الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم،
أما بعد..
فها قد قارب علينا أول أيام النفحات من شهر القرآن..
ومع اقتراب قدومه علينا بأمر الرحمن، ندعوه سبحانه أن يبلغنا شهر رمضان،
وأن يرزقنا وإياكم بالعمل الصالح طوال شهر الرحمة والغفران،
وأن يعيننا وإياكم فيه على الإكثار من التلاوة وختم القرآن، وأن يتقبل منا؛ سبحانه المَنَّان..
سبحانه المُوفِق عباده لحُسن عبادته، نسأله العفو، ودخول الجنة من باب الريان..
سبحانه الذي أنزل القرآن في شهر رمضان، هدي للناس وبينات من الهدى والفرقان.
سبحانه القائل في كتابه العزيز:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ ... } البقرة: 185
فشهر رمضان الذي ابتدأ الله فيه إنزال القرآن في ليلة القدر؛ هداية للناس إلى الحق،
فيه أوضح الدلائل على هدى الله، وعلى الفارق بين الحق والباطل.
إنَّه القرآن الكريم، أنزله رب العالمين، نزل به الروح الأمين على نبينا الكريم، أنزله ربنا تبارك وتعالى في ليلة من أعظم الليالي وأعظمها بركة،
حيث قال الله تعالى:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} الدخان: 3
وقال تعالى:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} القدر: 1
يقول تعالى مبيِّنًا لفضل القرآن وعُلُوِّ قدره: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }، كما قال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ }،
وذلك أن الله تعالى، ابتدأ بإنزاله في رمضان.. في ليلة القدر، ورَحِمَ الله بها العباد رحمةً عامةً، لا يقدر العباد لها شكرًا.
وسُميت ليلة القدر، لِعِظَمِ قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية.
فهي ليلة كثيرة الخير والبركة، وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر،
فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام على أفضل الأنام، بِلُغَةِ العرب الكرام لينذر به قوما عمَّتهُم الجهالة وغلبت عليهم الشقاوة
فيستضيئوا بنوره ويقتبسوا من هداه ويسيروا وراءه فيحصل لهم الخير الدنيوي والخير الأخروي.
وتأتي في السياق القرآني الآية: 186 من سورة البقرة حيث قال الله تعالى:
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
فلننتبه ولنتدبر هذا السياق في هذه الآية التي تلت آية الصيام؛
فهذا جواب سؤال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حينما قالوا: يا رسول الله, أقريب ربنا فنناجيه, أم بعيد فنناديه؟
فنزلت هذه الآية؛ فإنه سبحانه وتعالى هو الرقيب الشهيد, المُطَّلِعُ على السرِ وأخفى, يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور,
فهو قريب أيضا من داعيه, بالإجابة، ولهذا قال: { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }،
والدعاء نوعان: دعاء عبادة, ودعاء مسألة.
والقرب نوعان: قرب بعلمه من كل خلقه, وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق.
فمن دعا ربه بقلب حاضر, ودعاء مشروع, ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء, كأكل الحرام ونحوه؛ فإنَّ الله قد وعده بالإجابة،
وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء, وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية, والإيمان به, المُوجِب للاستجابة،
فلهذا قال: { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
أي: يحصل لهم الرُشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة, ويزول عنهم الغَيِّ المُنافِي للإيمان والأعمال الصالحة.
إذن فأول درس نخرج به من شهر رمضان، شهر الصوم والعبادة وتلاوة القرآن؛ هو ملازمة الدعاء قدر ما نستطيع،
ولنعلم جيدًا أن الدعاء مرتبط بالصوم ارتباطًا وثيقًا؛ فالصوم من العبادات المفروضة، وكذلك الدعاء أيضًا فإنه من العبادات المفروضة،
كما ذكر ذلك ربنا تبارك وتعالى في آيات كثيرة متعددة، منها على سبيل المثال قوله تعالى:
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } غافر:60
فهذا من لطفه سبحانه بعباده، ونعمته العظيمة،حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة،
ووعدهم أن يستجيب لهم، بل إنَّ هذا أمرٌ مباشرٌ من الله تعالى لعباده بالدعاء له جلَّ وعلا وهو الغنيّ عنهم؛
أمرٌ بالدعاء ووعدٌ بالإجابة، وكل ما علينا هو الامتثال لأمره سبحانه واليقين في تحقيق وعده سبحانه جلَّ في عُلاه..
