إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة بعنوان : روائع البيان لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    تدبر سورة المائدة




    مقدمة

    تعتبر سورة المائدة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر أن فيها بعض الآيات نزلت قبيل الفتح. هذه الآيات في سورة المائدة تعتبر وتشكّل الوصايا العظيمة التي أكّدها القرآن،
    عادةً الإنسان حين يكتب وصية له – ولله المثل الأعلى – فهو يوصي بأهم الأشياء في حياته وأكثر وأقرب الأشياء التي يهتم بها ويحرص عليها، ولله المثل الأعلى، سورة المائدة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى البشرية على الإنسانية فكان هذا التوقيت في نزول السورة له دلالة خاصة،
    دلالة على أن هذه الأوامر والوصايا التي حوتها سورة المائدة هي من أعظم الوصايا التي يجب على الإنسان أن يقف عندها طويلًا صحيح أن الكثير من هذه الوصايا والأوامر والتعاليم والتشريعات جاءت في سور أخرى ولكن على الرغم من كل هذا فإن تأكيد هذه الأوامر والتعليمات له دلالة من نوع خاص.
    الأمر الآخر كذلك الذي تتضح معه دلالات هذه السورة العظيمة أن سورة المائدة يمكن أن لا تسمى فقط بأنها سورة المائدة باعتبار قصة المائدة التي ذكرت في أواخرها وإنما هي سورة العقود والمواثيق التي ابتدأها الله سبحانه وتعالى بقوله
    (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
    وذكرت فيها المواثيق في أكثر من موضع الأمر الذي يؤكد أن المحور الذي تدور عليه سورة المائدة محور المواثيق، وأعظم ميثاق منه تتفرع كافة العقود والالتزامات المختلفة بين الإنسان ونفسه وبينه وبين أهله وبينه وبين الآخرين وبينه وبين الدولة، هذه المواثيق أعظمها ذلك العقد والميثاق الذي بين الإنسان وربه وجاءت الآيات في سورة المائدة بالحديث عنه بوسائل متنوعة كعادة القرآن العظيم.
    أمر آخر في السورة أنها حوت على ما يزيد على خمسة عشر نداء بـ(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا)
    له دلالة خاصة إذا علمنا أن السورة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم السورة تخاطب المؤمنين وقد استقر الإيمان في قلوبهم حتى يأتي التشريع وتأتي الأوامر وتأتي الأحكام مبنية على أساس رصين قوي من الإيمان بالله ومعرفته، وهذه هي عظمة التشريعات في كتاب الله عز وجلّ ليست مجرد قوانين صورية شكلية وإنما مؤسسة على الإيمان وعلى معرفة الله سبحانه وتعالى,
    ولقائل أن يسأل هذا إذا نظرنا إلى أن هذه السورة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم لكنها في ترتيب المصحف جاءت بعد سورة النساء إذن هي من أوائل السور في كتاب الله عز وجلّ،
    إذن فما وجه أن يخاطب الإنسان من البداية، بداية القرآن العظيم
    بـ(يا أيها الذين آمنوا)؟

    ذكرنا سابقًا – وهذه من أعظم وأبسط مبادئ التدبر في كتاب الله عز وجلّ – أن ترتيب السور والآيات في كتاب الله عز وجلّ توقيفي أوحي به إلى النبي صلّ الله عليه وسلم وكل ما يتعلق بهذا الكتاب دور النبي صلّ الله عليه وسلم فيه البلاغ (
    فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ)، هذه نقطة.
    النقطة الأخرى أن القرآن كان ينزل – ولا بد الآن حين نقرؤه أن نستحضر هذه الحقيقة كذلك – يعالج واقعًا، الوقائع، الأحداث، الأسئلة، الأمور تعرض للمجتمع المسلم، للجيل الأول الذي نزل فيه القرآن فتأتي الآيات وتنزل السور تعالج تلك الحوادث والأمور وتأتي الإجابات على الأسئلة بطرق مختلفة ووسائل متنوعة على عادة القرآن العظيم. اليوم حين نقرؤه بهذا الترتيب الذي جاء في كتاب الله عز وجلّ الترتيب مقصود، ترتيب السور مقصود وليس لدينا الآن حادثة بعينها معينة يأتي القرآن ليعالجها كما كان عليه الحال في عصر النزول ولكن القرآن يقدم لنا نماذج للأسئلة، نماذج حاصلة في وقت التنزيل لكن عليّ أنا المؤمن بالله المتدبر لهذا الكتاب العظيم أن أدرك أن هذا العصر والأجواء التي أعيش فيها اليوم صحيح هي تختلف كأجواء إنسانية حصل فيها تطور، حصل فيها تقدّم، تغيرات كبيرة ولكن السؤال ربما في الصيغة يختلف والإجابة موجودة في كتاب الله عز وجلّ المطلوب مني كمتدبر أن أتعلم كيف أقوم بتشكيل هذا السؤال الذي يأتيني في واقعي وأبحث عن الإجابة في كتاب الله عز وجلّ وأتفاعل مع تلك الإجابة لأجل أن أطبقها في حياتي وفي واقعي فهنا يكون الترتيب بهذا الشكل في كتاب الله عز وجلّ واضح الحكمة والمقصد في حياتي. القرآن الآن هو بين أيدينا ونحن نؤمن به وإيماننا بكتاب الله عز وجلّ وتلاوتنا لكتاب الله عز وجلّ بهذا الترتيب أمر مقصود تماما فهو يعالج حين يعالج ويناديني بـ(يا أيها الذين آمنوا) من أوائل القرآن العظيم ومن أوائل السور لأجل أني في قضية الإيمان أحتاج لكل تلك القضايا والتعاليم حتى أعالج ما أمر به.

    فإدراك أجواء التنزيل ونزول سور القرآن ومحاولة ربط بين تلك الأجواء وما أعيشه اليوم تساعدني في صياغة الأسئلة التي تعرض لي والحوادث والمشاكل التي أتعرض إليها في واقعي لأتعلم من خلال المقارنة والإطلاع كيف أصل إلى الإجابات في كتاب الله عز وجلّ كيف أجعل القرآن العظيم بمنهجه القويم يعدّل حياتي ويعدل الإشكاليات التي تعرض لي في حياتي.


    تعليق


    • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

      سورة المائدة سورة العقود والمواثيق وربي في أول السورة، لأن التناسب له أشكال بين أول السورة وخاتمة السورة بين نهاية سورة النساء وبين بدايات المائدة، بين آخر المائدة وبين بدايات الأنعام، أشكال من التناسب ولكن نبدأ بأول شكلين من التناسب:


      الأول ما بين النساء وخاتمتها وما بين بداية سورة المائدة:
      سورة النساء تحدثت عن بناء القيم العدالة والحرية والمساواة على عين من تقوى الله عز وجلّ وجاءت بتحديد نماذج لتحقيق تلك القيم من خلال النموذج الأسري بشكل واضح جدًا وعملي وانتقلت من الأسرة إلى المجتمع إلى العالم
      ولذلك خطابات
      (يا أيها الناس) كانت واضحة في سورة النساء.
      سورة المائدة تبدأ بـ(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
      لأن القرآن يبني إنسانًا مؤهلًا للقيام بمهمة الخلافة على الأرض.




      بداية سورة المائدة
      (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
      بما فيها تلك العقود والالتزامات التي جاءت في السورة والتي قبلها في سورة النساء وآل عمران والبقرة وفي الفاتحة رغم الفوارق الزمنية فيما بين تلك السورة ولكن كل تلك الالتزامات بين مختلف الأطراف إنما هي عقود عليك الوفاء بها.



      الشكل الآخر من أشكال التناسب بين أول المائدة
      (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
      وبين آخر السورة الآية الأخيرة يقول فيها الله عز وجلّ
      (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٢٠﴾)
      أول سورة المائدة

      يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ)
      ثم تلتها عشرات النماذج للعقود،
      ما وجه التناسب؟

      الآية الأخيرة في سورة المائدة قال
      (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ)
      كل شيء في هذا الكون سماء، أرض، أنعام، طيور، أشكال المنتفعات التي ينتفع بها الإنسان كل شيء ورد ذكره في هذه السورة وغيرها في القرآن هو ملك حقيقي صرف لله سبحانه وتعالى لا يشاركه في ذلك الملك أحد على الإطلاق.



