إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة بعنوان : روائع البيان لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ)
    الآن حين تنفق وحين تعطي وتقدم ما لديك في سبيل الله أنت لا تنفق بعملية آلية، أنت تنفق بناء على حقيقة راسخة على يقين، اليقين بأن المال الذي تملك إنما من ملّكك إياه هو الله سبحانه وتعالى، أن المال سبب ومسبب الأسباب هو الذي أمرك بالبذل والعطاء فحين تبذل السبب في سبيل مسبب الأسباب سيجعل مسبب السباب لك أسبابًا لإغنائك وإثرائك وإبدالك وإعطائك ومجازاتك، يقين. ما اصبحت منظومة الإنفاق في سبيل الله غير مفهومة، لا، مبنية على يقين مبنية على أن ما اقدمه وما ابذله في سبيل الله سيعود عليّ بأضعاف مضاعفة لأن الذي سأبذل في سبيله هو الذي يمتلكها وهو القادر على مضاعفتها وهو القادر على محقها وإزالتها وهو المسبب الأساس الذي وهب وأعطى. تأملوا في صدى الإيمان واليقين حين يظهر في السلوك
    (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
    مضاعفة الأجر والثواب لأن بيده أسباب كل شيء هو الله سبحانه وتعالى واسع عليم، صفات. إيماني بصفاة الله عز وجل انعكست على بذلي انعكست على عطائي انعكست على قدرتي على التخلص من الشح والوقاية منه باليقين، استلت من قلبي جذور الشح وتصور أن ما في يدي من مال هو ملك لي وأني حين أُنفق وحين أُعطي إنما ينقص مالي، المال لا ينقص بالصدقة، المال لا ينقص، المال يضاعف أضعافًا مضاعفة على قدر ما في قلبك من اليقين بأن الله سيضاعف، على قدر ما بقلبك من اليقين بأن الله قادر وأنه سيضاعف. وتأملوا في كيفية رسم معالم منهج ومنظومة الإنفاق في سورة البقرة، لا يكفي فقط أن تعطي مالًا أو تنفق مما لديك، لا، هناك آداب روحية، هناك أخلاقيات، هناك مشاعر ينبغي أن تًصقل وتسمو وترتقي، الإنفاق ليس لأجل الفقير وحسب الإنفاق أولًا وابتداءً لأجلك أنت يا من تبذل وتعطي وتقدّم. الإنفاق يأخذ من نفسك شوائبها وكدرها، الإنفاق يبرئ نفسك




    (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)
    سبيل الرب الذي آمنوا به
    (ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
    عيب على الإنسان الذي يؤمن أن المال مال الله عز وجل وأن العطاء من عنده أن يُتبع ما ينفق بالمنّ على أحد وإظهار المنّة على ذاك الفقير أو ذاك الذي أُعطي المال، هذا لا يصح على المؤمن الذي عمُر قلبه بالإيمان واليقين بالله واستشعر حقًا وصدقًا أن المال ليس مالًا له وليس ملكًا خالصًا له وأن الملك الحقيقي لله الواحد القهار المال ليس لك، المال لله وإنما أنت قد خولك ربي بالتصرف فيه فانظر كيف تتصرف فيه،

    ثم تستمر الآيات في نفس المنظومة لتهذّب نفس المؤمن وتجعل الفعل والسلوك مرآءة صادقة تعكس صفاء الإيمان ونقاوة اليقين الذي قد استقرّ في قلبك
    (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)
    لا يخالج فكرك أبدًا ولا يخالج مشاعرك في لحظة من اللحظات أنك حين تنفق أنت صاحب الفضل والعطاء أبدًا، فالقول المعروف والكلمة الطيبة صدقة (وقولوا للناس حُسنا) هذا ما بنته تعاليم المنهج الرباني في سورة البقرة (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى) العطاء ليس في حجمه المادي، العطاء ليس في الحجم الذي تعطيه، العطاء الحقيقي في حجم الأثر الحسن والفعل الذي يتركه ذلك العطاء فهب أنك أعطيت أحدًا من الناس ألف دينار ولكنك تركت في نفسه أثرًا سيئًا بكلمة جارحة أو بمنّ أو أذى ويأتي شخص آخر فيعطي دينارًا واحدًا بكلمة حسنة بوجه طلق سمح بشوش يُدخل السرور على نفس ذلك المحتاج، ايهما أحسن؟ ايهما أجدى نفعًا؟ أيهما أطيب أثرًا؟



    تعليق


    • #62
      رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

      جزاكم الله خير الجزاء
      ولنحتسب ادخال السرور على قلب الفقير ففى الحديث
      ((أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ....))الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة
      اللهم ارحم أبى وأمى وأسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة
      اللهم اعتق رقابنا من النار
      يا وهاب هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء

      تعليق


      • #63
        رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

        (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى)
        وتأتي بالأمثال الواقعية الحقيقية، المنّ والأذى يُبطل الصدقة، يبطل معنى الصدقة، لا تعد الصدقة لها اثر حتى وإن كانت القيمة المادية لتلك الصدقة كبيرة، الأشياء ليس بقيمتها المادية بل بقيمتها المعنوية التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون فيها.
        وتستمر الآيات بعد ذلك ليأتي التوجيد من جديد

