إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة بعنوان : روائع البيان لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    تأملوا كيف يمكن للمجتمع أن يعيش وما نوع الحالة الأمنية التي يعيش فيها مجتمع أفراده مصانون بسياج من التقوى، أجهزة الأمن والمراقبة فيه أجهزة ذاتية كل فرد من الأفراد الذين يعيشون في ذلك المجتمع عليه رقيب من ذاته ومن نفسه لا يخشى إلا الله عز وجل ولذا ربي يقول
    (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189))
    العصور التي كانت تطبق فيها تلك التعليمات الربانية كان الناس يبيتون وأبواب البيوت مفتوحة لا يخافون شيئًا إلا الحيوانات التي تدخل عليهم في بيوتهم، لا يخافون من البشر، لماذا؟لأن البشر الذي تعلّم الخوف من الله لا يُخاف منه على شيء ولا على أحد.



    (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (190))
    مجدداً في سبيل الله لا في سبيل منصب ولا في سبيل استيلاء على ثروات شعوب ولا استعمار ولكن في سبيل الله وحده

    (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)

    وهنا لنا عدة وقفات:
    الوقفة الأولى أن الأمر بالقتال جاء بمعنى الحفاظ على مكتسبات الشعوب والمجتمعات هذه واحدة.الأمر الآخر أن الأمر بالقتال جاء بعد سلسلة من الأوامر والتوجيهات الشخصية التي دخلت في حياة الفرد التي دخلت في أدق العلاقة الخاصة بين الزوجين وفي المال وفي العطاء وفي حرمة البيوت ثم انتقلت إلى القتال، لماذا؟

    المجتمع الذي لا يستطيع أفراده أن يحافظوا على حدود الله وتشريعاته وقوانينه في حياتهم الخاصة وفي أموالهم وفي سلوكهم مع الآخرين فيما بينهم هم أفراد في غاية العجز عن الدفاع عن الوطن وحمايته. الشخص الذي يدافع عن وطنه وعن حقوقه لا بد له من مواصفات وتلك المواصفات تأتي على رأسها التقوى والوقوف عند حدود الله، فمن يراعي حدود الله سبحانه وتعالى ويتقيه في أدق العلاقات الإنسانية هو الإنسان القادر على حماية وطنه القادر على الدفاع عن وطنه القادر على حماية مكتسباته فقد حمى المجتمع بكل أفراده من نفسه وبالتالي هو أقدر على أن يحميه من غيره أما إن كان عاجزاً عن أن يحمي المجتمع من نفسه وطغيان شهواته فامتدت يده على سبيل المثال إلى الحرام فأكل أموال الناس هذا إنسان عاجز عن الدفاع عن وطنه عاجز عن حماية حقوق غيره لأنه فشل في الامتحان لم يتمكن من حماية الآخرين من ظلم نفسه فأنّى له أن يتمكن من حماية الآخرين من ظلم الآخرين واعتدائهم؟!وحتى في القتال لا تفارق القوى ومنظومة التقوى التعاليم الإنسانية التعاليم التي جاءت من الرب سبحانه وتعالى في سورة البقرة عدم الاعتداء
    (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
    العدوان بكل صوره على الآخرين وعلى الأموال وحرمات الأنفس قضية محسومة قضية منهي عنها قضية محرّمة في دين الله ومنهجه لا يمكن أن يبررها أن دين الشخص الآخر الذي يُعتدى عليه يختلف عن ديني لا يمكن أن يبررها شيء على الإطلاق فالاعتداء محرّم

    تعليق


    • #47
      رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


      (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (194))
      المثلية في رد الحقوق والدفاع عن النفس لا يحق لك أن تدافع عن نفسك بعدوان أكثر مما قد وقع عليك، تخيل عدالة التشريعات الإلهية،
      تخيل السياج والحصن الحصين الذي وضعته هذه التشريعات العظيمة.
      ولكن يا ترى ما الذي يحقق عدم الظلم ويحقق العدالة حتى في الحروب معروف تمامًا في التشريعات الإنسانية أن الحروب يحدث فيها سفك واعتداء ومصائب وانتهاكات لحقوق الإنسان ما الذي يضمن أنه حتى في واقع القتال والحروب يبقى الإنسان على أرقى درجات النزاهة والحصانة وعدم الاعتداء على الآخرين؟

      تأملوا في قوله عز وجل (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)
      التقوى هي الضمان الوحيد وهي الحصن الحصين لمراعاة حقوق الإنسان وممارسة الإنسان لحماية حقوق غيره من نفسه وأمام نفسه.




      هذا القرآن العظيم ينتقل بعد ذلك من قضية الجهاد بالنفس وبذل النفس والتضحية والدفاع عن المكتسبات المجتمعية إلى قضية الإنفاق

      (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
      من بذل النفس إلى بذل المال والبذل في سورة البقرة حاضر في مختلف الآيات والتشريعات كما سنأتي عليه في الجزء الثالث على سبيل المثال، لماذا؟ ا

      الإنسان الذي استطاع أن يتغلب على قضية النفس وأن يبذل نفسه وروحه في سبيل الله هو أقدر على أن يبذل ماله ولن يكون ولن يصل تلك المرحلة من البذل والتضحية إلا حين يستحضر أن ما من شيء فيه لنفسه، كله لله
      (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156))
      وبالتالي ترخص الروح ويرخص المال في أيّ سبيل؟
      في سبيل الله
      (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195))
      لا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة من خلال الشح والبخل وعدم الرغبة في البذل والتضحية والعطاء. وهنا تحضرنا الصور المتعددة التي جاءت عن بني إسرائيل، بنو إسرائيل الذين كانوا ليسوا على مقدرة من البذل والعطاء ولذلك في آيات القرآن العظيم ربي عز وجل تأتي الآيات بالحدث عن شح النفس (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر) الشح لا بد أن أتخلص من الشح أتحرر من البخل أتحرر من عدم الرغبة في العطاء، ما الذي يحررني؟ الإنفاق وسورة البقرة تقدم أشكالًا متعددة للإنفاق إنفاق الروح والنفس وبذل هذه النفس في سبيل الله وإنفاق المال للتخلص من الشحّ.

