الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،
أما بعـــد..
فإنَّ أسعد الناس بالقرآن الكريم من تلاهُ حقّ تلاوته؛
فآمن به وتدبّره، وعظّم شأنه في نفسه وأكبره، وتفكّر في آياته وادّكر، واستعبر مما فيه واعتبر؛
حتى أثمرت له تلاوته من المعارف الإيمانية والبصائر السلوكية ما ينير له الطريق، ويبيّن له الحقائق،
ويسمو بهمّته، ويشدّ من عزيمته حتى يتحفّز لاستباق الخيرات بسير المشمّرين، واجتهاد المحسنين. [1]
قال الله تعالى:
{قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
المائدة: 15,16
يهدي الله بهذا الكتاب المبين من اتبع رضا الله طرق الأمن والسلامة، ويخرجهم بإذنه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ويوفقهم إلى دينه القويم.
وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الأنفال: 24
هذا نداء للمؤمنين فيه أمر بالاستجابة للّه وللرسول صلى الله عليه وسلم،
أي: الانقياد لما أمــرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيــا عنه، والانكفاف عنه والنهي عنه.
وقوله: {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} وصف ملازم لكل ما دعا اللّه ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته،
فإنَّ حياة القلب والروح بعبودية اللّه تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام.
فما أعظمها نعمة من الله على عباده الذين يتلون كتابه بقلب خاشع، يبتغون الهدى ويحرصون عليه،
ويعرفون معاني كلام الله، فيعقلون ما فيه ويفهمونه بتوفيق من الله؛ فيفتح الله لهم أبواب الهداية والفهم،
ويظلُّون يدركون فوائد جليلة لا يعقلها غيرهم ممن يقرأون القرآن قراءة عابرة!
وما أعظمها نعمة من الله تعالى على عباده الذين يداومون الاعتبار إذا ما ذُكِّروا، وإذا ما وُفِّقوا لعمل صالح،
فيدركون الفائدة ويتعلمون دروسًا غالية؛ من مداومة تلاوة آي الذكر الحكيم، وقوفًا على مثيلات هذه الآيات، في قوله تعالى:
( سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ ) الأعلى: 10
( وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ ) غافر: 13
( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ) النازعات: 26
كذلك يتعلمون دروسًا هامَّــةً أخرى كلما وُفِّقوا للعمل الصالح؛
فلا يتكاسلون ولا يتواكلون ولا ينسون أبدًا مراد الله من عباده بالعبادة الخالصة له سبحانه.
وأقرب الأعمال لنا ما زلنا نحيا بذكرياتها القريبة جدًا من قلوبنا وعقولنا وكأنها كانت بالأمس!!
تلك التي كانت في شهر رمضان..
فبعد انتظارنا له سرعان ما مضى وولَّى ورحل عنَّا، وأصبحت ذكراه تختلف لكل واحد منَّا..
إنه شهر القرآن وجماع خصال الخير؛ قد انتهى وولَّى، ونشعر جميعًا على فراقه بالأحزان...
سَلَامٌ مِنَ الرَّحْمَنِ كُلَّ أَوَانِ ... عَلَى خَيْرِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى وَزَمَانِ
سَلَامٌ عَلَى شَهْرِ الصِّيَامِ فَإِنَّهُ ... أَمَانٌ مِنَ الرَّحْمَنِ أَيُّ أَمَانِ
تَعَبَّدَ فِيكَ الْمُسْلِمُونَ وَأَقْبَلُوا ... عَلَى ذِكْرِ تَسْبِيحٍ وَدَرْسِ قُرَانِ
وَمَا زِلْتَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ مُنَوِّرًا ... لِكُلِّ فُؤَادٍ مُظْلِمٍ وَجَنَانِ
لَئِنْ فَنِيَتْ أَيَّامُكَ الْغُرُّ بَغْتَةً ... فَمَا الْحُزْنُ مِنْ قَلْبِي عَلَيْكَ بِفَانِي [2]
والآن.. وبعد انقضاء شهر العبادة يجب أن نستخلص منه الدروس المستفادة
فدعونا أولًا نقف مع أهم الدروس المرتبطة بشهر رمضان ذاته، ألا وهي نية العمل في أيام وليالي شهر رمضان،
فالنية عليها مدار أعمال العبد كلها، والدرس الذي أعنيه هو كيف استقبلنا شهر رمضان وكيف انتظرنا قدومه؛
فهناك من يأتي عليهم هذا الشهر المبارك، أعوام عديدة، ولا يشعرون به!