      تعليق


      • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

        العقود والمواثيق بينك وبين الله




        الآية الأولى
        (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
        بمعنى آخر بيننا وبين المالك الحقيقي سبحانه وتعالى عقد.
        معنى هذا: نحن في حياتنا الدنيا اعتدنا أننا حين نؤجر بيتًا أو مسكنًا أو ما شابه نذهب لإجراء عقد بيننا وبين مالك البيت الحقيقي أو المكان الذي نريد أن نستأجره وبناء على هذا العقد وما يضعه المالك من شروط يوقع هذا الإنسان المستأجِر ويلتزم تجاه المالك الحقيقي ولله المثل الأعلى



        نحن سُخر لنا ما في هذا الكون شجر سماء ماء أرض حتى ما نقول باستعماله من سمع من بصر من أدوات إدراك وهبنا الله سبحانه وتعالى إياها سخرها لنا لنقوم بالانتفاع بها نحن لسنا ملّاكا المالك الحقيقي الذي قالت فيه آخر سورة المائدة
        (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
        هو المالك الحقيقي. ونحن ربي سبحانه وتعالى بفضله ورحمته وكرمه هيأ لنا وسائل الانتفاع بتلك الأشياء التي يمتلكها هو لا غيره على وجه الحقيقية والشيء الطبيعي في عقود الانتفاع والملكية أن الذي يعطيني ويفرض عليّ الشروط للانتفاع بالأشياء المالك الحقيقي لها ولله المثل الأعلى الذي يعطيني افعل ولا تفعل وتصرّف ولا تتصرف وحلال وحرام وأعطاني حق الاستخدام والانتفاع عن طريق التسخير إلا هو سبحانه

        ولذلك جاءت
        (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ)
        من الذي يحلّ ويحرّم سوا الذي خلق؟!
        ولذلك منذ أن خلق الله الخليقة وإلى أن تقوم الساعة لم يدّعي أحد من البشر مهما طغي ومهما علا ومهما تجبر أنه خلق على سبيل المثال الأنعام، لم يدّعي أحد فأما وأنه ليس هناك من خلق ولا حتى من يجرؤ أن يدّعي أنه خلق وملك فمن الذي يملك الحق في أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا هو سبحانه وتعالى؟! تناسب رائع. ولذلك آيات سورة المائدة تكلمت كثيرًا عن الحكم بما أنزل الله
        (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)
        لأن قضية الحكم والتشريع هي صلاحية واضحة لن يمتلك وليس لمن لا يمتلك. غير المالك حتى في أعرافنا البشرية نحن وتعاملاتنا البشرية على هذه الأرض لا يحق له أن يشترط شيئا ولا أن يملي شروطًا لأنه لا يملك وربي سبحانه وتعالى له المثل الأعلى هو الذي يملك فهو الذي يبيح وهو الذي يحرّم وهو الذي يقول افعل وهو الذي يقون لا تفعل.

        تعليق


        • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


          القرآن يعلمك الانضباط





          منذ بداية السورة وإلى ختام السورة السورة تؤكد حقيقة أنت آمنت ورضيت بالله ربًا وبمقتضى ذلك الإيمان أنك تؤمن بأنه المالك سبحانه وتعالى فإذا ما آمنت بهذا واستقر ذلك الإيمان في قلبك سلّم زمام حياتك لله عز وجلّ، سلّم القيادة، سلّم أخذ الأوامر والنواهي إليه فقط دون غيره سبحانه وتعالى وعليك أن تستذكر في كل هذا أن بينك وبينه عقد فعليك الوفاء به فهو المالك.

          ولذلك الآيات في سورة المائدة كثيرة تلك التي تكلمت عن البيئة أو ما يعرف بمصطلحاتنا المعاصرة “حماية البيئة”، المحميات المختلفة تكلمت عن الصيد وإباحة الصيد ومتى يكون محرّمًا لأنك أنت في تصرفك في هذه البيئة التي من حولك حيوان نبات أرض شجر سماء ماء أنت متصرف منتفع فقط وقد سُخّرت لك هذه الأشياء وبناءً عليه عليك أن تسير معها وتتعامل معها وفق منهج وفق تشريعات وفق أوامر ربي سبحانه وتعالى أعطاك وسخّر لك وفتح لك فيها.

          تدبروا هذه المعاني العظيمة فالقضية ليست كما ستأتي علينا قضية
          (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)
          هذه تفاصيل،هذه القضية عقد
          أنك تسير كإنسان وفق ما حدد الله سبحانه وتعالى في كتابه وفي منهجه.

          (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ
          إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)
          تدبروا ختام الآية،
          يحكم ما يريد لأنه المالك سبحانه وتعالى فهو يحكم وتأتي تفاصيل بعد تلك الآيات.

          ثم قال
          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)
          التعامل مع الأماكن ومع الأراضي ومع الأزمنة (الشهر الحرام) ومع ما كل ما هو حولك من أشياء في البيئة يتم وفق نظام منضبط تمامًا،
          القرآن يعلمك الانضباط.


          هذه الموجودات المنضبطة بقانون التسخير الذي جاء ذكره في كتاب الله عز وجلّ في أكثر من موضع أنت تسير عليه لكي يتحقق التوازن، كل شيء في الكون خُلق بتوازن وهذه من قدرة الله سبحانه وتعالى كل شيء فيه توازن: عدد ساعات الليل، عدد قطرات المطر، كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى بقدر وخلقه بشكل موزون وعنده خزائنه سبحانه في كل شيء.


          دور الإنسان المستخلَف الذي جعله الله خليفة على هذه الأرض دوره أن يسير ضمن ذلك التوازن، النظام المتوازن، يحافظ على التوازن في أثناء تعامله مع تلك الأشياء أو المسَخّرات سواء كانت زمانًا أو مكانًا أو موجودات، كائنات.
          فإذا لم يسر ذلك الإنسان الخليفة وفق ما بيّنه الله سبحانه وتعالى له في المنهج في كتابه بدأ الخلل يحدث، بدأ النظام يضطرب، بدأ نظام التوازن يختلّ فإذا حدث اختلال في التوازن حدثت عشرات الكوارث الطبيعية والإنسانية التي تحدث في زماننا هذا!!

          تدبروا ونحن نسمع اليوم من هنا وهناك انقراض عشرات الأصناف من الحيوانات وهذا كله له تأثيرات على أشياء أخرى على الأنظمة حتى على الأنظمة الغذائية فالكون يمشي وفق نظام متكامل كل شيء فيه يؤدي إلى شيء آخر بانسجام، باتساق لأن الذي خلقه أحسن كل شيء خلقه فالإنسان أُمر أن يسير وفق هذا المنهج والتفاصيل لأن ربما الإنسان لما يقرأ في سورة المائدة أو سورة النساء والأنعام يقول ما هذه التفاصيل العجيبة؟ ما هذه الدقائق والجزئيات؟! هذه مطلوبة لتبين لك أن عليك كإنسان أن تحافظ على هذا النظام، إذا لم تحافظ عليه سيحدث الخلل،
          وإذا حدث الخلل سيظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.
          والنتيجة ستكون فوضى، عذابات مستمرة، شقاء للإنسانية سواء على المستوى الطبيعي أو على المستوى الإنساني، مجاعات، فقر، حروب، عواصف تصحر جوع عطش، اختلالات. ما نراه اليوم أعراض لعدم القيام بذلك المنهج الموزون المتوازن والقواعد المنضبطة التي جاء بها في كتاب الله عز وجلّ.