        (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
        وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ)

        أخرِج أحسن ما لديك لأن من أعطاك أحسن ما لديك هو الله سبحانه وتعالى وبقدر يقينك بتلك الحقيقة بقدر ما ستُخرج وتُنفق، لا يمكن للبخيل أن يكون قد وصل اليقين بالله عنده إلى مرحلة أو درجة ويبقى على بخله، مستحيل! اليقين كلما زاد في قلبك كلما ازداد بذلك وعطاؤك وسخاؤك، لا يستقيم الإيمان والبخل أبدًا، لا يستقيم الإيمان والشحّ والشحّ هو البخل إنما هو اتهام لارادة الله وقدرته سبحانه على أن يعطيك على أن يزيدك حين تنفقك، اتهام وسوء أدب مع الله سبحانه وتعالى
        ولذا تأملوا الآية التي تليها

        (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)
        يعدكم الفقر ويصور لك أنك حين تنفق إنما يقل المال وينقص وواقع الأمر أنك حين تنفق يُنفق عليك وأنك حينما تخرج الصدقات من مالك إنما يزداد ذلك المال وينمو ويربو، هذه هي الحقيقة وأن عطاء الله عز وجل لا نهاية له وأن عطاء الله عز وجل لا ينحصر في الأشياء المادية، في الألف والألفين، إنما هو عطاء بكل أشكاله وصوره، الحكمة من عطائه سبحانه، أن تفعل وتتصرف بالطريقة الصحيحة في الموقف المناسب هذا من عطاء الله عز وجل الحكمة من عطائه، الحكمة لا تشترى بالأموال، الحكمة تشترى بيقينك بالله عز وجل بقدرتك بسخائك بإخرج الشح من قلبك ومن نفسك لتصبح إنسانًا معطاء فالمؤمن كالغيث يعطي سخيّ لأنه موقن ويقينه قد وصل بما في يد الله عز وجل أكثر من يقينه بما في يده هو، هذا هو الإيمان الذي تصنعه سورة البقرة، هذا هو الإنفاق الذي تصنعه سورة البقرة.

        وتستمر الآيات
        (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ)
        الصدقة سواء كانت سرّا حين يقتضي الأمر السر أو علانية حين يقتضي الأمر الإعلان وتشجيع الآخرين على البذل والعطاء في كل الأحوال أنت تبذل لله، صحِّح النية، صحح السرّ، أنت تبذل في سبيل الله وكلمة (في سبيل الله) لا بد أن تبقى من أعظم المعالم في منظومة الإنفاق في حياتك، إياك أن تعطي ولو فلسًا واحدًا في غير سبيل الله لأنه سيزول لأنه لا قيمة له أما حين تبذل في سبيل الله فالبذل والعطاء من أعظم الأشياء التي منّ الله سبحانه وتعالى بها عليك.
        ولذا جاءت الآية في قوله
        (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ
        وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)
        ولذلك تستمر الآيات في هذا الجزء من سورة البقرة بإعطاء نماذج لأولئك الذين يستحقون العطاء أكثر من غيرهم أولئك الذين لا يُظهرون للناس الفقر والحاجة والعوز، أولئك الناس الذين قد علت هممهم أولئك الناس أصحاب الكرامة أصحاب الهمة العالية، المؤمن لديه همّة المؤمن لديه كرامة، المؤمن لا يقبل أن يدوس أحد على كرامته ولو بشعرة مقابل حاجة مادية، المؤمن عزيز، جاءت عزة المؤمن من إيمانه بأن الله عزيز حكيم، المؤمن عزيز، نعم قد يكون فقيرًا ولكنه فقير عزيز النفس لا يتذلل ولا يخضع لأحد لا يفتح لى نفسه أبواب المسألة "فمن فتح على نفسه باب مسألة وهو ليس في حاجة إليها فتح الله عليه أبوابًا من الفقر". المؤمن عزيز وعزة المؤمن لا تأتي من فقره ولا من غناه المادي وإنما تأتي من يقينه بالله، تأتي من إيمانه بأن الله قادر على أن يعطيه، تأتي من إيمانه بأن الأرزاق بيد الله عز تأتي من إيمانه بأن العطاء لا يأتي من فلان ولا من علّان العطاء يأتي من الرب الذي يعطي سبحانه وتعالى، المؤمن عزيز والآيات توجه النفوس الكريمة إلى أن تبحث عن أولئك المؤمنين المتعففين الأعزة الذين لا تدفعهم الحاجة إل التذلل والخضوع لأحد، ذاك المؤمن الذي يستحق العطاء فعلًا.
        أولئك الأصناف من البشر الذين يستحقون العطاء وهذا المؤمن الذي ينفق سرًّا وعلانية بالليل والنهار أصبحت عملية الإنفاق عملية متواصلة

        تعليق


        • #64
          رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

          سورة آل عمران




          اليوم نبدأ بثاني الزهراوين، اليوم نبدأ بالسورة التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتعلّمها فقال: "تعلّموا القرآن فإنه شافعٌ يوم القيامة، تعلّموا البقرة وآل عمران، تعلّموا الزهراوين فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صوافّ يحاجّان عن صاحبهما.
          اليوم حديثنا عن سورة آل عمران، حديثنا عن السورة التي فيها آية قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكّر فيها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )".