      تعليق


      • #48
        رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

        جزاكم الله خيرا وزادكم نوراا وثباتا

        تعليق


        • #49
          رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني



          (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ (196))
          الحج مدرسة يتخرج فيه الإنسان قادر على العطاء والبذل وقادر على تجاوز شحّ النفس إنسان محصّن بالتقوى إنسان زادت عنده التقوى ولذلك تستمر الآيات في الحديث عن مدرسة الحج
          (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197))
          الحج مدرسة كبرى يتعلم فيها الإنسان الصبر والتضحية يتعلم أنه لن يُرفع عمله ولن يُقبل إلا حين يكون خالياً من الرفث والفسوق والجدال والسُباب يتعلم كيف ينزّه الإنسان لسانه وكيف ينزّه عينه فلا تقع على حرام يتعلم كيف يتجاوز ويغضّ الطرف عن عثرات الآخرين يتعلم كيف يكون إنساناً حقيقياً متسامحاً يبذل الخير للآخرين يتعلم كيف يعفو وكيف يصفح، إنسان جديد إنسان تصنعه تلك المدرسة الربانية الموجودة في الحج.

          الحج ليس مجرد شعيرة الحج ليس مجرد عبادة، من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع وعاد من حجه كيوم ولدته أمه صفحة بيضاء نقية من الذي نقاه؟ نقاه الصبر نقته تلك التعاليم الربانية المقصودة في الحج، الحج فيه زحمة كبير فيه احتكاك بين البشر بشكل واضح لماذا؟ لأنه رسالة عالمية أراد ربنا عز وجل أن يبتغي الناس من فضله وكيف يبتغون من فضله؟ يجتمعون يتعلمون من بعضهم البعض يتسامحون يخطئون ويصيبون ويغفر بعضهم لبعض الحج مدرسة للتقوى ولذلك جاء الحديث عن التقوى

          (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)
          ولن يزداد الإنسان في تقواه إلا حين يتجاوز الشحّ الموجود في نفسه يتجاوز الأنانية يتخلص من الأشياء التي تحول بينه وبين أنانيته يتعلم كيف يصفح لا يمكن أن تسامح إلا حين يزداد رصيد التقوى في قلبك، لا يمكن أن يقوم أحد من الناس بدفعك في الحج والعمرة نتيجة للزحام الشديد وتعفو عنه وتسامحه وتبتسم في وجهه وتدعو له بالمغفرة إلا حين يكون رصيدك من التقوى عالياً مرتفعاً. وكيف ترتفع أسهمك في التقوى إلا حين تتربى على عين تلك التشريعات الإلهية.

          تعليق


          • #50
            رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

            (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)
            وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ(205))
            الإنسان الذي تخرج في مدرسة الحج إنسان لا يمكن أن يقبل بمنهج الفساد والإفساد إنسان صلح سرّه فانعكس ذلك الصلاح على علانيته إنسان ليس عنده ازدواجية ولا نفاق في التعامل مع الآخرين إنسان ليس هناك ثمة تناقض بين التقوى التي يحملها في قلبه والمنهج الذي يسير عليه في الحياة على الإطلاق. ليس هناك تناقض بين قوله وفعله كتلك الصورة التي تنقلها الآية(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204))ثمّة تناقض وازدواجية يقول شيئاً ويبطن شيئاً آخر، الإنسان الذي تصنعه مدرسة الحج وتعاليم المنهج الرباني وتصوغه التقوى إنسان سرّه خيرٌ من علانيته، وكيف يصل الإنسان إلى مرحلة يكون السر عنده خير من العلانية؟ حين تبرز التقوى، حين تأتي التقوى فتبدأ تبدد ظلمات النفس وأنانيتها ولذلك جاءت بالصورة الناصعة

            (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207))
            إنسان استطاع أن يتخلّص من شُحّ النفس واستطاع أن يتجاوز الفساد، كيف تجاوز الفساد؟
            ببساطة شديدة يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، باع نفسه لله عز وجل تخلص من شح نفسه. ما من فساد يقع في الأرض إلا كان حب النفس والأنانية له أثر فيه لا يمكن أن يحدث الفساد إلا حين يتصور الإنسان بوهم أنه يحب ذاته وأنانيته، يحاول أن يؤثر نفسه على الآخرين فيأتي الفساد من هنا. أما الإنسان الذي تصنعه سورة البقرة فهو إنسان باع نفسه لله أخضع نفسه لله عز وجل يحب الله أكثر من أي شيء آخر، أكثر من نفسه فيخضع لمنهجه وينقاد لتعاليمه. هذا الإنسان هو القادر على أن يحقق السلم في الحياة هو الإنسان القادر على أن يقدم السلم الأهلي ويمارسه السلم العالمي الذي يفتقر إليه عالمنا المعاصر اليوم، عالمنا المعاصر اليوم يبكي دماً من فقدان السلم كيف يتحقق السلم؟لا يمكن أن يحقق السلم أفراد لا يعيشون سلامًا مع أنفسهم ومع ذواتهم لا يمكن. تعاليم سورة البقرة والمنهج الرباني في سورة البقرة يحقق السلم الداخلي، الأمن الداخلي، الأفراد القادرون على تحقيق السلم الداخلي مع أنفسهم والتصالح مع ذواتهم من خلال اتباع منهج الله هم أولئك الذين يستطيعون أن يحققوا السلم

