا بد للإنسان أن يهتم به لكن عليه تماماً أن يدرك بأن كل هذه الأمور إنما هي أسباب وعليه أن يبقى دائمًا معلق القلب بمسبّب الأسباب الذي له ملك السماوات والأرض. ولذلك جاء الحديث في نفس الآية
                        (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ)
                        الوصية الخالدة العظيمة
                        (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
                        وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا
                        )
                        ومرة ثانية
                        (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132))

                        تدبروا كم مرة في هذا الجزء فقط من الآيات وردت (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) ليحرّر النفس من الشحّ يحرر النفس من الخضوع للآخرين لتوهم أن الآخرين يمتلكون لأنفسهم أو لنا نحن نفعاً أو ضراً إلا ما شاء الله. الأمر كله لله والتقوى هي المفتاح الحقيقي الذي يوصل الإنسان إلى الغنى فكلما زاد المرء تقوى لله سبحانه وتعالى ومراقبة لأمره ونهيه زاده الله غنى، غنى ليس بالضرورة فقط أن يكون غنى ماديًا، غنى النفس الشعور بالغنى، الشعور بالاستغناء عن الخلق، الخلق الشعور بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي ‏يعطي وليس البشر والبشر في نهاية الأمر إنما هم أسباب يسخرها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء
                        ولذلك جاءت الآيات بعد ذلك
                        (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ (133))
                        أصبح الخطاب للناس
                        (وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا)
                        ليخلّص النفوس من التعلق بالناس، من ذاك التعلق الذي يدفع الإنسان أحياناً إلى الخضوع للبشر الذي لا ينبغي أن يكون إلا لله وحده لا شريك له، هذا من تمام الإيمان، الخضوع الذي يعقبه الاستسلام في المنهج، السير على المنهج القرآني العظيم الذي جاء القرآن بترسيخه لا يمكن أن يكون هذا الخضوع إلا حين يستسلم القلب لله سبحانه وتعالى استسلاماً مطلقاً خالصاً يسلم معه التوحيد من النظر إلى أيّ أحد من البشر أو إلى أيّ أحد من الخلق


                        تعليق


                        • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                          كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ




                          (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ (134))

                          أنت تريد الدنيا وحتى لو كنت تريد الدنيا وتسعى إليها عليك أن تدرك أن ‏الدنيا والآخرة بيد الله ليست بيد أحد من خلقه. إذا استقرت هذه المعاني في النفس هنا فقط يأتي ذلك الأمر العظيم
                          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ‏شُهَدَاءَ لِلَّهِ (135))

                          ولن يتحقق ذلك القيام بالعدل سواء كان في الفرد في نفسه أو في الأسرة في البيت كما تكلم عنها القرآن في الآيات قبل قليل أو في المجتمع أو في المال أو في اليتامى أو في النساء أو في الزواج أو مع الآخرين أو في الحكم على الناس لن يحدث ‏إلا إذا استقرت هذه المعاني في النفوس الإيمان بالله سبحانه الإيمان بعظمته، الإيمان بقدرته، الإيمان بأنه الواحد الأحد الذي ‏ينبغي أن يُتّبع ويطاع فيما يأمر فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) تشريفاً وتكريماً (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) وهو في آيات سابقة في بدايات سورة النساء قال (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (34)) تدبروا كيف تفسر الآيات بعضها بعضاً.

                          قوَّامون بأيّ شيء؟
                          كثير من ‏المسلمين – نتيجة للفارق الكبير الذي أصبح بيننا وبين كتاب الله عز وجلّ – يقفون عند الآية (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) ويسكت ويعتبر القوامة درجة وهي كذلك ولكن هي تكليف هي مسؤولية هي ‏أمانة في نفس السورة يأتي تفسير هذه القوامة بكل أشكالها، قوامة الرجل على زوجته في كيان الأسرة أو قوامة الإنسان المؤمن على نفسه وعلى الآخرين في المجتمع وفي العالم.

