السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ترشيد الإنفاق من هدي الشرع ونهج العقلاء باتفاق
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم لى نبينا محمد وآله وصحبه.
أما بعد:
فإن الله - تعالى - قد جعل المال الصالح قوامًا للحياة، فنِعمَ المال الصالح للرجل الصالح يكفُّ الله به وجهَهُ عن الحاجة إلى الناس، ويصِل به الرَّحِم، ويُحسِن به على المسكين وذي الحاجة، ولذا أمر الله - تعالى - بطلبه من حلِّه، وبذله في حقِّهِ, وشرع من الأحكام ما هو من وسائل حفظه وزيادته ونمائه واتقاء شره وخطره, ومن التوجيه الرباني الكريم بهذا الصدد قوله - تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31]، وقوله - سبحانه: {لَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}[الإسراء:27].
وقال - تعالى - في صفة عباد الرحمن، والثناء عليهم بكريم الخصال وجميل الفعال -: {الَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}[الفرقان:67]، وخاطب نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو خطاب عام للأمة بشأن الإنفاق فقال تعالى : {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}.
فتضمنت هذه الآيات الكريمة أموراً:
الأول: النهي عن التبذير، ووصف المبذرين بأنهم إخوان الشياطين الكافرين تحذيرا من هذا النهج الفاسد من الإنفاق، فإن التبذير هو صرف الأموال في غير وجه شرع ومن ذلك:
1- إنفاق الأموال في ظلم الناس لقصد الأضرار بهم كإنفاقها في الخصومات الظالمة والحيل الباطلة والمكائد التي يقصد بها أخذ أموال الناس ظلما، كبذلها للمحامين المبطلين، والمسؤولين المرتشين، والسماسرة المحتالين.
2- بذل الأموال في الأضرار بالنفس كإنفاقها في المسكرات والمخدرات والزنا وكل ما فيه أضرار بالنفس ومخاطرة بها.
3- إنفاق الأموال في الربا والقمار واليانصيب والمسابقات التي لم يرد الشرع بإقرارها ونحو ذلك مما هو من ضروب اللعب بالأموال من غير سبب له وجه شرعي، كالإفراط في شراء الأغراض التي لا حاجة لها، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وأبدى وأعاد في الحث على حفظه وصيانته والتحذير من إنفاقه في غير وجه شرعي.
الثاني: النهي عن الإسراف - وهو الزيادة عن الحاجة في الإنفاق في الأمور المشروعة - فلا يجوز الإسراف في المآكل والمشارب والملابس والولائم العامة أو الخاصة ولا في غير ذلك بل يقتصر على القدر المناسب حذرا من العقوبة وطلبا للمثوبة وحفظا للنعمة، فإن الإسراف من أعظم أسباب زوال النعم، وتبدلها بالنقم، وشقوة في الآخرة كما توعد الله بذلك المترفين من الأمم.
الثالث: التوسط في الإنفاق فلا تبذير، ولا إسراف، ولا بخل، ولا تقتير صيانة للدين، وحفظا للمال، وعملا بالآية، وتحريا لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: عنِ ابنِ عبَّاسٍ - رضيَ اللَّهُ عنْهما – قال: "كُلْ ما شئتَ، والبَس ما شئتَ، ما أخطأتْكَ اثنتانِ: سرَفٌ ومخيَلةٌ"
الراوي : - | المحدث : الألباني | المصدر : تخريج مشكاة المصابيح
الصفحة أو الرقم: 4306 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
فإذا روعيت هذه الأمور الثلاثة عند الإنفاق كان ذلك من نهج السداد وأسباب صلاح المعاش والمعاد، وحفظت الأموال ولم تعرض للزوال، وإذا كان ترشيد النفقات والاستهلاك من سياسات الحكومات الرشيدة فإنه من الأفراد من الخصال الحميدة، والإجراءات السديدة، التي تحفظ بها الكرامة وتتقي بها القلة والعلية فما عال من اقتصد، والسعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: شبكة الألوكة
تعليق