            تعليق


            • #51
              رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

              (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208))
              من جديد الحديث عن خطوات الشيطان، الفرقة والنزاع والقتال والحروب والصراعات بين البشر التي نشهدها في عالمنا اليوم لا يمكن أن تكون من قبيل تطبيق منهج رباني لا يرضى لعباده إلا الخير والإيمان والصلاح! لا يمكن إلا أن تكون من قبيل تطبيق وتنفيذ مناهج شيطانية بشرية وضعية ما استطاعت أن تتحرر من شُحّ أنفسها، هذه الصراعات لا يمكن أن تكون خارج هذا الإطار. ولذلك جاء الأمر في الدخول في السلم، هذا الدخول في السلم الذي يحقق للعالم ما تصبو إليه والثبات على ذلك والتحذير من الزلل والوقوع في الخطأ نتيجة عدم حساب الخطوات بشكل صحيح واتباع المناهج الشيطانية ولنا هنا أن نتخيل ما يأتي به الثبات من ثمن ومن تضحيات بالأنفس وبالأموال ولذلك يأتي الحديث في سياق وفي خضم الكلام عن التعاليم البشرية والحديث عن السلام في ذكر بني إسرائيل من جديد

              (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)
              لكي يتفرقوا؟ أبدًا!

              (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213))

              إذاً الأصل في الأديان والكتب السماوية أنها توحد وتجمع لا أنها تفرق وتشتت أما الاختلاف (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) وظلماً وعدواناً أما المؤمن فالله يهديه (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) منهج الأنبياء واحد السير على الكتب والمنهج الرباني وتنفيذ المنهج في واقع الحياة. ولكن تنفيذ ذلك المنهج لا يمكن أن يأتي بدون تضحيات، لا يمكن أن يأتي بدون ثبات، الثبات على المنهج الرباني الذي جاء به كل الأنبياء والكتب السابقة لا بد أن يدفع له ثمن وهذا الثمن هو التضحية ولذا جاءت الآية العظيمة في قوله عز وجل

              (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214))

              تعليق


              • #52
                رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                الثبات على الحق يحتاج إلى تضحية يحتاج إلى نفوس تعلم بأن الحق له وثمن والثمن غالي وهي مستعدة لأن تدفع ذلك الثمن ولذلك جاء الحديث مباشرة عن الإنفاق بالمال بعد بذل النفس جاء الحديث عن المال
                (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215))
                التضحية، البذل، العطاء في سبيل الله واتباع المنهج الذي يأمرك. ثم بعد الحديث عن الإنفاق بالمال يأتي

                (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216))
                نفوس مستعدة أن تضحي بالمال وتضحي بالأرواح لأجل أن تنفذ المنهج الرباني في واقع الحياة. والآية واضحة في قوله عز وجل (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) أنا في اتباعي للمنهج الرباني قد أسير على خطوات أو على أوامر وتعاليم وأنا أرى أني أكره هذه التعاليم، فيها عبء، لا أحد مهما يكن يحب أن يضحي بنفسه بهذه البساطة، أغلى شيء على الإنسان الروح، نفسه التي بين جنبيه كيف يضحي بها؟!!

                (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ)
                وهنا إشارة واضحة إلى واقعية التشريعات الإلهية فالتشريعات الإلهية ليست مثالية التشريعات الإلهية صادرة من رب يعرف ما يحبه البشر وما يكرهه، يعرف خلجات نفسك يعرف ما تحدّث به نفسك وأنت بينك وبين نفسك يعرف سبحانه وتعالى، سميع عليم، يعلم أن النفوس لا تحب القتل لا تحب أن تُقتَل، لا تحب الموت بطبيعتها (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) ولكن تأملوا في النتيجة

                (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)
                القاعدة أنك تخرج مما تهواه وتحبّه نفسك إلى ما يحبّه الله ورسوله، وتخرج عما تكرهه نفسك إلى ما يكرهه الله ورسوله، تخرج عن نفسك تماماً، تتخلى عن نفسك، تنصاع لمنهج ربك عز وجل، مؤمناً بأن الله قد يفرض عليك شيئاً أنت تراه شراً وهو خير، هذا المنهج الرباني، المنهج الرباني يطلب منك أن تخرج من داعية هواك ونفسك.

                (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219))
                إذا أردنا أن نتعرف على حجم الثروة المهدرة في الخمر وفي الميسر وفي القمار وما شابه فما علينا إلا أن نلقي نظرة سريعة على إحصائيات العالم في ذلك لنجد أن ما ينفقه العالم على هذه الأشياء بالمليارات!

                أموال مهولة تهدر في أي شيء؟! في أشياء حرّمها الله عز وجل.
                في المقابل هناك صورة أخرى ما هي الصورة التي يقدّمها وما هو البديل الذي تقدمه التشريعات الربانية؟ المال، المال الذي يستعمل في الإنفاق في وجه من وجه الخير في الإنفاق على اليتامى المال الذي يكون فيه الإنسان وصيًا على اليتيم كيف يراقب الله عز وجل فيه؟ الآيات جاءت في قوله عز وجل
                (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (220))

                عليك أن تراعي الله عز وجل في النفقة التي تنفقها على اليتيم الذي بين يدك عليك أن تراعي الله في كل هذه الجزئيات وتحافظ عليها في جزئياتها.