          تعليق


          • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

            لا للاعتداء على حدود الله




            تدبروا في الآية الثانية في سورة المائدة
            (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا)
            لا للاعتداء، وهذه من الكلمات العظيمة في السورة، لا اعتداء لا زيادة ولا نقصان في الشيء الذي ينبغي أن يكون عن الحدّ الذي أمر به الله سبحانه وتعالى، أيّ شكل من أشكال الاعتداء هناك تجاوز للخط، سورة المائدة حوت خطوطا في الطعام، في الذبائح، في الصيد، في عشرات الأشياء، هذه الخطوط لا ينبغي تجاوزها فإذا حصل التجاوز يحدث الخلل.

            ولذلك قال (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ) حتى البغض والكراهية التي قد تكون مبرّرة في بعض الأحيان (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (أَنْ تَعْتَدُوا) هذا ليس مبررًا كافيًا لأنك أنت مأمور بعدم تجاوز خط العدالة، الاعتداء منهيٌ عنه لا يسوّغه شيء (ولا تعتدوا) ولذلك قال (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) تدبروا عدوان مرة أخرى في آية واحدة قال (تعتدوا – العدوان) لأن العدوان والتجاوز هو من أسباب عدم الوفاء بكل تلك الالتزامات والعقود فمنذ البداية سورة المائدة حددت الإطار العام لكل العقود: وفاء، تعاون على البر والتقوى في الوفاء بتلك العقود وفي نفس الوقت عدم التعاون على الإثم والعدوان الذي يهدّم كل صور وأشكال الوفاء بالعقود: الإثم والعدوان.

            فكل ما نحن فيه من أشكال الانتفاع والتصرف في الحياة سواء في أنفسنا، في أموالنا التي هي ليست على وجه الحقيقة أموال خالصة لنا، المال مال الله، في كل الأشياء المسخّرات أدخل فيها في عقد انتفاع فعليّ أن أتعامل فيها بالبر والتقوى هذه هي القاعدة حتى أصل لمرحلة الوفاء وحتى لو اقتضى ذلك الأمر أن يكون حين يحدث اعتداء فلا بد لجماعة الإنسان الجنس الإنساني البشرية أن يتعاونوا لأجل إعادة الأمور إلى نصابها البر والتقوى وأن لا يكون التعاون والتكتل والتجمع على الإثم والعدوان لحماية العقود.
            ولذلك ما يحصل اليوم من تجاوزات ومن اعتداء على البيئة والموارد البشرية وعلى الأرض وعلى المسخّرات وعلى الحيوان وعلى الماء هذه لا بد أن يكون لأجلها تجمعات إنسانية حقيقية تأخذ على المعتدي الآثم لتضع الأمور في نصابها ويبقى الجنس الإنساني وفيا بعقده والتزامه في الانتفاع بهذه المقدّرات الموجودة في هذا الكون.
            ولهذا قال الله عز وجلّ في ختام الآية (وَاتَّقُوا اللَّهَ) لأنه بدون تقوى لن يكون هناك تعاون على البر والتقوى (التقوى – واتقوا الله) التقوى مخافة الله عز وجلّ الشعور برقابة الله سبحانه وتعالى.

            تدبروا في الربط بين هذه الآيات وأوائل سورة النساء حين قال
            (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) الوصية العظيمة، الوصية الباقية: التقوى. رصيد الإنسان من التقوى، بقدر نصيبك من التقوى بقدر ما يكون الوفاء بالعقود والإلتزام بكل شيء سواء كانت العقود بينك وبين الطبيعة، البيئة وبينك وبين الناس في محيط الأسرة، في محيط العمل، كل الأشكال هي عقود، ما الذي يدفعني للوفاء بها؟ رصيد التقوى.

            ثم ختم بقوله
            (إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
            طبيعي!
            الإنسان الذي لا يسير في العقد على الإلتزام بم جاء فيه من شروط عليه أن يكون مستعدًا لإنزال العقوبة به، شيء طبيعي! نحن حتى في تعاملاتنا في العقود هناك ما يسمى بالشرط الجزائي حين لا يقوم طرف من طرفيّ العقد بالوفاء بمقتضيات العقد – ولله المثل الأعلى- إذا ما قمنا بالالتزام بهذه العقود التي ستأتي في هذه السورة العظيمة من البداية قال الله عز وجلّ
            (إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) لا زلنا في الاية الثانية في سورة المائدة، شديد العقاب لمن لم يوفّي بالعقود بكل أشكالها بكل مستوياتها بكل صورها.

            تعليق


            • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني




              أول فئة من تلك الفئات المشمولة بالعقود
              (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ)
              لماذا هذه الأصناف؟
              صحيح هناك حكم في التشريع، الأصل في التشريع وخاصة تشريع المعاملات الأصل فيه أن يتبين الإنسان المقصد ويتفهم الحكمة من التشريع حتى يستقر معنى الالتزام والتمسك بذلك التشريع بشكل واضح وعملي.
              هذه الأشياء التي خلقها الله سبحانه وتعالى هي من مخلوقاته ولكن أعطى للإنسان القدرة على الاستفادة والانتفاع بها حين تكون بشكل معين وفق ما هو أراد الله سبحانه وتعالى فأعطاه، الأنعام حين لا تكون ميتة مباحة عن طريق الذبح ولكنها إذا أصحبت ميتة حرّمت عليكم (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) تدبروا!

              ثم قضية الدم والأشياء الأخرى التي جاء ذكرها في الآية الكريمة.
              لماذا الممنوع والمنهي عنه؟
              ربي سبحانه وتعالى حدد لنا منذ البداية أن هذه الدنيا دار ابتلاء فيها أشياء يسمح لك أن تقوم بها، أكل، طعام، وهناك أشياء تدخل في دائرة الممنوع أو المحظور أو المحرم وفي كلتا الدائرتين لا بد أن يكون هناك نوع من الاختبار والتمرين لإرادتك كإنسان.

              لو كان كل شيء مباح فاختبار الإرادة لم يكن له ذلك الرصيد، وربي أعلم بنا لكنه بعدله سبحانه وتعالى أراد أن يقيم الحجة علينا بأعمالنا وأعظم ما في الإنسان ومن أكرم الأشياء فيه قوة الإرادة أن يمنع نفسه عن الشيء حين يكون محظورًا أو ممنوعًا، كرمه الله سبحانه وتعالى بهذا، كرّمه أن نفسه المؤمنة الطاهرة النقية تعاف الحرام، تعفّ عن الخبيث الحرام الممنوع

              ولذلك في سورة المائدة جاءت أشياء ممنوعة محظورة محرّمة سواء في المطعم والمأكل والمشرب وفي الزواج وكذلك في التعاملات حتى في الأموال ليس كل المال حلال،
              الأكل ليس فقط ما كان في دائرة الحرام التي ذكرتها الآية الثالثة: الخنزير، الدم، الميتة فقط، لا،
              هناك أشكال من الأكل الحرام المعنوي
              مثل أكل السحت الذي سيأتي عليه في سورة المائدة.

              فالمسألة تتعلق بهذا الاختبار والابتلاء الذي لا ينبغي أن يغيب عن ذهن الإنسان وهو يباشر انتفاعه بهذه الأشياء الموجودة في الكون، عليه أن يتعلم متى وكيف يقول لنفسه لا، ولكن قول اللا هنا ليس محكومًا بمزاجه الفردي ولا بأهواء من يمكن أن يأخذ منه تشريع وإنما هو محكوم بما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه ولذلك جاءت الآية هنا
              (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
              هذا تشريع.