          سورة آل عمران. هذه السورة العظيمة المقصد الأساس منها أن تثبتني على منهج الحق، على منهج الهداية ولذلك ليس هناك معنى كبير أن يهديني الله سبحانه وتعالى ثم -والعياذ بالله- أنتكس وأزيغ عن طريق الهداية ولكن الخير العظيم أن يهديني ربي سبحانه فأثبت على ذلك الطريق، طريق الحق، طريق الهداية. ولذا هذه السورة العظيمة حوت العديد من الأدعية التي تبيّن معنى التضرع لله عز وجل كما في بدايتها حين يقول المؤمن

          (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب)
          هذه الأدعية وتلك الابتهالات لله عز وجل تعكس خوف المؤمن والقلق الذي يصيبه من الزيغ، من الفتن، من الانتكاس والإنحراف عن طريق الهداية ومنهج الحق الذي ثبتته سورة البقرة في قلب المؤمن ولذلك كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم "يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك" الثبات، المحور الأساس الذي تدور حوله سورة آل عمران، السورة التي تدافع عن صاحبها بقدر ما يثبت في قلب صاحبها الإيمان بما جاء فيها وتطبيق ذلك المنهج والإيمان.

          أوضحت السورة في بداياتها كيفية مواجهة التحديات المتنوعة، داخلية، خارجية، عقائدية، فكرية، نفسية، كل أنواع التحديات أوجزتها في الآيات الأول من السورة ثم فصّلتها في منتصف السورة جاءت بأشكال، جاءت بمواقف بعض هذه المواقف وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه وأوضحت كيفية التعامل مع تلك التحديات، واقع، تاريخ، ولكن هذا التاريخ الذي تعرضه سورة آل عمران أنا بحاجة إليه اليوم وأنا أقف مواقف متعددة متنوعة وأربط من خلالها ما يقع لي بأنواع تلك التحديات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هذا في منتصف السورة، أشكال من التحديات وكيفية مواجهة التحديات ولم تكن السورة – كما سنأتي عليها في عرضها - تروح بالمؤمن إلى جو من المثالية بعيدًا عن الواقع، إطلاقاً، القرآن يعالج خلجات النفس البشرية الإنسانية بواقعية وليس بمثالية، يواجه الخلل، يواجه الضعف ويعلّم الإنسان كيف يتغلب على نقاط الضعف الموجودة عنده،

          ثم جاءت خواتيم السورة بعد ذلك لتبين الخلاصة، الوصفة الموجزة لكيفية مواجهة التحديات وما بين البداية وما بين النهاية تأتي بنماذج من الأنبياء والصديقين والمؤمنين الذين ثبتوا على المنهج رغم كل التحديات التي واجهتهم في حياتهم. تأتي بنموذج مريم عليها السلام، تأتي بنموذج عيسى عليه السلام، تأتي بنموذج النبي صلى الله عليه وسلم والأصحاب الذين ثبتوا في المعارك والشدائد والصعوبات، تأتي بنماذج متعددة لتبين للمؤمن، المؤمن الذي يريد أن يتعلم سورة آل عمران ويجعلها في حياته، في واقعه نبراسًا نورًا يضيء له الطريق ولذلك سميت البقرة وآل عمران الزهراوين تنير، تضيء الطريق للمؤمن، كيف تضيء الطريق؟

          تعليق


          • #65
            رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

            السورة بدأت كما بدأت سورة البقرة (الم) وبدأت كما بدأت سورة البقرة بالدعامة الأساس في قلب المؤمن "ثبات وهداية" عن طريق أيّ شيء؟
            التوحيد.

            قضية المؤمن الأساسية هي التوحيد، السورة تثبت التوحيد. وسورة آل عمران لم تقف عند قضية التوحيد فحسب بل عرضت للمؤمن العديد من الأمور والوسائل والتحديات التي يمكن أن تعرض له في طريق الحياة، تحديات فكرية، تحديات منطقية، تحديات متعلقة بالعقيدة والدين والتوحيد، تحديات نفسية، تحديات داخلية، تحديات خارجية، صراع مع فئات معينة في المجتمع وفي واقع الحياة
            والسورة بعظمة الآيات التي جاءت فيها أوضحت للمؤمن السلاح الحقيقي الذي يمكن له أن يواجه بالتسلح به كل تلك التحديات والصعوبات،القرآن يعالج خلجات النفس البشرية الإنسانية بواقعية وليس بمثالية، يواجه الخلل، يواجه الضعف ويعلّم الإنسان كيف يتغلب على نقاط الضعف الموجودة عنده، يعترف بوجود الضعف البشري الذي لا يمكن أن لا يعترف به الإنسان ولكن في نفس الوقت يعلم المؤمن المتبني لنهجه وآياته كيف يتعامل مع ذلك الضعف، كيف يترفع على الدنايا، كيف يترقي بنفسه، كيف يسمو بأخلاقياته لأجل أن يثبت على منهج الحق ومنهج الهداية.