وهناك آخرون ينتظرونه عاما بعد عام ويخططون له بالاجتهاد في الأعمال الصالحة، وكيفية اغتنام أوقاته جيدا،
ثم تجد آخرون برغم انتظارهم لرمضان؛ إلَّا أنهم يبدأونه بفتور، فينقضي منهم مسرعًا وهم على حالهم!
فهؤلاء جميعًا اشتركوا معًا في انتظارهم لشهر رمضان وترقُّب حلوله؛ لكن نواياهم قد اختلفت -والله أعلم بما في الصدور-.
فالفارق كبير بين نية اللهو وإضاعة الوقت فيما لا يفيد وينفع، بل يضر ويؤذي صاحبه لا محالة!!
وبين نية اغتنام الأوقات في العبادات والطاعات والتقرب إلى لله رب العالمين.
إذن فهنــاك من يُضيِّع الشهر تماما بلا مبالاة، وهؤلاء قد خسروا -كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-،
وهنــاك من يُضيِّعه فتورا وتضييعا للوقت، يريدون فعل الخيرات؛ لكن مُلهيات الدنيا تأخذهم، وهؤلاء أيضًا قد خسروا؛
لأنَّهم عملوا دون اجتهاد يُذكر -كأصحاب الهمم العالية-، وصاروا بين بين ، فضاعت منهم خيرات عظيمة!!
وهنــاك من يقضون أيام رمضان ولياليه في عبادة مستمرة وتقرب إلى الله تعالى، وهؤلاء يجعلهم الله من الفائزين بتوفيق منه سبحانه.
جعلنا الله وإياكم من الفائزين برضائه في جناته يوم العرض عليه..
إنَّها دروس غالية يتعلمها ويستفيد بها كل من فاته الخيرات؛ ندمًا وحسرةً على ما ضاع منه!!
إنَّـهـــــا
- دروس مستفادة لمن ضيَّع رمضان فيما مضى بالاستعداد له جيدًا فيما هو آت بإذن الله؛ إذا مدَّ الله له في عمره،
- و دروس مستفادة لمن اجتهد في العبادة ورأى في نفسه تقصيرًا، فينوي التزود أكثر ومقاومة نفسه أكثر فيما هو آت؛ إذا أذن الله له بالعيش.
إنَّـهـــــا دروس لا يجب أن تغيب عن أذهاننا أبدًا ما حيينا
ثم نتطرق الآن إلى الدروس المستفادة من شهر رمضان بعد انقضائه،
وأساس هذه الدروس قائم على ازدياد المسلم في طاعة الله تعالى -تقربا إليه سبحانه-؛
بالمحافظة على ما كان يفعله في رمضان؛ فقد تربَّى في شهر الصيام وهو صائم، وربَّته الصلوات، وتربَّى على مائدة القرآن،
فعلِم وتعلَّم كيف يُراقب ربه، وكيف يبتعد عن الذنوب والمعاصي، فأدرك قوله تعالى:
{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} العنكبوت:45.
فالصيام طاعة وصلاح للنفس، فهو يُبعد المرء عن الذنوب والمعاصي،
ولذلك نجد الله تبارك وتعالى في كتابه بعد أن بيّن لنا وجوب الصيام، وبيّن بعض أحكامه، أَتْبَع ذلك بقوله :
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة:188،
فذكر هذه الآيات بعد آيات الصيام؛ لأن الصائم لا يأكل أموال الناس بالباطل، والمُصلِّي لا يأكل أموال الناس بالباطل..
فأنت يا من صمت لله عن الطعام والشراب وهو حلال؛
كيف تأكل الحرام؟
بَــــلْ
كيف تأكل أموال اليتامى؟
وكيف تسرق أموال الناس؟
وكيف تسرق بيت مال المسلمين؟
وكيف تأخذ الرشوة؟
فالمسلم لا يأكل الحرام؛ لأنه يعرف أن له رباً سيحاسبه، وأن الدنيا زائلة، فيبقى الإثم، وتبقى حقوق الناس في ذمتك لا تسقط،
فلا يأكل الإنسان الحرام: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ }،
تأتي هذه الآية بعد آيات الصيام لتقول: يا صائمين! اتقوا الله واتركوا هذه الأعمال المحرمة.