                تعليق


                • #53
                  رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                  بارك الله فيكم ونفع بكم وجزاكم كل الخير
                  إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                  والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                  يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                  الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                  تعليق


                  • #54
                    رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                    (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219))
                    إذا أردنا أن نتعرف على حجم الثروة المهدرة في الخمر وفي الميسر وفي القمار وما شابه فما علينا إلا أن نلقي نظرة سريعة على إحصائيات العالم في ذلك لنجد أن ما ينفقه العالم على هذه الأشياء بالمليارات! أموال مهولة تهدر في أي شيء؟! في أشياء حرّمها الله عز وجل.
                    في المقابل هناك صورة أخرى ما هي الصورة التي يقدّمها وما هو البديل الذي تقدمه التشريعات الربانية؟ المال، المال الذي يستعمل في الإنفاق في وجه من وجه الخير في الإنفاق على اليتامى المال الذي يكون فيه الإنسان وصيًا على اليتيم كيف يراقب الله عز وجل فيه؟
                    الآيات جاءت في قوله عز وجل

                    (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (220))
                    عليك أن تراعي الله عز وجل في النفقة التي تنفقها على اليتيم الذي بين يدك عليك أن تراعي الله في كل هذه الجزئيات وتحافظ عليها في جزئياتها.

                    ثم تنتقل بعد ذلك التعليمات والتشريعات إلى الزواج الذي يعكس صورة من صور إيمانك واعتقادك وتقواك، الزواج ليس قضية أوتوماتيكية جسدية مادية بحتة، القرآن لا ينظر إلى الزواج على أنه علاقة جسدية ينظر إلى الزواج على أنه علاقة روحية تربط بين اثنين ولأن تلك العلاقة علاقة مادية وروحية وجسدية ومعنوية وفكرية وثقافية لا بد أن تقام على تناغم وانسجام في المشاعر والاعتقاد. من هنا حرّم التشريع الإسلامي والتشريع القرآني الزواج ما بين المشرك والمؤمن لذلك التناقض الواضح والتنافر الواضح بين الإيمان والكفر.

                    ثم تنتقل بعد ذلك الآيات من الحديث عن الزواج في إطاره العام إلى الحديث من جديد عن تفاصيل دقيقة في العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة لتدخل التقوى في تلك الجزئيات فتطهرها فتنقّيها فتخلّصها فتجعلها علاقة لا ينظر إليها القرآن على أنها نجس أو علاقة يشمئز القرآن منها، لا، بل علاقة مصانة بسياج من التقوى والطهر والعفاف في أبهى وأحلى صور
                    (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223))
                    من جديد التقوى حاضرة حتى في العلاقة الخاصة، التقوى حالة تصبح جزءًا من الإنسان المؤمن التقوى تصقله وتصقل مشاعره وتصرفاته وسلوكه لا تنبثق من فراغ بل من إيمان من قلب متحفّز من قلب يستشعر مراقبة الله له في كل صغيرة وكبيرة
                    (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
                    راقب الله عز وجل في كل تصرفات حياتك، جهاز مراقبة ذاتي كامل، حصانة كاملة. ثم تنتقل الآيات بعد ذلك إلى تفاصيل وإجراءات في العلاقة الزوجية، العلاقة بين الزوجين، علاقة الطلاق وعلاقة النفور التي قد تحدث والإيلاء، علاقة ما يحدث بين الأزواج في العلاقات الأسرية قد يحدث في بعض الأحيان نفور بين الزوجين
                    (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227))

                    تعليق


                    • #55
                      رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني






                      يا تُرى حين يحدث نفور بين الزوجين أين معالم المنهج الرباني؟
                      م
                      ا الذي يتحكم في الوضع هنا؟
                      حين يحدث النفور والبغضاء والكراهية لا ينبغي أن تتحكم المشاعر النفسية السلبية البشرية في الحكم على تلك العلاقة، لماذا؟ لأن الذي يحكم العلاقة حتى في حالة النفور هو المنهج الرباني والتعاليم البشرية أنت لا تحكمك أهواؤك ولا تُحكم بأهواء من قبل نفسك، أبداً، أنت محكوم بالمنهج عليك أن تراعي الله سواء كرهت أم أحببت عليك أن تراعي الله عز وجل.



                      ثم تنتقل الآيات للحديث عن الطلاق وللحديث عن عدّة المطلقة وتأملوا كيف تكون التقوى حاضرة في كل هذه الجزئيات يقول ربي عز وجل
                      (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ (228))
                      ما دخل الإيمان بالله في مراعاة المعتدّة لعدّتها والفترة التي تعتد فيها؟
                      الإيمان قضية فاعلة، الإيمان ما وقر في قلبك وصدقته أعمالك وسلوكياتك وأفعالك وتصرفاتك. الإيمان قضية حاضرة تصدّقه الأعمال والتصرفات والممارسات ولذلك تأمل في قوله

                      (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
                      ووالله لو أن البيوت الأسرية ولو أن العلاقات بين الزوجين والعلاقات الأسرية أقيمت على دعائم المنهج المصان بتقوى الله عز وجل لما كان بنا تلك الحاجة إلى أن نقف طوابير وصفوف على أبواب المحاكم الشرعية! لما كان هناك حاجة لحلّ كل تلك النزاعات والفوضى العارمة التي تسود في أسرنا وفي بيوتنا! ما سادت تلك الفوضى والعداوة والكراهية وضياع الحقوق وعدم الإمساك بمعروف ولا التسريح بإحسان إلا حين غابت معالم المنهج الرباني في قلوبنا وفي سلوكياتنا،