            (الم اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
            وتأملوا الربط بين هذه الآية وآية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله
            (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ
            الْقَيُّومُ )من هو ربك الذي تعبده؟من هو الرب الذي تدين له قلباً وقالبًا في حياتك؟من هو الرب الذي أسلمتَ له كل شيء في حياتك؟ من هو الربّ؟(اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)قائم على كل شيء سبحانه. ولذلك أول آيات السورة تعرّف المؤمن بربه عز وجل من خلال عرض صفاته وهذا الرب القائم على كل شيء في مملكته ومنهم البشر والناس ما تركهم دون منهج (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) هذا الكتاب، القرآن الذي بين يديك، المنهج، القرآن شافع لأصحابه الذين يتعلمونه ويعملون به، الذين يتلون آياته آناء الليل وأطراف النهار ويطبقونها ويسيرون عليها في حياتهم.

            (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)
            المنهج وهذا المنهج ما جاء هكذا من فراغ جاء
            (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ
            هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ)
            الآيات في بداية سورة آل عمران تعترف وتقدم للبشرية الكتب السماوية السابقة التي أنزلها الله على عباده، التوراة والإنجيل، كلها ما نزلت إلا لتكون هداية للبشرية، ما نزلت لأجل أن تفرّق، نزلت لأجل أن توحّد، نزلت لأجل أن تعلم الناس كيف يعيشون وكيف يتعاونون وكيف يصلون بالحق إلى المسار الذي ينبغي أن يصلوا إليه. وتأملوا الربط والصفة هنا للقرآن (وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ) والفرقان ومنذ تسميته هذه يعني أنه يفرق بين أمرين متضادين، يفرق بين الحق والباطل، يفرق بين الضلال والهدى، يفرق بين النور والظلام، فرقان وصفه ربي بأنه فرقان.
            التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 06-12-2016, 05:22 PM. سبب آخر: تعديل آية

            تعليق


            • #66
              رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

              جزاكم الله خيرًا
              اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
              اللهم ارحم أبى وأمى وأسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة
              اللهم اعتق رقابنا من النار
              يا وهاب هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء

              تعليق


              • #67
                رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                تعليق


                • #68
                  رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني




                  (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ )
                  ليس ثمة شيء تخفيه على الله عز وجل يعلم كل شيء، لا يخفى عليه شيء وبالتالي عليك أن تراقب الله في السر كما تراقبه في العلن لأنه لا يخفى عليه شيء. وبالتالي الثبات الذي نتكلم عنه الذي هو محور سورة آل عمران الأساس قضية قلبية قضية تبدأ بالقلب أولًا فعليّ أن أثبت الإيمان والتوحيد في قلبي وأتأكد من ذلك وأراقب الله عز وجل في ذلك الثبات.

                  (مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)
                  كتاب مُحكم مُتقن، متقن في صياغته، متقن في أحكامه، متقن في تشريعاته، كله على السواء ولكن منه آيات متشابهات هذه الآيات المتشابهات نزلت لأجل أن تكون اختبار ابتلاء للمؤمن التمسك بهذا الكتاب العظيم ماذا يفعل تجاه تلك الآيات التي قد لا يتضح المراد منها، ماذا يفعل الإنسان؟يرد المتشابه إلى المحكم هذا حين يكون الثبات والهدى منهج متمرس متكرس في قلبه وهنا صفة رائعة وخلق ينبغي أن نضعه دائماً نصب أعيننا ونحن نأتي إلى القرآن: لا تأتي إلى القرآن وفي قلبك غاية سوى أنك تريد أن يهديك هذا القرآن إلى سواء السبيل لا تأتي للقرآن بغاية أخرى، إذا جئت للقرآن بغايات مختلفة تثبت رأياً شخصيًا أنت تدين به، تحاول أن تقوي وجهة نظرة معينة، كل هذه الأنواع من الغايات غايات فيها زيغ فيها انحراف لا بد أن يتخلص الإنسان منها. هذا القرآن من الشروط التي ينبغي أن تضعها أمامك لكي تهتدي به ولكي تطلق لقلبك العنان أن يهتدي بنوره أن تأتي إليه وأنت راغبٌ متضرعٌ إلى الله عز وجل أن يهديك به تقتبس منه الهداية تقتبس منه الشفاء.

                  (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)
                  أما أولئك الذين يأتون إلى القرآن بأفكار منحرفة، بغايات منحرفة فهؤلاء لا يمكن أبدًا أن يتنبهوا إلى هذه الحكمة الإلهية وإلى الاختبار الذي جعل في القرآن محكم ومتشابه بل يبدأون بمحاولات التأويل الفاسد، المحاولات الفاسدة التي لا يمكن أن تزيد الضالين إلا ضلالًا، أما المؤمن فلا تزيده تلك الآيات إلا هدى وثباتًا ورسوخًا.
                  ولذلك ختمت الآية السابعة في الحديث عن المحكم والمتشابه في القرآن
                  (وَ
                  مَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ )


                  أولو الألباب حاضرون بشكل واضح في سورة آل عمران ولنا أن نتساءل لماذا؟ محور السورة الثبات على الحق والهدى لا يمكن أن يحدث ثبات على منهج الحق والهدى دون تبصر، دون تفكر دون تذكر، دون القيام بمستوى العمليات العقلية التي تؤكد للإنسان أن عليك أن تثبت على الحق الذي تؤمن به مهما بلغت التحديات الموجودة أمامك، مهما كان حجم التحديات لأن عادة الحق وأهل الحق أن يُبتلوا في الدنيا بشتى الابتلاءات بالخير بالشر هذه طبيعة الحياة، هنا تأتي أهمية الثبات.