              تعليق


              • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                الحكمة من الحلال والحرام في الأطعمة والأشربة



                (مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)

                لنا أن نتساءل ونحن في بدايات سورة المائدة لماذا بدأ ربي سبحانه وتعالى بالحديث عن الأشياء الحلال والمحرّمات في المطعم قبل أيّ شيء آخر؟
                المطعم شيء مهم في حياة الإنسان. هذا الجسد، ربي سبحانه وتعالى خلق الإنسان من جسد من اللحم والدم وخلق معه الروح وهي شيء متكامل مع بعضها البعض تشكّل الإنسان ذلك المخلوق الذي كرمه الله سبحانه وتعالى في أصل خلقته فقضية الطعام والشراب مهمة جدًا لأنها تعتني بذلك البناء الجسدي للإنسان والقرآن بعد ذلك كما سيأتي سيأتي الحديث عن الوضوء والطهارة، طهارة الباطن وطهارة الأعضاء وتجهيزها للدخول في كافة العبادات والشعائر وإقامة تلك الشعائر لا يكون بجسد نصفه قد غُذّي بالخبث والحرام ونصفه الآخر يحاول أن يتطهر تطهيرًا ظاهريًا، لا، القرآن لا يقبل بأنصاف الحلول، القرآن يريد منا أن نكون بشرًا نتصف بالطهارة الحقيقية طهارة الباطن وطهارة الظاهر، طهارة الجسد حتى فيما يدخل فيه فيحرص الإنسان المؤمن على لا يدخل في جسده إلا الحلال حلالًا حسيًا وحلالًا معنويًا، يتحرّى الحلال في طعامه وشرابه وكذلك في طعام من يعول يتحراه تحريًا، يحرص أشد الحرص عليه.



                وهنا تأتي قضية التسمية
                (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)
                ذكر ليست مجرد تسمية مجرد قول بسم الله تسمية عابرة، لا، التسمية هي شعار له اتصال حقيقي وثيق بهوية الإنسان فأنت حين تقول للشيء وعلى الشيء “بسم الله” إنما أنت تؤكد وتذكّر نفسك بذلك العقد الذي بينك وبين الله عز وجلّ.
                فهذه الأنعام ما سُخرت لولا أن الله سخّرها للإنسان للدرجة التي استطاع هذا الإنسان حتى وإن كان جسم الكائن الآخر أقوى وأعظم وأكثر في الوزن ولكن الإنسان يستطيع أن يتحكم فيه بقانون التسخير فحين يبدأ بشيء يبدأ بسم الله ليؤكد نفسه ولذلك الشيء الذي ينتفع به في ذات الوقت أن كل شيء في الكون إنما هو من الله سبحانه وتعالى فضل ونعمة وأنا حين أستعمله وأنتفع به إنما أفعل ذلك باسم الله تعالى ولذلك قال
                (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)



                ثم انتقلت الآيات في آيتين متتاليتين
                (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)
                ليبين هذه القاعدة التي للأسف الشديد تغيب عن بعض الناس أن الحلال هو الطيب مهما كان بسيطًا أو متواضعًا وأن الخبيث هو الحرام حتى وإن كان شكل ذلك الحرام مزينًا بأشكال وألوان مختلفة إلا أن تلك الزينة لا تخرجه عن خبثه فالحرام في أصله خبيث، الخمر على سبيل المثال أم الخبائث وضعت في كأس لها ألوان وأشكال، وضعت في أواني من أفخر وأغلى الأنواع، خبيثة في أصلها، ولكن الحلال هو في أصله طيب. فالإنسان حين تستقر هذه الحقيقة في نفسه تبدأ النفس برحلة القناعة بالحلال الطيب ولو كان بسيطًا أو قليلًا وأن تعاف النفس الكريمة المؤمنة الحرام الخبيث لأنه خبيث مهما اختفلت أشكاله.



                وقضية الحديث هنا عن الطعام وطعام أهل الكتاب، المسألة ليست مجرد طعام (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)
                وحصر القضية في هذا فكثير من المسلمين خاصة حين يسافرون لغرض السياحة أو العمل أو ما شابه يسألون هذا السؤال: هذا حلال؟ هذا حرام؟
                هذا أمر طبيعي. لكن القرآن حين نتدبر سنجد أن القرآن يحمّل الإنسان المؤمن رسالة عليه أن يبلغها لكافة أمم الأرض، هذه الرسالة لأجل أن تحدث وتتحقق هناك وسائل وآليات، واحدة من هذه الوسائل قضية الطعام، الطعام لما يكون مباحًا بين هذه الأطراف المختلفة
                (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)
                لأجل قضية التبادل، تبادل شيء من العلاقات التي يمكن أن تسمح بإيصال الرسالة التي كُلّفنا بها، رسالة القرآن كيف تصل. فقضية إباحة الطعام وقضية الزواج بالكتابيات في هذه الآيات جاءت في هذا السياق، سياق الرسالة الإنسان المؤمن كما يصوغه ويبنيه القرآن ليس بذلك الإنسان الذي تحركه شهوات ونزوات طارئة عارضة وإنما إنسان مصنوع على تلك المهمة التي خلقه الله عز وجلّ إليها ولها. تفكير الإنسان حتى في حالة الزواج أو إقامة العلاقات الاجتماعية أو روابط العمل أو ما شابه مع الأمم المختلفة محكوم بهذه الغاية العظيمة غاية إيصال الرسالة. فحين يكون للإنسان المؤمن فردًا أو مجموعة هوية خاصة في الطعام، هوية تعبّر عن ذاته وتعبر عن دينه وتعبر عن مبادئه وعن إيمانه وقيمه هذا سيكون أدعى لإيصال رسالة القرآن


                (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
                ولقائل أن يقول: قضية الإيمان تأتي هنا؟ لماذا؟
                قضية إيمانية، الطعام والشراب والزواج والنكاح وكل شيء هو عقد يتعلق بالميثاق الكبير الذي بيننا وبين الله عز وجلّ: ميثاق الإيمان. أعمالنا وجزئيات الحياة اليومية التي نمر بها ومختلف المواقف في السفر وفي الإقامة وفي العمل وفي الزواج وفي الطلاق مرتبطة بهذا الميثاق وعلي أن لا أنسى هذا أبدًا حتى لا أقع في إشكالية الخسارة.

                تعليق


                • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                  قيم التطهر.. ظاهره وباطنه




                  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)

                  تدبروا، قمت بطهارة الباطن والداخل عقلًا وقلبًا
                  قضية التقوى كم مرة ذكرت في الآيات الأولى من سورة المائدة قبل الحديث عن الوضوء؟ اغسل قلبك بالتقوى قبل أن تغسل الوجه. الصلاة طهارة، لماذا كل هذا الاهتمام بهذه القضية؟ قضية تنقية، فتصبح عملية الوضوء وغسل الأعضاء بالماء عملية تكميلية لما قد غُسل من أعضاء داخلية.

                  الأعضاء الداخلية التي غُسلت وطهرت من كل الخبائث بأنها ما أكلت إلا الطيب الحلال امتنعت عن الخبيث، نظيفة طاهرة تقية نقية وزادتها التقوى نقاوة وصفاء.
                  فهنا جاء الأمر بالغسل الظاهري للأعضاء بالماء
                  (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)
                  تدبروا هذه المعاني العظيمة!
                  هنا جاء الكلام عن قضية الطهارة.

                  وتدبروا في نهاية الآية قال
                  (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)
                  قاعدة: كل تعاليم الشرع، كل الأحكام في المأكل في المشرب في الزواج في الطهارة كلها ليس فيها حرج ليس الغاية منها أن يوقعك التشريع في حرج، كل أشكال الحرج مرفوعة، لا حرج حسّي ولا معنوي، إذن الذي يريده الله عز وجلّ
                  (يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
                  تدبروا!

                  إذن الممنوعات والحظورات هي ليست لإيقاعي في الحرج ربي حين يمنع عني بعض الأشياء تعبر عن هويتي كإنسان مؤمن لدي عقد والتزام مع الله سبحانه وتعالى مع خالقي، إنما هو من تمام النعمة التي ينبغي أن تقابَل بالشكر لا أن أُحرج، لأن بعض المسلمين اليوم حين يذهب إلى مكان قد يُحرج أن يسأل هذا الطعام حلال أو حرام؟ خاصة حين يسافر ويكون في رحلة عمل أو مع شخصيات دبلوماسية ربما قد يخجل أو يشعر بالحرج أن يتأكد من الطعام الذي قدّم إليه هل هو حلال أو حرام والحقيقة أن هذا تعبير عن نفسك عن هويتك عن رسالتك.