                      وتأملوا كيف ختمت الآية بقوله
                      (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
                      الحدود في العلاقات الأسرية بين الزوجين من الذي وضعها؟
                      لم تضعها أنت ولم يضعها أحد من البشر الذي وضعها الرب سبحانه وتعالى فعلى قدر ما أنت تتقيه وتحبه عليك أن تراعي الحدود الذي وضعها، هذه حدود الله عز وجل وهذه ثمرة مراعاة حدود الله عز وجل التي يبينها لقوم يعلمون. ولذلك ربي عز وجل حين يتحدث عن الصورة المشوّهة التي تأتي جراء مخالفة التعليمات الربانية يقول
                      (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا)



                      لا تمسك المرأة وتمنع طلاق المرأة لأجل أن تضر بها كما يحدث في مجتمعات كثيرة جداً الرجل يمسك المرأة لا محبة في عشرتها ولا بقاءً عليها ولكن للإضرار بها وتأملوا كيف تأتي التعاليم الربانية
                      (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا)
                      وتختم بقوله
                      (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
                      تقوى الله عز وجل. من الذي يمنعك من الوقوع في ظلم المرأة التي تحت يدك؟ الطلاق بيد الرجل، من الذي يمنعك من الوقوع في الظلم؟
                      الله الذي شرّع، الله الذي جعل الطلاق بيدك، الله الذي أحلّها لك، الله الذي وضع لك كل هذه التعاليم هو الذي يمنع ولذلك الآيات كلها تنتهي بالحديث عن التقوى
                      (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232))

                      تعليق


                      • #56
                        رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                        الجزء الثالث من سورة البقرة






                        (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴿٢٥٣﴾)
                        فما من شيء يحدث في هذا الكون إلا بمشيئة الله وما من أمر يحدث أبدًا خارج عن إرادته سبحانه وعن مشيئته لكن الإنسان فردًا كان أو جماعة أو شعبًا ما كان له أن يحتج على فعله بمشيئة الله سبحانه فليس له أن يقول لو شاء الله ما اقتتلت مع أخي الإنسان، لو شاء الله ما وقع لي النزاع ولا الصراع، فلا يحتج بمشيئته لأنه كإنسان نسبي محدود العلم لا يمكن له أن يعرف ما هي مشيئة الله عز وجل وإنما هو مخير في اختياره وفعله، هو مخير أن يختار الإيمان أو الكفر هو مخير أن يختار المنهج الذي يتعامل فيه مع الناس حين يختلف معهم، الاقتتال منهجية ما كان لها أن تحث بين الناس لو أن الناس قد اختاروا طريق الإيمان لو أن الناس قد قاموا بتنفيذ المنهج الرباني والتعاليم الربانية في واقع الحياة لو أنهم ساروا على منهج الأنبياء والرسل ما كان لذلك النزاع ولا لذاك الصراع أن يحدث. الصراع حدث من قبيل مخالفة المنهج الرباني في الواقع الإنسان فكان أمرًا طبيعيًا أن يحدث ذلك النزاع.


                        والجزء الثالث من سورة البقرة بأسره يتحدث عن المعاملات المالية ولكنه لا يخرج في حديثه عن المعاملات المالية عن منهج الإيمان، يصب في الإيمان فالإيمان بالله سبحانه وتعالى وتبيّن وحدة الاعتقاد والتصور في الشعور وتمثلها هي التي تعكس صدق وأمانة الإنسان في تعاملاته المالية. الجزء الثالث يتحدث كثيرًا عن تلك الأمانات وتلك التعاملات ويبدأ بذلك الخطاب المُحبَّب
                        (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٥٤﴾)
                        الأمر بالإنفاق، لا يمكن للإيمان بالله سبحانه وتعالى أن يكون له صدى في قلب المؤمن وفي حياته دون أن يوثِّق ذلك الإيمان بالتصرفات، بالسلوك. والإنفاق وبذل المال الذي قد رزقك الله سبحانه وتعالى إياه وسائر المواهب وسائر القدرات وسائر القوى التي قد وهبك الله سبحانه وتعالى وأعطاك إنما هو من قبيل تصديق الإيمان بالفعل.



                        (أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم (254))

                        قد يرزقك الله علمًا، قد يرزقك الله قوة في الجسد، قد يرزقك الله عز وجل قوة في المقال، قد يرزقك الله سبحانه وتعالى قوة في منصب أو جاه، قد يعطيك الله موهبة معينة لا يمتلكها أحدٌ سواك.

                        عليك أولًا أن تستحضر أن كل ما لديك هو ليس من قبيل نفسك وإنما هو من قبيل رزق الله سبحانه وتعالى لك. والإنسان حين يستشعر أنه لا يمتلك شيئاً وأن الملك كله لله وأن الرزق كله لله وأن كل ما في يديك إنما هو من قبيل استخلاف الله عز وجل لذلك الإنسان حينها تبدأ تستقر مشاعر التواضع في سويداء قلبك. حينها يبدأ فعلًأ بتكريس مفهوم البذل والعطاء حينها يتخلص من الشحّ



                        (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ)
                        استبق الخيرات استبق الأعمال استبق البذل والعطاء استبق القدرة التي تمتلكها فأنت الآن تملك قوة في الجسد على سبيل المثال ولكن ربما بعد ايام تتحول تلك القوة إلى ضعف فربي عز وجل سيسألك حينها ماذا فعلت بالقوة التي قد مُلّكت حين كنت تملكها لأنها قد أُخذت عنك. هذه المعاني العظيمة تشكل الدستور الأول في منظومة الإنفاق تشكل المعالم الأساسية.
                        التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 11-12-2016, 01:48 PM. سبب آخر: تعديل خطأ لغوي