                  كيف تثبت أمام كل تلك التحديات إن لم يكن لديك عقل وتكون من أصحاب الألباب والعقول الكبيرة التي تنظر إلى الأمام تنظر إلى العواقب تحاول أن تستحضر النتائج قبل أن تضع أقدامها على هذا الطريق أو ذاك، تفكّر، تدرس، تنظر إلى الأمور من جوانب وزوايا مختلفة نظرة استراتيجية،سورة آل عمران تعيد صياغة الإنسان المؤمن الثابت، تعطيه مواصفات، تعلّمه كيف يكون ثابتًا، كيف يكون راسخًا، لا يمكن أن يكون هناك ثبات ورسوخ دون أن يكون هناك تبصّر وتعقّل وتفكّر.


                  ولذا من أبرز وأهم مواصفات هؤلاء أولو الألباب الدعاء والتضرع والتوجه لله عز وجل
                  فكيف يكون ذلك؟

                  أول الآيات بدأت بالتوجه لله (ربنا)
                  وهذا كلام أولو الألباب، كلام أصحاب العقول الكبيرة
                  (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)
                  الزيغ أي الانحراف عن الحق الميل عن الحق وهو مرض يقع في القلب أولًا ثم ينعكس على تصرفات الإنسان وسلوكه وسورة آل عمران تعالج مرض الزيغ، لماذا سورة آل عمران تعالج الزيغ؟ لأن الزيغ نقيض الثبات


                  فأول سلاح يتسلح به أولو الألباب سلاح الدعاء التضرع لله عز وجل. علينا أن نستحضر وندرك أنت مهما كنت ومهما بلغت درجة الإيمان في قلبك والتوحيد إياك أن تتصور أنك تؤمن وتثبت على الحق دون رحمة الله عز وجل ومشيئته ولذلك أنت أولى بالضرع إليه أن يحفظ قلبك، أن يحفظ عليك إيمانك، توحيدك ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من هذا الدعاء
                  "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"

                  تعليق


                  • #69
                    رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                    جزاك الله خيرا

                    تعليق


                    • #70
                      رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                      الدنيا كبرت أو صغرت زادت ابتلاءاتها أو قلّت هي في النهاية ستنتهي أنا أؤمن أنها مجرد مرحلة وقتية وبالتالي لا أعطيها أكبر من حجمها فلا يذهب قلبي فرحًا ولا حزنا يبقى قلبي ثابتًا لأني مؤمن أن ربي جامع الناس ليوم لا ريب فيه، عليّ أن أعدّ العدة.

                      ثم تنتقل الآيات بعد ذلك لشيء آخر لنموذج من أناس لم يدركوا حقيقة الدنيا وحقيقة تحدياتها زاغوا فأزاغ الله قلوبهم نموذج آل فرعون، فرعون إنسان أُعطي من القوة وهذا تحدي من القوة والسلطان والجاه والمال والمنعة ما جعله يطغى ويستعلي على الآخرين فكيف كانت عاقبة هذا الفرعون؟أولو الألباب أصحاب العقول الكبيرة تعطيهم سورة آل عمران وسيلة أخرى لمواجهة التحديات وكيفية الثبات على المنهج والهداية:النظر في أحوال الأمم السابقة ولنا أن نفهم وأن نستحضر السورة نزلت على الجيل الأول جيل التلقي من المسلمين كانوا يرون أمام أعينهم كفار قريش اليهود النصارى وفد نجران الذين جاؤوا للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يروا قوى الباطل من حولهم وهذا تحدي كبير لأن المؤمن في حياته معرّض لأن يرى الباطل وهو منتشي يرى الباطل في قوة يرى الباطل فيه مال فيه جاه فيه سلطان فيه أناس يعززونه ويتحالفون معه هذا تحدي كبير كيف يثبت أمام هذا التحدي؟

                      تأتي الآيات في سورة آل عمران فتثبته
                      (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)
                      كل الذين كفروا في صف واحد في خانة واحدة سبقهم ولاحقهم أولهم وآخرهم ميتهم وحيّهم كلهم في خانة واحدة

                      (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ )
                      لا يزيغ قلبك أمام ما تراه من أموال ولا من قوة ولا من جاه ولا من منعة ولا من سلطان ولا من تحالفات لقوى الباطل الفاسدة لأنها لن تغني عنهم شيئًا،ويعطيك المثال الأول
                      (كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ)


                      هذا مثل واحد ولكن المؤمن يربط المؤمن ينتقل من شيء إلى آخر هكذا يعلمني لقرآن، آل فرعون كانوا نموذجًا وربما النماذج اللاحقة التي لحقت بآل فرعون ربما لم تبلغ ما بلغه الفرعون من قوة ومنعة ولكن النتيجة واحدة ولذلك جاء الكلام

                      (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)

                      إذن أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم وأنت تواجه تحديات الكفار والمشركين وقريش واليهود
                      وغيرهم قل لهم
                      (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ)
                      من أين جاءك هذا اليقين وهذا الثبات من الذي أخبرك بهذا؟
                      الرب الذي علمك في القرآن أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا فقس اللاحق على السابق والحاضر على الغئب وكل قوى الباطل مهما تتابعت ومهما تغيرت صورها ومهما تغيرت أشكالها النتيجة التي ستلحق بهم واحدة طالما أنك حققت الشرط الإلهي شرط التوحيد والإيمان في قلبك وعدم الزيغ والثبات واليقين بالله سبحانه وتعالى.

