المقدمة
الحمد الله القائل: "وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [101: آل عمران]، والصلاة والسلام على السراج المنير، محمد بن عبد الله- الداعي إلى التمسك بحبل الله المتين- وعلى آله وصحبه المتلقين للوحي بالانقياد والخضوع والتسليم.
أما بعد:
لقد بعث الله تعالى محمدًا –عليه الصلاة والسلام– رسولًا للعالمين، ليرسم لهذه البشرية طريقها، ويؤسس نظامًا لحياتها وفق مراد خالقها سبحانه، و في جميع شؤونها وأعمالها، ويُعِدُ جيلاً ليستلم هذه المهمة من بعده"وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" [الأنبياء:34]. وما كان ليستعين بهذه المهمة بغير توجيهات كلام رب العالين، ووحيه المنزل، فقد أنزل عليه هذا القرآن العظيم؛ يأخذ منه طريقة إصلاح البشرية وإعمار الأرض.
ولقد استطاع محمد -عليه الصلاة والسلام– أن يحدث تغيرًا في هذه الأرض، ويخلع كل أنواع الفساد الموجود حينئذ، وأن يخرج جيلاً فريداً على الإطلاق لم ولن يتكرر بتلك الهيئة، بسلامة منهجه ومعتقداته، وتصوره للحياة والكون، وطريقة استخلافه على هذه البسيطة، ولم يكن العامل الأساس لهذا التغير إلا الاستقاء من منبع القرآن الكريم، و التمسك والاعتصام بحبل الله تعالى، وبَرَز أثر قول الله تعالى: الله تعالى:"وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [آل عمران:101]. ثم توفى رسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفه أصحابه لتولي مهمة هذا الدين، وكانت خلافتهم على مناهج النبوة لقربهم من عهد النبوة، وأثر تربية الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليهم في الالتزام بمنهج الوحي، وكانت القرون الثلاثة الأولى المفضلة خير القرون كما أخبر بذلك النبي –عليه الصلاة والسلام– بقوله: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" ولقد تحقق الانتشار للإسلام تحققاً رائداً عندئذ، ووصل إلى الأرض شرقا وغرباً في هذه القرون لتمسكهم بالوحي المنزل، ثم بَعُدَ الناس عن الوحي وعهد النبوة، وكلما مرت مرحلةٌ كلما ابتعد الناس عن منهج القرآن والتمسك به، لذلك فقد شهد الإسلام تراجعاً بيناً بسبب البعد، وأثَّر ذلك البعد في حصول البدع والانحرافات، وكلُ انحرافٍ وقع في حياتهم عن المنهج القرآني كانت له ولا شك عاقبته البطيئة أو السريعة حسـب نوع الانحراف، ودرجة تسربه، ولقد حدثت بدع وانحرافات كثيرة في حياة المسلمين في مسيرتهم الطويلة خلال التاريخ، وأول بدعت حصلت هي بدعة القدر، ثم بدعة الخوارج، ثم المرجئة وهلم جرا، إلى أن صار واقع المسلمين اليوم كما هو مشاهد يكتظ بالفساد، ويعاني من البدع والمحدثات، والمفاهيم المغلوطة عن هذا الدين، ويئن من فساد عريق في الأخلاق والمعاملات، وكما أخبر الصادق المصدوق -عليه الصلاة وأتم التسليم- "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريباً كما بدأ، وما ذاك إلا لعدم تمسكهم بهذا الوحي -القرآن الكريم-، وأصبح المسلمون يتخبطون في هذا الدين بين البدع والمحدثات، والانحرافات؛ نتيجة إصغائهم لغير توجيهات الوحي الرباني. إذ القرآن العظيم يمثل دستوراً للحياة، وله مكانة قدسية يجب أن تكون في نفوس الخلق، فهو عنوان للشعائر والعبادات للمسلمين"ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" [الحج:32].ولقد أدرك الغرب، وأهل الكفر بأن سر قوة المسلمين ووحدتهم وسلامة معتقداتهم هو استقائهم من الوحي الإلهي -القرآن الكريم-، والنهل من منبعه، والالتزام بتعاليمه، لذلك فهم يحرصون بكل ما أوتوا من قوة أن يبعدوا جيل المسلمين عن منبع الوحي -القرآن الكريم-، ويضعفوا أثر التمسك به، فيدسوا فيهم بوسيلة أو بأخرى البدع والمحدثات، والمفاهيم الدخيلة، ويزرعوا بينهم الفرقة والاختلاف؛ وهم يحاولون أن يحكوا من صدور الجيل قول الله تعالى:"وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، وأنى لهم لذلك مادام أن الجيل يتربى على مائة القرآن، ويرى أنه قارب النجاة؛ يوصله إلى أمان السلوك وسلامة المعتقد.
هذا الموضوع تدور الكتابة فيه حول نقطتين هما:
أولا: التعرض لمفهوم المفردات :-
{مفهوم الاعتصام(التمسك) - مفهوم القرآن}
ثانيا: أهمية الاعتصام بالقرآن :-
1- الاعتصام بالقرآن في منهج التلقي والتعليم.
2- الاعتصام بالقرآن في منهج التطبيق والعمل.
الخاتمة
تعليق