                          (قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)
                          كيف تكون قواماً؟
                          عليك أن تقوم قوامًا بالقسط، (شهداء لله) في قيامك بمسؤولياتك بها بالعدل والإنصاف والتعامل إنما أنت تفعله لا لأجل أحد وإنما لأجل أنك تشهد بهذا القيام لله ‏سبحانه وتعالى وحده. وكيف تتكون تلك الشهادة لله؟ بالآيات التي كانت قبل كم من مرة في هذه الآيات ربي عز وجلّ يقول (وَلِلَّهِ مَا فِي ‏السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وكم من الصفات ذكرها سبحانه: محيط، غفور، رحيم، حكيم، خبير، عليم، بصير، سميع، واسع، غني، قدير، حميد، تدبروا في مقطع واحد كم من الصفات ذكرها سبحانه، لماذا؟ ليؤسس معنى أن يكون الإنسان شهيداً لله سبحانه وتعالى، شاهداً له. كيف يكون ذلك والآيات في بدايات السورة
                          (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ ‏شَهِيدًا (41))؟
                          بهذه المعاني العظيمة: أن يترسخ في القلب ويستقر ذلك الإيمان بأسماء الله وصفاته وقدرته وسعة ملكه وقدرته التي لا يحدّها شيء، حينها تستقر المعاني فيقوم الإنسان بالعدل ويتحرر من الخوف.

                          الإنسان لماذا يظلم؟
                          وقديماً وقد قيل لا يأتي بالظلم الا الإنسان الضعيف المهزوز المهزوم داخلياً لأنه إنسان خائف، الظلم لا يحدث إلا حين يخاف الإنسان، والعدل لا يحدث ولا يتحقق إلا حين يتحرر الإنسان من الخوف من كل أحد ومن كل شيء إلا الله عز وجلّ ولذلك جاءت الآية في موضعها تماماً
                          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ
                          وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)

                          تدبروا، درجة عالية، أمر عظيم، لا يمكن أن يأتيه إلا إنسان له رصيد عالي من الإيمان بالله سبحانه وتعالى كما أسسته سورة النساء العظيمة.‏


                          وقال في نفس الآية، القرآن هكذا: يقّدم الأمر، يأمر بالأمر، يقدّم العلاج ومع تقديمه للعلاج يقف بالإنسان على الداء أو على السبب الذي يمكن أن يحول بينه وبين أخذه لذلك العلاج، قال
                          (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا)
                          تدبروا، إذن ما الذي يدفعني إلى عدم العدل؟
                          سواء كان في العلاقات الزوجية أو في العلاقات المالية أو في العلاقات الاجتماعية أو في كل شيء؟
                          اتباع الهوى. (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ ‏تَعْدِلُوا) الذي يمنع الإنسان من العدل اتباع الهوى وما من عدو أخطر على الإنسان من هوى نفسه، اتباع المزاج الذي يوهم الإنسان فعلا بأنه يريد مصلحة ذاته وهو في واقع الأمر أعماه الهوى فأصبح يرى الصالح ضاراً غير نافع ويرى الشيء الضار وكأن فيه الصلاح.‏


                          ولذلك الله عز وجلّ في الآية التي بعدها وصف علاج قضية اتباع الهوى. الهوى داء خطير يورِد الإنسان المهالك في الدنيا ‏وفي الآخرة، يحطم كل العلاقات وإلا فبالله عليكم ما الذي يفسد العلاقات الاجتماعية ولا يدفع الناس لأن يصطلحوا فيما ‏بينهم كإخوة وكأقارب وأولاد عم وأزواج وزوجات وأنساب؟ ما الذي يدفع بهم إلى عدم التصالح؟ غير اتباع الهوى؟ يورد الإنسان فعلا التهلكة في الدنيا والآخرة ‏ما هو العلاج؟
                          قال الله عز وجلّ
                          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ ‏مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136))
                          الإيمان بهذا الكتاب العظيم، هذا الكتاب هو الذي يعيد الإنسان إلى رشده يعيده إلى جادة الصواب، يعيده إلى الطريق الحق ينقذه من الظلمات، يخرجهم من الظلمات إلى النور، هو ‏هذا الكتاب هذا عمل هذا الكتاب هذه قدرات هذا الكتاب العظيم أنزله الله هدى ونور وشفاء ليُخرج الناس به من الظلمات إلى ‏النور. ‏