                      تعليق


                      • #71
                        رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                        بارك الله فيكم
                        من أهم أسباب الثبات الشعور بالفقر إلى تثبيت الله - تعالى - وذلك أنه ليس بنا غنى عن تثبيته طرفة عين

                        وقد قال الله مخاطباً خير خلقه وأكرمهم عليه: ((وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً")) وقال - تعالى -: ((إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا))
                        و من أسباب الثبات الإقبال على كتاب الله تلاوة وتعلماً وعملاً وتدبراً فإن الله - سبحانه و تعالى - أخبر بأنه أنزل هذا الكتاب المجيد تثبيتاً للمؤمنين وهداية لهم وبشرى قال الله تعالى -:((قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ"))
                        اللهم ارحم أبى وأمى وأسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة
                        اللهم اعتق رقابنا من النار
                        يا وهاب هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء

                        تعليق


                        • #72
                          رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                          (قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا)
                          حصلت أمام أعينكم
                          (فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ)
                          ماذا كانت النتيجة؟
                          (وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ)
                          كن على ثقة، هذه المعاني التي تقدمها لي سورة آل عمران تحقق الثبات في قلبي تجعل قلبي يثبت على الإيمان يثبت على التوحيد يعلم أن الله ناصره يعلم أنه لا بد بعد الليل الحالك في ظلمته سيأتي الفجر، سيأتي النور، سيأتي النصر، لا يحفل بطول ساعات الليل لأنه يقضي تلك الساعات بالإيمان والتوحيد والتقرّب لله، ثابت، متأكد تمامًا لأن من وعده الله
                          (وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ )
                          أصحاب الأبصار الذين ينظرون في الواقع ويقرأون واقعهم من خلال آيات القرآن العظيم، أبصار ترى الشيء بعينك، كيف تراه بعينك؟

                          أنا لا أرى سوى أحداث تحصل أمامي اليوم في الواقع، أحداث، مجريات، أمور كيف أقرأها؟ القرآن يعلمني كيف أقرأها، أقرأها من خلال تلك الآيات التي أمامي في قلبي تعلمني أن الإنسان الذي كفر بربي فردًا كان أو جماعة مهما بلغت قوته مثل قوة فرعون أو أكثر لن تغني عنه لا أمواله ولا أولاده ولا حلفاؤه ولا أي شيء مما يرتكز عليه وأن النصر حليف المؤمنين ولكن لا ينبغي أنا أن أتكئ أن النصر حليف المؤمنين فأنا أعطي لنفسي شهادة بأني مؤمن أنا عليّ كإنسان أن أتأدب وأن أمارس التوحيد والإيمان في حياتي


                          ثم تنتقل آيات سورة آل عمران إلى الوسيلة التي تليها، وسائل الثبات التي أوجزتها في البداية. ما هي وسائل الثبات؟ إدراك حقيقة الدنيا كما هي لا تجعل الحقيقة مختلفة عن الواقع. ما هي حقيقة الدنيا؟
                          تأملوا دقة القرآن للفظ


                          (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ)
                          إذن هي زُينت ولكن هذا لا يعني أنها هي في الحقيقة هكذا، لا،
                          (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ )
                          مغريات الدنيا لو لم تكن جميلة وحلوة وخضرة لَما اغترّ بها الناس ولَما أقبلوا عليها ولكن الزينة الموجودة فيها جزء من الاختبار والابتلاء، جميلة! تستهويني، تستهوي قلبي، تستهوي فكري، تستهوي حياتي، أميل إليها لأن شيء فعلًا يمكن أن يميل إليه الإنسان ولكن تأملوا كيف يأتي العلاج

                          (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ)
                          عليك أن توازن. بعض الناس قد يقول أترك الدنيا؟ ومتاع الدنيا؟
                          الآية لا تقول هذا ولكن الآية حددت لك حجم هذه المغريات ووضعتها في الإطار الصحيح
                          (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)

                          ومن الذي عنده حسن المآب؟ ا

                          لله سبحانه وتعالى فلا يأخذك متاع الحياة الدنيا بعيدًا عن الله عز وجل، وازن بين الأمور، خذ من الدنيا ما أمر الله به أن تأخذ، لا تنسَ نصيبك من الدنيا وأحسِن كما أحسن الله إليك واستحضر دائمًا أن الله عنده حسن المآب.