                  قال الله تعالى بعدها
                  (نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ)
                  لا تنس ذلك الميثاق حين تكون في سفرة عمل ويكون معك أشخاص من كل الجنسيات والأديان، لا تنس الميثاق، لا تنس أن تأكل إلا حلالًا مباحًا طيبًا ولا تخجل منه لا تشعر بضيق ولا حرج

                  (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)

                  تدبروا التناسب في الآيات وهي تبني فينا وتجدد روح الإيمان فينا، المسألة ما عادت لقمة طعام، لا، ميثاق، شيء أدخله في جوفي مما أنعم الله بي علي ينبغي أن يكون وفق ما أمر
                  (قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
                  هل تشعر فعلا بالحرج حين تسأل عن مصدر الأشياء التي تتناولها أو تأكلها لأنك لا تريد أن تتميز عن الآخرين أو تشعر أنك مختلف عن الآخرين؟
                  أنت مختلف عن الآخرين لا بشكلك ولا بلونك ولا بعرقك ولا بهيئتك ولكن بمنهجك وأريدَ لك هنا أن تكون متميزا لا لأجل أن تتعالى على أحد من الناس ولكن لأجل أن تهدي للبشرية وللإنسانية أجمل ما تحتاج إليه: الحلال الطيب
                  فتكون أنت تلك الرسالة المجسّدة في فعلك وسلوكك، في حرصك وشدة عنايتك بأن لا تأكل إلا الحلال ولا ترتضي لنفسك ولا لأبنائك ولا لأسرتك إلا الحلال، هذا الإلتزام لبّ الرسالة الحقيقية في تعاملك مع الناس.
                  للأسف بعض المسلمين اليوم ربما يعتبر أنه نوع من التطور والتقدم والمدنية أن يتميع في الجو الذي يكون فيه خاصة حين يسافر للغرب يذوب وينصهر وهذا الذي لم يرده القرآن أن يحدث في حياتك.

                  تعليق


                  • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                    الفرق بين المعية الخاصة والمعية العامة


                    (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿١٢﴾)

                    تدبروا منذ البداية تعهّد الله سبحانه وتعالى بقوله
                    (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ)
                    مع كل الأمم وليس فقط مع بني إسرائيل إن قامت بمقتضيات ذلك العقد

                    وقد يقول قائل ولكن الله مع حلقه مراقبة وجزاء وعدلًا وعطاء وأخذا ومنعًا، تلك المعية العامة الله سبحانه وتعالى مع عباده على نوعين:

                    المعية الأولى معية لكل الخلق المؤمن والكافر الذي يقوم بمقتصى لميثاق والعهد الذي لا يقوم به، معية بالعطاء فهو يعطي الجميع، يعطي الكافر ويعطي المؤمن، ينفع سبحانه وتعالى، يسبب لهم الأسباب ويرسل لهم الرسل وينزل عليهم الكتب، هذه معية عامة.
                    ولكن المعية الخاصة التي تعهد الله سبحانه وتعالى بها لعباده المؤمنين معية من نوع آخر معية التأييد معية التوفيق معية النصرة معية الفتح، معية الهداية معية الرزق معية الشعور بالأمن والإيمان، هذه المعية التي حدثنا القرآن عنها في آيات أخرى، تلك المعية التي استشعرها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لصاحبه في الغار
                    (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40] معية التأييد، معية الشعور بأن الله سبحانه وتعالى مع الإنسان المؤمن الذي وفّى له بالعقد حتى ولو وقفت في وجهه كل جنود الأرض، تلك المعية التي لم يستشعر بها بنو إسرائيل ، حين حرموا من القيام بذلك الميثاق والعقد، شعروا بالخوف وعدم الأمن والأمان لأنهم سُلبوا من معية الله الخاصة التي لا تكون إلا لعباده المؤمنين، إلا لعباده الواقفين عند بنود ذلك الميثاق، معية خاصة يستشعر بها المؤمن الذي يقوم بمقتضيات ذلك العقد، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، إيمان بمناهج الرسل، تأييد لرسالاتهم، تأييد لقيمهم، لشرايعهم ولمبادئهم. وكيف يكون التأييد للرسل وتعزيرهم والنصرة والإيمان بمبادئهم إلا من خلال تطبيق تلك القيم التي جاؤوا بها إلا من خلال تنفيذ الشرائع، السير على المنهج الذي جاؤوا به في حياة الإنسان في حياة الأمم في حياة المجتمعات. ولكن على الرغم من محدودية تلك البنود ويُسرها إلى حد كبير فهي ليست بخارجة عن حدود البشر إلا أن بعض تلك الأقوام نقضوا المواثيق فحكى الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) نقضوا الميثاق، تجاوزوا تلك البنود، لم يوفوا بتلك العهود ولا المواثيق ربما يكونوا فعلًا قد قاموا بالصلاة لكنهم لم يقيموها حقًا، لم يحققوا القيم التي جاءت في الصلاة لم يحققوا مقاصد الصلاة ولا غاياتها، ربما قاموا بأشكال العبادات لكنه في مواقع الأمر حولوا تلك العبادات إلى مجرد مظاهر لا تحقق القيم ولا المقاصد التي لأجلها شُرِعت ووضِعت، ربما قالوا ظاهرا أنهم ناصروا موسى عليه السلام أو أنهم معه ولكن القلوب لم تكن مع رسالة موسى عليه السلام، الجوارح لم تخضع لرسالته ولم تقم والميثاق الذي جاء به وجاءت به رسالته.

                    تعليق


                    • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                      أبعد القلوب من الله القلب القاسي




                      قضية القيام بالميثاق ليست قضية شكلية ليست قضية صورية، القرآن يريد مجتمعات ويريد أفرادا تحقق بنود الميثاق في حياتها وفي واقعها وأما ما خالف ذلك يعتبر مناقضة للميثاق.
                      واللافت للنظر أن القرآن تكلم عن بني إسرائيل وتكلم عن النصارى وجاء بعقوبات دنيوية، عقوبات يلمسها البشر في واقعهم في مجتمعاتهم حين ينقضوا الميثاق حين ينقضوا العهد فيما بينهم وبين الله سبحانه وتعالى قال
                      (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ)

                      عقوبات دنيوية ضرب الله سبحانه وتعالى بها تلك المجتمعات، طرد من رحمة الله عز وجلّ، وحين يُطرد المجتمع أو الفرد من رحمة الله عز وجلّ ماذا بقي له بعد ذلك؟ ماذا بقي للإنسان إن طرد من رحمة الله عز وجلّ؟ كيف يعيش؟ كيف يشعر بالسكينة؟ كيف يشعر براحة القلب؟ كيف يشعر بالاستقرار وقد طرد من رحمة خالقه؟! أين يعيش؟ أيّ سماء تظله وأيّ أرض تقلّه إن عاش بعيدًا عن رحمته سبحانه وتعالى وهو شاء أم أبى إنما يتقلب في رحمته سبحانه؟! ولكن هذا الجزاء، هذه العقوبة خاصة وهي تتلاءم تمامًا مع نقضه لعقود الميثاق، مع نقضه لبنود ذلك الميثاق الذي فرضه عليه الإيمان بخالقه سبحانه.