                          تعليق


                          • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                            النفاق مرض خطير وشر مستطير



                            (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ ‏مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136))
                            الإيمان بهذا الكتاب العظيم، هذا الكتاب هو الذي يعيد الإنسان إلى رشده يعيده إلى جادة الصواب، يعيده إلى الطريق الحق ينقذه من الظلمات، يخرجهم من الظلمات إلى النور



                            (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138))
                            لماذا الحديث هنا عن النفاق؟
                            التناسب واضح، طلب مني الإيمان فماذا بعد الإيمان إلا الكفر والضلال والنفاق؟ الذي قد تهيأ للإنسان أنه حلّ وسط يقول آمن بلسانه ولا يؤمن بلقلبه والقرآن لا يقبل بأنصاف الحلولّ هذا ليس حلًا، هذا إشكال كبير، ولذلك توهم المنافقون في المدينة أنهم فعلًا ينقذوا أنفسهم بهذه ‏الطريقة يؤمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار ويكفروا آخره، هذا التذبذب والتزعزع لا يكون في صالح المنافق ولا ‏أسرة المنافق ولا المجتمع ولا أيّ أحد، القرآن يريد إيماناً حقيقياً يريد إيمانًأ واضحاً يستقر في القلب فيفيض على الإنسان في واقعه وحياته أدباً وسلوكاً وعدلاً وصلاحاً ونهياً عن الفساد والمنكر.‏


                            ثم بعد ذلك عرضت الآيات جملة من التصرفات والسلوكيات التي يقوم بها المنافقون في المجتمع وتحديداً كمثال في المجتمع الأول ‏المجتمع المدني لأن أوجه النفاق وصور النفاق صحيح حسب الوضع التاريخي يمكن أن قد تختلف بعض الشيء في أشكالها وصورها لكنها في حقائقها واحدة لا تتغير، والقرآن ‏العظيم لو تدبرنا فيه لوجدنا أنه يأتي بالحديث عن المنافقين في مواضع كثيرة حتى خصص سورة كاملة للحديث عن هذه الفئة في المجتمع لخطورتها على المجتمع وعلى الأسرة وعلى القيم العظيمة التي جاء القرآن بتأسيسها لأن الإنسان المنافق إنسان غير ‏واضح إنسان يتبنى المخادعة ولذلك قال سبحانه وتعالى
                            (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى)
                            لماذا؟
                            (يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلً (142))



                            هنا القرآن يعالج قضية النفاق من جذورها، لماذا يحدث النفاق؟
                            لأن الإنسان حين ‏ينافق فإنما هو ينظر إلى الناس ويرائي الناس ويسعى إلى رضا الناس والله سبحانه وتعالى يريد من الإنسان المؤمن الذي استقر الإيمان في ‏نفسه وفي قلبه أن يُسقط الخلق من حساباته، بمعنى آخر أن يسقط النظر إلى رضى الناس أو عدم رضاهم في سلوكه ومنهجه ‏في الحياة، هو يمشي وفق ما أراد الله عز وجل لا وفق ما يريده الناس لا يلبي رغبات الناس وإنما يسير وفق ما أراد الله ‏سبحانه وتعالى ولذلك عاقبة النفاق خطيرة جداً لما تحدثه في المجتمع من تذبذب من ازدواجية من تصور أن الإيمان قول ‏دون عمل وهذا عكس ما يدعو إليه القرآن العظيم تمامًا ولذلك أعطى الله عز وجلّ هذه النهاية الشديدة للمنافقين. ثم قال
                            (إِلَّا الَّذِينَ ‏تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146))
                            الإخلاص، تلك العملة النادرة التي بها تكبر الأعمال وبها يتفاوت الناس في قربهم من الله سبحانه وتعالى وفي جزائهم.‏