ثم قوله تعالى:
{ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } الأعراف:55
الدعاء يدخل فيه دعاء المسألة، ودعاء العبادة، فأمر بدعائه { تَضَرُّعًا } أي: إلحاحًا في المسألة، ودُءُوبا في العبادة،
{ وَخُفْيَةً } أي: لا جهرًا وعلانيةً، يُخافُ منه الرياء، بل خفية وإخلاصا للّه تعالى.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله في كل أحواله، وعلى كل أحواله؛ وكان يدعو ربه تضرعاً وخفية آناء الليل وأطراف النهار.
وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
أولًا: أنَّ الدعاء عبادة لله، فعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ " ، ثُمَّ قَرَأَ: { وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }. [1]
ثانيًا: آداب الدعاء وشروط قبوله ومواضع الدعاء الأكثر فيها قبولًا،
كما علمنا أيضًا من الأدعية المشروعة ما ذخُرت به الأحاديث الصحيحة المروية عنه صلى الله عليه وسلم.
فنحن اليوم بحاجة شديدة إلى الدعاء، وحاجتنا المَاسَّة والضرورية في الحقيقة هي الدعاء الحيِّ النابِض، لا الدعاء الميت الجامد.
إذن فالدعاء عبادة هامة، وتلاوة القرآن أيضًا عبادة هامة؛ قال الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله:
يُسْتَحَبُّ حِفْظُ القُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَالإِكْثَارُ مِنْ تِلاوَتِهِ كُلَّ وَقْت لأَنَّ تِلاوَتَهُ مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ وَأَعْظَمِ القُرُبَاتِ وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ
وَفِيهَا أَجْرٌ عَظِيمٌ وَثَوَابُ جَسِيمٌ مِنْ الْمَوْلَى الكَرِيمْ وَلاسِيَّمَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ،
قَالَ الله تَعَالى آمِرًا رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِلاوَةِ كِتَابِهِ العَزِيزِ وإبْلاغِهِ إلى النَّاسِ: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ} الكهف: 27.
وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الذين يَتْلُونَ كِتَابِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلاةِ وَالإِنْفَاقُ مِمَّا رَزَقَهُمْ اللهُ تَعَالى فِي الأَوْقَاتِ الْمَشْرُوعَةِ؛
لَيْلاً وَنَهَارًا سِرًّا وَعَلانِيَّةً، فقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ *
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} فاطر: 29 ، 30.
وَعَنْ عُثْمَانٍ بنِ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِم. أ.هـ [2]
وهذا هو الدرس الثاني من الدروس التي نتعلهما في شهر رمضان، بل إنه أهم الدروس المستفادة بأمر الله تعالى،
والدروس والعبر من صيام شهر رمضان والازدياد من الأعمال الصالحة فيه دروسٌ كثيرة وعِبرٌ جمَّة؛
لكن دعونا نركز أكثر على تعاهد القرآن الكريم في شهر رمضان والإكثار من تلاوته..
و لعللكم تتفقون معي بأنَّ تكـثـيــــف تلاوتنا للقرآن الكريم في شهـر رمضــان تجعلنا نجني فضــائــل كثيـرة جدًا في هذا الشهر المبــارك،
أهمها على الإطلاق مدى القرب الذي نشعر به من الله تعالى ونحن نقرأ بتدبر وخشوع تاركين الدنيا خلف ظهورنا ولا يشغلنا سوى رضا الله علينا،
وتقبل أعمالنا الصالحة في مثل هذه الأيام والليالي المليئة بالنفحات الطيبة المباركة.
و لعلكم تتفقون معي أيضًا أننا نزداد تدبرا للقرآن ونحن نتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ذلك الفضل من الله الذي يوفق عباده لفتوحات
يرزق بها مَن يشاء مِن عباده، فنجد أننا نستشعر كل المعانٍ أو أغلبها، بداية من آيات الرحمة والعذاب، ثم نجد أنفسنا نلجأ إلى الله تعالى
ونحن خاشعين له سبحانه ومُتذللين له عزَّ وجلَّ، وراجين رحمته وغفرانه، فنلجأ إلى الله تعالى ندعوه ونرجوه عند آيات العذاب ألَّا يعذبنا،
ونعوذ به سبحانه من النار ومن كل عمل يقربنا إليها،
ونلجأ إلى الله تعالى فندعوه ونرجوه عند آيات الرحمة والبشرى للمؤمنين بدخولهم الجنة،
فنرجوه أن يجعلنا منهم وأن يحشرنا معهم، برحمته سبحانه الرحمن الرحيم. [3]
كل ذلك وأكثر يلازمنا في أيام وليالي رمضان؛ في يقظاتنا وفي منامنا، فتُلازمنا أيِ الذكر الحكيم، وقد نتلوها عند منامنا؛
كل ذلك يحدث بتوفيق الله لنا في شهر رمضان.