                      ثم تدبروا: ضربهم أيضًا بقسوة القلب فقال
                      (وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً)
                      وما ضرب العبد بعقوبة ولا ابتلي ببلاء أشد من قسوة القلب!
                      القلب القاسي الذي يحدثنا القرآن عنه كثيرًا في العديد من سور القرآن كما في سورة البقرة وذكره القرآن بعد الحديث عن شكل من أشكال نقض بني إسرائيل للميثاق. بنو إسرائيل أمرهم الله عز وجلّ في سورة البقرة بالقيام بأمر ما في قضية ذبح البقرة وهو أمر من الله عز وجلّ تلكأوا فيها ما أرادوا أن يخضعوا للأمر الإلهي فضربهم الله بعقوبة قال عنها
                      (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (البقرة))
                      القلب القاسي يصبح حين يتلكأ في الأمر الإلهي ويتجاوز الأمر الإلهي أشد قسوة من الحجارة لأن الحجارة لو وجدت فيها وسائل الإدراك لخضعت لخالقها الذي خلق والذي هو أولى بالاتباع وأولى بالخضوع لمنهجه في واقع الحياة ولكن الإنسان الذي لا يخضع في منهجه وفي حياته لأمر الله سبحانه ولا يقف عند مناهيه ولا يسير وفق المنهج ولا وفق العقد ولا وفق الميثاق الذي واثق به خالقه سبحانه يصبح أشد قسورة من تلك الحجارة. وقضية القلب القاسي لماذا يعطيها القرآن العظيم هذا الحيّز الكبير؟

                      إذا قسى القلب ما عاد محلًا صالحًا لاستقبال آيات الكتاب، لآيات الكتاب تنزل عليه لكنه لا ينتفع بها، لا يتأثر بها، لا تتحرك مشاعره ولا عواطفه لتلك المواعظ الواردة في كتاب الله، كل الكتب. فإذا جمدت تلك المشاعر وتوقفت تلك الأحاسيس عن الانفعال بآيات الكتاب ما عادت الآيات تؤثر بها، عاد يحرّف ويتعامل مع تلك الآيات بمنهج منحرف يأخذ منها ما يتماشى مع مصالحه ويترك منها ويهجر ما لا يتوافق مع أهواء نفسه ولذلك إذا وجد الإنسان في نفسه قسوة وما وجد في نفسه انفعالًا مع آيات الكتاب ولا تأثرا بها عليه أن يراجع القلب عليه أن يعود إلى قلبه لأن الأصل في آيات الكتاب أن ينزل على القلب فيتأثر وينفعل به القلب تتغير به المشاعر تتألم تتأثر تنفعل فإذا بذلك الانفعال يتحول إلى خضوع، إلى خنوع إلى استكانة لمنهج الله سبحانه وتعالى في الواقع خضوعًا لأوامر الله سبحانه وتعالى لا يستطيع العبد معه إلا أن يقول سمعنا أطعنا

                      ولذلك نحن في تعاملنا مع الكتاب العظيم مع القرآن علينا دومًا أن نتفقد القلوب، نتفقد قلوبنا القلوب بحاجة إلى تفقد بحاجة إلى مراجعة بحاجة إلى عرض على آيات الكتاب، عالج قلبك بالعرض على آيات القرآن العظيم، استمع للقرآن فإذا وجدت ذلك الانفعال، انفعال عاطفي ولكن لا بد لذلك الانفعال العاطفي أن يولد فيك استجابة فإذا ما تولدت فيك الاستجابة ولا صحّ التأثر بآيات الكتاب ولا التحرك أثناء الاستماع والقرآءة لهذه الآيات العظيمة اعلم أنه هناك إشكالية خطيرة في ذلك القلب.

                      تعليق


                      • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                        لماذا الظلمات جمع والنور مفرد؟





                        (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍقَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)
                        الرسول جاء منا، الرسول لا ينتمي إلى عرق ولا قوم، القضية ليست قضية قومية وليست قضية عرقية كما نظر إليها بنو إسرائيل، الرسالات والرسل والكتب والأنبياء ما جاؤوا لأجل أن يؤججوا أسس الصراعات بين البشر، أبدًا، جاؤوا بعوامل الجمع لا التفرقة، جاؤوا بعوامل المحبة وإرساء المحبة لا العداوة والبغضاء، والدعوة العرقية والدعوة العنصرية لا يمكن أن تؤدي إلا إلى البغضاء وإثارة العداوات بين البشر.

                        وتأملوا كيف وصف الله سبحانه وتعالى كتابه الكريم (نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) لا يحتاج إلى بيان (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) هذه ثمرات لاتباع المنهج للسير وفق منهج القرآن والوفاء بعقوده والتزاماته في واقع الحياة، سبل السلام، السلام ذلك الحلم الذي بات يراود البشرية يوما بعد يوم وأصبح أقرب ما يكون إلى الخيال منه إلى الواقع، البشرية باتت اليوم تحلم بشيء اسمه السلام! والقرآن يحدثنا عن السلام فيقول (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ) لا يهدي به البشر، يهدي به الله، الهداية من الله هداية حقيقية تتحقق حين يتعهد الله سبحانه وتعالى ويقول (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ) متى؟ حين يتّبع البشر هذا الكتاب العظيم يهدي به الله.

                        (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ)
                        قال يُخرجهم، الإنسان لا يخرج بنفسه ولكن الرب سبحانه وتعالى هو الذي يُخرجه وكيف يُخرجه؟ يخرجه حين يلتزم ببنود ذلك العقد والميثاق يخرجه هو من الظلمات إلى النور
                        وجاء بالظلمات جمعًا كعادة القرآن في حديثه عن الظلمات: ظلمات الجهل، ظلمات العداوة، ظلمات البغضاء، ظلمات التفرق، ظلمات القسوة، ظلمات الانحراف عن المنهج البشرية عرفت في تاريخها وتعرف في واقعها صنوفًا متنوعة من الظلمات لا صنفًا واحدا، البشرية أصبحت تتخبط في دياجير الظلمات على الرغم من كل أشكال الإضاءة التي أهدتها التكنولوجيا الحديثة للبشرية، كل أشكال الإضاءة لم تخلّص البشرية من دياجير الظلمات التي أصبحت اليوم تتخبط فيها، ظلمات الفقر، ظلمات المعاناة، ظلمات التهجير، ظلمات البؤس، ظلمات الشقاء، هذه الظلمات عقوبات طبيعية جدًا تتناسب مع تلك الجريمة، خالق خلقنا وأعطانا ورزقنا ووهبنا ثم بعد ذلك أعطانا ما تصلح به الحياة وتستقيم به المعيشة ولكننا تنكصنا وما أردنا أن نسير وفق ذلك المنهج الذي أعطى، تخبطنا في دياجير الظلمات، اتبعنا منهجا من هنا ومنهجا من هناكّ من الذي يُخرجنا؟


                        (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ)
                        النور واحد نور القرآن نور الإيمان نور العقد الذي تدخل به مع الله سبحانه وتعالى حياة جديدة حياة تشعرك بذلك النور حياة النور الحقيقي النور الذي يبعدك عن التخبط يبعدك عن الشقاء يبعدك عن كل أشكال العقوبات المختلفة التي جاءت نتيجة لنقض ذلك الميثاق.

                        تعليق


                        • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                          الصدقة بافضل ما نمتلك




                          (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ‏الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)

                          موقف ربما يمر به الانسان أحيانًا دون أن ينتبه، قد لا تصل القضايا الى القتل ‏ولكن تصل الى مستويات عالية من الحدّة. أولاد آدم كلاهما أُمر بالتزام معين: تقديم القربان طاعة لله سبحانه وتعالى، ‏والطاعة أو الأمر الالهي لا بد أن يقوم به المؤمن وفق أكثر الأشياء التي يمكن والمستويات التي يمكن أن يقدمها من ‏الإحسان والإتقان، وربي عز وجل قال في سورة الملك وفي سور أخرى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) فالإنسان مطلوب ‏منه في كل عمل يقدّمه، أن يقدمه لله سبحانه وتعالى صغيرًا كان أو كبيرًا، أن يتحرى جوانب الاحسان فيه إخلاص ‏النية لله سبحانه وتعالى والصدق الذي هو واحد من مقاصد سورة المائدة
                          (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)


                          ليس هناك ‏التزام بمواثيق ووفاء بعقود دون ان يكون هناك صدق، والصدق أول ما يبدأ يبدأ في النيّة وفي القلب ثم يظهر على ‏الأقوال والجوارح والأعمال المختلفة، فهذا الالتزام بالعقد والطاعة والاستجابة للأمر، والأمر الذي حدد ووجه ‏لأولاد أدم عليه السلام كان يقتضي منهما الاخلاص والصدق في النية: التقوى، الأمر الذي يدفع بكل واحد منهما الى ‏يبحث عن أفضل المستويات والإمكانيات في تقديم العمل، هذا قربان فعلى الانسان حين يقدم لله سبحانه وتعالى هذا ‏القربان أو الأضحية أو ما شابه عليه أن يبحث عن أفضل الأشياء، وكذلك الأمر في الزكاة وكذلك في الصدقة
                          (لَنْ تَنَالُوا ‏الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)


