محور سورة البقرة
مقدمة
((1))
ما أنا إلا أحد المتدبرين
قد يقول قائل من أنت حتى تتحدث عن موضوع لا يتحدث فيه إلا العلماء.مقدمة
((1))
ما أنا إلا أحد المتدبرين
وأقول وبالله التوفيق إن الحديث عن القرآن الكريم لصنفين من الناس:
الصنف الأول: للعلماء.
الذين ينبغي أن تتوفر فيهم شروط معينة قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة : 122 ).
وهذا لا يتأتي لكل أحد.
والصنف الثاني: للمتدبرين.
قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (صـ : 29 ).
وواو الجماعة في قوله تعالى: ليدبوا للمؤمنين والكافرين على السواء، للإنس والجن على السواء، وعلى من يرى خلاف ذلك عليه الدليل.
فأنا أتحدث بكتاب الله على بينة من ربي في هذه الآية وعشرات الآيات التي أمرت بالتفكر في آيات الله والتدبر وإعمال العقل واللب والفكر.
وقد شرط كثير من أهل العلم للمتدبر شروطا ليس عليها دليل.
وإنما انطلقوا من أنهم جعلوا كل متدبر مفسر وهذا خلاف لما أراد الله في كثير من الآيات التي تدعوا إلى التدبر والتفكر في آيات الله.
فكل مفسر متدبر، وليس كل متدبر مفسر.
((2))
تدبر الصحابة
ويدلك على صدق ذلك، أن تدبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم ينقل لنا، فقد نقل لنا الرواة أنه كان يقف على رؤوس الآيات يذكر الله، بما يناسب المقام بالذكر والتعظيم والدعاء وهذا الذكر هو نتيجة تدبر، ولو كان نقل لنا هذا التدبر لتحجر الناس وقالوا كيف نتدبر شيئا لم يتدبره الرسول الكريم صلى الله عليه سلم، ولأغلق باب التدبر، وهذا ليس من باب العلم قطعا لأنه صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم حاشاهم أن يكتموا علما، أو أن يتهاونوا في توصيل العلم لمن بعدهم، بل هذا من باب التدبر، ولو وكان علما ما كتموه، ولحرصوا كل الحرص على نقله لنا.تدبر الصحابة
ولكن القرآن حمال للوجوه، فأنت في ظرف معين تسمع الآية فترى فيها تدبرا اليوم، وغدا إذا مر بك ظرف آخر ترى تدبرات أخرى في نفس الآية، وعلى هذا مع اختلاف الناس واختلاف أحوالهم وزمانهم، يتغير تدبرهم لكتاب الله.
ويدلك على ذلك فعل الصحابة، فانظر مثلا إلى كثير من الصحابة كانوا يجتهدون بدون العودة إلى رسول الله واستئذانه وإنما كان يحملهم على ذلك تدبر كتاب الله.
فمثلا عندك بلال بن رباح رضي الله عنه كان كلما توضأ صلى ركعتين فعل ذلك بدون العودة للرسول ولا سأل أحدا من الصحابة وحاشاه أن يكون ابتدع في دين الله ما لم يأذن به الله، ولكنه تدبر شيئا، ولأن القرآن كان ينزل فكان يعمل بما تدبر حتى يؤمر بالكف فإذا لم ينزل فيه قرآن، كان ذلك من التقرير الإلهي بدون العودة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو العودة إلى علماء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وكانوا قد نهوا عن كثرة السؤال، لذلك كانوا يعملون بالتدبر، وأظن ظنا غير جازم أنه رضي الله عنه تدبر قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (الأعلى : 15 )، فهو رضي الله عنه فسر الزكاة هنا بزكاة الأعضاء، فكان كلما زكى أعضاءه بالوضوء صلى لله ركعتين، بخلاف ابن عباس رضي الله عنهما فقد فسرها بزكاة الفطر والذكر هو تكبيرات العيد والصلاة هي صلاة العيد، وأنا أرى في هاتين الآيتين الكريمتين، أنهما للعموم حسب ما تدل عليه اللغة، فالزكاة تشمل زكاة الملبس وتشمل زكاة الأعضاء بالاغتسال والاستنجاء والوضوء، وتشمل زكاة المال عند الفطر من رمضان وزكاة المال الواجبة والمسنونة، والذكر يشمل كل ذكر لم يرد فيه نهي، والصلاة كل دعاء حسب اللغة، فيشمل الدعاء في الصلاة وخارجها.
وعلى هذا فإني كلما تغير قلبي برياء أو مرض من أمراض القلوب فإني أزكيه بالشهادتين ثم أدعو الله وأسأله من فضله، فإن قال قائل أن الذكر والدعاء عبادة، ولا يشرع لك ذلك إلا بدليل، وقد يقول أن الآية فيها تزكية وذكر وصلاة، وأنت قصرت ذلك على ذكر ودعاء، فأقول وبالله التوفيق أن الآية الأولى عطفت الذكر على التزكية في آية واحدة بالواو فيقوم واحد منهما مقام الآخر، ثم جاء الحث على الصلاة في آية مستقلة يدلك ذلك على أن الصلاة كيان منفصل عن التزكية التي في الآية الأولى، والدليل من السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كما جاء في صحيح البخاري قال: من تَعَارَّ من الليلِ فقال : لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ ، وهوَ على كلِّ شيٍء قديرٌ ، الحمدُ للهِ ، وسبحانَ اللهِ ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ ، واللهُ أكبرُ ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ ، ثم قال : اللهمَّ اغفرْ لي ، أو دعا ، استُجِيبَ لهُ ، فإن توضَّأَ وصلَّى قُبِلَتْ صلاتُهُ .
يتبع
تعليق