                            ثم بعد ذلك الآيات التي جاءت في سورة النساء حدثتنا عن أشكال النفاق، النفاق ليس شكلاً واحداً منه ما يتعلق بالإعتقاد ومنه ما يتعلق ‏بالعمل منه ما يتعلق بالعمل حتى المجتمعي والعلاقات الإجتماعية ومن الأشياء والمسالك التي يحرص عليها ‏المنافقون وأوضحتها الآيات في سور أخرى كما في سورة النور حين جاؤوا بحادثة الإفك وغيرها كثيرة جداً الأمثلة عليها، ‏من صفات النفاق والمنافقين الحرص على إشاعة السوء، الشائعات، الحرص على الأخبار السيئة ونشر كل الأخبار السيئة عن الآخرين ‏في المجتمع ولذلك القرآن في سورة النور على سبيل المثال قال (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا (19) ‏النور)

                            تعليق


                            • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                              نقل الكلام السيئ آفة اجتماعية خطيرة



                              (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ‏ظُلِمَ (148))

                              الجهر بالسوء، إشاعة الأخبار السلبية السيئة الحديث عن الآخرين، الانتقاص منهم، هذه ليست من سمات المجتمع. ولماذا جاءت الآية بهذا الشكل
                              (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)؟
                              المجتمع المسلم مجتمع راقي حتى في أحاديثه وسَمَره، ‏أحاديث السمر حين يتسامر المؤمنون في مجتمع راقي يمشي وفق ما أراد الله له أن يمشي في كتاب الله سبحانه، راقي في ‏حديثه حتى المزاح راقي، راقي حتى في الكلمات التي ينتقيها، راقي في سلوكياته راقي في أدبه راقي في طبيعة المحادثات التي تدور بين ‏الإفراد
                              (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)
                              تدبروا: الحديث السيء لا ينبغي أن يشاع في المجتمعات سمعت حديثاً تفسد ‏كل شيء ليست فقط تفسد العلاقات الاجتماعية في واقع الأمر ولكنها تفسد كذلك المزاج الإنساني والذوق الإنساني الذي ينبغي أن يكون راقياً ‏مهذباً هذّبه القرآن. ‏


                              الكلام على الناس ونحن في زمننا هذا الذي نعيش فيه ملاحظ جدًا انتشرت وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة والخبر الذي ‏كان يأخذ يومًا أو ربما يومين أو أكثر، شهر لأجل أن يصل باعتبار أن وسائل الإتصال ضعيفة في العصور الماضية الآن أصبح ‏في ثواني يمكن أن ينتشر إلى عدد كبير جدًأ من الناس وكلما زاد النشر والانتشار زادت العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك فالجهر ‏بالسوء اليوم قضية خطيرة جداً أفسدت على الناس ليس فقط علاقاتهم أفسدت عليهم القلوب، قلب المؤمن قلب خالص كالمرآة ‏ينبغي أن يبقى نظيفاً طاهراً يعكس معاني الإيمان والتقوى والخوف من الله عز وجل، أما إذا شابته عشرات الشوائب على كل ‏الوسائل المختلفة نشر خبراً وعلى اعتبار وهو اعتبار غير صحيح “ناقل الكفر ليس بكافر” من قال هذا؟
                              ناقل السوء وناقل ‏الخطأ وناقل الفواحش وناقل الشائعات وناقل الأفكار المنحرفة هو مشارك في نقلها، هو لا يمكن أن لا تقع عليه مسؤولية النقل ‏والنشر، أنت مسؤول ومساءل عما تنشر، أنت مشارك في المسؤولية فلننتبه إلى هذه النقطة الخطرة
                              ولذلك ربي عز وجل ‏ختم الله الآية بقوله