                        تعليق


                        • #57
                          رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني





                          أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي تبدأ بلفظ الجلالة
                          (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
                          عليك أن تتعرف من هو الرب الذي تبذل وتعطي وتقدّم لأجله وفي سبيله، تعرّف على الله، آية الكرسي تعرّف الإنسان على خالقه عز وجل بسرد صفاته سبحانه وتعالى صفات الله سبحانه وتعالى فتبدأ بلفظ الجلالة (الله) ثم تأتي على قوله عز وجل (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ) تلك الشهادة التي لا يمكن أن تصح الأعمال ولا تُرفع ولا تقبل بدونها (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) شهادة التوحيد التي قامت بها السموات والأرض شهادة التوحيد التي قامت على أساسها كل الشرائع السماوية
                          (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ)
                          لا يمكن أن يستقيم إنفاق ولا بذل ولا عطاء ولا منع بدون أن يتحقق في قلبك وفي واقعك أن لا إله إلا الله لا مصرِّف للأمور إلا الله لا مدبّر في الكون إلا الله لا رازق إلا الله لا واهب إلا هو لا أحد يعطي ويصرّف ويتصرف في الكون إلا هو سبحانه وتعالى.


                          (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
                          وجاءت بتلك الصفتين صفة الحياة المطلقة الدائمة ولذا جاء في الحديث "توكلت على الحيّ الذي لا يموت" الحياة صفة من صفات الله عز وجل حياة مطقة حياة دائمة، كل الأحياء على وجه هذه الأرض يموتون وهو سبحانه الباقي الذي لا يموت، كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه،
                          (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
                          القائم على تصريف كل شيء من أصغر شيء في الكون إلى أكبر أمر فيه ما تسقط من ورقة على شجرة إلا يعلمها ولا تتحرك نسمة هواء في هذا الكون إلا وهو المحرّك الأول لها سبحانه لا يتحرك شيء في الكون إلا بعلمه إلا بإذنه إلا بمشيئته وإرادته سبحانه وتعالى قيّوم قائم على كل نفس بما كسبت


                          وهنا تبدأ تتضح معالم ومقاصد أن تكون هذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله، لماذا هي أعظم آية؟
                          لا يمكن أن يستقيم لي شيء دون أن تستقر تلك المعاني وإيماني بتلك الصفات الربانية في أعماق قلبي ونفسي وتتحول إلى حقيقة واقعة في شعوري وفي عملي حين أستشعر دومًا أن الله هو القائم بتصريف الأمور أن الله هو المدبّر لكل شيء في مملكته، ما هو الشعور الذي يحدث في نفسي أنا كإنسان ما هو التوجه الذي يحدث بعد ذلك حين تستقر تلك الحقيقة في أعماق قلبي؟


                          أبدأ استشعر بضعفي أنا كإنسان أمام قوة الله المطلقة سبحانه وتعالى أبدأ أستشعر بأنه لا أحد يستحق أن أتوجه إليه بالإيمان والاستسلام والخضوع والانقياد إلا الله الملك الحي القيوم، لا أحد يستحق الانقياد والخضوع. إذا كان لا أحد حيّ سوى الله سبحانه وتعالى وإذا كان لا قيوم سواه سبحانه وتعالى فلِمَ أوجه قلبي أو أخضع في تصرفاتي وأعمالي لأحد سواه؟
                          كيف أخضع لبشر يموتون وعندي الله سبحانه وتعالى الحيّ الذي لا يموت؟


                          (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)
                          الملك الحقيقي الملك الشمولي الملك الدائم
                          (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)
                          تخيّل كل ما في السموات وما في الأرض أحياء أشخاص أناس نباتات جمادات أشياء ما في شيء في الأرض ولا في السماء ولا من أحد إلا وهو ملك خالص لله سبحانه وتعالى حين تستقر هذه المعاني في قلبي هل يمكن أن يتبقى شيء في قلبي وفي تصوري يدين لأحد سوى الله سبحانه وتعالى؟
                          كل شيء له هو كل أحد أمره بيده سبحانه وتعالى فلا تبدأ هناك توجهات شركية ولا توجهات ندّية ولا توجهات مصطنعة أن البشر يملكون شيئًا من دون الله سبحانه وتعالى. حينها لا يمكن لقلبي أن يدين لأحد من البشر لا يمكن أن يخضع ويتوجه بالانقياد لحكم أحد من البشر من دون الله سبحانه وتعالى.


                          (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)

                          الشفاعة التي كان يزعم المشركون أنهم لا يعبدون من دون الله شيئًا إلا ليقرّبهم إلى الله زلفى نفاها ربي سبحانه وتعالى عن أحد
                          (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)
                          لا شفاعة إلا بإذنه سبحانه وتعالى فطالما أن لا شفاعة إلا بإذنه لمن أتوجه إلا له سبحانه وكيف أتوجه لأحد من دونه سبحانه وتعالى؟!
                          ثم تأتي الآية على علمه سبحانه وتعالى العلم المطلق لتُدخل ذلك الإنسان في عملية مراقبة مستمرة دائمة لخلجات مشاعره لخواطره لما يدور في نفسه لكل صغيرة كبيرة فالله مطّلع عليها
                          (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء)
                          علم مطلق، اطلاع مطلق على كل شيء في هذا الكون وعلى كل أمر وصغيرة وكبيرة ودقيقة في مشاعر البشر ومشاعر الناس. فطالما أن الأمر كذلك لي أنا البشر أن أتصرف في بعض الأحيان وأنا معتقد بأني بعيد عن علم الله ومراقبته سبحانه وتعالى وهو الذي يعلم كل شيء في هذا الكون؟! يعلم ما كان وما يكون، يعلم كل صغيرة وكبيرة ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء لا في سرّ ولا في علانية.