وليست المسألة فقط أن تصوم ثم بعد ذلك تفطر على ما حرم الله، وتأكل أموال الناس بالباطل،
ففعل الخير يحدُّك من الشر، ويُبعدك عنه، وهذه هي التقوى،
فلا تغتب الناس، ولا تنمهم، ولا تقع في أعراضهم، ولا تأكل أموالهم، ولا تهتك أعراضهم؛ لأنك تخشى الله تبارك وتعالى،
وأنتم تعلمون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمنٌ ، ولا يسرقُ السارقُ حين يسرقُ وهو مؤمنٌ) [3].
فالله تبارك وتعالى إذا كان حاضراً في قلوبنا في شهر الصيام وفي غير شهر الصيام، فهذا يجعل المسلم في مراقبةٍ دائمة لله،
فلا تمتد يده إلى الحرام، وعينه إلى الحرام، وأذنه لا تسمع الحرام، ورجله لا تمشي إلى الحرام، ويده لا تأخذ الحرام،
كل ذلك وهو مستقيم على طاعة الله تبارك وتعالى، وهذا هو الإحسان، بأن يبلغ المسلم القمة،
بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وهذا هو الــدرس الأولمن الصيام، ألا وهو التقــوى.. تقواه سبحانه وتعالى..
فالتقوى وصية الله للأولين والآخرين من عباده، قال عزَّ وجلّ:
{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} النساء:131.
ومعنى التقوى: تقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه.
إنه مفهوم عظيم كبير للصائم في رمضان؛ فقد كان مُستشعِراً لهذا المعنى أثناء صيامه،
فمبدأ التقوى هو السرّ الحقيقي في الصوم، كما قال الله تعالى:
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 183.
يجب علينا أن نستشعر مفهوم التقوى في جميع مناحي الحياة؛ في رمضان وبعد رمضان،
فالتقوى ليست محصورة في أيام أو في عبادات معينة؛ بل التقوى شاملة لحياة المسلم كلها..
فالتقوى تكون مع نفسك بأن تلزمها الحق وتكفها عن الباطل، قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُو ابِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28].
والتقوى مع أولادك بأنْ تُجنِّبهم مواطن الردى، كما قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} التحريم: 6،
ثم إنَّ التقوى مع غيرك أن تعاملهم بما يُرضِي الله.
فالمسلم الذي يتقي ربه تكون تقوى الله ومراقبته حاضرة معه في كل مكان؛ في بيته، وفي عمله،
مع نفسه، ومع زوجته، ومع أولاده، ومع زملائه،
حينما يكون مع الناس، وعندما يخلو بنفسه لا يراه إلا رب الناس.
أما ثــانــي الــدروس، وهو بالأهمية بمكان، ألا وهو درس الإرادة،
فالمسلم في رمضان يخالف عاداته ويتحرر من أسرها، ويترك مألوفاته التي هي مما أحل الله لعباده،
فتراه ممتنعا عن الطعام والشراب والشهوة في نهار رمضان امتثالا لأوامر الله عز وجل،
وهكذا يصبح الصوم عند المسلم مجالا رحبا لتقوية الإرادة الجازمة؛
فيستعلي على ضرورات الجسد، ويتحمل ضغطها وثقلها إيثارا لما عند الله تعالى من الأجر والثواب.
إنَّ هذا الدرس العظيم يقودنا لمعرفة حقيقة النفس البشرية بأنها قادرة -بعد توفيق الله سبحانه- بإرادتها وعزيمتها عن الابتعاد عن الحرام،
وعليه فمدرسة رمضان تُعدُّ درساً مجانياً لترك العباد كل الآفات الضارة لهم؛ إذا قرروا ذلك، وسألوا قبل ذلك وبعده العون من الله سبحانه.
ونأتي إلى الــدرس الثــالــث، وهو المداومة على الطاعة..