وأسأل نفسي وأوجه لكم نفس السؤال
لماذا بعد انقضاء هذا الشهر المبارك تقل عزائمنا ويقل عملنا، وبخاصة مداومة التلاوة كما كنا نفعل في شهر رمضان؟!!
فلا شك أنني وكثير من العباد نخرج من هذا الشهر ونشعر بفراغ كبير في حياتنا، ونشعر أيضًا أن هناك واجبات علينا أن نؤديها؛
لكن الشيطان يعترض طريقنا وينأى بنا عن طريق الخير؛ فقد ظلَّ شهرا كاملًا لا يستطيع الاقتراب من عباد الله الصائمين القائمين الليل،
والمتعاهدين للقرآن ليلًا ونهارًا.. فلماذا نقع فريسة له من أول أيام عيد الفطر، وننساق وراء وسوسته؟!!
أقول هذا الكلام لنفسي أولا، ثم لغيري ممن يفعلون مثلي ويهجرون القرآن مباشرة بعد انقضاء شهر رمضان؛ باستثناء أهل الخيرات من أمثالكم،
وهم كثرُ بفضل الله تعالى، ولا نزكي على الله أحدا، أعزَّكم الله بالإسلام وبطاعته على الدَّوام؛
لكن هناك من يقع في المحظور ويبعد نفسه عن رحمة ربه الغفور.. عافانا الله وإياكم أن نكون منهم.
فائدة هامة:
في آخر الآية 186 من سورة البقرة، قوله تعالى:{ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
وهذا توجيه منه سبحانه إلى ما يجعل الدعاء مرجو القبول والإِجابة.
والاستجابة: هي الإِجابة بعناية واستعداد ، والسين والتاء للمبالغة.
والرشد: هو الاهتداء إلى الخير وحسن التصرف في الأمر من دين أو دنيا،
يٌقال : رشد ورشد يرشد ويرشد رشدًا ، أي اهتدي .
ولنقف عند معاني الرُشد أكثر وأكثر..
رشَدَ يَرشُد ، رُشْدًا ، فهو راشِد ، رَشَدَ الرَّجُلُ : أَصابَ ، اِهْتَدَى ، اِسْتَقامَ ، عَرَفَ طَريقَ الرَّشادِ.
ومن مرادفات كلمة رُشْد:
إِدْراك ، إِسْتِقامَة ، حِكْمَة ، رَزَانَة ، رَشَاد ، رَصَانَة ، سَدَاد ، نُضْج ، هُدًى ، هِدايَة ، يَقَظَة.
والقرآن هُدى للناس، بل إنه هدى للثقلان؛ الإنس والجن، ولما استمع الجن إلى القرآن قالوا: { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا } الجن: 1
ووصفوا القرآن بأنه: { يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ } ، فقالوا: { فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } الجن: 2
الجن لما استمعوا للقرآن فطنوا وفهموا جيدا أن هذا القرآن يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، أى: إلى الخير والصواب والهدى، وقالوا: فَآمَنَّا بِهِ إيمانا حقا،
لا يُخالطه شك أو ريب وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً، أى: فآمنا بما اشتمل عليه هذا الكتاب من دعوة إلى إخلاص العبادة لله تعالى وحده،
ولن نشرك معه في العبادة أحدا كائنا من كان.
والمتدبر لهذه السورة الكريمة، يراها قد أعطتنا صورة واضحة عن عالم الجن، فهي تحكى أنهم أعجبوا بالقرآن الكريم،
وأن منهم الصالح ومنهم غير الصالح، وأنهم لا يعلمون الغيب، وأنهم أهل للثواب والعقاب، وأنهم لا يملكون النفع لأحد،
وأنهم خاضعون لقضاء الله تعالى فيهم.
والمتدبر لهذه السورة الكريمة وغيرها في وصف القرآن وتأثيره على سامعه يوقن تماما بأهمية معاهدته دائما في جميع الأوقات وجميع الأيام والليالي؛
سواءً كان ذلك في شهر رمضان أو في سائر أشهر العام؛ وإلَّا وقع في المحظور وكان في زمرة من يهجرون القرآن، وفي زمرة من شكاهم إلى ربِّه،
سيدنا وإمامنا ومعلمنا محمد رسوله الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:
{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } الفرقان: 30
بالله عليكم.. هل يليق بنا أن نهجر القرآن بعدما تعاهدناه في شهر رمضان؟!!