                          (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)
                          آية الكرسي العظيمة في كل مقطع من مقاطعها تبني في نفسي علاقة ودعامة لعلاقة مع الله عز وجل علاقة مبنية على قمة الإيمان بقدرته سبحانه وتعالى بسلطته المطلقة
                          (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
                          الرب العظيم الذي تعرّف إلى خلقه في هذه الآية العظيمة أعظم آية في كتاب الله، بصفاته بقدره بعلمه بكل معرفته سبحانه وتعالى وقدرته المطلقة على خلقه هذا الرب العظيم كيف لي بعد ذلك أن لا أؤمن له ولا أستسلم له عز وجل؟!

                          تعليق


                          • #58
                            رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني





                            جاءت الآية التي تلي آية الكرسى لتقرر أن الإيمان والاعتقاد لا يمكن أن يُبنى إلا على الحرية، لا يمكن أن يُبنى على الإكراه، لا يمكن أن يُساق الناس بالسلاسل للإيمان بالله عز وجل الإيمان مبناه الحرية في الاعتقاد، أنت حرٌ بعد ذلك.

                            (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)
                            قمة حقوق الإنسان جاءت في هذه الآية العظيمة، حرية الاعتقاد لك أن تختار ما تشاء

                            (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)
                            تبين بعد أن أوضح الله سبحانه وتعالى كل تلك الايات العظيمة. وتأملوا معي كيف جاءت الآية
                            (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ)
                            طاغوت كل ما طغى وتجاوز وزاد عن الحد فهو طاغوت وتتنوع وتختلف وتتعدد أشكال الطواغيت في العالم وكيف تنشأ ظاهرة الطواغيت في العالم؟
                            حين يتصور الإنسان واهمًا أن أيّ أحد أو أيّ شيء في هذا الكون له مساحة أكثر من المساحة التي ينبغي أن تكون له، حين يعتقد متوهمًا أن أحدًا يمتلك شيئًا من دون الله سبحانه وتعالى، هنا يبرز الطاغوت.

                            الطاغوت قد يكون شخصًا
                            وقد يكون شيئًا كل ما يتجاوز الحدّ كل ما يتجاوز معالم المنهج الرباني الذي وضعه الله عز وجل له
                            (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا (229))

                            يتحول إلى طاغوت، الإنسان المتجبر المتسلّط يتحول إلى طاغون حين يظن واهمًا أنه يمتلك السيطرة على مقدرات الناس والتحكم في حياتهم كما ستأتي الآية التالية في قصة الذي حاجّ إبراهيم في ربه، هذا طغى، هذا شكل من أشكال الطواغيت، اعتقد أنه يمتلك قدرة دون قدرة الله عز وجل اعتقد أنه يمتلك شيئًا وهو لا يمتلك فكل إنسان وكل شيء ظنّ متوهمًا أن له شيء من الأمر من قبل أو من بعد من دون الله فقد طغى ولذلك القرآن يحدثنا عن فرعون فيقول إنه طغى، زاد، ظغى حين تصور أشياءً ليست من اختصاصه وظنّ واهمًا أنها له. فمن يكفر بالطاغوت لا بد أن يؤمن بشيء آخر مقابل هذا الكفر، لا يمكن أن يكفر الإنسان ولا يؤمن بشيء مقابل ذلك الكفر، من يكفر بالطاغوت سيؤمن بالله ومن يؤمن بالله فقد استمسك


                            وتأملوا في هذه الكلمة العظيمة ليس مسك وإنما استمسك، طلب التمسك بقوة وشدة بالعروة الوثقى، والعروة الوثقى على قول أغلب العلماء والمفسرين قول "لا إله إلا الله" كلمة التوحيد الخالدة، كلمة التوحيد التي قامت بها السموات والأرض، كلمة التوحيد التي جاء بها الرسل، كلمة التوحيد التي عليها صلاح العالم في الدنيا والآخرة، كلمة التوحيد التي لا يصلح العمل إلا بها.

                            (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
                            سميع يسمع كل صغيرة وكبيرة يسمع خواطر نفسك التي تحدثك بها دون أن تنطق بها، عليم بكل شيء، عليم بما يختلج في القلب من إيمان واعتقاد أو نفاق وكفر لا قدّر الله، عليم بكل شيء فصحح جوانب الاعتقاد في قلبك.
                            (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

                            النتيجة المترتبة
                            (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)
                            ولك أن تتخيل واترك العنان لخيالك وأنت تتصور ماذا يحدث حين يصبح الله سبحانه وتعالى وليًّا لك، حين يتولى الله سبحانه وتعالى تدبير شؤونك وأمورك صغيرها وكبيرها؟ ماذا يحدث حين يتولى الله عز وجل تصريف أمورك المالية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية وكل شيء في حياتك ماذا يحدث؟ ومن هو الله سبحانه وتعالى؟