فشهر رمضان موسم تنوع الطاعات والقربات؛
فالمسلم في هذه الأيام الفاضلة يتقلب في أنواع من الطاعات والعبادات وهو مع ذلك كله حريص عليها،
فإذا كان رب رمضان هو رب جميع الشهور كما نعلم، فحري بالمسلم أن يخرج من مدرسة رمضان بإقبالٍ على الطاعات والمداومة عليها،
حري بالمسلم أن يجعل من نموذج حياته في رمضان منهج حياة له يداوم عليها،
قال الله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} الفرقان: 62.
أَيْ يَخْلُف كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا صَاحِبه يَتَعَاقَبَانِ لَا يَفْتُرَانِ؛ إِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا، وَإِذَا جَاءَ هَذَا ذَهَبَ ذَاكَ،
وفائدة هذا الأمر كما ذكر ربنا جل جلاله؛ ( لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا )
أَيْ جَعَلَهُمَا يَتَعَاقَبَانِ تَوْقِيتًا لِعِبَادَةِ عِبَاده لَهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَمَنْ فَاتَهُ عَمَل فِي اللَّيْل اِسْتَدْرَكَهُ فِي النَّهَار، وَمَنْ فَاتَهُ عَمَل فِي النَّهَار اِسْتَدْرَكَهُ فِي اللَّيْل.
وهكذا تمضي بنا وتتوالى الأيام والليالي، والشهور والأعوام -بقدر ما لنا من عيش في الدنيا-، فتهُلَّ علينا أيام المواسم والنفحات وتنقضي؛
لذا يجب علينا اغتنامها جيدًا والسير على ذات الطريق بعينه.. لا نحيد عن عبادة ربنا أبدًا بتوفيق منه سبحانه.
إذن.. فـ الــدرس الثــالــث، وهو المداومة على الطاعة؛ يجب أن نلتزم به تمامًا في العمل الجادّ الذي نتزود به من الدنيا للآخرة،
وأبواب العمل الصالح كثيرة، وأبواب الخير كثيرة وليست باباً واحداً، منها على سبيل المثال:
1- الاهتمام بالصيام بعد شهر رمضان
ينقضي شهر الصيام ولكن الصيام لا ينقضي، فقد شرع الله تبارك وتعالى صيام أيامٍ فيها أجر عظيم، وفضل كبير،
ومن ذلك صيام ستة أيام بعد رمضان في شهر شوال،
ومن الأيام الفاضلة التي صيامها يُكفِّر الذنوب ويمحو الخطايا ويرفع الدرجات؛ صيام يوم عرفة،
وكذلك صيام عاشوراء، وهو اليوم العاشر من شهر المحرم، وهو يكفر ذنوب وخطايا سنة ماضية، إلا أنه يُستحب أن يصام يوم بعده أو يوم قبله.
وهناك صيام الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من أول كل شهر أو من أوسط كل شهر،
فإذا أحب الإنسان أن يزداد من الحسنات صام يوماً وأفطر يوماً، أو صام يوماً وأفطر يومين، كل ذلك شيء طيب.
2- الاعتناء بالصلاة في أوقاتها في الجماعات
الصلاة من أعظم ما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، وخاصة الصلاة في وقتها، والصلاة في جماعة بالنسبة للرجال أجرها عظيم، وثوابها جزيل،
فهي تحط الخطايا والذنوب، وتغسل الإنسان من أدرانه، وتقربه إلى الله تبارك وتعالى.
وكما نرى المساجد عامرة في الليل وفي النهار في شهر رمضان؛ يجب أن نرى ذلك بعد رمضان وكل أشهر العام.
هكذا كان المسلمون الأوائل طيلة العام، فقد كانوا ملتزمين بطاعة الله تبارك وتعالى. عن عبدِاللهِ بن مسعود رضي الله عنه؛ قال:
((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى،
وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ؛ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ،
وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً،
وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ)) [4].
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم:
[مَعْنَى يُهَادَى أَيْ يُمْسِكُهُ رَجُلَانِ مِنْ جَانِبَيْهِ بِعَضُدَيْهِ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى:إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ.
وَفِي هَذَا كُلِّهِ تَأْكِيدُ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ ، وَتَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ فِي حُضُورِهَا ، وَأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ الْمَرِيضُ وَنَحْوُهُ التَّوَصُّلَ إِلَيْهَا اسْتُحِبَّ لَهُ حُضُورُهَا].
