رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد
وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء الثاني عشر من القرآن الكريم
.كثر الأمر بالاستغفار في هذه السورة، فقد تكرر الأمر به أربع مرات على ألسنة رسله،
وأول هذه الأوامر على لسان محمد ، مع ذكر ثمرة الاستغفار: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود: 3] وفي قصة هود: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود: 52] وفي قصة نبي الله صالح: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [هود: 61]، وفي قصة شعيب: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود: 90]
فاللهم أعنا على استغفارك باللسان والقلب.
.معيار قبول العمل عند الله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7] ولم يقل: أكثر عملاً.
.ليس من وظيفة الداعية تحديد مواعيد العقوبات ونحوها، وإنما عليهم البلاغ، وإيضاح الحجة: قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [هود: 32، 33].
.ما أحوجنا إلى بقاء الروابط الاجتماعية مع أقاربنا من النسب، وإن اختلفوا معنا في الطريق؛ لعل هذا التواصل ينفع في وصول كلمة حق يوماً من الدهر، تأمل مقولة نوح لابنه – وهو في مقام الهلاك -: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا [هود: 42] ولم يقل: يا فاجر! يا كافر!.
.مهما بلغت العواطف عند الوالدين، ومنهم الأنبياء، لكنّ أمر الله في نفوسهم فوق هذا كلّه، تأمل في عتاب الله لنوح، ثم جواب نوح: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود: 46، 47].
.ذكر تفاصيل قصص الأمم السابقة أحد براهين نبوة النبي : تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ [هود: 49].
.وصية للدعاة، وتأمل مجيئها تعقيباً على قصة نوح – الذي عاش 950 سنة -:
فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: 49].
.هذه هي آية نبي الله هود التي تحدى بها قومه: فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ [هود: 55] وهو وحيد، وهم جماعة أقوياء الأبدان، ومع ذلك ما استطاعوا أن يصنعوا شيئاً، وكان من أعظم ما قوّى به قوله: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود: 56].
.هذه نهاية السير خلف الطغاة: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود: 98].
.وهذه عاقبة عبادة المعبودات من دون الله: فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: 101].
.سنة إلهية: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102].
.لا ينتفع بالقصص القرآني إلا من خاف عذاب الآخرة: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ [هود: 103].
.مرّ بي أن الحسن البصري قال: الدين بين لاءين: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود: 112، 113] فلا غلو ولا شطط.
.سلوة للباذلين للذين لا يلتفت إليهم أحدٌ أو لا يشكرهم أحد: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [هود: 115].
.الترف بوابة واسعة على الظلم والفساد: وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ [هود: 116].
.قاعدة قرآنية، وسنة إلهية: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود: 117] ولم يقل: صالحون.
.ما بال بعض الناس يريد مصادمة هذه السنة: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود: 118، 119] حين يريد أن يكون الناس على وتيرة واحدة؟! فالعقل هو توظيف هذه السنة الإلهية في الدعوة إلى الله تعالى، وفي فقه التعايش مع المخالفين، والمرجع في ذلك: هو التفسير العملي التطبيقي من نبينا .
.من مقاصد القصص القرآني: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود: 120]
فيا كلّ محتار! أو قَلِقٍ!
إذا حصل عندك تردد، فارجع إلى قصصهم، وتأملها، وأنت تستشفي بها من داء التردد والشك والحيرة، وأبشر.
.من الجيد أن يسمع الطفل من والده شيئاً من النعم الدينية والاجتماعية؛ ليتربى على الشكر: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ [يوسف: 6].
.اللعب واللهو شيء فطر عليه الأطفال، لا فرق بين أبناء الأنبياء وغيرهم: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [يوسف: 12].
.هذا أول مواضع الابتلاء التي ذكرت في هذه السورة في حقّ يعقوب ، وتأمل في لغته وهو يخاطب أبناءه – مع عظيم الفجيعة في حقه -:قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: 18] وفي هذا درس للآباء المعددين في طريقة الخطاب عند وقوع أمثال هذه المشاكل، إذْ الخطأ في لغة الخطاب، قد تزيد في الشقاق، وتوسيع دائرة الفرق بين الأب وبقية أبنائه.
