بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلما ابتعد الناس عن هدي السلف الصالح, كلما دخلت الكثير من البدع والمحدثات, وانتشرت بين أوساط الناس, وذلك إما للجهل الذي استشرى في الأمة, أو بسبب تلبيس بعض البدع لباس الشرع من قبل دعاة البدع, وقد أحدثوا في دين الله بدعاً ومنها ما يتعلق بكتاب الله إما في جانب التعبد به, أو جانب تلاوته وأدائه, أو جانب الاسترقاء به وغير ذلك.
# مِن بِدَع قِراءة القُرآن[1]#
......
، - التنطع بالقراءة، والوسوسة في مخارج الحروف، بمعنى التعسُّف، والإِسراف خروجًا عن القراءة بسهولة واستقامة، كما قال - تعالى - ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا )[المزمل: 4]، وقوله - سبحانه -( وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ) [الفرقان: 32]، وعن إعطاء الحروف حقها من الصفات والأحكام، إلى تجويد متكلَّف.
وفي الحديث ((مَن أراد أن يقرأ القرآن رطبًا... ))؛ الحديث؛ أي: لينًا لا شدة في صوت قارئه.
......
- الخروج بالقراءة عن لحنِ العرب إلى لُحُون العجم، قال ابن قتيبة في (مشكل القرآن): "وقد كان الناس يقرؤون القرآن بلغاتهم، ثم خلف من بعدهم قومٌ من أهل الأمصار، وأبناء العجم ليس لهم طبع اللغة ولا علم التكلف، فهفَوا في كثير من الحروف وزلُّوا، وقرؤوا بالشاذِّ وأخلُّوا)؛ انتهى.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
"ومن ذلك - أي مكايد الشيطان - الوسوسةُ في مخارج الحروف والتنطع فيها، ثم قال: ومَن تأمل هَدْي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم، يتبين له أن التنطع والتشدق والوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته"؛ انتهى.
......
- النهي عن القراءة بلحون أهل الفسق، والفجور، ولابن الكيال الدمشقي م سنة 929 هـ رسالة باسم (الأنجم الزواهر في تحريم القراءة بلحون أهل الفسق والكبائر).
......
- قراءة الأنغام والتمطيط، وربما داخلها ركض وركل - أي ضرب بالقدمين - ولهذا سمِّيت (قراءة الترقيص)، وكنتُ أظنُّها مما انقرض، لكني شاهدتُها لدى بعض الطُّرُقية في ساحة مسجد الحسين بمصر عام 1391هـ، وهم في غاية من الاستغراق، والاغترار بمشاهدة الناس لهم، فلما ناصحتُ أحدَهم وجدته في غاية الجهل، والانصراف عن النصح.
......
- التلحين في القراءة، تلحين الغناء والشِّعر، وهو مُسقِط للعدالة، ومن أسباب رد الشهادة قَضَاءً، وكان أول حدوث هذه البدعة في القرن الرابع على أيدي الموالي، ومن أغلظ البدع في هذا تلكم الدعوة الإِلحادية إلى قراءة القرآن على إيقاعات الأغاني، مصحوبة بالآلات والمزامير، قال الله - تعالى -( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 40 - 42].
- قراءة التطريب بترديد الأصوات، وكثرة الترجيعات، وقد بحث ابن القيم - رحمه الله تعالى - هذه المسألة بحثًا مستفيضًا، وبعد أن ذكر أدلةَ الفريقين المانعِين والمُجِيزين، قال - رحمه الله تعالى- :
"وفصل النزاع أن يقال: التطريبُ والتغنِّي على وجهين:
أحدهما: ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلُّف ولا تمرين ولا تعليم، بل إذا خُلِّي وطبعه، واسترسلتْ طبيعتُه، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعتَه بفضلِ تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى الأشعري للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو علمتُ أنك تسمعُ لحبَّرته لك تحبيرًا"، والحزين ومَن هاجه الطربُ والحبُّ والشوقُ لا يملك مِن نفسه دفعَ التَحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع، وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوعٌ لا متطبَّع، وكَلِفٌ لا متكلَّف، فهذا هو الذي يتأثر به التالي والسامعُ، وعلى هذا الوجه تُحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
......