3- المداومة على تلاوة القرآن وتدبر آياته والعمل به
ومن الدروس الهامة جدًا والعِبر من صيام شهر رمضان والازدياد من الأعمال الصالحة فيه هو تعاهدنا للقرآن الكريم.
قال الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله:
يُسْتَحَبُّ حِفْظُ القُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَالإِكْثَارُ مِنْ تِلاوَتِهِ كُلَّ وَقْت لأَنَّ تِلاوَتَهُ مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ وَأَعْظَمِ القُرُبَاتِ وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ
وَفِيهَا أَجْرٌ عَظِيمٌ وَثَوَابُ جَسِيمٌ مِنْ الْمَوْلَى الكَرِيمْ وَلاسِيَّمَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ،
قَالَ الله تَعَالى آمِرًا رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِلاوَةِ كِتَابِهِ العَزِيزِ وإبْلاغِهِ إلى النَّاسِ: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ} الكهف: 27.
وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الذين يَتْلُونَ كِتَابِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلاةِ وَالإِنْفَاقُ مِمَّا رَزَقَهُمْ اللهُ تَعَالى فِي الأَوْقَاتِ الْمَشْرُوعَةِ؛
لَيْلاً وَنَهَارًا سِرًّا وَعَلانِيَّةً، فقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ *
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} فاطر: 29 ، 30.
وَعَنْ عُثْمَانٍ بنِ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِم. أ.هـ [5]
4- وخلاصة القول في الدروس المستفادة من رمضان وبعد انقضائه هو:
استمرار العبودية لله تعالى
فبعض العبادات تكون في فترة من الزمان كالصيام وكالحج، وبعضها مستمر كالصلاة، ثم تأتي بعد ذلك النوافل؛
فالعبودية لله تبارك وتعالى مستمرة.. منذ أن يعقل الإنسان إلى أن تخرج روحه من بين جنبيه، وسيجد أثر ذلك عندما يقدم على الله تبارك وتعالى.
إذن فالدرس الأساسي والهام، بل والأهم الذي نخرج به من شهر رمضان؛ هو استمرار العبودية لله تعالى
وتحقيق ذلك يكمُن في المحافظة على كل ما هو عبادة وطاعة لله.
وفقنا الله وإياكم إلى مداومة الأعمال الصالحة واستمرار عبوديتنا له سبحانه وتعالى كما يحب ويرضى.
______________________
المراجع:
- بتصرف شديد من محاضرات مقروءة.. للشيخ عمر الأشقر، المصدر: اسلام ويب.
- بتصرف من مقال للشيخ محمد بن عدنان السمان.
- بتصرف شديد من مقالات بموقع اسلام ويب.
- التفسير الميسر.
- تفسير الإمام السعدي رحمه الله.
- تفسير الوسيط للشيخ طنطاوي رحمه الله.
الهوامش:
[1] استخراج الفوائد السلوكية من الآيات القرآنية، لعبد العزيز الداخل
[2] منقصيدة في وداع شهر رمضان، وردت في "مشيخة أبي طاهر ابن أبي الصقر" رقم الحديث: 95
[3] رواه الإمام البخاري (6782).
[4] رواه الإمام مسلم في صحيحه (654).
[5]موارد الظمآن لدروس الزمان، فصل في القرآن الكريم: - مَا وَرَدَ مِنْ الْحَثِّ عَلَى قِرَاءَةِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ
المراجع:
- بتصرف شديد من محاضرات مقروءة.. للشيخ عمر الأشقر، المصدر: اسلام ويب.
- بتصرف من مقال للشيخ محمد بن عدنان السمان.
- بتصرف شديد من مقالات بموقع اسلام ويب.
- التفسير الميسر.
- تفسير الإمام السعدي رحمه الله.
- تفسير الوسيط للشيخ طنطاوي رحمه الله.
الهوامش:
[1] استخراج الفوائد السلوكية من الآيات القرآنية، لعبد العزيز الداخل
[2] منقصيدة في وداع شهر رمضان، وردت في "مشيخة أبي طاهر ابن أبي الصقر" رقم الحديث: 95
[3] رواه الإمام البخاري (6782).
[4] رواه الإمام مسلم في صحيحه (654).
[5]موارد الظمآن لدروس الزمان، فصل في القرآن الكريم: - مَا وَرَدَ مِنْ الْحَثِّ عَلَى قِرَاءَةِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ
تعليق