.من المواضع المدهشة في هذه السورة، أن تتحدث الآيات عن بشائر التمكين ويوسف بيع كما يباع العبيد، تأمل: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ [يوسف: 21].
.في التعقيب على قصة بيع يوسف كما يباع العبيد بقوله تعالى: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 21] ما يبعث الطمأنينة في النفس حين يقع القضاء، وينفذ القدر، وإذا ضممت إلى هذه الآية تلك القاعدة القرآنية المحكمة: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216] تبين لك أن خيرة الله لعبده المؤمن خير من خيرته لنفسه.
.وصف يوسف في هذه السورة بالإحسان في عدة مواضع:
أولها: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 22].
والثاني: نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 36].
والثالث: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 56].
والرابع: فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 78].
والخامس – وقد عبر عنه يوسف بضمير الغيبة خشية تزكية نفسه -: قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 90].
وهي رسالة للدعاة الذين يريدون نفعاً وتأثيراً، أن يسعوا للإحسان إلى عباد الله تعالى، فذلك من أعظم دواعي قبول ما يدعو إليه الداعية.
. الإخلاص، سبب من أسباب النجاة من وحل الفواحش:
كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24]
وقد هدى الله أحد الشباب من مستنقع الفواحش بسبب تدبره لهذه الآية، إذ قال ت ما مختصره ـ: لو كنتُ مخلصاً لنجاني الله تعالى من الفواحش كما نجّى يوسف .
وهي رسالة لمن يشكو من فتنة البصر والفرج، بتصحيح مسار نيته، وقصده، وسيجد حسن الأثر.
.الصالح يختار العذاب الدنيوي إذا خير بين العذاب الدنيوي أو يعضي الله تعالى!
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف: 33] ولكن لا يختار هذا الأمر إلا من صدقت سريرته مع الله، وإلا فقد يكون السجن فتنة أخرى له، فيا هذا: "تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة".
.في قول يوسف : وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [يوسف: 33]
فائدتان: التوكل على الله في الهرب من المعصية، وأن الوقوع في المعصية جهلٌ، وهذا مطابق لما تقدم في سورة النساء: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء: 17].
.إذا أعجبتك نفسك بما معك من العلم، فتذكر هذا الهدي القرآني الذي ذكره الله تعالى عن يوسف حين أراد تعبير الرؤيا: ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي [يوسف: 37]، ثم انظر وضّح ذلك أتمّ البيان حين قال: مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [يوسف: 38].
.إذا أذن الله بشيء هيّأ أسبابه، فلما أذن الله بخروج يوسف قدّر أن يرى الملك رؤياه التي ما زادت يوسف إلا عزاً ورفعة إلى رفعته: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ... [يوسف: 43].
.كان عند الملك من العقل أنه لم يخض في تأويل الرؤيا؛ لأنه ليس من أهل هذا الشأن: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43]، وبعض الناس اليوم يتاسبق لذلك، والله أعلم بما في الصدور.
وفي مقابل ذلك، كان الملأ عجالى حين استعجلوا في الحكم على هذه الرؤيا العظيمة بأنها أضغاث أحلام، مع أنها كانت سبباً لإنقاذ بلادهم من كارثة اقتصادية.
. يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43] وفي تسمية الله تعبير الرؤيا فتوى، دليلٌ على أنه لا يجوز الخوض في تعبيرها إلا بعلم، وقد ورد تسميتها في سورة يوسف (فتوى) في أكثر من موضع.
.إن قيل: إن الرؤيا لم تتعرض إلا لـ(14) سنة فقط، فمن أين أتى يوسف بالسنة الـ(15) التي دلّ عليها قوله تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ [يوسف: 49]؟ والجواب: أن هذا أخذه من فحوى الرؤيا، فإنه إذا تمت سنوات الشدة السبع ـ وهي السبع الثانية ـ دلّ على رجوع سنوات الرخاء إلى حالتها الأولى.
.حتى أعداؤك وخصومك سيتعرفون يوماً من الدهر بصدقك، المهم الثبات لحظة الامتحان: قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 51].