                          تعليق


                          • #73
                            رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                            من أكثر الأشياء التي تجعل الإنسان يستسلم ولا يثبت على الدين ولا يثبت على الحق ولا يثبت على الطاعة مغريات الدنيا. وإذا أردت مثالًا لذلك تأمل أحوالنا نحن البشر، في رمضان على سبيل المثال نكون في غاية الطاعة والإقبال على الله عز وجل وتلاوة القرآن وعمل الخيروالصدقات وكل شيء من الأعمال، ينقضي رمضان تعود النفس البشرية في كثير من الأحيان إلى سالف عهدها، البعد، النسيان، الغفلة، هذه الحالة الموسمية سورة آل عمران تعالجها. كيف تعالجها؟

                            إياك أن تتصور أن هذا المتاع الذي أنت الآن تنشغل عنه هو كل شيء، لا،
                            (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَير مِنْ ذَلِكُمْ)
                            خير من المغريات التي تراها أمام عينيك في الدنيا، التي تلهيك، التي تشغلك عن خالقك سبحانه وتعالى التي تأخذك بعيدًا عنه ولا ينبغي أن تكون بعيدًا عنه.
                            ما هو الخير يا رب؟
                            (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ)

                            ولم تأتي الأوصاف الكثيرة التي جاءت في الآية الأولى في وصف متاع الدنيا يكفيك أن الله قد وعددك بها يكفيك أن تدرك أن ما عند الله خير وأبقى يكفيك أن تدرك هذه المعاني يكفيك أن تستحضر الآخرة في قلبك لتثبت كثيرون اليوم يعانون من مشكلة عدم الثبات على الطاعة، يقوم بالطاعة يمكن يكون قد بدأ في رمضان برنامج قيام الليل وتلاوة القرآن وحفظه ربما، المشكلة الاستمرارية، ينقطع عن العمل، لا يثبت على هذا العمل، لماذا لا يثبت؟
                            مغريات، التي تكلمت عنها سورة آل عمران وحددت لي العلاج وهو أن أُعطي الدنيا حجمها الطبيعي ويبقى نظري دائماً معلقاً بالآخرة ومعلقًا بما عند الله عز وجل

                            من أعظم وسائل الثبات على الحق والهداية الدعاء
                            (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
                            انظر إلى تطلع المؤمن المغفرة (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) أعظم شيء يلحّ على قلب المؤمن وعقله ليس طلب الدنيا ولكن طلب المغفرة، لماذا؟
                            من شغله طلب الآخرة عن طلب الدنيا أعطاه الله من خيري الدنيا والآخرة هكذا عطاء الله عز وجل ولذلك ينبغي أن أتقرب لله عز وجل بقولي ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار


                            هذه الوسيلة جعلت ذاك المؤمن مؤمن بمواصفات خاصة الناس الثابتين في هذه الدنيا في هذه الحياة لهم مواصفات
                            (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ )
                            وبدأ بالصابرين لأن الثبات يحتاج إلى صبر، صبر على الطاعة،
                            هب أنك بدأت جدولا زمنيا في رمضان للطاعة، لحفظ القرآن ثم انتهى رمضان وتوقفت وانقطع العمل، ماذا عليك أن تفعل؟
                            أن تعاود وتجاهد نفسك وتصبر على الطاعة
                            (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) الكهف)
                            اصبر نفسك على الطاعة اصبر نفسك حتى حين تجلس على سبيل المثال للصلاة اصبر نفسك بعد الصلاة أن تعطي لنفس الفرصة أن تذكر الله أن تستغفره أن تدعوه أن تتقرب إليه نفسك ستنازعك تقول لك انتهت الصلاة، قُم بسرعة، اِلْحق بالدنيا لا تفوتك! لكن الصبر يعلمك أن تصبر أن تتوقف أن تعطي لقلبك الفرصة أن يذكر ربه عز وجل ذكرًا كثيرًا، الصبر على الطاعة من أشد وأعلى مراتب الصبر، الصبر على الطاعة. لا ثبات بدون صبر والصبر يتكرر في سورة آل عمران وصية من الله عز وجل في السورة وآخر وصية هي الصبر، الثبات يحتاج إلى صبر، لا يمكن أن يكون ثبات بدون صبر.

                            تعليق


                            • #74
                              رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                              نعم من وسائل الثبات صحبة الأخيار ولزومهم والحذر من صحبة الأشرار فمصاحبة العلماء والصالحين والدعاة والمؤمنين، والجلوس معهم، من أكبر العون على الثبات،
                              قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾[الكهف: 28].

                              وهنا تبرز الأخوة الإسلامية كمصدر أساسي للتثبيت، فإخوانك الصالحون هم العون لك في الطريق، فيثبتونك بما معهم من آيات الله والحكمة
                              اللهم ارحم أبى وأمى وأسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة
                              اللهم اعتق رقابنا من النار
                              يا وهاب هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء

                              تعليق


                              • #75
                                (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)
                                قضية حتمية ألغت كل أنواع وأشكال وصور الجهل.
                                الجهل أنواع:
                                الجهل البسيط أن لا تعرف الشيء
                                والجهل المركب أن تعرف الشيء الخطأ **[انظر الهامش]

                                فلكي يعالج الجهل المركب عليك أن تزيل الخطأ أولًا ثم تأتي بالصواب ليحل محل ذاك الخطأ.