                              (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)


                              (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149))
                              قدّم إبداء الخير، وفي الآية التي قبل قال
                              ‏‏(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ)
                              إذن فماذا يحب ربي عز وجل؟
                              يحب أن تُظهر الخير وتستر العيب وتُصلح ذات البين
                              (إِنْ تُبْدُوا ‏خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)
                              والنتيجة هو ذلك الإيمان الذي يعود عليه القرآن العظيم مرة بعد مرة

                              (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا ‏بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150))

                              والسؤال ما وجه التناسب بين هذه الآية والتي قبلها؟
                              واحدة من الوسائل قضية الجهر بالسوء، قضية ‏الكلام الحديث عن هذه الأقوال وهذه الأشياء وهذه الأفكار وهذه الإنحرافات ليس من باب معالجتها وإنما من باب إشاعتها ‏ومن باب نشرها هذه أجزاء من الأشياء التي يمكن أن تُنشر بهذه الطريقة والقرآن العظيم يريد إيماناً مرتبطاً بسلوكيات راقية في المجتمع هذا الإيمان هو الذي يأتي بذلك الخير الذي أسس له القرآن.‏

                              تعليق


                              • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                لماذا القرآن يفصل في آيات الميراث؟




                                الآية الأولى من سورة النساء قال تعالى
                                (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ (1))
                                والآيات الأخيرة
                                (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ ‏رَبِّكُمْ)
                                لا يمكن للتقوى أن تتحقق بعيداً عن هذا البرهان العظيم،
                                لا يمكن للتقوى أن تتحقق بعيداً عن القرآن العظيم
                                (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ‏نُورًا مُبِينًا) (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ (175))
                                هو ما نحتاج إليه التمسك، وكلمة اعتصام هي أكثر من كلمة التمسك، يعتصم بالشيء يلجأ إليه لكي يعصمه من شيء، يحميه ويكفيه، يعصمه من أيّ شيء؟ يعصمه من كل أشكال التخبط والشرور التي تعرض له في الطريق إذا كان بعيداً عن كتاب الله سبحانه وتعالى.

                                (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)
                                يدخلهم في رحمة منه وفضل ليس فقط في الآخرة في الدنيا قبل الآخرة لا مجال لسعادة البشرية بعيداً عن هذا الكتاب العظيم، لا مجال، هكذا هو ‏القرآن. ‏والملفت للنظر أن الله سبحانه وتعالى آخر آية في سورة النساء

                                وبعد هذه الآيات قال
                                (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)
                                ‏قضية الميراث لشخص ليس له ولد وله أخت، قضية ميراث، تقسيم أموال.
                                لماذا تقسيم أموال بعد الحديث عن الكتاب أنه برهان والاعتصام به ليؤكد القرآن العظيم أن قضية الاعتصام بكتاب الله عز وجل والرجوع إليه ليست قضية شكلية وإنما هي تطبيق في كل جزئيات الحياة، في المال، في الاقتصاد، في الأعمال، في الحياة، في القليل، في الكثير، في كل شيء. ‏هذه الجزئيات المفصلة هذا تفصيل في آيات الميراث،
                                لماذا القرآن يفصل في آيات الميراث؟