ملتقى اهل التفسير
.كثر الأمر بالاستغفار في هذه السورة، فقد تكرر الأمر به أربع مرات على ألسنة رسله،
وأول هذه الأوامر على لسان محمد ، مع ذكر ثمرة الاستغفار: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود: 3] وفي قصة هود: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود: 52] وفي قصة نبي الله صالح: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [هود: 61]، وفي قصة شعيب: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود: 90]
فاللهم أعنا على استغفارك باللسان والقلب.
.معيار قبول العمل عند الله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7] ولم يقل: أكثر عملاً.
.ليس من وظيفة الداعية تحديد مواعيد العقوبات ونحوها، وإنما عليهم البلاغ، وإيضاح الحجة: قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [هود: 32، 33].
.ما أحوجنا إلى بقاء الروابط الاجتماعية مع أقاربنا من النسب، وإن اختلفوا معنا في الطريق؛ لعل هذا التواصل ينفع في وصول كلمة حق يوماً من الدهر، تأمل مقولة نوح لابنه – وهو في مقام الهلاك -: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا [هود: 42] ولم يقل: يا فاجر! يا كافر!.
.مهما بلغت العواطف عند الوالدين، ومنهم الأنبياء، لكنّ أمر الله في نفوسهم فوق هذا كلّه، تأمل في عتاب الله لنوح، ثم جواب نوح: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود: 46، 47].
.ذكر تفاصيل قصص الأمم السابقة أحد براهين نبوة النبي : تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ [هود: 49].
.وصية للدعاة، وتأمل مجيئها تعقيباً على قصة نوح – الذي عاش 950 سنة -:
فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: 49].
.هذه هي آية نبي الله هود التي تحدى بها قومه: فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ [هود: 55] وهو وحيد، وهم جماعة أقوياء الأبدان، ومع ذلك ما استطاعوا أن يصنعوا شيئاً، وكان من أعظم ما قوّى به قوله: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود: 56].
.هذه نهاية السير خلف الطغاة: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود: 98].
.وهذه عاقبة عبادة المعبودات من دون الله: فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: 101].
.سنة إلهية: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102].
.لا ينتفع بالقصص القرآني إلا من خاف عذاب الآخرة: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ [هود: 103].
.مرّ بي أن الحسن البصري قال: الدين بين لاءين: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود: 112، 113] فلا غلو ولا شطط.
.سلوة للباذلين للذين لا يلتفت إليهم أحدٌ أو لا يشكرهم أحد: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [هود: 115].
.الترف بوابة واسعة على الظلم والفساد: وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ [هود: 116].
.قاعدة قرآنية، وسنة إلهية: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود: 117] ولم يقل: صالحون.
.ما بال بعض الناس يريد مصادمة هذه السنة: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود: 118، 119] حين يريد أن يكون الناس على وتيرة واحدة؟! فالعقل هو توظيف هذه السنة الإلهية في الدعوة إلى الله تعالى، وفي فقه التعايش مع المخالفين، والمرجع في ذلك: هو التفسير العملي التطبيقي من نبينا .
.من مقاصد القصص القرآني: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود: 120]
فيا كلّ محتار! أو قَلِقٍ!
إذا حصل عندك تردد، فارجع إلى قصصهم، وتأملها، وأنت تستشفي بها من داء التردد والشك والحيرة، وأبشر.
.من الجيد أن يسمع الطفل من والده شيئاً من النعم الدينية والاجتماعية؛ ليتربى على الشكر: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ [يوسف: 6].
.اللعب واللهو شيء فطر عليه الأطفال، لا فرق بين أبناء الأنبياء وغيرهم: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [يوسف: 12].
.هذا أول مواضع الابتلاء التي ذكرت في هذه السورة في حقّ يعقوب ، وتأمل في لغته وهو يخاطب أبناءه – مع عظيم الفجيعة في حقه -:قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: 18] وفي هذا درس للآباء المعددين في طريقة الخطاب عند وقوع أمثال هذه المشاكل، إذْ الخطأ في لغة الخطاب، قد تزيد في الشقاق، وتوسيع دائرة الفرق بين الأب وبقية أبنائه.