                          هناك درجات في الانفاق، صحيح ربي سبحانه وتعالى ما أراد أن يكلف الانسان بشيء إلا ‏في حدود إمكانياته وطاقته، فينفق من أوسط ماله حتى لا يصبح هناك نوع من أنواع الضرر، ولكن الايمان درجات ومنازل ‏ومراتب والأعمال مراتب، فإذا ما حاول الانسان أن ينفق من أفضل ما عنده أفضل ممتلكاته أفضل شيء من أمواله، قطعًا هذه الدرجة لا يمكن أن تتساوى مع درجة أخرى أو تتكافئ من إنسان يبحث عن أقل شيء لأجل أن ينفقه، أقل ‏المستويات، الفرق شاسع بينهما! ولذلك في سورة الحج ربي سبحانه وتعالى وقف بنا عند هذه القضية
                          (يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) ‏الأضاحي القرابين الصدقات الطاعات ربي سبحانه وتعالى لا يصله منها شيء، هو الخالق الغني الحميد، نحن الفقراء الى ‏رحمته وقبول أعمالنا منه سبحانه أن نصل الى مرحلة القبول، هنا علينا أن نتحرى التقوى في الأعمال، ‏وتحري التقوى يقتضي منا الصدق والاخلاص وتقديم الأفضل في كل ما نمتلك.‏



                          هذه المعادلة البسيطة ما حدثت بين أولاد آدم واحد منهما لم يقدم أفضل ما عنده والآخر تحرى الأفضل فقدمه فكانت ‏النتيجة أن الله عز وجل تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ذلك القربان. الطرف الذي لم يتقبل منه لم ينظر الى ‏الإشكالية التي حصلت في فعله لم يرجع الى نفسه لم يراجع نفسه وحساباته المختلفة فيتوصل من خلال تلك المراجعة ‏أنه قد أخطأ، والواجب من الإنسان حين يخطئ أن يتراجع ويتوب ويصحح الخطأ حتى تقبل منه التوبة، فعوضًا عن أن ‏يتراجع ويتوب ويستغفر لذنبه ويبحث في موطن الخلل الذي جعل ذلك القربان غير مقبول عند الله سبحانه وتعالى، ‏ترك كل هذا ونظر الى أخيه فقال
                          (لَأَقْتُلَنَّكَ)‏


                          وهذه قضية خطيرة جدًا تحدث في بعض الأحيان بين الناس في التنافس في مجالات العمل والأسرة والمجتمع ‏والمجالات المختلفة. الانسان حين يرى شخصًا أفضل منه في أي مجال أو في أي ناحية من نواحي الحياة المطلوب منه لا أن ‏يتوجه اليه بالحسد والرغبة في إسقاط ذلك الانسان والتوهم أنه يمكن أن يرتقي من خلال إسقاطه، بل عليه أن يتوجه ‏الى نقاط الضعف في عمله ونقاط القوة في عمل الآخر فيستفيد منها


                          تعليق


                          • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                            التعاون على البر والتقوى






                            (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
                            تشكيل فريق ‏عمل.
                            تدبروا معي نحن قلنا هنالك نماذج مختلفة للأخوّة، موسى وهارون عليهما السلام، وأولاد أدم، موسى وهارون ‏جمع بينهما الحق والعقد، عقد الإيمان والوفاء به ولذلك اجتمعا على أي شيء؟؟على التعاون والإيمان والبر بالمعروف ‏والنهي عن المنكر، بينما أولاد آدم حين نقض واحد منهما العقد كان السبيل والتفرق والتمزق والصراع الموهوم المفتعل، ‏صراع شيء يفتعله الانسان هو غير موجود في واقع الأمر، ولكن يصور للإنسان أو يهيأ له أنه سيفوز من خلال ‏صراعه مع الآخر، الآخر الذي نجح في عمل لم ينجح هو فيه، هو فشل في ذلك القربان، فشل في الامتحان، فعوضًا ان ‏يتعاون مع أخيه لإيجاد مواطن الخلل فيتعاون معه على البر والتقوى ولا يتعاون بطبيعة الحال على الإثم والعدوان، ‏تصور أن قتل والتخلص من الطرف الآخر -من أخيه- سيحل الإشكالية تماماً، وهي قضية ندرك تمام خطورتها ليس ‏فقط على الفرد كما جاء في هذه القصة وإنما خطورتها على المجتمع بأسره وعلى الأسرة، وهذه القضية الخطيرة نبهنا ‏القرآن إليها كذلك في سورة يوسف، تدبر القرآن يعلمنا كيفية الربط بين القصص وبين الآيات وبين الأحداث وبين ‏السور المختلفة

                            . سورة يوسف في قصة يوسف عليه السلام مع أخوته الموقف مشابه، الأخوة تصوروا أن إزاحة ‏يوسف عليه السلام من الطريق سيجعل الأمور أسهل الى محبة والى طريق قلب أبيهم من أن يتعاونوا مع يوسف على أمر ‏معين!
                            وهذه نقطة خطيرة جدًا نقطة عانى منها هنا ابن آدم (قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) أتخلص منك. وللأسف الشديد ونحن نتعلم من ‏تدبرنا لكتاب الله سبحانه عدد مهول من المشاريع الناجحة اجتماعية وسياسية واقتصادية وتربوية سقطت وحطّمت ‏من جذورها بسبب هذه القضية، القضية الخطيرة أن الإنسان يتوهم أن إزاحة الطرف الناجح من طريقه سيحقق له ‏نجاحًا أو فوزًا أو انتصارًا، وهذا خطأ بالمئة مئة هذا لا يحقق الا مزيد من الفشل، عشرات مئات من المشاريع ومن ‏القضايا المؤسسية في مجتمعاتنا وبلداننا تسقط بسبب عدم القدرة على التعاون وعدم القدرة على تشكيل فريق عمل، ‏والقرآن في هذه السورة العظيمة وفي سورة يوسف ينبه الى أهمية تشكيل فرق العمل
                            (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا ‏عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)

                            لماذا؟


                            التعاون على البر والتقوى ينجح المشاريع، ينجح قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‏ينجح محاصرة الفساد والمفسدين وإقامة العدل والخير والإصلاح ولا يأتي المجتمع والفرد إلا بكل خير، التكاتف، ‏التعاون تدبروا في واقعنا في عشرات المشاريع المختلفة التي أزاح رؤوس أو مدراء أو أشخاص أصحابهم الناجحين ‏من طريقهم عوضًا عن أن يتعاونوا معهم خشية أن يأتي ذلك الطرف الناجح فيحل محله أو يأخذ مكانه أو يستولي على ‏منصبه، وبذلك تضيع المؤسسة ويضيع المشروع وتنتهي القضية بأسرها لأجل ذلك التنافس، التنافس غير المشروع ‏المذموم، القرآن يقدم لنا مصطلحًا للتنافس المشروع
                            (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)
                            ولكن التنافس الشريف المحمود الذي ‏يدفع الى التعاون على البر والتقوى ولا يدفع الى الصراع ولا إلى الخصام ولا إلى الشقاق ولا إلى شق الصف والوحدة


                            تعليق


                            • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                              عظم جرم قتل النفس بغير حق




                              (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

                              تدبروا معي التصفية للطرف الآخر الناجح لا يمكن ‏أن تأتي على الفرد بصلاح،
                              خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين!.
                              وتدبروا معي كل أشكال التنافسات غير ‏المشروعة المنافسات في واقعنا في أسرنا في مؤسساتنا لا تأتي بخير على أصحابها
                              (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

                              خسارة وندم، والندم يقابله خطوة كان لا بد لابن آدم ‏أن يقوم بها، الابن القاتل بدل أن يفكر بعملية القتل والتصفية: التوبة قبل فوات الأوان تصحيح الخطأ، الندم بعد أن ‏يحدث الجرم ويفوت الأوان لأن التوبة لها أوان ووقت، ولذلك أمرنا أن نبادر بالتوبة وتصحيح الأخطاء طالما أن ‏أنفاس الحياة تدخل وتخرج – وهذه نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى – علينا أن نبادر بالتوبة وتصحيح الأخطاء كلها ‏، أخطاء فردية أو مجتمعية أو على مستوى المؤسسي -كل الأخطاء- بادر بالتوبة، التوبة ليست مجرد تصحيح للعلاقة ‏بينك وبين الله سبحانه وتعالى بل هذا جزء والجزء الآخر ما يتعلق بنفسك وحقوق الأخرين تصحيح تغيير المسار، وهذا ما ‏فشل به ابن آدم فكانت النتيجة خسارة وندم، وهي عاقبة واضحة لكل إنسان ينقض الميثاق مع الله سبحانه وتعالى.