بالله عليكم.. ألسنا نأمل الرُشد والرَشَاد والاستقامة في حياتنا؟!!
بالله عليكم.. كيف نُكثِّف تلاوتنا للقرآن في شهر القرآن، ثم نهجره بعد رمضان؟!!
ولتتمة الفائدة؛ أُذكِّر نفسي وأُذكِّركُم بهذا الحديث:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ :
"افْعَلوا الخَيْرَ دَهْرَكُمْ ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحاتِ رَحْمَةِ اللهِ ، فإنَّ للهِ نَفَحاتٍ من رحمتِهِ ، يُصِيبُ بِها مَنْ يَشَاءُ من عبادِهِ ،
وسَلوا اللهَ أنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ ، وأنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ" . [4]
دعونا نتأمل في معنى هذا الحديث
فقد منح الله عباده مواسم وأماكن ضاعف لهم فيها العمل الصالح وفتح لهم فيها أبواب الخير الكثيرة،
يَقبَل من عاصيهم ويعفو عن مُسيئهم ويمنح مُستجديهم.
ونفحات الله المشار إليها هنا: مِنحٌ من خزائن رحمته يصيب بها من يشاء من عباده المؤمنين، من صادف نفحة منها سُعِد سعادة الأبد،
قال علماء السلوك والأخلاق:
التعرض للنفحات.. الترقب لورودها بدوام اليقظة والانتباه من سِنة الغفلة؛ حتى إذا مرَّت نزلت بفِناء القلوب.
وبالتأمل جيدًا في تتابع مواسم مضاعفة العبادات والطاعات، سنجد من أيام النفحات هذه مافيه الحثُّ على استباق الخيرات وتحيُّن الفرص،
كالدعاء يوم عرفة وصومه، وليلة القدر، وفي الثلث الأخير من الليل، وساعة يوم الجمعة، والدعاء حال السفر وفي مواضع السجود؛
وصيام يوم عاشوراء وأيام الإثنين والخميس من كل أسبوع والثلاثة البيض من كل شهر، ... إلخ.
كل هذا يدُلُّ على معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث.
وإذا تأملنا في التعرض لهذه النفحات؛ نجد أنها تملأ قلب العبد بشحنة إيمانية متواصلة، فلا يفتر عن العبادة والتقرب إلى الله تعالى،
ولعل أيام وليالي شهر رمضان المباركة نجد فيها أقوى شحنة إيمانية تدفعنا إلى مواصلة العمل الصالح بتوفيق من الله تعالى لنا.
فكيف بالله عليكم نُكثِّف تلاوتنا للقرآن في شهر القرآن، ثم نهجره بعد رمضان؟!!
تلك فائدة هامة آثرت التعرض لها قبل دخول شهر رمضان وقضاء أيامه ولياليه مع القرآن، ثم انقضاء الشهر وعودة المصاحف إلى أماكنها؛
للحفظ فوق الأرفف، وترك الأتربة تغطيها بطبقة ستشهد علينا لا محالة بأننا هجرنا القرآن وابتعدنا عنه!
فمصحف في بيت يعلوه التراب.. لاشَكَّ أنَّ قلوب أصحابه خراب!!
عافنا الله وإياكم من خراب القلوب والنفوس وكل أنواع الخراب.
اللهم اجعل القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلوبنا ونورَ صدورنا وجلاءَ أحزننا وذهابَ همومنا وغمومنا
اللهم ذكرنا منه ما نُسِّينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا
اللهم اجعله لنا في الدنيا قرينا وفي القبر مؤنسا وإلى الجنة دليلًا وإماما
اللهم ارزقنا حفظه وفهمه والتدبر في أمره والعمل بما جاء به، واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا أرحم الراحمين،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع:
- التفسير الميسر.
- تفسير الإمام السعدي رحمه الله.
- تفسير الوسيط للشيخ طنطاوي رحمه الله.
- بتصرف شديد من مقالات بموقع اسلام ويب.
الهوامش:
[1] رواه الإمام الترمذي في سننه(3372)، وقال: حسن صحيح.
[2]موارد الظمآن لدروس الزمان، فصل في القرآن الكريم: - مَا وَرَدَ مِنْ الْحَثِّ عَلَى قِرَاءَةِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ
[3] للفائدة راجع هذه الفتوى: هنـــا
[4] حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1890)
تعليق