.من المواضع المدهشة في هذه السورة، أن تتحدث الآيات عن بشائر التمكين ويوسف بيع كما يباع العبيد، تأمل: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ [يوسف: 21].
.في التعقيب على قصة بيع يوسف كما يباع العبيد بقوله تعالى: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 21] ما يبعث الطمأنينة في النفس حين يقع القضاء، وينفذ القدر، وإذا ضممت إلى هذه الآية تلك القاعدة القرآنية المحكمة: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216] تبين لك أن خيرة الله لعبده المؤمن خير من خيرته لنفسه.
.وصف يوسف في هذه السورة بالإحسان في عدة مواضع:
أولها: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 22].
والثاني: نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 36].
والثالث: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 56].
والرابع: فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 78].
والخامس – وقد عبر عنه يوسف بضمير الغيبة خشية تزكية نفسه -: قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 90].
وهي رسالة للدعاة الذين يريدون نفعاً وتأثيراً، أن يسعوا للإحسان إلى عباد الله تعالى، فذلك من أعظم دواعي قبول ما يدعو إليه الداعية.
. الإخلاص، سبب من أسباب النجاة من وحل الفواحش:
كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24]
وقد هدى الله أحد الشباب من مستنقع الفواحش بسبب تدبره لهذه الآية، إذ قال ت ما مختصره ـ: لو كنتُ مخلصاً لنجاني الله تعالى من الفواحش كما نجّى يوسف .
وهي رسالة لمن يشكو من فتنة البصر والفرج، بتصحيح مسار نيته، وقصده، وسيجد حسن الأثر.
.الصالح يختار العذاب الدنيوي إذا خير بين العذاب الدنيوي أو يعضي الله تعالى!
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف: 33] ولكن لا يختار هذا الأمر إلا من صدقت سريرته مع الله، وإلا فقد يكون السجن فتنة أخرى له، فيا هذا: "تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة".
.في قول يوسف : وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [يوسف: 33]
فائدتان: التوكل على الله في الهرب من المعصية، وأن الوقوع في المعصية جهلٌ، وهذا مطابق لما تقدم في سورة النساء: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء: 17].
.إذا أعجبتك نفسك بما معك من العلم، فتذكر هذا الهدي القرآني الذي ذكره الله تعالى عن يوسف حين أراد تعبير الرؤيا: ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي [يوسف: 37]، ثم انظر وضّح ذلك أتمّ البيان حين قال: مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [يوسف: 38].
.إذا أذن الله بشيء هيّأ أسبابه، فلما أذن الله بخروج يوسف قدّر أن يرى الملك رؤياه التي ما زادت يوسف إلا عزاً ورفعة إلى رفعته: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ... [يوسف: 43].
.كان عند الملك من العقل أنه لم يخض في تأويل الرؤيا؛ لأنه ليس من أهل هذا الشأن: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43]، وبعض الناس اليوم يتاسبق لذلك، والله أعلم بما في الصدور.
وفي مقابل ذلك، كان الملأ عجالى حين استعجلوا في الحكم على هذه الرؤيا العظيمة بأنها أضغاث أحلام، مع أنها كانت سبباً لإنقاذ بلادهم من كارثة اقتصادية.
. يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43] وفي تسمية الله تعبير الرؤيا فتوى، دليلٌ على أنه لا يجوز الخوض في تعبيرها إلا بعلم، وقد ورد تسميتها في سورة يوسف (فتوى) في أكثر من موضع.
.إن قيل: إن الرؤيا لم تتعرض إلا لـ(14) سنة فقط، فمن أين أتى يوسف بالسنة الـ(15) التي دلّ عليها قوله تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ [يوسف: 49]؟ والجواب: أن هذا أخذه من فحوى الرؤيا، فإنه إذا تمت سنوات الشدة السبع ـ وهي السبع الثانية ـ دلّ على رجوع سنوات الرخاء إلى حالتها الأولى.
.حتى أعداؤك وخصومك سيتعرفون يوماً من الدهر بصدقك، المهم الثبات لحظة الامتحان: قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 51].
ملتقى اهل التفسير
تعليق