                              نحن في سفينة واحدة كما شبهها النبي صلّ الله عليه وسلم في بعض الأحاديث،
                              سفينة ‏المجتمع وسفينة الإنسانية وسفينة العالم،
                              أخطاؤنا وسلبياتنا وسوء تصرفاتنا في بعض الأحيان إنما هي خروق في ‏تلك السفينة، خروق نحدثها وكل خرق في تلك السفينة هو قطعًا يصب في عملية إغراقها عاجلًا أو آجلًا،
                              المطلوب ‏منا في حياتنا أن نسد تلك الخروق أن نقوم بعملية الإصلاح.‏


                              (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)
                              -تدبروا معي-
                              (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ‏أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)
                              الذي يقتل نفسًا كأنما يقتل الناس جميعًا، كل البشرية
                              (ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ ‏جَمِيعًا)
                              لماذا يا رب؟
                              تدبروا معي في الآية، آية سورة المائدة عرضت لنا أشكالًا من نقض المواثيق والعقود، وأعظم عقد ‏بدأت به في بدايتها عقد الدين، عقد الايمان. ثم جاءت هذه القصة لتبين أن الحفاظ على النفس يأتي بالمرتبة التي تليها، ‏حفاظ على الدين، على الايمان ثم الحفاظ على النفس البشرية. فإذا إنسان قتل إنسانًا نفسًا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا ، لأن المسألة ليس مسألة عدد، المسالة هي مسألة اعتداء الإنسان على تلك الروح وحق الحياة الذي وهبه الله لإنسان ‏آخر، فالذي وهب حق الحياة هو فقط سبحانه الذي يحدد كيف يؤخذ ذلك الحق، لا ينبغي لإنسان أن يعتدي عليه أبدا ‏بغير نفس أو فساد في الأرض


                              ربي عز وجل في سورة البقرة – هكذا التدبر يعلمنا الربط- قال
                              (وَلَكُمْ فِي ‏الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
                              حياة ونحن نعلم بأن القصاص أن يُقتل الانسان المجرم القاتل بسبب قتله لغيره ‏فكيف يكون القصاص هنا حياة؟؟؟ حياة للمجتمع، حياة لعشرات الأرواح البريئة التي ستُحمى من خلال تنفيذ ‏القصاص على المجرم القاتل الذي سفك الدم، ولذلك اليوم البشرية الأغلبية الصامتة على سفك الدماء على الاعتداء على ‏الأرواح البريئة قتل الأطفال قتل الأبرياء قتل النساء قتل الرجال قتل المستضعفين، هذا الصمت العالمي سيدفع ثمنه ‏جموع البشرية أجيال من البشرية

                              (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ)
                              عظمة التعبير القرآني العظيم في هذه الآية عظيم
                              (أَوْ ‏فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)
                              فما بالك بمن يقتل في كل ساعة عشرات وربما مئات
                              أمام صمت مطبق يكاد ‏يقترب من حد الموت أكثر منه الى حد الصمت؟؟!

                              تعليق


                              • رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                                محاربة الفساد فريضة وضرورة




                                (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا ‏مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )هذه الآية آية حد الحرابة لماذا جاءت هنا؟ – ولذلك تسمى ‏الحرابة جزاء الذين يحاربون الله ورسوله – السؤال الذي يطرح نفسه على المتدبر هنا كيف يحارب الانسان الله ورسوله؟ ‏هل يستطيع أحد أن يحارب بالله ورسوله؟!! كيف تكون محاربة الله ورسوله؟؟

                                تكون من خلال محاربة المنهج ومنازلته، ‏محاربة القيم والمبادئ التي جاء بها الرسل والأنبياء ربي عز وجل شرّع، أمر، قال منذ بداية السور ة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ‏النفس البشرية حرمة النفس والحفاظ عليها هذا عقد بين الله وبين خلقه عليهم جميعًا أن يوفوا به بصيانته والحفاظ عليه والأخذ بقوة على كل من تطوع له نفسه أن يعتدي على تلك النفس البشرية ولذلك قال (يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ‏الْأَرْضِ فَسَادًا) منازلة القيم ونقض المواثيق والعقود والاعتداء على النفس البشرية هو مصب ومحط وبدايات الفساد في ‏الأرض، هو البدايات مع الدين عقد الايمان بيننا وبين الله عز وجل وشكل من أشكاله وخطواته المتتابعة قضية قتل ‏النفوس قتل النفس البشرية والاعتداء عليها. وقد يسأل سائل ولكن العقوبة شديدة ! أكيد، هذه العقوبة شديدة
                                (يُقَتَّلُوا أَوْ ‏يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ)


                                عقوبة شديدة تتناسب تمامًا مع طبيعة الجُرم الذي أحدثوه مع طبيعة الخرق ‏الواسع الذي أحدثوه في اغراق سفينة البشرية والمجتمع، الفساد حيت ينتشر وحين ترخص الدماء تصبح الدماء ‏رخيصة فما الذي يعيد الأمور الى نصابها بعد ذلك؟!

                                المطلوب ايقاف الفساد والمفسدين وهذا عقد ‏جديد يفرض على بقية أفراد المجتمع أفراد المجتمع الانساني الأسرة الانسانية الكبيرة، أنا لدي عدد من المفسدين عدد ‏ممكن أن يكون محدودًا خمسة، عشرة، مئة، ألف، آلآف ولكن الاشكالية الخطيرة حين يترك هؤلاء المفسدون بالاستمرار ‏في افسادهم في الأرض، اليوم نحن ننظر الى البشرية هل نتوقع أن معظم نفوس العالم البشر اليوم يقبلون بسفك الدماء ‏البريئة؟! أبدًا! شعوب العالم أفراد العالم نحن وأنا وأنتم والناس أغلب الناس أيرضون بسفك الدماء؟ أيعجبهم مناظر تلك ‏الأجساد والأشلاء المقطعة التي يرونها على شاشات التلفزة ليل نهار؟ أبدًا! أبدًا! إذن من الذي يحصل؟

                                الذي يحصل أن ‏القلة المفسدة في الأرض التي تعيث في الأرض فسادًا ما أوقفت عند حدها، وهذا هو يأمر به القران. هذا عقد جديد ‏التزام جديد أن يكون المجتمع الانساني على قدر المسؤولية، المجتمع العالمي على قدر الشعور بالمسؤولية فيوقف ‏الفساد والمفسدين، هذه مسؤولية الجميع فاذا فشل فيها الناس كانت العقوبة عقوبة عامة كما سنأتي عليها. والعقوبة ليس ‏بالضرورة فقط قضية قتل، لا، عقوبة المعاناة، المعاناة من شرور المفسدين، العالم اليوم كل العالم في الشرق وفي الغرب ‏يعاني من الفساد والمفسدين، يعاني من أولئك الذين يقتلون ويسفكون ويهجّرون ويقطّعون، ولكن جزء من أسباب تلك ‏المعاناة هو ذلك الصمت، تلك السلبية البشعة التي لا ينبغي للإنسان المؤمن الذي يدخل في عقد مع مع الله سبحانه وتعالى أن ‏يقوم بها

                                تعليق

                                يعمل...
                                X