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع، وليس في الطبع السماحةُ به، بل لا يحصُل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلَّم أصوات الغِناء بأنواع الألحان البسيطة، والمركبة على إيقاعات مخصوصة، وأوزانٍ مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلُّم والتكلُّف، فهذه هي التي كَرِهها السلفُ وعابوها وذمُّوها، ومنعوا القراءَة بها، وأنكروا على من قرأ بها.
......
وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباهُ، ويتبين الصوابُ من غيره، وكلُّ مَن له علم بأحوال السلف يعلم قطعًا أنهم بُرآء من القراءة بألحان الموسيقا المتكلفة، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها، ويُسوِّغوها، ويعلم قطعًا أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن، ويقرؤونه بشجًى تارة، وبطربٍ تارة، وبشوق تارة، وهذا أمرٌ مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينهَ عنه الشارع مع شدَّة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به، وقال((ليس منا مَن لم يتغنَّ بالقرآن))،
وفيه وجهان:
أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلُّنا نفعله،
والثاني: أنه نفي لهَدْي مَن لم يفعله عن هَدْيه وطريقته - صلى الله عليه وسلم"؛ انتهى.
وتأمَّل قوله (من غير تكليف ولا تمرين ولا تعليم)، فإنه فقهٌ عظيم له دلالاته، فرحم الله ابن القيم، ما أدقَّ نظره وفقهه!
......
- هَذُّه كهذِّ الشِّعر.
أما هذُّه (حدرًا)، بمعنى إدراج القراءة مع مراعاة أحكامها وسرعتها بما يوافق طبعه، ويخفُّ عليه، فلا تدخل تحت النهي، بل هذه من أنواع القراءة المشروعة.
......
- قراءة الهذرمة.
- ومما يُنهَى عنه (التقليس) بالقراءة، وهو رفعُ الصوت، ومنه في وصف الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - لأبي يوسف قوله: "كان أبو يوسف قلاسًا"؛ أي: يرفع صوته بالقراءة، وهذا جرَّ إلى إحداث وضع اليدين على الأذنين عند القراءة.
الألّوكَـة ()*
يُتـبع...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلما ابتعد الناس عن هدي السلف الصالح, كلما دخلت الكثير من البدع والمحدثات, وانتشرت بين أوساط الناس, وذلك إما للجهل الذي استشرى في الأمة, أو بسبب تلبيس بعض البدع لباس الشرع من قبل دعاة البدع, وقد أحدثوا في دين الله بدعاً ومنها ما يتعلق بكتاب الله إما في جانب التعبد به, أو جانب تلاوته وأدائه, أو جانب الاسترقاء به وغير ذلك.
# مِن بِدَع قِراءة القُرآن[1]#
......
، - التنطع بالقراءة، والوسوسة في مخارج الحروف، بمعنى التعسُّف، والإِسراف خروجًا عن القراءة بسهولة واستقامة، كما قال - تعالى - ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا )[المزمل: 4]، وقوله - سبحانه -( وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ) [الفرقان: 32]، وعن إعطاء الحروف حقها من الصفات والأحكام، إلى تجويد متكلَّف.
وفي الحديث ((مَن أراد أن يقرأ القرآن رطبًا... ))؛ الحديث؛ أي: لينًا لا شدة في صوت قارئه.
......
- الخروج بالقراءة عن لحنِ العرب إلى لُحُون العجم، قال ابن قتيبة في (مشكل القرآن): "وقد كان الناس يقرؤون القرآن بلغاتهم، ثم خلف من بعدهم قومٌ من أهل الأمصار، وأبناء العجم ليس لهم طبع اللغة ولا علم التكلف، فهفَوا في كثير من الحروف وزلُّوا، وقرؤوا بالشاذِّ وأخلُّوا)؛ انتهى.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
"ومن ذلك - أي مكايد الشيطان - الوسوسةُ في مخارج الحروف والتنطع فيها، ثم قال: ومَن تأمل هَدْي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم، يتبين له أن التنطع والتشدق والوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته"؛ انتهى.
......
- النهي عن القراءة بلحون أهل الفسق، والفجور، ولابن الكيال الدمشقي م سنة 929 هـ رسالة باسم (الأنجم الزواهر في تحريم القراءة بلحون أهل الفسق والكبائر).