                                فأول كلمة عالجتها سورة آل عمران لتخلص الإنسان من السبب الأول للزيغ إنهاء الجهل (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) شهادة من الرب سبحانه لنفسه فإذا شهد الله عز وجل فمن بقي بعد ذلك ليشهدّ (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) التوحيد الذي جاءت به كل الشرائع السماوية، موسى عليه السلام جاء به، اليهودية جاءت به، النصرانية جاءت به على لسان عيسى عليه السلام.

                                إذن لماذا زاغ بعض الناصرى وبعض أهل الكتاب عن ذلك التوحيد؟
                                الآية تعالجه ولكن الحقيقة الراسخة التي ينبغي أن تستقر في قلبك وفي وجدانك وعقلك أن لا إله إلا الله. ثم تعود الآية، نفس الآية
                                (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
                                التوحيد ذكر مرتين في آية واحدة، قضية التوحيد هي القضية الأساس فأيّ انحراف عن ذلك التوحيد باي شكل زيغ، ضلال

                                قد يسأل سائل لم الدمج بين آل عمروان والبقرة
                                وسميت البقرة وآل عمران بالزهراوين؟
                                لأنهما يتحدثان عن قضية واحدة،
                                سورة البقرة تتحدث عن الهداية وسورة آل عمران تتحدث عن الثبات على الهداية، كلاهما يكمّل الآخر، كلاهما يدافعان عن صاحبهما، بأيّ شيء؟
                                بما ركز في قلبك من الإيمان والعمل بما جاء فيهما.

                                (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)
                                هذا التوحيد وهذا الاستسلام وهذا الانقياد والخضوع لله عز وجل ولما جاء به الأنبياء من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وانتهاء به وهذا الكتاب الذي نزل الفرقان الذي جاء مصدقًا للتوراة والإنجيل هذا هو الحق الذي ينبغي اتباعه.
                                إذن لماذا حدث الزيغ؟
                                (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) ظلم! المسألة في الزيغ قد تكون جهلًا وقد تكون ظلمًا وفي كلتا الحالتين فإن الله سريع الحساب. ما موقفك يا نبي صلى الله عليه وسلم ويا كل إنسان مؤمن أمام هذا التحدي؟ أن يأتيك الباطل وهو في حالة انتفاش، يأتيك الباطل وهو مُنتفش مغترّ، ما هو موقفك؟

                                (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)
                                القضية واضحة عندي أنا لا يهمني من يتبعني ومن يخالفني القضية واحدة أنا ثابت على إيماني وتوحيدي ولذلك الآيات ختمت
                                (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ)
                                المهمة التي ينبغي لك أنت كإنسان مؤمن بهذه الآيات وهذه السورة العظيمة أن تبلّغ أن توضّح أن تبين أن توصل الرسالة تقوم بإيصال الرسالة وتثبت على الحق وتؤمن بأن ما حدث من زيغ وانحراف في بعض الأمم إنما جاء من قبيل انحراف بعض أهلها وليس من قبيل تلك الكتب حاشا لله ولا من قبيل الرسل

                                (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ)
                                لماذا الحديث عن المُلك في وسط الآيات؟
                                الباطل والزيغ والإنحراف قد يمتلك الكثير، قد يصبح الملك والسلطة والجاه في يديه، ما هو موقفك أنت كمؤمن كثابت؟ هل تتزعزع أمام ذاك التحدي؟ أم أنك تُدرك أن الله هو مالك الملك وأنه يؤتي الملك من يشاء وتنزع الملك ممن يشاء وأن عاقبة الأمور إليه سبحانه وأنه على كل شيء قدير وأن إليه المرجع وإليه المآب وإليه المصير وأن كل ما يحدث أمامك من تحديات ومن وقائع ومن مجريات أمور إنما هو من قبيل الابتلاء والاخبتار فاحذر.
                                ولذلك في ضمن هذه الآيات جاء الحديث عن
                                (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)
                                لأن الولاء في قلب المؤمن كل الولاء لله، للإيمان، لا يمكن قلب المؤمن أن يميل لأحد إلا لله عز وجل ولأهل الإيمان الذين يشاركونه إيمانه وتوحيده لخالقه سبحانه وتعالى والمسألة هنا ليست مسألة أشخاص وفئات ومجتمعات ودول، لا، المسألة متعلقة بالإيمان، بالإحساس، بالميل، قلبك يميل لمن؟ لأهل الإيمان أم لأهل الكفر؟! القضية في غاية الأهمية
                                _____________

                                ** ملاحظة
                                ويوجد تعريف أدق للجهل المركب وهو:
                                عدم المعرفة بالشيء، مع عدم المعرفة بعدم المعرفة أى يجهل ويجهل أنه يجهل ، لذلك سمي مركباً، لأنه مركب من جهلين: جهل بالأمر، وجهل بالجهل به،

                                والبعض يعرفونه هكذا أيضًا

                                هو عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع، أي يتصور الشيء المعلوم ويعتقده على غير هيئته، فكان مركبا من أمرين:
                                ١. عدم العلم بالشيء وانتفاء إدراكه له وهاهنا يوافق صاحب الجهل البسيط.
                                ٢. أن يعتقد صاحب هذا الجهل ما هو مخالف للواقع غير مطابق لما هو في الخارج اعتقاداً جازماً



                                التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 16-12-2016, 02:49 PM.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X