                                القرآن يفصل في آيات الميراث لأنها ليست آيات خاضعة ‏لتاريخية معينة ولا لسياقات تاريخية ولذلك هي غير قابلة للتبدل نتيجة لتبدل ظروف الإنسان وحياته ومعيشته وأوضاعه ‏الاقتصادية، بعض الأشخاص يقول لك اليوم على سبيل المثال (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فقالوا لا، الآن المرأة تغيرت أوضاعها ‏الاقتصادية أصبحت كالرجل، وبالتالي الميراث ينبغي أن يوزّع بالتساوي! من الذي يفرض المنهج؟
                                تفرضه أهواؤنا وحساباتنا المتقلبة وأمزجتنا المختلفة المتباينة وأوضاعنا المعيشية والاقتصادية المختلفة من مكان لآخر أم الذي يفرضه من خلق الذكر والأنثى؟
                                ولذلك قال
                                (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
                                أنت كبشر تعلم شيئًا ولا تعلم آخر ولكن الله هو الذي بكل شيء عليم وعملية التنصيف هي ليست، نحن لسنا في معركة، وإنما نحن في مجال تشريع وفهم لمعاني التشريع ‏ومحاولة لتفهم مقاصده وحكمه وربما نلم بشيء ونغفل عن شيء آخر. القرآن أراد للناس أن يصححوا أوضاعهم ‏الإجتماعية وفق منهجه لا أن يُخضع منهج القرآن لأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وما شابه. صحح أوضاعك، قضية تقسيم الميراث قضية تتعلق بالوظائف قضية تتعلق بالأدوار التي ينبغي أن يقوم بها الفرد الرجل والمرأة قضية لا تخضع للحسابات ‏البشرية التي يتعامل بها الناس اليوم. ‏

                                بعض الرجال وبعض الإخوة يحرمون الأخوات من الميراث ويحرمون الأمهات ويفعلون كذا وكذا،
                                قلنا في مرات سابقة ونقول:
                                أنت لا تقيس المنهج وفق ما يمارَس به في واقعك
                                وإنما ‏أنت عليك فعلًا أن تعدّل تلك الممارسات هذا واجبنا كأفراد،
                                ولذلك ربي أوكل لي مهمة قال
                                (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ ‏بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ (135))
                                وإلا فما معنى قيامنا بالقسط؟!

                                أنا مطلوب مني أن أصحح وأعدل في تلك الممارسات حتى تصبح وفق ما ‏أراد ربي عز وجل في هذا المنهج العظيم، أن تُصَّحح العلاقات الفردية والاجتماعية أن يصبح من جديد الأخ يستشعر مسؤولية تجاه أخته مهما كانت سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، المسألة ليست مسألة أموال، المسألة مسألة مشاعر، ‏أحاسيس، مسؤولية. وجود الرجل سواء كان أب أو أخ أو زوج أو عمّ أو خال في حياة المرأة لا يشكل نوعاً من القهر أو الوصاية كما يهيؤ للبعض ولا حماية المسألة ليست خوف أو حماية وضعف وقوة، لا، منظومة لعلاقات إجتماعية إنسانية إذا فسدت فسد معها كل شيء كما هو حاصل اليوم، اليوم هناك العديد من المجتمعات لا أقول فقط في الغرب وإنما أتكلم عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تعاني تفكك في العلاقات انفصام، تمزّق في العلاقات في الأسرة الواحدة هذا ما لا يريده القرآن، القرآن يريد أن يعيد الأمور في حياة الفرد والأسرة والمجتمع إلى نصابها إلى وضعها السليم ولن يتحقق ذلك بعيدًا عن ‏المنهج.‏

                                سورة النساء العظيمة التي بدأت بالوصية بالتقوى وختمت بالحديث عن
                                (قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ)
                                تؤكد كل هذه المعاني والقيم، تؤكد هذه الرسالة التي ينبغي أن نقوم بها جميعا كل حسب ما هيأ الله له من أسباب، قوامين بالقسط، قوامين بتلك القيم، ‏حريصين على نشرها، محاولين كل ما في وسعنا لأجل أن نعيدها من جديد إلى الواقع وإلى السلوك وإلى الحياة. ‏ولذلك لا عجب أن تكون أول آية في السورة التي تليها رغم الفارق الزمني في النزول سورة المائدة
                                (يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) المائدة)
                                هذه القيم هي أشكال من العقود والعهود والمواثيق بيننا وبين خالقنا عز وجلّ الذي رضينا به رباً ورضينا بكتابه كتاباً منزّلًا ورضينا بنبيه صلى الله عليه وسلم نبيًّا رسولاً وناصحاً لهذه ‏الأمة وشهيداً عليها.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X