......
- قراءة الأنغام والتمطيط، وربما داخلها ركض وركل - أي ضرب بالقدمين - ولهذا سمِّيت (قراءة الترقيص)، وكنتُ أظنُّها مما انقرض، لكني شاهدتُها لدى بعض الطُّرُقية في ساحة مسجد الحسين بمصر عام 1391هـ، وهم في غاية من الاستغراق، والاغترار بمشاهدة الناس لهم، فلما ناصحتُ أحدَهم وجدته في غاية الجهل، والانصراف عن النصح.
......
- التلحين في القراءة، تلحين الغناء والشِّعر، وهو مُسقِط للعدالة، ومن أسباب رد الشهادة قَضَاءً، وكان أول حدوث هذه البدعة في القرن الرابع على أيدي الموالي، ومن أغلظ البدع في هذا تلكم الدعوة الإِلحادية إلى قراءة القرآن على إيقاعات الأغاني، مصحوبة بالآلات والمزامير، قال الله - تعالى -( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 40 - 42].
- قراءة التطريب بترديد الأصوات، وكثرة الترجيعات، وقد بحث ابن القيم - رحمه الله تعالى - هذه المسألة بحثًا مستفيضًا، وبعد أن ذكر أدلةَ الفريقين المانعِين والمُجِيزين، قال - رحمه الله تعالى- :
"وفصل النزاع أن يقال: التطريبُ والتغنِّي على وجهين:
أحدهما: ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلُّف ولا تمرين ولا تعليم، بل إذا خُلِّي وطبعه، واسترسلتْ طبيعتُه، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعتَه بفضلِ تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى الأشعري للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو علمتُ أنك تسمعُ لحبَّرته لك تحبيرًا"، والحزين ومَن هاجه الطربُ والحبُّ والشوقُ لا يملك مِن نفسه دفعَ التَحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع، وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوعٌ لا متطبَّع، وكَلِفٌ لا متكلَّف، فهذا هو الذي يتأثر به التالي والسامعُ، وعلى هذا الوجه تُحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
......
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع، وليس في الطبع السماحةُ به، بل لا يحصُل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلَّم أصوات الغِناء بأنواع الألحان البسيطة، والمركبة على إيقاعات مخصوصة، وأوزانٍ مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلُّم والتكلُّف، فهذه هي التي كَرِهها السلفُ وعابوها وذمُّوها، ومنعوا القراءَة بها، وأنكروا على من قرأ بها.
......
وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباهُ، ويتبين الصوابُ من غيره، وكلُّ مَن له علم بأحوال السلف يعلم قطعًا أنهم بُرآء من القراءة بألحان الموسيقا المتكلفة، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها، ويُسوِّغوها، ويعلم قطعًا أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن، ويقرؤونه بشجًى تارة، وبطربٍ تارة، وبشوق تارة، وهذا أمرٌ مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينهَ عنه الشارع مع شدَّة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به، وقال((ليس منا مَن لم يتغنَّ بالقرآن))،
وفيه وجهان:
أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلُّنا نفعله،
والثاني: أنه نفي لهَدْي مَن لم يفعله عن هَدْيه وطريقته - صلى الله عليه وسلم"؛ انتهى.
وتأمَّل قوله (من غير تكليف ولا تمرين ولا تعليم)، فإنه فقهٌ عظيم له دلالاته، فرحم الله ابن القيم، ما أدقَّ نظره وفقهه!
......
- هَذُّه كهذِّ الشِّعر.
أما هذُّه (حدرًا)، بمعنى إدراج القراءة مع مراعاة أحكامها وسرعتها بما يوافق طبعه، ويخفُّ عليه، فلا تدخل تحت النهي، بل هذه من أنواع القراءة المشروعة.
......
- قراءة الهذرمة.
- ومما يُنهَى عنه (التقليس) بالقراءة، وهو رفعُ الصوت، ومنه في وصف الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - لأبي يوسف قوله: "كان أبو يوسف قلاسًا"؛ أي: يرفع صوته بالقراءة، وهذا جرَّ إلى إحداث وضع اليدين على الأذنين عند القراءة.
الألّوكَـة ()*
يُتـبع...
تعليق