                            تعليق


                            • #59
                              رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                              (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ)
                              رجل امتنّ الله عليه بالملك وهو ليس بملك مطلق قطعًا، الملك المطلق لله الواحد القهار ولكن الله خوّله نعمة التصرّف في مكان معين، ملّكه نعمة التصرّف لوقت معين محدود، جزئي، ولكنه لم يفهم تلك المعادلة الصعبة وتصور حقيقة أنه يمتلك ملكًا حقيقيًا ذلك المكان، اعتقد أنه الملك من دون الله وتأملوا في اختيار نوع الحجة التي كان يقدمها لإبراهيم (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) وتأملوا الربط في قوله عز وجل (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) و (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) ربي سبحانه وتعالى هو الوحيد القادر على الإحياء والإماتة فإذا بهذا الطاغوت المتجبر المتكبر يقول واهمًا جاهلًا (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) أنا إن قلت للحارس الآن وأعطيته الأمر بقتلك سيقتلك وبذلك أكون قد أمرت بالإماتة وأحيي بمعنى إن لم أصدر الأمر فأصبح هذا الإنسان حيًا، جهل مطلق! تصور خاطئ!

                              (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)
                              نوع من أنواع التعامل الرائع،
                              هذه فيها لفتة عظيمة حين ترى أن الطرف الذي أمامك لا يرتقي إلى المستوى الذي أنت فيه حاول أن تخاطبه على قدر عقله،وهنا لم يتمكن من المحاجّة أكثر من ذلك
                              (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)
                              وبقي على كفره
                              (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)



                              ولنا أن نتساءل في دقة التعبير القرآن (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لِمَ لم يكتب الله الهداية لهؤلاء الظالمين؟لأنهم لم يكونوا أهلًا ولا محلًا لتلك الهداية بظلمهم، الظالم ما عاد أهلًا ولا محلًا للهداية لأنه كفر، لأنه ظلم نفسه، أما لو أنه آمن لكان محلًا لهداية الله أما وأنه قد كفر فإن كفره وقع باختياره لأنه لا إكراه في الدين، الكفر قد وقع باختياره، الكفر قرار اختياري فكان مستحقًا للضلال وللغواية والبعد عن الله عز وجل بحكم اختياره وبحكم قراره أما وأن الإيمان قرار اختياري فالهداية نتيجة مترتبة وثمرة طبيعية لاختيارك الذي قمت به بأمر الله وهو الإيمان. ثم تقدم الآيات العظيمة صورة أخرى لذلك الإنسان الذي يمر على الآيات في الكون دون أن يتفطن إليها في حين أن المؤمن الفطن العاقل مطلوب منه ومطالب أن يقرأ الآيات المبثوثة في الكون، أن لا يمر عليها هكذا دون أن تحرك فيه سواعد وشواغل الإيمان، دون أن تحرك فيه بذور الإيمان والعودة والرجوع لخالقه سبحانه وتعالى

                              تعليق


                              • #60
                                رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
                                قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)
                                تأملوا هذه الآيات تتكلم عن الحياة والموت، عن الإحياء والإماتة والتناسب واضح بين آية الكرسي التي جاء فيها قوله عز وجل (الحيّ القيّوم) وبين هذه الآيات التي تتحدث عن مظاهر إحيائه سبحانه وتعالى لكل شيء في هذا الكون مظاهر حقيقية تدل على أن الله حيّ قيوم، هذه المظاهر يراها كل الناس مظاهر مفتوحة، مظاهر مشتركة، مظاهر يمر عليها المؤمن والكافر ولكن المؤمن يمر عليها فتحرك الإيمان في قلبه فتحييه من جديد وتخرجه من الظلمات إلى النور أما الكافر فيمر على الآيات فتزيده تلك الآيات كفرًا وظلمًا وظلمة لأنه استحب الكفر على الإيمان.


                                (قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ)
                                انظر إلى قدرة الله عز وجل في الزمن
                                (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ)
                                أشياء حسية أمام عينيك (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم تتغير على الرغم من مرور تلك الفترة الزمينة، من الذي يحرّك السبب ويوقف السبب؟

                                الشيء الطبيعي أن هذا الطعام سينتهي تمامًا ويتحلل بمرور تلك الفترة الزمنية من الذي أوقف قانون التحلل؟ من الذي يحرّك قانون التحلل؟
                                الذي بيده الأسباب مسبب الأسباب سبحانه وتعالى
                                فلا يبق التفاتك إلى الأسباب وتعلقك بالأسباب دون مسبب الأسباب.
                                تأملوا كيف تصنع هذه الآيات الإيمان في قلبي، تصنع اليقين ترتقي بالإيمان واليقين في قلبي، توجّه قلبي دائمًا إلى التعلق بمسبب السباب دون النظر إلى الأسباب لأن هذه القضية مهمة جدًا في كل التصرفات والسلوكيات بما فيها قضايا المعاملات المالية التي ستأتي في الجزء الثالث من سورة البقرة. لا بد أن يرسخ اليقين في قلبك والإيمان بمسبب الأسباب



                                (وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260))
                                وقبلها
                                (أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)).
                                العلم هنا ليس مجرد المعرفة أو العلم بالشيء المقابل بالجهل وإنما العلم هنا هو العلم اليقيني الذي يستقر في القلب فيحرك دوافع العمل والسلوك العلم الذي صنعته تلك الآيات في بدايات الجزء الثالث لتكرّس هذه المعاني من جديد لتصبح تلك المعاني حقيقة ثابتة راسخة في قلب المؤمن لا يتغير عنها ولا يحيد عنها لا في تصرفاته ولا في سلوكه فتأتي السلوكيات والأفعال مصداقًا لتلك الحقيقة الراسخة من اليقين والإيمان





                                تعليق

                                يعمل...
                                X